أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - دوستويفسكي: روايةُ الاضطهاد (8)














المزيد.....

دوستويفسكي: روايةُ الاضطهاد (8)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4106 - 2013 / 5 / 28 - 08:57
المحور: الادب والفن
    



لم يقم دوستويفسكي بربط اجتماعي ترميزي بين الأب الشهواني الأناني والنظام الاجتماعي، فالأب هنا لا يمثل القيصر، مثلما أن الأب زويما ليس هو المسيح، بل مؤمن به وتلميذه المخلص.
إن الأب الدكتاتور الشهواني المهمل فيدور، والذي بعثر أولاده وشتتهم، والذي هو في قرارة نفسه (ملحد)، أي أنه ألغى اليوم الآخر حيث الحساب. إن هذا الدكتاتور الشهواني الأناني، ألغى البشر: أولاده، وألغى حساب الله حسب رؤية المؤلف.
وهذا الحساب هو السلطة الأخيرة العادلة عند المؤمنين، حيث السلطات الدنيوية غير حاسمة في تحديد الثواب والعقاب.
وفي مقابل هذا الأب الشرير، يشكلُ دوستويفسكي، أباً آخر، هو زوسيما الراهب. حيث تقود زوسيما المعاناةُ إلى أن يكون معلماً مضحياً للبشر، إن كونه عسكرياً اعتاد على العنف يصطدم بحادثة تغير مجرى حياته، حيث ضرب بقسوة مرافقه العسكري فاشتعلت الحادثة في نفسه وقادته إلى أن يرفض المبارزة مع خصم له، تاركاً الخصم يطلقُ عليه النار وهو يتوقف عن إطلاق النار ملقياً المسدس على الأرض.
إن زوسيما إنسان بلا معجزات، سوى أعماله الإنسانية التي تحرك مشاعر الخير في قاصديه. إنه يشكل أبوته بالامتداد الروحي في ألكسي كرامازوف، أصغر الأبناء، والذي تقمص هذه الأبوة حناناً وحباً ومساعدةً للغير.
ولكن هذه الأبوة لا تخلو من المشكلات، فهي تعيشُ في عزلة عن الناس، فلا تقود عملياتهم الروحية والتغييرية. لهذا فإن زوسيما يدعو ألكسي للابتعاد عن الرهبنة والانطلاق نحو المجتمع والمشاركة في تغييره الأخلاقي. إن جثته تتعفن في الساعات الأولى من موته، وهو أمر معاكس لما كان ينتظره الناس من معجزات من وفاته! لكن أعمال زوسيما هي أعمال واقعية وحدس ذكي بالبشر وتوجيه لأعمال الخير، ورغم ضخامة الخلفية الغيبية التي يرتكز عليها فإنها تنقطع مع ملامستها الواقع.
إن ألكسي كرامازوف نبت هكذا فجأة في عالم أخلاقي باهر، رغم بيئته المضادة، وإحاطته بالشر من كل جانب، وهي عملية بدت ميتافزيقية، فيغدو هو الخيط الممتد من زوسيما إلى المجتمع، هي رسالةُ المؤلف المسيحية التي تنزل من الأب إلى الابن إلى البشر. هي قراءةٌ وتجسيد للروح القدس.
إن الأبوة الرهبانية تعطي مساحة كبيرة في الرواية حيث قصة حياة زوسيا وخطاباته تشكل تتويجاً مجسداً لرؤية المؤلف في تضاد المسيحية مع الشر وكونها البديل عن الآراء العصرية العنيفة، حيث يطرح التسامح كشكلٍ أخلاقي واسع لإنهاء تناقضات المجتمع.
ويحمل ألكسي مشعل هذه المحبة ويغمر الشخصيات الأخرى بها، فتتكشف جوانبُهم الخيرة. ويحس حتى الشرير كالأب فيدور بنسمة رقيقة تمر عليه.
وسنجد هذه الأبوة الإنسانية تتشكلُ في محورٍ آخر من محاور الرواية، هو قصة(النقيب سينجريف) وابنه الصغير. فقد جرّ ديمتري كرامازوف، أخو ألكسي هذا النقيبَ من لحيتهِ وأهانه في الخمارة، فما كان من ابنه الصغير سوى أن اندفع نحو ديمتري يرجوه أن (لا يهين أباه).
