عزيز الخزرجي
الحوار المتمدن-العدد: 4117 - 2013 / 6 / 8 - 02:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لماذا نؤكد على ولاية الفقيه أو الحكومة الأسلامية؟
لأن الله تعالى هو آلذي أكّد على ذلك بوضوح في محكم كتابه المبين حيث يقول:
[لقد أرسلنا رسلنا بآلبيّنات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بآلقسط و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس وليعلم الله من ينصره و رسله بآلغيب إن الله قويٌ عزيز](1).
و قوله تعالى: [ و من لم يحكم بما أنزل الله فأؤلئك هم الكافرون؛ ألظالمون؛ الفاسقون](2).
كما أكد عليها النبي(ص) كي يستمر إتصال البشرية بآلله تعالى عن طريق الأمام ألمعصوم فآلولي الفقيه الذي يتمثل فيه النيابة العامة!
أما سبب التأكيد و كما واضح في الآية فهو لأجل نشر العدالة و آلمساواة و آلحرية في المجتمع, و العدل أساس الحكم و سبب السعادة في الدارين!
و قد بيّنا سابقاً الأدلة النقلية و العقلية على وجوب ألتّمسك بهذه الولاية عن طريق من عيّنهم الله تعالى كي لا ينقطع الأنسان عن السماء و يرتبط آلغيب بشكل حيويّ, فآلذي لا يؤمن بتلك الولاية لا يؤمن في الحقيقة بولاية الأمام صاحب الزمان(ع) الذي أوصانا بضرورة الرجوع إلى الفقيه ألعادل الذي يُفعِّل "الحوادث الواقعة" كما بينا ذلك سابقا.
من جانب آخر فأن الذي ينقطع عن تلك الولاية ألتي هي إمتداد لولاية آلله تعالى فأنه سيرتبط عملياً - شاء أم أبى – بولاية المستكبرين ألحاكمين في بقاع كثيرة من الأرض, من حيث عدم وجود شعب أو أمة خارج نطاقها بإستثناء إيران و قليلاً بعض الدول الأخرى كآلصين و كوريا و روسيا!
و هذا بحدّ ذاته لطف و نعمة من الله تعالى أنعم بها على عباده كي لا يتركهم عرضة لأهواء كل ظالم أو مستكبر أو ديكتاتور, سواءاً الديكتاتورية الفردية أو الحزبية أو الجماعية التي تأتي عن طريق الديمقراطية وحدها من دون وجود قيم و مرشد فقيه يوجه الأمة لأنتخاب الأصلح كما هو الحال في الجمهورية الأسلامية, حيث لا يستطيع كل من هب و دب أو صاحب مال أو أحزاب منحرفة بالترشيح لرئاسة الجمهورية أو الوزراء أو البرلمان مثلاً, فلا بد و أن يكون المتقدم صاحب دين و اخلاق و قيم و مبادئ ترتبط بآلسماء عن طريق الولاية, و هذا هو الفرق الجوهري بين النظام الألهي و النظام ألوضعي!
تجدر الأشارة إلى أنّ "ولاية الفقيه" عليها أن تراعي مصالح الأمة التي أيّدتها و صوّت لها مجلس الخبراء الذي يضم كبار علماء و مراجع الأمة و متخصصيها, من أجل رعايتهم و حفظ مصالحهم, و لا يحق للولي الفقيه أن يتصرف على وفق أهوائه و مصالحه و رغباته الخاصة, بل تسقط ولايته خارج آلحدود ألآنفة, من هنا يتبيّن أن طبيعة هذه الولاية أبعد ما تكون عن الأستبداد و آلتّعنت و آلديكتاتورية لأن ولي الفقيه لم يصبح ولياً إلّا بعد أن أثبت للقريبين و البعيدين علمه و تقواه و إستقامته و أخلاقه العالية بحيث لم يرتكب حتى الصغائر و المكروهات.
و القضية كلّها تتعلق من جانب آخر بمسألة فلسفة النظام الأسلامي و الهدف من الرسالة الأسلامية التي تهدف إلى خلق الأنسان ألمتمدن ألمتكامل , و لهذا لا بدُّ من وجود الأنسان ألألهي الكامل أو (الشبه ألكامل) بمعنى يمتلك العصمة التشريعية كقائد لتحقيق الهداية الربانية في الأمة و الأنسانية, و هذا ما تفتقده جميع الأنظمة الأرضية الوضعية .. إن لم نقل بأنها تسعى إلى حذف الجانب الديني الذي وحده يبني و يحافظ على روح و أخلاق الأنسان, كي تسهل السيطرةعليه كما بينا سابقاً.
إذن نستنتج من ذلك بأن حكومة وليّ الفقيه تهدف لتحقيق الأهداف السامية في وجود الأنسان, و لا يقتصر عملها فقط على الجانب الأقتصادي و هو الأهم أو غيرها من الأهداف ذات العلاقة, بل يتعدى ذلك ضمن نظام أخلاقي تربوي فريد!
