أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - ثورة السوسن .. واللوز.. والليمون















المزيد.....

ثورة السوسن .. واللوز.. والليمون


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1160 - 2005 / 4 / 7 - 08:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قيرغيزستان.. دولة صغيرة .. لا يزيد عدد سكانها عن خمسة ملايين نسمة، ولا يكاد معظمنا يعرف عنها شيئا، ولم يسمع أغلبنا اسم عاصمتها "بيشكيك" إلا منذ أيام قلائل.
ومع ذلك .. فانها قفزت إلى صدارة الاهتمام العام، وأصبح إسمها الصعب يتردد بسهولة على كل لسان، كما أن اسم رئيسها الهارب – الذى ينطقه البعض "أكاييف" ويكتبه البعض الآخر "عكاييف" - أصبح مألوفا حتى لرواد المقاهى، رغم أن أحداً لم يكن يعرفه طيلة الأربعة عشر عاما التى كان يحكم فيها بلاده من خلف أسوار "البيت الأبيض" القيرغيزى،فأصبح الحاكم الوحيد الذى لم يعرفه العالم اثناء جلوسه على عرش السلطة، وأصبح معروفا فقط بسبب فراره من قصر الرئاسة وهروبه من بلاده!
وسبب هذا التحول فى اتجاهات الرأى العام المصرى والعربى هو التطورات الدراماتيكية التى وقعت فى هذا البلد المنزوى فى اسيا الوسطى بين كازاخستان فى الشمال والصين فى الشرق وطاجيكستان فى الجنوب الغربى وأوزبكستان فى الغرب.
والطريف أن هذه التطورات "الدراماتيكية" حملت مسميات متعددة لكن القاسم المشترك بينها أنها "رومانسية"، منها "ثورة زهور السوسن" و"ثورة اللوز" و"ثورة الليمون"، فى الإشارة الى المظاهرات الشعبية التى تدفقت على شوارع العاصمة واحتلت مؤسسات الدولة الرئيسية دوم إطلاق رصاصة واحدة – من الجانبين – ولم يملك الرئيس "عكاييف" سوى الهروب من الابواب الخلفية لـ "البيت الابيض" وركوب طائرة ظلت هائمة فى الجو، لاكثر من ساعة، لا تعرف وجهة تقصدها لتكون المنفى الأبدى للرئيس الهارب.
والعجيب أن "عكاييف" كان أقل حكام اسيا الوسطى استبدادا، بل وربما كان أفضلهم تعليماً، فقد قضى أغلب سنوات حياته قبل دخول لعبة السياسة فى البحث العلمى، بعد تخرجه من معهد الرياضيات فى أكاديمية العلوم فى ليننجراد، ورأس أكاديمية العلوم فى قيرغستان ومن هذه الأكاديمية العلمية أنتقل مباشرة الى رئاسة البلاد عام 1991.
ولأنه خبير فى "الرياضيات" فقد أدار السياسة وفقا لعدد من "المعادلات".
فحاول أولا ان يقيم شكلا من أشكال "التوازن" بين القوى الكبرى فسمح للولايات المتحدة الامريكية فى إقامة قاعدة عسكرية على الاراضى القيرغيزية، وسمح لروسيا – بعدها – باقامة قاعدة عسكرية جوية فى "كانت".
وحرص على إقامة علاقات طيبة مع دول الجوار، وصلت إلى علاقات المصاهرة وفق دبلوماسية القرون الوسطى حيث بارك عقد قران ابنه على ابنة رئيس كازاخستان نور سلطان نزار باييف، ورغم ان هذا الزواج إنتهى الى الطلاق بعد فترة وجيزة الا ان "عكاييف" ظل حريصا على شعرة معاوية مع كل دول الجوار حتى فى ظل اجواء الدسائس والمؤامرات التى تذكرك بحواديت ألف ليلة وليلة.
وفى الداخل سمح بإطلاق شكل من أشكال "التعددية" الحزبية، والحفاظ على العديد من "أشكال" الديمقراطية السياسية.
لكن هذه "المعادلات" التى كانت أقرب الى السير فوق الحبال واللعب بالبيضة والحجر لم تفلح فى منع تفاقم السخط الشعبى خاصة بعد استشراء الفساد والمحسوبية وتوزيع المغانم الاقتصادية على أفراد الحاشية.
وبينما تركز توزيع هذه المغانم على المحاسيب، وعلى عدد محدود من النخب فى شمال البلاد، ظل الجنوب محروما من كل شىء، فامتزج بذلك الحرمان الاقتصادى مع الاضطهاد العرقى حيث الجنوب تقطنه اساسا اقليات قومية طاجيكية وأوزبكية مهملة.
وكانت القشة التى قصمت ظهر البعير هى الانتخابات البرلمانية الاخيرة، فهذه الانتخابات لم تسفر فقط عن فوز حزب الرئيس بغالبية مقاعد البرلمان ، بل جاء حزب ابنته فى الترتيب الثانى كذلك.
وكأن ذلك لم يكن كافيا لارضاء الرئيس فقد فاز ابنه بمقعد فى البرلمان هو الاخر، إضافة إلى عدد من "المستقلين" الذين هم فى حقيقة الأمر من ذيول وزعانف الرئيس وعائلته.
وتردد أن "عكاييف" سعى إلى "طبخ" نتائج الانتخابات بهذا النحو ليضمن أغلبية تتيح له تعديل الدستور ليبقى فى الرئاسة لفترة رابعة، وهو الأمر الذى يحظره الدستور ليبقى فى الرئاسة لفترة رابعة، وهو الأمر الذى يحظره الدستور القيرغيزى حاليا، علما بأنه قام بتعديل الدستور من قبل ليحظى بفترة رئاسية ثالثة!
