أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - نعيم عبد مهلهل - الحرب بين تهديم الذاكرة وبناءها















المزيد.....

الحرب بين تهديم الذاكرة وبناءها


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1173 - 2005 / 4 / 20 - 10:24
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


تفترض الأماسي صحوتها من ذاكرة المتخيل ، ولكي تصنع حلماً بحجم البندورة ، عليك أن تمسك احمرار خجل الروح ولاتجاهر به إلا مع الورقة . هكذا أضع تصوري لوعي اللحظة التي أملكها من ذاكرة تنتظر قدرها على سفوح هذه المرتفعات التي تخترق بأطوالها الأسطورية خاصرة الغيم لترتدي الثلج مثلما ترتدي العروس فستانها الأبيض . ولأن الحرب تقوم على أفتراضات مشحونة بعواطف الخطابات الطموحة لعاقل غابت رحمته في جهالة السلطة ، يكون لزاماً على الرعية المخدوعة أن تدفع ثمن صمتها منذ أيام سومر وحتى الدخول المباغت لمدرعات المارينيز الى العاصمة بغداد.
سعيت من أجل إثبات مثل هذا التخيل في قاموس موهبتي ، لعلي أجد أفتراضات مناسبة تبرر حزن أن تكون أنت واحد من جنود الأزمنة التي ولد فيها إلهام الكتابة بقصدية عجيبة ، وكأن الحلم الجميل لا ينمو إلا في تلك المناخات التي لايهتم النص فيها بنهايات الوقائع المعلنة فوق الرواقم جراء شجار السرايا وتشابك الأفواج وتلاسن الألوية . أن أمر الحرب مرهون دائماً بالقدرة على تكوين ذاكرتها من خلال الأمل الذي يولد في عيون المتألمين من فجيعتها ، ويمكن أن يقال عن الأمل أنه أول خطوة من خطوات النجاة عندما نريد أن نشتري الحياة بأي ثمن مادامت الحرب لن توفر لسومريها جنائن دلمون ورواتب تقاعدية جيدة . لهذا تسيطر عاطفة الأمل على كل مشاهد الحرب ، وكخلية منشطرة يتوزع الأمل في المساحات التي لا تنتهي ، وسائد الليل ، بيوت قرى الهور ، قمم الثلج ، لهيب بحيرة الأسماك ، عقارب رمل الطيب ، نواح الأمهات الأزلي ، البيانات التي لا تكف عن المبالغة . النساء اللائى يفترشن خاصرة الربايا . هواجس بعدد النجوم ، والأمل واحد مثل سؤال أزلي : متى تنتهي الحرب ؟
الذين يفترضون لخلودهم أزمنة غير مرئية أولئك هم بعض بضاعة هذا الوجع الذي كان يعتصرنا فوق الرواقم العالية . وهم وحدهم من يقدرون على وصف المشهد جيداً خارج أي تفسير ينتمي الى أفتراضات التأريخ أو المنطق أو جغرافيا المكان . لأن أولئك ليسوا شهود الحدث الكوني لتحولات الثلج ومخاض الشجر ورهبة الموت عندما يداهمك عصف الليل وأنت مع ثلة من بائسي النظرة والكلمة ويأتي إليك معطف الموت ليرتديك رغماً عنك ، عندها لاشيء أجمل من أم تغسل بدمعتها رهبة المجهول وتقف عند حافة المنحدر وكما سور الحجر تصد الريح والرصاص معاً .
يقولون : أن الأمهات بالنسبة للجنود هن أنشودة المنفى . افترضت هذا ووضعت على أوراقي خطوطاً لمسيرة هاجس ، كان الوجد يسير‘ خاطري بتنبؤات لا تحصى ، رغبات وشهوات ومستحيل قد يأتي كما طائر العنقاء من رماد فجيعتك . وكأنك آخر هندوسي العالم من ستحرقه الحرب . لكنها كانت جدالاً لاينتهي . أفتراضات عرفاء ، وشهادات متصوفة ، مصلين رفضوا السجود في بيت جعله العسكر نقطة أدامه ، فكانت أن تدلت رقابهم كما ثمرة الجوز من بين غصن الشتاء .
كانت تلك الأيام ترتبط بأبدية التفكير كما الثريا بسقف السماء وكان الحلم الإنساني يضع تصوراً لكل مشهد ، ومتى كان اليوم عنيفاً ، أفترض الشاعر ما يمكن أن يقال عنه { وصفة سحرية للخلاص من المأزق } وعبر أكثر المشاهد سحرية يكون المساء هو مانوده لمثل هذه الرؤى ، وعندما تجاورنا الحاجة لنقول شيئاً ، فالشعر والغناء موجودين كما الماء في النبع والعشب في المرعى ، لهذا نجد أن التكوين موجود في كل زاوية من تلك الزوايا الكونية للمكان الذي نحن فيه، وان أدراك الخليقة التي خلقت آدم والحلم في نفس اللحظة هي موجودة أيضا في ذلك المساء المطعم بفيروز الضوء لغروب أزرق كما ابتسامات البنات المندائيات وهن يسبحن في موج الفرات بعد أن يعلن رغبتهن بمجاملة روح الكاهن .
