أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - الحرب وأجنحة الفراشات ..فصل من مذكرات العريف كاستون باشلار















المزيد.....

الحرب وأجنحة الفراشات ..فصل من مذكرات العريف كاستون باشلار


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1180 - 2005 / 4 / 27 - 08:17
المحور: الادب والفن
    


الحرب وأجنحة الفراشات ..
{ فصل من مذكرات العريف غاستون باشلار }

نعيم عبد مهلهل
لقد كانوا يمنعون عنا الإجازات في الحرب كي لا نعود بمعنويات أقل تدنياً ..
سارتر
هكذا أن التأملات الشاردة ليست فراغا ذهنيا .أنها بالحري عطاء ساعة تعرف كمال الروح
غاستون باشلار
يجعلني تلوين جنح الفراشة بتقبل أي فكرة تطرح علي مهما كانت تافهة ..
ريلكه

لحظة تولد الحرب تولد ابتسامات النعوش . سيكون الموت حدثاً عادياً وسيكون بمقدورنا أن نعرف المزيد من الأصدقاء وربما سنلاقي في قرية جبلية ما أميرة تضئ بذاكرة المراعي وستقودنا بعينيها إلى جنة الفراشات وسنتمتع ببهجة اللون .متذكرين خواطر الحدائق الجنوبية حيث كنا نفكر ببساطة كي نضع الفرضية المقبولة للسعادة من خلال تأمل وردة رغم أن الفطور والغداء والعشاء هو الرغيف وحبة خيار وقدح شاي . وغيرنا سكن الجنائن المعلقة وفي خزائن بيته فراشة أثرية متحجرة اشتراها من باريس .
نحن اشترينا ما نظنه الخلود القادم ، غير أن قدوم الحرب قلب الحسابات رأس على عقب وغير رغباتنا في إكمال بقية فتوتنا في أحضان نساء السينما والمجلات وطالبات المراحل الأربع في الكلية . بعيدا ذهبنا ، إلى قمم ترتدي قبعات الثلج والى مشاوير صاخبة والى زمن حرج ، فيه ندرك لحظات التفكير بما آل أليه الوضع البشري ولهذا ستسمعون حكايات توخز الذاكرة بدبوس ناعم من ماس قلبي { أنا العريف غاستون باشلار }………………………………
في كتابي الموسوم جماليات المكان رأيت أن روح الأمكنة تخلق بفعل رغبات القلوب المؤنسة بالحاجة لاكتشاف حب .لا أدري أن كان هذا ينطبق على أمكنة الحرب . فهي أمكنة صاخبة تشبه حشد من البغغاوات المتحدثة باللغة الصينية محبوسة في قفص لمساحة فيه كي يمدد الطائر جنحيه براحته .
فالحرب هي أولا وأخيرا مكان لصخب ما . ولنقل أنها قفص كبير تتصارع فيه حيوانات عاقلة صنفها داروين على نظرية البقاء للأصلح لا ينطبق على عالم الغاب فقط ، بل البشر يميلون إلى هاجس كهذا والذي سبب المقاتل والحروب منذ لحظة سقوط الحجر على راس واحد من أبناء آدم ولحد هذه اللحظة.
غير أني في لحظة ما أدركت في الحرب القدر الذي لامفر منه عودت نفسي على سياحة مسائية أحاول فيها أن أتأمل الموجود على أساس انه متعة للوجد ، أصنع من تأمل التكوين الهائل للمكان المفتوح فضاءات مفترضة لخيالات أرى أنها ركيزة لتفكير قادم حين تنتهي هذه الحرب ولم اكن من ضحاياها عندها سيستفاد من رؤاي حتماً وربما يجعلوها درساً وقائياً كي لا تضطر الأجيال القادمة لتردي الخوذ مرة أخرى ، وتصبح النعوش مثل أراجيح الهواء معلقة في سقوف الحافلات مثل قناديل الدمع قادمة من الشمال وذاهبة إلى الجنوب وبالعكس .
أنا في قمة جبلية تدعى { نهد المعزى } أسم جميل . من أطلق هذا الوصف الساحر على هذا المكان الممتد داخل حضن السماء الزرقاء بنتوء حاد معشوشب مثل لحية ناسك الدير أو متصوف تكية الجامع . هنا تسحبك المشاهد إلى تأمل مالا يحصى من شواخص الطبيعة التي علقت مواسم احتفائها ببراءة الخليقة إلى أزمنة يعلم الله متى تأتي حيث بإمكانك أن ترعى دموع الجبل المتناثرة على شكل حصى وصخور مفتتة جراء ارتطام القذائف بجسد الجبل وسترى أيضا صحائف محترقة من كتب العشب الذي كنا نقرأ فيه متعة الربيع وتذكر الوجوه الجميلة وهذا السواد الكئيب آت من نيران القصب ومشاعل العثرة التي تنصب فخاخا للجنود لكن الثعالب والأرانب هم من ضحاياها ، غير أن الفراشات ، تلك التي يمكنني أن اسميها آلهة صغيرة هي من تعيد البهاء للأمكنة الحزينة ، برشاقة طيرانها ، وخفتها المرحة وألوان أجنحتها الزهرية والتي تتناسق مع الحركة الانسيابية لهذا الكائن الذي يحمل بحجمه الصغير معاني كونية لا تحصى قد تدفعني لاكتشاف ما يمكن أن اعتقده حياة ثانية لميت دون الرجوع إلى حسابات الحلم الخالد واقصد { الجنة والنار } . هذا الكائن الخرافي هو الوحيد الذي يجعل متعتي بالمكان متعة حس وجمال بل يحولني شكلها وألوان أجنحتها إلى شاعر صغير يتنبأ بمولد الوجود الآخر لبشر غير أولئك البشر الذين يتصارعون لشيء لا يفهموا سره ، المهم انه سيقوا إلى هنا مثلما تساق النعاج إلى المرعى .
لقد كنت في كل حياتي أرى في النبؤة حافز لمشاهدة مافي الغد من خفايا . وأني افعلها الآن بمساعدة هذه الفراشات الزرق . أنها في طيرانها الليلكي هذا تعيد ألي بيت الشعر الساحر الذي تلته على مخيلتي ذات قراءة الشاعرة والقائل :

