أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جهاد علاونه - بين الأمس واليوم















المزيد.....

بين الأمس واليوم


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 4134 - 2013 / 6 / 25 - 23:13
المحور: المجتمع المدني
    


كان التاريخُ فيما مضى يروي فقط حياة الملوك والأمراء والوزراء والمليكات والوصيفات والأباطرة والبابوات ولم يكن مواطن الشارع العادي له أي قيمة تذكر ذلك أن الذي يغير في الأحداث ومجريات عجلة التاريخ هُم القلة النادرة أو النخبة فقط لا غير والإنسان العادي لم يكن له في التاريخ أي قيمة تذكر نهائيا فلم يكن الفلاح العادي يؤثر بسلوكه أو بأقواله أو بأفعاله على صُناع القرار المهرة والحاذقين أو المحترفين,كانت عامة الناس بلا أي قيمة تذكر وكانوا لا يؤثرون على الملوك والخلفاء والوزراء,بل على العكس من كل ذلك حيث كان الملوك هم من يؤثر على الناس ومجريات حياتهم ولم يكن للفلاح أو المهني البسيط أي قيمة ولم يكن لأضعف ملك في التاريخ أن يعتذر للشعب عن كلمة قالها بحسن نية ولم يكن لأضعف رئيس وزراء أن يعتذر هو أيضاً عن أي تصرف تصرفه بحسن نية,إذاً كان التاريخ عبارة عن النخبة فقط لا غير وكان الناس جميعهم بلا أي قيمة تذكر وكان رجل الدولة العادي والبسيط يساوي عشرة آلاف رجل.

ظل هذا النظام ساري المفعول حتى ظهر القرن السادس عشر,ومما أثار حفيظتي ذات يومٍ هو أنني قرأت عن الملك(هنري تيودور الثامن) مقولة بما معناه,أنه يستنكر أن يختار رعاع الناس والجهلة والسفلة على حسب تصنيف جلالة الملك هنري الثامن,نعم,كان هذا هو تصنيف الناس بالنسبة لذلك الملك,وكان يقول:أنا لا أصدق بأن يختار هؤلاء السفلة والجهلة حاشية الملك بملي وكيف للملك أن يمشي وفقا لإرادة هؤلاء الجهلة!!!!طبعا كان الملك جادا في كل كلمة قالها,وكان أيضا محقا بكل كلمة قالها,إذا عرفنا أن الناس في القرن السادس عشر كانوا كلهم أو 99% منهم جهلة وأميون وأغبياء,لذلك وبكثير من السخرية نظر الملوك والأباطرة إلى هؤلاء الناس نظرة مريبة وفيها كثير من الاحتقار للناس,لهؤلاء الذين لا يعرفون كيف يكتبون اسمهم ,فكيف مثلا لهؤلاء الناس أن يرسموا سياسة المملكة؟.

طبعا في ذلك التاريخ كان الملوك محقون بعض الشيء نظرا لانتشار الجهل والأمية بين الناس ولكن بعد ذلك تغيرت الحياة وتطورت وصارت الناس كلها تقرأ وتكتب,وصاروا على الأغلب يعرفون من خلال الصحف وانتشار الطباعة كل ما يجري في ردهات القصور وفي مكاتب رئاسة الحكومات وصارت الناس تعرف الكثير عن الذي يدور ويحصل داخل الكنائس,وتفنن الكُتّابُ بعض الشيء في سرد الأخبار وتطورت الحياة وأصبح لمواطن الشارع العادي قيمة كبرى,وفجأة حصل ما لم يكن أحد يتوقعه وهو أن أبناء الحراثين والعمال الكادحين أصبحوا رؤساء جمعيات وأحزاب سياسية وضباط كبار جدا في الجيوش وأيضا أصبح للمواطن العادي قيمة كبيرة لأنه أصبح يعي ما يجري من خلال وسائل الاتصالات السريعة والكبيرة جدا.

في الماضي كانت أي قصة تتعلق بحياة الملك أو أي فرد من أفراد عائلته بحاجة إلى قرنٍ كامل من الزمان كي يعلم فيها المواطن العادي, ومثلا عاش بعض الناس وماتوا في مدنٍ بأوروبا الشرقية دون أن يعلموا عما يجري خلف جدران القصور والكاتدرائيات, وكانت أي قصة مثيرة بحاجة إلى 100 مائة سنة تقريبا لتصل للناس العاديين, كان ذلك بسبب ضعف قدرة الإنسان على القراءة وضعف قدرته على شراء الكتاب,وكان لا يملك وقتا للقراءة علما أنه كان يعيش في بطالة طوال العام,ولكن بعد ذلك تطورت وسائل الاتصال والتواصل بين الناس وتقدمت العلوم بسرعة وصرنا اليوم نعرف عن الذي يجري في القاهرة على ميدان التحرير من خلال شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت وعلى الفضائيات,وصار عند كل الناس ثقافة وتحولت الجماهير الرعاع البسطاء إلى طبقة تكاد فعلا أن تكون من النُخبة بفضل تثقيفها قلبا وقالبا.