ولكي تعلن صفاء الذهن على سطوح الورق الصقيل لحاجة القلب ليقول شيئاً فأن تخيل الروح المندائية بتلك المحاكات البراقة مثل يراعة الحقل تعطيك طاقة لافتراضات لا تنتهي من حكمة أن تقول شيئاً في حق تلك الأزمنة النرجسية التي كانت تتولع بجمالها مثلما تتولع الفراشة بالوردة البيضاء وهي ترى اكتمالها يشبه أمراه تقترب من المخاض ، وعندما يقولون : هناك ألق لفكرة التلقي بالنسبة للذاكرة المتخيلة . فأن ما يحدث هو نتاج تلك القدرية التي أرادها إبراهيم مساراً لذرية سيقع عليها عبئ تشييد حضارة الشعر والموسيقى والمبارزة ، وعندما يكون بمقدوره فعل ذلك ، فأن الاعتبار الأول هو أن تكون أنت الشاهد والشهيد في كل الذي يحصل على هذه الرواقم بدءاً من موت العصافير وحتى لحظة أعلان النفير لبدء صولة لم يخطط لها كما يفعل رومل . أن الأمر جاء بمزاجية أمر ، والذين سيموتون ، سيموتون بمزاجيته أيضاً . عند ذاك ستعلن سومر عنادها وستذهب طائعة الى مقصلة الألم لترد الدين لكل أولئك الذين كانوا يعتقدون أن عشتار ستخلصهم من الجرح أو النوم في وسط نعش البلوط ، لكنها لم تفعل شيئاً لقد كانت منشغلة عنهم بتشتت عاطفتها بين عيون زرق لجندي مفلس لايهوى الجسد الرخامي ، وبين ضابط بليد في الجيش الأميري لا يعرف سوى السيف ونزوته ، وعندما همس لها أحد جنود ربيئتنا : ونحن ؟
قالت : لكم القدر فتقبلوه أي كان .
قبلنا به ، وقبل بنا ، أردناه صديقاً ، لكن الأقدار لا تخدع بصداقات تريد الأبدية . أن الحرب هاجس متحرك ، لا يقف أمام أمنية جندي أو دمعة أم أو ابتسامة عاشقة . أنه الطوفان الذي يذهب بنا بعيداً الى طريقين لاثالث لهما . دلمون . أو شيب الرأس !
أنا المتخيل لم أحصل على دلمون لأني كنت أرى في دنيوية الكتابة حلاً لإشكالية ان نكون جنوداً فقراء ومستلبين ومن جنوب الله . أما غيري فقد كانت صلاته تطلب آخره مطمئنة ، فنالها كما ينال الفائز جائزته . تلك قدرية سعت على مدار أعوام الربايا أن تجد لها حكماً في ذاكرة المتخيل وعندما نقول أن القدر هو مولانا في نهاية المطاف ، فأن مدينة الحرب هي واحدة من ممتلكاته المتميزة.
رامبو يقول في واحدة من أجمل جمله الشعرية :{ من رقة الحس ضيعت أيامي }. ولكي نضع هذه العبارة المجنونة على طاولة الذاكرة فأن الأمر يأخذ منا مساحات من سياحة الذهن . أن الموسيقى هنا تكمن في ضياع الأيام ، وليس هناك سوى الحرب من تضيع أيامنا سدى في متاهة التمني والرغبة أن تنتهي هذه الفجيعة قبل أن يفنى كل جنود الربيئة . وهنا تأتي القدرية مرة أخرى لتقود جيادها في ساحة العدم ولتظهر لنا مدى قدرتها على صناعة الهاجس الجميل رغم شراسة الموت وعنف شظاياها لكن الحياة الذي يصنعها المتخيل هي الأقرب الى الخلود من كل حياة . أذن التخيل يأتي متطابقاً مع أحلام قصيدة { رقة الحس } بل ويتطابق معها في كل الرؤى ، رغم أن الحرب تحمل في كل العصور على أكتافها مقولة المتنبي :{ تجري الرياح بما لا تشتهي السفن }.
ولكي نعكسها على قدرية الربيئة التي أتخيل الآن من فوق سورها الحجري ، فأن جميع الذين اجتمعوا معي في رفقة ليل سماع الأغاني هم الآن ليسوا سوى صور مؤطرة بسواد الذكرى على جدران غرف نومهم . الباقي الوحيد هو : أنا الحالم الذي دمعت عيناه لموت بغل . فكيف يموت أولئك المتوردين كما النجوم الصافية . ولكنهم ماتوا ، وعلى المتخيل أن يذكرهم واحدا واحدا ، كما يذكر الأب أسماء أبناءه المهاجرين الى المنفى ، ومتى ينسى واحداً بسبب الشيخوخة، سوف تسقط دمعة من عينيه تحمل صورة الولد المنسي .