إن قصة هذا الصغير هي المعادل للقصة المحورية، قصة قتل الأب. إنها قصة التضحية بالنفس في سبيل الأب. فهذا الصغير يعضلا يدَ ألكسي أخي ديمتري ويدافع عن أبيه بالحصى والضرب إلى أن يمرض ويموت ويشكلُ له الصغارُ جنازةً هي من المراثي المؤلمة جداً في الرواية، ورغم المأساة تتحرك علاقاتٌ وعلامات روحية طيبة في هؤلاء الأولاد.
إنه معمارٌ كبيرٌ وخاص لمسألة الأب، يُــدمج فيها بين الفلسفي الديني، والسياسي والشخصي، وتتشكلُ ثنائياتٌ متضادةٌ، منسقة، تخلق أبنيتها التعبيرية الأخاذة.
التناقض الأبرز كما هو في رواية(الجريمة والعقاب)، هو التناقض بين المسيحي المضحي والمثقف العدمي، الذي يرتكز على مصلحته ويعتبر كل شيء مباحاً ما دام فيها منفعته بما في ذلك القتل.
هذا التناقض يعبر عن مُثُل العصور الوسطى الدينية كما تتجلى في المسيحية الخيرة، والعدمية التي هي بداية الأفكار الحديثة التي جاءت من الغرب لروسيا.
يخلق دوستويفسكي تناقضاً مطلقاً مجرداً بين الاتجاهين باعتباره يمثل وضع روسيا الثقافي ومستقبلها، فيما أن الاتجاهات التحديثية الغربية أعمق وأوسع من ذلك. لكن هذا التكوين للتناقض المطلق هو بسبب غياب مشرط التحليل الاجتماعي الفكري للصراع الطبقي لديه.
ولهذا فإن رمزَ العدمية في الرواية وهو إيفان ابن فيدور يحرضُ على قتل أبيه مع الخادم سفردياكوف. وهو لم يدعُ مباشرة للقتل، لكنه لمحّ لذلك عبر أفكاره الفلسفية، ومن هنا نجد تداخل شخصيته مع شخصية الشيطان الرمزية، الذي يزوره ويعيش داخله بشكل كابوسي.
وهو بأحاديثه مع سفردياكوف الأخ والخادم المُلقى في العدم الاجتماعي، والذي وصل للعدمية بتلك الحوارات، يرفضُ جريمةَ قتل الأب ويعتبر نفسه غير محرض عليها. إن العامةَ بتقلبهم الأفكار العدمية العُنفية من قبل المثقفين الأنانيين يغدون أكبر خطراً منهم! وفيما يقبع المثقفون في مصالحهم وقواقعهم يدفع العامةُ ثمناً فادحاً لهذا التأثير.
يلاحظُ هنا إرهاف دوستويفسكي التاريخي لمسألة العنف وتسويقه من قبل الإيديولوجيات الشمولية، معتبراً إياه الخطر الأكبر على مستقبل روسيا، ولم يكن مخطئاً في هذا. ولكن لم يكن بإمكانه حسب وعيه الديني المثالي وزمنيته أن يقرأ العنف كظاهرات متبادلة بين الطبقات في عالم مصالح ضيقة عنيفة.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دوستويفسكي: روايةُ الاضطهادِ (7)
- رأسا الحداثةِ المنفصمان
- الثورةُ السوريةُ وحربٌ إقليمية
- لماذا يكرهون قرناءهم؟
- اختلافاتُ تطورات الشعوب
- ثقافةُ الإعاقةِ
- رفسنجاني الليبرالي الذي لا يختفي
- الأمريكيونَ والنفطُ والمذهبيون
- تجربةُ اليسارِ الفرنسي في الحكم
- الأدب الحديث والقومية
- الأدبُ الفارسي القديمُ والقوميةُ(2-2)
- الأدبُ الفارسي القديم والقومية(1-2)
- انهيارُ العقلانيةِ في الثقافةِ البحرينية
- الميثاقُ الوطني وتحولاتُ شعبٍ (2-2)
- الميثاقُ الوطني وتحولاتُ شعبٍ
- معرضُ(إليكَ أيها العاملُ)
- البرجوازي الصغيرُ القائدُ الشرقي
- تكويناتُ الطبقةِ العاملةِ البحرينية
- مجنونانِ مسلحانِ في الشارع!
- دوستويفسكي: روايةُ الاضطهاد(6)


المزيد.....




- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...
- طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب ...
- يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف ...
- في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في ...
- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - دوستويفسكي: روايةُ الاضطهاد (8)