|
القرن الآسيوي .. يدق الأبواب
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1178 - 2005 / 4 / 25 - 05:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثيرة هى الزيارات التى يقوم بها رؤساء الحكومات الى بلدان أخرى ، لكن قليلاً منها يمكن إطلاق صفة " الأهمية " عليه . وكثيرة هى التصريحات والبيانات التى تصدر فى ختام هذه الزيارات المزدحمة بالمراسم والتشريفات والمجاملات والنفاق ، لكن النادر منها هو الذى يستحق ثمن الحبر الذى كتبت به كلماته المدهونة بالدبلوماسية والمنتقاة بالشوكة والسكين . من هذه الزيارات القليلة التى تكتسب أهمية استثنائية تلك التى قام بها رئيس الوزراء الصينى " وين جياباو " منذ أسبوعين ، وتحديداً يوم الاثنين الموافق 11 أبريل الجارى الى الهند ، ومن هذه التصريحات والبيانات التى يجب ان توزن كل كلمة من كلماتها بميزان الذهب تلك التى ادلى بها الضيف الصينى ومضيفه مانموهان سينج رئيس حكومة الهند . أما أهمية الزيارة فلها مسوغات كثيرة ، منها ان العلاقات بين البلدين ظلت سيئة على مدى اكثر من أربعين عاماً ، وصلت الى حد ان الدولتين خاضتا حرباً طويلة ومريرة عام 1962 بسبب نزاعاتهما على حدودهما المشتركة التى تمتد بطول 3550 كيلومترا. وجاءت زيارة رئيس وزراء الصين للهند مؤخرا لتضع نهاية لهذه العقود الموغلة فى العداء والخصام ، ولتفتح صفحة جديدة من التعاون والشراكة ، ان لم يكن التحالف . وبطبيعة الحال فان هذا التحول لم يتم بين عشية وضحاها أو بصورة مفاجئة بل كانت له مقدمات رصدت بعضها الكاتبة الهندية براكريتى جوبتا التى لاحظت ان الجانب الصينى أبدى اهتماما بالهند خلال السنوات القليلة الماضية اثر ملاحظة الصين للصعود السريع فى معدلات النمو الاقتصادي فى الهند ، خاصة فيما يتعلق بقطاعات الخدمات ومجالات " الاقتصاد الجديد" مثل تكنولوجيا المعلومات والفضاء وتكنولوجيا " النانو " اى الأشياء متناهية الصغر ، والتحديث العسكرى . وفتح صفحة جديدة للتعاون بين البلدين ليس مسألة هينة أو على الأقل فانها ليست مثل اى تعاون بين دولتين "عاديتين". لأننا نتحدث عن دولتين تضمان اكثر من 2.5 مليار نسمة ، اى نحو 40% من البشرية جمعاء ، تشكلان معا اكبر سوق فى العالم قاطبة ، يكاد ان يكون تسعة أمثال السوق الأمريكية الجبارة . والجديد بعد أجيال متعاقبة من الكراهية والعداء ان يقول وزير التجارة والصناعة الهندى اليوم " انى أرى اوجه تشابه اكثر من التنافس بين الهند والصين ، ولا أرى البلدين فى سياق "الهند مقابل الصين " بل أراهما فى سياق" الهند مع الصين ". وليس هذا مجرد كلام إنشائي أو مجانى ، بل انه يعكس حقائق اقتصادية مهمة جداً ، فالبلدين – حسب تعبير الوزير ذاته – اصبحا " محركان توأمان للنمو الاقتصادي ، حيث الهند تقود صناعة تطوير البرمجيات بينما تقود الصين صناعة الأجهزة والمعدات ، مضيفا انه مما يشير الى توافر إمكانيات ضخمة لتوسيع النشاط التجارى الثنائى بين البلدين حقيقة نمو التجارة الثنائية بمعدل مليار دولار امريكي شهريا مقارنة مع مليار دولار سنوياً قبل عام واحد". والأرقام بهذا الصدد تقول ان التجارة بين البلدين ظلت تنمو بمعدل 30% سنوياً خلال الأعوام الثماني الماضية ، ويمكن ان يتجاوز حجمها السنوى 30 مليار دولار بحلول عام 2010. ولذلك يجب ان نتعامل بجدية مع قول رئيس وزراء الصين انه " إذا تعاونت الصين والهند مع بعضهما فى الصناعة التكنولوجية سيمكنهما قيادة العالم ، وسيشهد العالم بالتالى بداية العصر الآسيوي فى الصناعة التكنولوجية ". هذا الكلام ليس " طق حنك " على حد تعبير إخواننا اللبنانيين ، وإنما هو تعبير عن تحالف عملاق يتشكل ، يمثل بدوره تغيراً محتملاً فى ميزان القوى العالمى . وهو ليس مجرد أمنيات وردية صينية–هندية ،وإنما هو واقع جديد يتبلور، وهو –بالمناسبة– ليس خافيا عن الأمريكيين الذين ينفردون الآن بالهيمنة على قيادة النظام العالمى ويستميتون للإبقاء على هذه الهيمنة المنفردة بأي ثمن .. والدليل على ذلك ان مجلس الاستخبارات الوطنى الامريكي اعد فى ديسمبر الماضى دراسة مهمة جاء فيها ان " عقد التسعينيات كان نهاية القرن الامريكي ، وتشهد بداية القرن الحادى والعشرين إرهاصات صعود بعض الدول فى العالم النامى بقيادة الهند والصين " ولا تستبعد هذه الدارسة ان يؤدى هذا التطور الى قيام عدد من التحالفات الجديدة التى ترسم خريطة سياسية مغايرة لتلك التى أسفرت عنها الحرب العالمية الثانية . وعلى هذه الخلفية يجب ان نقرأ باهتمام شديد ما ورد فى البيان الختامى لزيارة رئيس وزراء الصين للهند من ان " العلاقات الهندية – الصينية قد اكتسبت طابعا عالميا واستراتيجيا " وبناء عليه " اتفق البلدان على تأسيس شراكة تعاونية واستراتيجية .. من اجل السلام والازدهار " ومن هنا أيضا يجب ان نتعامل بكل جدية مع تصريح رئيس وزراء الهند بان " الهند والصين باستطاعتهما معاً إعادة تشكيل القرار العالمى ". ومن هنا أيضا يجب ان نقرأ بتمعن تصريح رئيس الوزراء الصينى عندما قال " أن الهند والصين وروسيا يعتزمون إقامة تعاون ثلاثى بينها لإضفاء الطابع الديموقراطي على العلاقات الدولية ". هذه القراءة الجدية لمغزى التطور الخطير فى العلاقات الهندية – الصينية لا تكتسب كامل دلالتها ومجمل معناها بدون رصد تطورين موازيين : التطور الأول هو تصاعد الخلافات الصينية – اليابانية فى الآونة الأخيرة وإحياء الصينيين لذكريات وحشية الاستعمار اليابانى لبلادهم خلال الحرب العالمية الثانية ، فضلا لاستدعائهم للمواقف اليابانية غير الودية تجاه الصين إزاء عدد من القضايا المعاصرة ، مثل مسألة استقلال تايوان . وقراءة هذا التطور يجب الا يقتصر على البعد الاقليمى والعلاقات الثنائية بين بكين وطوكيو ، وانما يجب ان نضع فى الحسبان ان بكين عندما تقوم بهذا التصعيد المحسوب فانما تقوم به بالتحديد ضد الحليف الوثيق للولايات المتحدة الأمريكية منذ ستة عقود . وهذا ينقلنا مباشرة الى التطور الثانى وهو الملف النووى الكورى الشمالى ، وادعاء بكين انها لا تستطيع مساعدة واشنطن فى الضغط على بيونج يانج بينما يعلم القاصى والدانى نفوذها الكبير على كوريا الشمالية ، بل وتعهدها بحماية كوريا الشمالية من اى ضربة استباقية أمريكية . وفى ضوء هذين التطورين الدراماتيكيين يدعو الكاتب الامريكي جيمس بينكيرتون بصحيفة " لوس انجلوس تايمز " الى ملاحظة المشهد فى صورته الإجمالية " فتلك هى الحركات الثلاثة : أولا الصين تتقارب بشكل اكبر مع الهند ، فى الوقت الذى تسعى فيه البلدان الى قيام نظام آسيوي جديد . ثانياً الصين تزيد عداءها بشكل كبير للولايات المتحدة واليابان . ثالثا .. الصين تدعم كوريا الشمالية النووية" . ويعقب على هذا المشهد التراجيدى – بالنسبة لأمريكا طبعاً – بقوله " تلك هى الفتائل الثلاث التى تحترق عبر المحيط الهادى سواء رغبنا فى ذلك او لم نرغب وسواء علمنا بذلك ام لم نعلم " . وربما تؤكد ذلك بعض التطورات السياسية الأخيرة ومنها على سبيل المثال مساندة الصين لمطالبة الهند بمقعد دائم فى مجلس الأمن . وهذه سابقة تحدث لاول مرة تقف فيها الصين الى جانب ترشيح الهند لمجلس الأمن . ويتزامن مع هذا التأييد