|
هل يحمل أخطبوط الإرهاب شهادة منشأ مصرية؟
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1168 - 2005 / 4 / 15 - 10:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الآثار الهدامة للإهارب لم تعد تحتاج إلي شرح أو اثبات. فقد اصبح واضحا لكل ذي عينين انه تدمير للاقتصاد، وقتل للسياسة، وترويع للمجتمع، واغتيال للعقل، وابتزاز للضمير. وأنه لا يمكن تبريره بأي شكل من الاشكال أو انتحال الاعذار للمتورطين فيه بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وما حدث مساء الخميس الماضي في الأزهر، هو عمل ارهابي بكل ما في الكلمة من معني، وبالتالي فإن ادانته لا تحتاج الي مسوغات. لكن لم يعد كافيا استنزال اللعنات علي هذه العملية القذرة وعلي من دبرها ومن نفذها، ولم يعد كافيا اجترار مثالب الارهاب والارهابيين. المطلوب بالأحري.. هو الدراسة الجدية والمتعمقة لشتي أبعاد وملابسات هذا العمل الاجرامي، وعدم الركون الي الاستسهال والقفز الي نتائج غير مدعمة بقرائن وادلة يعتد بها. وقبل أن نطمئن أنفسنا إلي أن هذا العمل المجرم مجرد عمل »فردي« يجب أن نبحث كل الاحتمالات وأسوأها. هل هو عمل فردي حقا؟ وما احتمالات أن يكون حلقة في سلسلة أطول؟ وهل هو »صناعة مصرية« أم »مستورد« من الخارج؟ واذا كان يحمل »شهادة منشأ« محلية.. فهل هو لمجموعة مستجدة وأفراد بدون »سوابق«..؟ واذا كانوا كذلك.. فمن هم.. وما هي هويتهم.. وخلفيتهم الفكرية والايديولوجية والسياسية والاجتماعية؟ وهل لهم علاقة ــ مباشرة أو غير مباشرة ــ بجماعات التكفير والعنف التي كانت »عاملة« علي الساحة من قبل؟ أم أنهم جيل جديد ونبت شيطاني؟ واذا لم يكونوا جزءا من ظاهرة محلية، فما هي علاقاتهم الاقليمية، عربيا وإسلاميا؟! هل لهم علاقة ــ مثلا ــ بتنظيم »القاعدة«؟! هل لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بما يحدث في العراق علي يد جماعات »إسلامية« مثل جماعة »الزرقاوي« وغيره؟! ولماذا اختاروا هذا المكان وذلك الزمان للقيام بعملهم الخسيس؟ وما هي الأهداف المباشرة وغير المباشرة؟! هذه بعض الاسئلة التي يجب ان تعكف علي دراستها أجهزة الأمن والمؤسسات البحثية والاستراتيجية بأكبر قدر من الشفافية والمكاشفة. وبقدر دقة الاجابات.. بقدر ما نقترب من المواجهة الأسرع والأكثر فعالية وحسما لهذا السرطان ذي الالف وجه. وغني عن البيان أن هذه ليست مسئولية أجهزة الأمن فقط، وإنما هي ــ في المقام الأول ــ مسئولية الجزء الناطق من الأمة ومراكز البحوث السياسية والاستراتيجية والاجتماعية. الأمر الثاني في المواجهة الرشيدة لهذا الانبعاث الارهابي الجديد هو ضرورة الترفع عن الاستغلال الرخيص وضيق الأفق لهذه الجريمة القذرة وينطبق هذا علي جميع الأطراف. وعلي سبيل المثال.. إذا كان واجبا علي المعارضة الابتعاد عن التوافق غير المباشر مع أهداف مدبري ومنفذي جريمة الأزهر، فإنه من أول واجبات الحكومة ألا تحاول البحث عن فائدة قصيرة النظر من نفس هذه الجريمة لتبرير استمرار العمل بقانون الطواريء مثلا، والدليل الأكبر علي عدم منطقية مثل هذا المسعي هو أن تلك العملية الارهابية - وكل العمليات الارهابية التي سبقتها - وقعت في ظل العمل بقانون الطواريء، ولم يستطع هذا القانون أن يحول دون وقوعها. باختصار نرجو أن تترفع كل من المعارضة والموالاة - إذا استعرنا الادبيات اللبنانية - عن اقحام هذا الحادث الارهابي في سياق الجدل السياسي الذي يشهده المجتمع حاليا حول قضايا جوهرية تتعلق بمستقبل الممارسة الديمقراطية في البلاد. ونأمل أن تكون كل الاطراف - المؤيد منها والمعارض - قد أدركت أن تعزيز الديمقراطية هو الضمانة الاساسية لتعظيم قدرة المجتمع بأسره علي مواجهة اخطبوط الارهاب. فمثل هذه العمليات القذرة يمكن أن تحدث في أي مكان. لكن تحجيم آثارها السلبية، وتجفيف منابعها، لا يتأتي بالمعالجة الأمنية فقط، ومادمنا نتحدث عن معالجات أخري تضاف إلي المعالجة الأمنية وتتضافر معها فإننا نتحدث في واقع الأمر عن دور الجزء الناطق من الأمة بكل فصائله وتياراته التي تنبذ العنف سبيلا لحل التناقضات القائمة، والتي تحرص علي بناء دعائم السلم الأهلي. وكل هذا يعني الاحتكام للديمقراطية، ونبذ سياسات الوصاية والاستبداد. وهذا بدوره يتناقض مع طيور الظلام وأنصار ثقافة الاستبداد الذين لم يجدوا في هذا الحادث الاجرامي سوي أن يكون ذريعة لوضع أقفال من حديد علي أفواه المطالبين بالاصلاح السياسي والدستوري. الأمر الثالث الذي يجب التخلص منه في سياق تناول جريمة الخميس هو منهج التنصل من المسئولية والتبرؤ الجماعي من هذا الحادث البشع. فإذا كان الجميع أبرياء من المسئولية المباشرة أو غير المباشرة عن هذه الجريمة، فمن الذي فعلها؟ هل قامت بها كائنات فضائية جاءت من كواكب أخري؟! ذلك التنصل الجماعي يذكرنا بواقعة العز بن عبدالسلام، رجل الدين ذائع الصيت، عندما اكتشف سرقة مصحفه، ورأي في الوقت نفسه جميع تلامذته الذين كان المصحف بين أيديهم يبكون ويتبرأون من ارتكاب هذه الفعلة الشنعاء. فما كان منه إلا أن قال عبارته الشهيرة: »كلكم تبكون.. فمن سرق المصحف« والآن كلكم تنددون بالارهاب.. فمن الذي تورط فيه؟! بالطبع لا نقصد المعني الساذج.. أن يعترف من فعلها طواعية وبروح رياضية! المقصود أن نصارح أنفسنا بمسئولية هذا التيار أو ذاك عن ايجاد المناخ »الصديق« للارهاب. وعلي سبيل المثال فإن ذلك الشاب الجاهل، شبه الأمي الذي سولت له نفسه محاولة اغتيال الاديب نجيب محفوظ لم يفعل ذلك إلا لأن هناك من أقنعوه بأن محفوظ كافر وملحد وزنديق والعياذ بالله. هذا التيار التكفيري، الظلامي، الاستبدادي.. يشترك كثير منا في مسئولية وجوده في المجتمع ومؤسساته، بل حتي في مؤسسات الدولة ذاتها. وعلينا أن نسأل أنفسنا من الذي مهد الأرض التي ترعرعت فيها طيور الظلام، ومن الذي استعان بهؤلاء الارهابيين للتغلب علي الخصوم السياسيين في يوم من الايام قبل أن ينقلبوا عليه، ومن الذي داهن هؤلاء الظلاميين، ومن الذي حاول منافستهم بالعمل علي وضع عمامة علي رأس الدولة في مقابل العمائم »القطاع خاص«، ومن الذي غذي موجة التزمت بطول البلاد وعرضها.. إلي آخر هذه التساؤلات المسكوت عنها. كلكم تبكون.. فمن سرق المصحف؟! إدعاء البراءة لم يعد ينفع.. وخطر انبعاث الارهاب مرة أخري لا يهدد الحكومة فقط، ولا يهدد السياحة أو الاقتصاد فقط، وانما يهدد المجتمع بأسره، ويهدد السياسة والفكر والعقل. واذا كنا جادين في مكافحة الإرهاب حقا.. فإن الشجب لا يكفي، واستنزال اللعنات علي الارهابيين لا يفيد، ومعالجة الامور بــ »القطاعي« وبالتدابير الأمنية فقط لا تكفي. ولا نهاية للدرس.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار عراقي.. بدون سلاح.. في القاهرة
-
ثورة السوسن .. واللوز.. والليمون
-
»ولفويتز« يقتحم البنك الدولي بأسلحة الدمار الشامل
-
قاطرة مشروع الشرق الأوسط الكبير .. تدخل المحطة اللبنانية
-
الفشل التاسع والعشرون
-
يد تقود ثورة البرمجيات .. ويد تحمي الحرف التقليدية
-
إسرائيل تحتل الأرض التى ينسحب منها -التنابلة- العرب .. فى ال
...
-
الوطن اكبر من الاقتصاد .. والمواطن ليس مجرد مستهلك
-
أحوال أكبر ديمقراطية في العالم
-
باب الشمس ) اهم من المكاتب الاعلامية .. ومقررات التاريخ المي
...
-
»ملاسنة« بين أصحاب المعالي
-
-يد- أبو الغيط.. و-جيب- السادات
-
! شعار البنوك المصرية : حسنة وأنا سيدك
-
لمن تدق الأجراس فى بلاد الرافدين؟
-
اغرب انتخابات فى التاريخ
-
!عـــدلى .. ولينين
-
برلمان العرب .. كوميديا سوداء
-
ديمقراطية .. خلف القضبان !
-
رجل الأعمال يحاور.. ورئيس التحرير يحمل مقص الرقيب
-
لا يموت الذئب .. ولا تفنى الغنم !
المزيد.....
-
الضربات الأمريكية على إيران تثير مخاوف في دول الخليج من الان
...
-
الولايات المتحدة غيّرت مسار المواجهة - كيف سترد إيران؟
-
خاص يورونيوز: إسرائيل ترفض تقرير الاتحاد الأوروبي حول غزة وت
...
-
خبير إسرائيلي: تل أبيب لا تريد التصعيد والكرة في الملعب الإي
...
-
هل فشلت -أم القنابل- في تدمير -درة تاج- برنامج إيران النووي؟
...
-
أحداث تاريخية هزت العالم بالأسبوع الرابع من يونيو
-
الرأسمالية نظام -غير ديمقراطي- يستنزف جنوب العالم ليرفّه عن
...
-
هل يطلب المرشد الإيراني وقف إطلاق النار مع إسرائيل؟
-
كيف نُفذت الضربة الأميركية على إيران؟ وما الأسلحة المستخدمة؟
...
-
كيف يرد الحوثيون بعد هجمات واشنطن على إيران؟
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|