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البيت المندائي أشعل قلب الوردة بالحب
- الاهوار ذاكرة البط والميثولوجيا ..الحرب
- غاليلو يتأرجح من بندول ويتصل بالهاتف المحمول
- السابح في العطر
- ماتخيله ماكس مالوان في مقبرة أور المقدسة..محاكاة لعودة الأنك ...
- يوم تولد الشمس علينا أن نفطم القمر
- لتفاصيل السرية للحظة موت أبي
- تصور بنزرتي لموت روائية وأميرة
- أناشيد مندائية ..عندك يتوقف رقاص الساعة وينسى العالم أوجاعه
- المندائية ..(الماء والطهارة والأيحاء )..المدونات أتموذجا
- رسالة انترنيت الى القديس البابا يوحنا الثاني
- .. بابا من الورد ..بابا من الآس ..بابا من خبز العباس
- كيف تولد الأعنية .. الطور الصبي أنموذجاً
- أغنية البرتقالة ومدينتنا العزيزة دبي
- مكاشفة الروح الكبيرة للروح الصغيرة..ايها الولد للآمام الغزال ...
- !تضاريس وجه المونليزا ..( مقاربة حسية مع وجه الوردة )..ا
- .. بعد فيلم آلام المسيح لبيل جيبسن..من أصلح لعمر الشريف ..دو ...
- الفنان أحمد زكي ذاكرة مصر السمراء وفرعونيتها المدهشة
- الشعر يرثي مشهد قتل وردة ..
- ذكريات رواقم حوض بنجوين


المزيد.....




- مشتبه به في إطلاق نار يهرب من موقع الحادث.. ونظام جديد ساهم ...
- الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟
- بشار الأسد يستقبل وزير خارجية البحرين لبحث تحضيرات القمة الع ...
- ماكرون يدعو إلى إنشاء دفاع أوروبي موثوق يشمل النووي الفرنسي ...
- بعد 7 أشهر من الحرب على غزة.. عباس من الرياض: من حق إسرائيل ...
- المطبخ المركزي العالمي يعلن استئناف عملياته في غزة بعد نحو ش ...
- أوكرانيا تحذر من تدهور الجبهة وروسيا تحذر من المساس بأصولها ...
- ضباط وجنود من لواء المظليين الإسرائيلي يرفضون أوامر الاستعدا ...
- مصر.. الداخلية تكشف ملابسات مقطع فيديو أثار غضبا كبيرا في ال ...
- مصر.. الداخلية تكشف حقيقة فيديو -الطفل يوسف العائد من الموت- ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - نعيم عبد مهلهل - الحرب بين تهديم الذاكرة وبناءها