الذى يحدث لاول مرة رفض صينى لترشيح اليابان للحصول على مقعد مماثل فى مجلس الأمن ، حيث قال رئيس وزراء الصين بدون لف او دوران ان " اليابان ليست مستعدة بعد لشغل مقعد دائم فى الأمم المتحدة " وهو تصريح شم منه محللون سياسيون رائحة تلويح صينى باستخدام حق الفيتو ، ضد ترشيح اليابان . ولذلك ترى الكاتبة الهندية براكريتى جوبتا أن من حقها ان تستنتج ان هذه كلها مؤشرات – حتى إذا نفتها نيودلهى وبكين – على ان الشراكة الجديدة بين الهند والصين لا تتعلق حصرا بالاقتصاد ، بل تشمل أيضاً تكوين حلف استراتيجي يعمل على طرد النفوذ الاقتصادي والعسكرى الأمريكي من آسيا ، لإفساح المجال أمام القوتين الصاعدتين للتمدد فى مجالهما الإقليمي الحيوي وذلك قبل التمدد خارجا ". ورغم الأهمية الاستثنائية لهذه التطورات ، وخطورتها باعتبارها إرهاصات حقيقية لتغيرات محتملة – أن لم تكن مرجحة – فى المعادلة الدولية وموازين القوى فى العالم ، فان المؤسف ان الإحساس بها يكاد يكون منعدما فى العالم العربى الذى قدمت نخبه الرسمية استقالتها من التاريخ . ونحن اذ ننفض تراب اللامبالاة العربية عن هذه التطورات فانما لا نفعل ذلك من باب العلم بالشيء فقط ، بل لتنبيه كل من يعنيهم الأمر – وفى مقدمتهم مراكز اتخاذ القرار ودوائر الدبلوماسية والاقتصادية والبيزنس – إلى هذه التحولات الجوهرية، وعدم وضع كل البيض فى سلة أمريكا ، فحتى الأمريكيون باتوا يعترفون بأن عصر الهيمنة الانفرادية الأمريكية على شئون العالم اخذ فى الأفول ، وان القرن الحادى والعشرين سيكون على الأرجح قرن آسيا . فهل نفهم .. وإذا فهمنا .. هل نتحرك ؟ !
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عناد الوزير الذى تجاهل وعد الرئيس
-
علمـاء بـريطـانيا يهـددون بمقـاطعة الإسـرائيليين المتـواطئين
...
-
! ومازالت صاحبة الجلالة فى بيت الطاعة
-
هل يحمل أخطبوط الإرهاب شهادة منشأ مصرية؟
-
حوار عراقي.. بدون سلاح.. في القاهرة
-
ثورة السوسن .. واللوز.. والليمون
-
»ولفويتز« يقتحم البنك الدولي بأسلحة الدمار الشامل
-
قاطرة مشروع الشرق الأوسط الكبير .. تدخل المحطة اللبنانية
-
الفشل التاسع والعشرون
-
يد تقود ثورة البرمجيات .. ويد تحمي الحرف التقليدية
-
إسرائيل تحتل الأرض التى ينسحب منها -التنابلة- العرب .. فى ال
...
-
الوطن اكبر من الاقتصاد .. والمواطن ليس مجرد مستهلك
-
أحوال أكبر ديمقراطية في العالم
-
باب الشمس ) اهم من المكاتب الاعلامية .. ومقررات التاريخ المي
...
-
»ملاسنة« بين أصحاب المعالي
-
-يد- أبو الغيط.. و-جيب- السادات
-
! شعار البنوك المصرية : حسنة وأنا سيدك
-
لمن تدق الأجراس فى بلاد الرافدين؟
-
اغرب انتخابات فى التاريخ
-
!عـــدلى .. ولينين
المزيد.....
-
الجيش الإسرائيلي يطالب مستشفيات شمال غزة بـ-الإخلاء الفوري-
...
-
إعصار ميلتون يبلغ الدرجة القصوى وبايدن يطلق نداء إخلاء بفلور
...
-
كلمة نعيم قاسم تثير تساؤلات عن -فصل الربط- بين لبنان وغزة؟
-
مسؤول أممي: لبنان يشهد نفس الأساليب المستخدمة في حرب غزة
-
الخرطوم: لا علاقة لنا أو صلة بالتقارير الإسرائيلية حول نفي ق
...
-
-ظالم-.. رجل أعمال مصري يعبر عن اعتراضه ورفضه لقانون الإيجار
...
-
مؤرخ فرنسي: بعد هزيمة الولايات المتحدة في النزاع الأوكراني س
...
-
-نموذج غزة يتكرر-.. تحذير أممي من دوامة موت أخرى في لبنان
-
بعد -هيلين-.. إعصار -ميلتون- يهدد فلوريدا والسلطات تلزم مليو
...
-
روسيا تقصف خاركيف وأوكرانيا تضغط في كورسك
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|