ولهذا كان من أهم شعارات "ثورة زهور السوسن" انهاء سيطرة حكم العائلة بعد ان تحولت البلاد الى عزبة تحكمها عشيرة الرئيس.
والملفت للنظر ان زعماء "ثورة السوسن" أو "ثورة الليمون" – سمها كما شئت – كانوا من أقرب المقربين الى الرئيس الهارب "عكاييف".
ومنهم على سبيل المثال فليكس كولوف الذى كان نائبا للرئيس ووزيرا للامن وعمدة للعاصمة بيشكيك، كما كان المشرف على اصدار العملة الوطنية "السوم" عام 1993 لكنه استقال بعد جدل غامض متعلق باختفاء جانب من احتياطيات الذهب!
هذا الرجل تم اعتقاله عام 2001 بعد ان شكل حزب "الكرامة" ولم يكن صعبا محاكمته بتهمة جنائية ولا علاقة لها بالسياسة لكنها مشينة سياسيا.
ومن المفارقات أن "كولوف" نفسه قد تم اطلاق سراحه فى هذه الثورة "القرنفلية" وتم إسناد حقيبة الأمن اليه هو بالذات بمجرد خروجه من السجن!
لكن "ثورة السوسن" تكتسب كامل دلالاتها، ليس بأبعادها الداخلية فقط، وإنما بسياقها الاقليمى أيضا.
فهى تأتى بعد "ثورة الزهور" فى جورجيا التى أطاحت بالرئيس إدوارد شيفارنادزه عام 2003، وبعد شهور من "الثورة البرتقالية" التى أطاحت بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش فى أوكرانيا.
إذن هى موجة عاتية تجتاح هذه الجمهوريات السوفيتية السابقة. والواضح من هذه الموجة ان لها أسبابها الداخلية، مثلما لها أبعادها الخارجية.
أما الأسباب الداخلية فالمشترك فيها امران هما الاستبداد والفساد، والتساند الوظيفى بينهما.
وبالنسبة للأبعاد الخارجية فانه لم يعد خافياً وجود أصابع غربية عموما، وأمريكية خصوصاً، تحاول الاستفادة من السخط الداخلى وتوظيفه فى خدمة الاستراتيجية الكونية الأمريكية.
ورغم ان الجمهوريات السوفيتية السابقة لا تندرج فى منطقة الشرق الأوسط الكبير – كما حددتها إدارة الرئيس جورج بوش الأبن و"توعدتها" بالإصلاح على الطريقة الأمريكية – فانها تتاخم هذه المنطقة، وتتأثر بها كما تؤثر فيها، خاصة من الطرف الأفغاني، فضلا عن أن واشنطن – فيما يبدو ورغم شهر العسل الطويل مع نظام الرئيس الروسى فلاديمير بوتين – قررت خلخلة النفوذ الروسى التقليدى فى الجمهوريات السوفيتية السابقة، وملء هذا الفراغ بوجود أمريكي أقوى.
وبهذا النحو يمكن تفسير الحماس الأمريكى لـ "ثورات الألوان" فى الجمهوريات السوفيتية السابقة، على خلفية مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذى لم يعد مجرد "أفكار" بل يبدو أنه أصبح قيد التطبيق، وان منطقتنا لم تعد بمنأى عن هذا التطبيق الذى تصوره أصدقاء أمريكا من الحكام العرب بعيداً عنهم، فاذا به يطرق أبوابهم.
وربما تكون التطورات المتسارعة التى تشهدها الساحتين اللبنانية والسورية هى الشواهد الأقوى على وضع مشروع الشرق الأوسط الكبير موضع التطبيق باستخدام كافة الوسائل، أى باستخدام مجلس الأمن وقراراته الانتقائية حينا واستغلال الغضب الشعبى والهبات الجماهيرية حينا آخر.
ويبدو أيضا ان تذمر النخب العربية الحاكمة من التدخل الأمريكى الفظ فى شئونها الداخلية لم يعد يجدى كثيرا فى مواجهة هذه الإدارة الأمريكية التى يجر عربتها صقور المحافظين الجدد الذين أحكموا سيطرتهم – فى الولاية الثانية للرئيس بوش – على كل مفاتيح صنع القرار. وأحد شواهد ذلك تعيينات بوش الأخيرة، ومنها تنصيب بول وولفويتز صقر صقور البنتاجون رئيسا للبنك الدولى، وتعيين جون بولتون مندوبا دائما للولايات المتحدة الأمريكية فى الامم المتحدة رغم ازدرائه المعلن للمنظمة الدولية واحتقاره السافر للقانون الدولى.
أى أن إدارة بوش قررت إخضاع المنظمات الدولية لمتطلبات مشروعها الإمبراطوري، لتكمل بذلك حلقة الهيمنة على كوكب الأرض بالقوة العسكرية حينا – كما هو حادث فى أفغانستان والعراق – وبالمنظمات الدولية حينا كما توحى بذلك تعيينات بوش الأخيرة، بما يوحى بأن البلدان النامية ستواجه تحديات أكثر صعوبة فى الأيام القادمة.
لكن الدرس الأساسي الذى تتجنب هذه النخب الحاكمة استخلاصه ان تلكؤها عن القيام بالإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى والمعرفى هو الذى يعطى الذريعة للآخرين للتنطع على شئونهم الداخلية.
ولا عزاء لـ "عكاييف".