نستنتج أيضاً بأن ولاية الفقيه أو (الحكومة ألأسلامية) ليستْ مرتبةً أو مقاماً لأهداف شخصية أو حزبية أو فئوية كما هو الحال في جميع الأنظمة ألعلمانية ألحاكمة؛ بل مجرّد وسيلة للقيام بوظيفة تطبيق الأحكام و نشر المثل و القيم في كلّ الأرض.
فلسفة الحكومة عند المؤمنين تختلف عن فلسفات الحكم الأخرى, فآلمؤمنون بآلله في ظل حكومة ولاية الفقيه يهدفون إلى تحقيق سعادة الأنسان عبر كل المستويات و أهمها في الجانب الأجتماعي و الأخلاقي, فآلسعادة كهدف أعلى للحياة الأنسانية لا تتحقق إلّا في ظل عائلة متماسكة سعيدة موحدة يرتبط أعضائها برباط المحبة و التفاهم و هكذا يمتد الأمر إلى الجار, فآلأسلام يُوجب إحترام آلجار – حتى آلأربعين – و كأنهم أفراد عشيرة واحدة, و هكذا العلاقات الأجتماعية في كل المجتمع بحيث تصبح الأمة جميعاً مرتبطة مع بعضها البعض برباط الأيمان و المحبة و آلأخوة و التعاون, و هذه لعمري مفقود تماماً في جميع الأنظمة الحاكمة في المجتمعات التي يحكمها أنظمة وضعية خصوصاً في بلاد الغرب ألتي إنتشر فيها الفساد!
فآلأصالة للسلطة الحاكمة و القانون الذي لا يعتني سوى بمصالح الرأسماليين بآلدرجة ا لأساس, لذلك يعاني الجميع فيها من الوحشة والتفكك و الغربة و آلكآبة و الأمراض الروحية المختلفة و التي يصعب علاجها(3).
لقد حكم الأمام الخميني (قدس)عقداً كاملاً من الزمن و لم يتأثر بدرهم و لا دينار و لا سلطة و لا رئاسة مقتدياً بأمامه عليّ(ع), بل منع حتى مُقرّبيه من إستلام مسؤوليات في النظام الأسلامي برغم مؤهلات أبنائه و أحفاده العالية, و كان شعاره خدمة الأمة و آلمستضعفين في الأرض كما أشار لذلك في أحد مؤلفاته ألقيّمة:
[ألحكومة الأسلامية بآلنسبة للأئمة و الفقهاء وسيلة لتنفيذ ألأحكام الألهية, و إقامة النظام الأسلامي العادل, و القيام بخدمة الناس, و هكذا تكون الحكومة مصدراً للمشقة و التعب و ليست للراحة .. لكن مآلعمل؟ إنهم مأمورون بآلقيام بوظيفتهم الشرعية, فمسألة ولاية الفقيه هي مسألة تنفيذ الأحكام و التكاليف](4).
إن شعار "وليّ الفقيه" هو شعار وليّ الولاية و صوت العدالة في آلكون الأمام عليّ(ع) الذي قال:
[لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله تعالى على أولياء الأمر، أن لا يقاروا على كظة ظالم ، أو سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غارها – أي لتركت الحكومة – و لسقيت آخرها بكأس أولها. .](5).
هذا و في الحلقة القادمة سنبحث مساحة ولاية الفقيه ألشرعية, و هل هي نافذه على جميع ألأمة أم محدودة بإيران فقط إن شاء الله تعالى!؟
عزيز الخزرجي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الحديد / آية 25.
(2) سورة المائدة / آيه 44 و 45 و 47.
(3) عشت أكثر من عشرين عاماً في بلاد الغرب (أمريكا) و لم أر علاقات صميمية بين الجيران, إلى في حدود ضيقة, حيث أنتفت تقريباً تلك العلاقات التي أشرنا لها و حلّتْ محلها القوانين التي تصب في خدمة الطبقة الرأسمالية, بآلأضافة لذلك فأن أكثر الغربيين يفضلون تربية الكلاب بدل الأطفال, لأن الأطفال – و هي حقيقة – تسلب راحة الأبوين خصوصاً في الأنظمة الغربية ألتي تشجع على التمرد و الثورة و الأستقلالية للأبناء, لذلك يفضلون الهرة أو الكلب كشريك لهم في الحياة بدل الأطفال الذين يحتاج الوالدين لتربيتهم إلى تمسكهم بتعاليم الأسلام ألتي تنص على الرحمة و الشفقه بآلأطفال كي يكبروا و بآلمقابل يُحتم على الأبناء أن يحترموا والديهم لدرجة تحريم تجريحهم و لو بـ (أف) بحسب التعبير القرآني!
(4) ألخميني, روح الله(1979), ألحكومة الأسلامية, مطبعة ناصر خسرو – ص 87 -88.
(5) نهج البلاغة, خطب الأمام علي(ع) – ج1 ص 37, لإبن أبي الحديد, قم – إيران, ط1.
#عزيز_الخزرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