اليوم انقلبت الآية,وانقلب التاريخ,وتغيرت الحياة,وصار الناس العاديون هم من يقرر من سيصنع القرار وما هي أو وما هو شكل الحكومة القادمة وما هو نوع الحكم الذي سيُحكمون به من خلال انتخابهم لأشخاص من خلفيات ثقافية مختلفة,وصار الناس يؤمنون بالتغيير وباحترام الرأي الآخر وبضرورة الضعفاء أو الأقليات بأن تأخذ مجدها في الحياة وبأن تعبر عن نفسها بالصورة المناسبة,وانتشرت ثقافة حقوق الإنسان وصار كل إنسان يعرف ما عليه وما هو واجبه وما هي المهام الموكولة إليه,وصار الإنسان العادي يتابع حياة كبار السياسيين ويعرف ما يفعلونه وما سيفعلونه وما الذي يفكرون به,تغيرت قوانين الحياة ليس فجأة هذه المرة بل من خلال ثورة بيضاء تبدلت فيها موازين القوى وأصبح الضعفاء أقوياء بفضل دعم الحكومات لهم,وصار أبناء الضعفاء رؤساء حكومات وزعماء أحزاب سياسية,وصار الملك يعتذر للناس إذا شعر أنه أخطأ بحق أي مواطن,وصار رئيس الحكومة أو النائب في البرلمان يسافر إلى الناس أينما وجدهم من أجل أخذ ثقتهم وصار يخدم بالناس ويلبي مطالب الجماهير,هؤلاء الضعفاء الرعناء الجهلاء الأغبياء الذين قضى عليهم الملك هنري من خلال إرسال زعيم التمرد(آصك) إلى قلعة البرج من أجل إعدامه,صاروا اليوم هؤلاء الضعفاء يرفعون الملوك ويتوجونهم ومن ثم ينزلون عن رؤوسهم التيجان,وكما يقال بالمثل العامي(صار لأم إسبيت بيت وللقرعه جدايل),هذا الذي لم يكن ليحلم به الإنسان قبل 500 سنة أو قبل 250 سنة أو حتى 100 سنة,صارت الناس كلها تفهم في السياسة وفي الثقافة,هذا الزمن تختلف فيه الناس عن زمن هنري تيدور الثامن في القرن السادس عشر,هذا الزمن يحكم فيه المواطن العادي ويقف مع رئيس الحكومة في المحكمة أمام القاضي لأن الكل سواسية أمام القانون, كفل القانون للناس محاكمة عادلة والذي لا يملك مالا لتوكيل محامي له تقوم الدولة بتعيين محامي عنه وتدفع كافة المصاريف,لم يكن يتوقع الملك هنري هذا ولم يكن ليعيش ليرى مثل هذا اليوم ومثل هذا الرأي أن ينتشر في شوارع لندن وأسكتلندا وإيرلندا وفي كافة أرجاء أوروبا الغربية والشرقية,اليوم يختلف عن الأمس,.واليوم يروي التاريخ حياة الناس بكل ما فيه من حلو ومثير وجميل وطيب وبشع وشرير,اليوم للإنسان قيمة كبيرة والدولة تكفل له حياة هادئة وممتعة,اليوم يستطيع الإنسان أن ينتسب إلى أي حزب أو أي تجمع يجد بأن هذا التجمع قريب من أفكاره ومعتقداته,ولم يعد التاريخ عبارة عن تاريخ حفنة من الرجال والنساء في بلاط قصر لا تتعدى مساحته مساحة مدرسة إبتدائية من مدارس اليوم,اليوم أصبح التاريخ عبارة عن تاريخ الناس والجماهير والعمال والشغيلة والبسطاء والدراويش ولم يعد من حق فلان أو علنتان أن يعبر عن رأيه وبأن يحقق ما يريده,اليوم هؤلاء البسطاء يتحدون الملك هنري بكل قوة والمعركة معركتهم والنجاح للجماهير فقط لا غير.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن
- عصر التنوير
- السحر الحقيقي
- بوذا والتخلص من الرغبات
- نفحات مسيحية
- العودة للتراث
- نحن أمةٌ مجرمة
- وسخ الدنيا
- من الذي سيصلح الأرض,المسيح أم المفكرون؟
- العرب الفراعنة
- دراسة نقدية عن رواية القط الذي علمني الطيران
- لماذا كان المسيح كثير البكاء؟
- اليهود والعصفور
- أين تذهب ثرواتنا الوطنية؟
- من يتحمل المسئولية؟
- القلب الطيب
- وجودي وعدمه واحد
- الإسلام دخل الجامعات وأفسدها
- المسيحيون في الأردن
- المسيحية طريقة حياة


المزيد.....




- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جهاد علاونه - بين الأمس واليوم