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- »ولفويتز« يقتحم البنك الدولي بأسلحة الدمار الشامل
- قاطرة مشروع الشرق الأوسط الكبير .. تدخل المحطة اللبنانية
- الفشل التاسع والعشرون
- يد تقود ثورة البرمجيات .. ويد تحمي الحرف التقليدية
- إسرائيل تحتل الأرض التى ينسحب منها -التنابلة- العرب .. فى ال ...
- الوطن اكبر من الاقتصاد .. والمواطن ليس مجرد مستهلك
- أحوال أكبر ديمقراطية في العالم
- باب الشمس ) اهم من المكاتب الاعلامية .. ومقررات التاريخ المي ...
- »ملاسنة« بين أصحاب المعالي
- -يد- أبو الغيط.. و-جيب- السادات
- ! شعار البنوك المصرية : حسنة وأنا سيدك
- لمن تدق الأجراس فى بلاد الرافدين؟
- اغرب انتخابات فى التاريخ
- !عـــدلى .. ولينين
- برلمان العرب .. كوميديا سوداء
- ديمقراطية .. خلف القضبان !
- رجل الأعمال يحاور.. ورئيس التحرير يحمل مقص الرقيب
- لا يموت الذئب .. ولا تفنى الغنم !
- حرب عالمية ضد إرهاب الطبيعة
- إعادة انتخاب بوش أخطر من انفلاق المحيط الهندى


المزيد.....




- الصحة في غزة ترفع عدد القتلى بالقطاع منذ 7 أكتوبر.. إليكم كم ...
- آخر تحديث بالصور.. وضع دبي وإمارات مجاورة بعد الفيضانات
- قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة ...
- بوريل من اجتماع مجموعة السبع: نحن على حافة حرب إقليمية في ال ...
- الجيش السوداني يرد على أنباء عن احتجاز مصر سفينة متجهة إلى ا ...
- زاخاروفا تتهم الدول الغربية بممارسة الابتزاز النووي
- برلين ترفض مشاركة السفارة الروسية في إحياء ذكرى تحرير سجناء ...
- الخارجية الروسية تعلق على -السيادة الفرنسية- بعد نقل باريس ح ...
- فيديو لمصرفي مصري ينقذ عائلة إماراتية من الغرق والبنك يكرمه ...
- راجمات Uragan الروسية المعدّلة تظهر خلال العملية العسكرية ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - ثورة السوسن .. واللوز.. والليمون