تجد الحرب ذاتها واقعة في لجة الحديث عن الحياة وطبيعة الحفاظ عليها دون ان تصيبنا من فواجعها شظية ما أو رمية حصاة . كنا نتخيل ما يمكن أن يحدث لحياتنا ونحن معلقين فوف < نهد العنزة > مثلما يعلق الكمثرى في الشجر .وكنت أتطلع إلى سرب الفراشات الهابط بهدوء مفضوح إلى الوادي فأشعر بأمان مزدوج من أن الحياة التي نفترض أنها ربما تنتهي بفاجعة التمدد وسط بحيرة دم الجرح القاتل سوف تكون مضمونة عندما ننحدر بحواسنا الإغريقية مع هذا الطائر الضئيل الحجم . لقد كانت الفراشات بألوانها الساطعة والمعتمة تشعرني بهالة من الغرور وتذكر واجبات المدرسة إنها على حد تعبير يونغ :
الطفولة المخبئة في طيات ثوب الزمن المتقدم من أعمارنا .
وأنا اعتبرها الآن الطفولة النائمة تحت أكمام بدلاتنا الطويلة تلك التي تحنت بالماء والتراب يوم هدمت قذيفة قادمة من الجهة الأخرى سقف الربيئة وبت ليلة ارتجف من البرد والحزن ويوم أشرقت الشمس بضوء الثلج كان سرب الفراشات الملون منطلق من مهجعه إلى مقر عمله حيث حدائق الخضرة الشاسعة في قلب الوادي . يومها تعلمت من تلك اليقظة المبكرة لهذا السرب الرقيق قدرة نسيان مايمكن ان يكون فاجعة بالنسبة لنا ، ولأني عريف الربيئة أمرت الجنود على الفور بإعادة بناء السقف المتهدم والبدء بلحظات تأمل جديد لنهار آخر من نهارات الحرب .
تمنحنا الفراشات بألوان اجنحتها الجديدة القدرة على مجارات اهوال الحرب وهي واحدة من القلام السحرية التي تخط قصص الأمل بفتنة تشبه اغماضة قمر بين حشد من السحب ولنها تعي التحولات فقد صارت شاهد صباحاتي المسكونة الى ماتركته هناك عند اهلنا السومريين البسطاء الذين يدركون رغبات موتهم من خلال حركت اجفان الهتهم المتعددة كجمع العصافير المنتشر على سيقان سغف النخيل ودكات البيوت الطينية للمدن الم اور الحبيبة . لقد اولت الحرب كل حاجة للتفكير بالحفاظ على الأنا البهيجة التي يراد لها ان تغادر صخب الليالي المفاجئة وتبدأ ثانية مع هذا الطيران المنظم لتعيد الحسابات وفق الخيال والمتخيل ولحظة اكمال السقف المتهدم داهمي الشعور المفاجئ بالكتابة عن شئ غامض .
الغموض في الكتابة يعني السعي لأكتشاف سر يعيد أليك ماضاع ولايمكن الحصول عليه حتى لو بمال قارون .لحظة الكتابة هي أن تكون مستعدا للوثوب الى عالم آخر ستكتشف به زيف ماكان يقال وسيقال وستحس ان فريضة ايمان الإنسان برؤاه على عداها هي ازلية لكبرياء يريد ان ينجو بنفسه .
ولأن الفراشات تتحرك وفق فلسفة احسنت صنعها طبيعة تكوين هذا الكائن الغامض الجميل فالتعلم منها قد يكون درسا بمستوى الدرس السقراطي وكأي تلميذ مهذب تجلس لتفتعل لك نبؤة وجملة تتقدم بها على ماسواها ثم تشرع بصناعة نص .
لنتأمل هذا النص المجنون لهويديرو :
طفولتي تلد طفولة حادة كالكحول
كنت أجلس في طرقات الليل
كنت أسمع خطابات النجوم
خطاب الشجرة
الآن تثلج اللامبالاة مساء روحي
أقلب النص من جنونه الأخير وأقول : { الان تثلج الفراشات صباح روحي }
ترى هل يصح لنا أن نقلب النصوص بدون أستآذان مالكيها .أعتقد ان هذا جائز في الحرب فقط .لقد أبعد عني صباح الفراشات المنتظمة في جلوس مهذب بقاطرة الذهاب الى بطن الوادي فزع وخوف ليلة رهيبة حين يتساقط على رأسك الحديد المتشظي كأمطار خريف فزع وحين سألوا مرة ريلكه لماذا تمسك بمعطف امطار الخريف دون الشتاء ؟ أجابهم لأنها تزامن سقوطها مع ذبول الورد والشجر .
داخل الغرفة الحجرية المربعة التي كانت تأوينا نحن الأربعة ذبلت الحياة بشكل غريب .لم نكن نتصور اننا سننجوا كانت الأدعية وأستعطاف الأئمة والقديسين وحتى حواري المسيح تعلوا في المكان مثل مظلات لحفل يقام في هواء طلق وماطر . كان سقوط القذائف يشبه سقوط صخب الموسيقى على ثمل قادته قدماه الى المكان من غير موعد ولربما هذه الموسيقى بنشازها المدوي كطبول في مرثية عاشورية اعادت لذاكرة الجميع حسبات ماكان وسيكون ولربما حين تكتب لنا النجاة سنعيد صياغة القادم من أيامنا رغم أن الرغبة بالتخلص من طوق الحرب الملتف على الرقبة لاتأتي بمجرد رغبة فقط بل قد تأتي من قرار هروب وعندئذ سيكون القدر الحذر هو كل ما تمتلكه .فمن يهرب من الحرب مكانه المقصله .لحظتها من يتأمل سواي هذا الطيران المهذب لسرب الفراشات والذاهب الى متعة المكان التي تلقينا كما يقول مالارميه :في بهجة التذكر والمواددة لأناس افترقنا عنهم صدفة .


أور السومرية 25 ابريل 2005



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقيل علي طائر لن يتوارى وآدم باق في جنائنه
- مارواه الطبري عن العشق السومري
- ماركيز يكتب عن شاكيرا وأنا أكتب عن ماركيز وشاكيرا
- الأصول الأرضية والسماوية للطائفة المندائية
- الحرب بين تهديم الذاكرة وبناءها
- البيت المندائي أشعل قلب الوردة بالحب
- الاهوار ذاكرة البط والميثولوجيا ..الحرب
- غاليلو يتأرجح من بندول ويتصل بالهاتف المحمول
- السابح في العطر
- ماتخيله ماكس مالوان في مقبرة أور المقدسة..محاكاة لعودة الأنك ...
- يوم تولد الشمس علينا أن نفطم القمر
- لتفاصيل السرية للحظة موت أبي
- تصور بنزرتي لموت روائية وأميرة
- أناشيد مندائية ..عندك يتوقف رقاص الساعة وينسى العالم أوجاعه
- المندائية ..(الماء والطهارة والأيحاء )..المدونات أتموذجا
- رسالة انترنيت الى القديس البابا يوحنا الثاني
- .. بابا من الورد ..بابا من الآس ..بابا من خبز العباس
- كيف تولد الأعنية .. الطور الصبي أنموذجاً
- أغنية البرتقالة ومدينتنا العزيزة دبي
- مكاشفة الروح الكبيرة للروح الصغيرة..ايها الولد للآمام الغزال ...


المزيد.....




- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - الحرب وأجنحة الفراشات ..فصل من مذكرات العريف كاستون باشلار