أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - نرين طلعت حاج محمود - ترهيب الاطفال














المزيد.....

ترهيب الاطفال


نرين طلعت حاج محمود

الحوار المتمدن-العدد: 1176 - 2005 / 4 / 23 - 13:06
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


حين كنا أطفالا في المدرسة الابتدائية كانت الجدران الخارجية للمدرسة تبدو لنا كأسوار قلعة صلدة نشاهدها في كل استراحة فنشعر بعظمتها و سطوتها علينا حتى ينتهي الدوام و يُفرج عنا , في تلك الأيام كان كل شيء في المدرسة طاغ و مسيطر تماما و الشعور بالخوف لم يكن يفارقنا إلا لحظة الخروج من المدرسة, لحظة الحرية التي يندفع التلاميذ فيها للخروج من المدرسة بجنون و صياح غير عادي.
كان لدينا عالم مخيف و مرعب و لم يكن ذلك العالم وليد أوهامنا و مخاوفنا فحسب بل ان الكثير من المعلمات الغير مسؤولات و الغبيات كن يعززن أوهامنا و مخاوفنا عن غير قصد أحيانا و عن قصد و تصميم أحيانا أخرى.
الفئران في عالم التلاميذ و في خيالهم كانت فئران غير عادية فهي تقضم آذان التلاميذ التي تدهن بزيت الزيتون و تصبح الفئران متعاونة مع إدارة المدرسة ضد التلاميذ و كل ذلك يتم في غرفة خاصة سرية موجودة دوما في مكان لا نعرف موقعه بالضبط في المدرسة, التلاميذ كانوا يقسمون لبعضهم البعض مؤكدين وجودها و مؤكدين رؤيتهم لأولئك الذين قضمت آذانهم رغم أننا لم نرى يوما من قضمت آذانهم لكننا كنا نصدق بعمق هذه القصص و نبرر دوما عدم رؤيتنا لهم بأنهم ربما لم يعودوا الى المدرسة أو لا يمكن ملاحظة آذانهم المقضومة
كنا نتحاور و نتناقش في الأسباب التي يمكن ان تودي بالتلاميذ لذلك المصير المذل المؤلم فان كان الكسل فإننا سوف ندرس بشدة و ان كانت الكتابة على لوح الصف فلن نقربه أبدا و ان كانت المشاغبة أو الضرب سنمتنع عن ذلك بل لن نلعب أيضا كي لا نقع في المحظور دون وعي منا وكل ذلك لم يكن كافيا ليمنحنا الطمأنينة و كانت غرفة الفئران تبقى قدرا فظيعا لا يمكن رده أبدا فنبقى مذعورين خائفين من كل هفوة قاتلة قد ننزلق فيها
حبل المشنقة لم يكن من الأشياء الشائعة جدا لكن بعض المعلمات كن يهددن به أحيانا بالنسبة للذنوب الكبيرة جدا و التي لا تغفر و قد تعرضت لهذا الخطر مع بعض التلميذات ثم نجونا منه و كتبت لنا الحياة مرة أخرى لسبب واحد و هو عدم إيجاد المستخدمة في المدرسة لحبل جيد مناسب للشنق كما قيل لنا في تلك المسرحية المأساوية.
الضرب و التهديد بالضرب كان الأكثر شيوعا و كان كافيا لتجميد الدماء في العروق و الإشعار بالإذلال و القهر و الخوف و لا ادري فعلا كيف كان بالنسبة لبعض المشاغبين القدرة على مواجهة الضرب بلا مبالاة
المعلمة الظالمة كانت من العبارات الشائعة جدا و تطلق على المعلمة التي تضرب بقوة و عنف على اصغر ذنب, المعلمة الظالمة تلك التي نكرهها و لكننا لا نجرؤ على الاعتراف بمشاعرنا نحوها، بل و لا حتى بيننا و بين أنفسنا و ربما انطلاقا من حكمة شرقية موغلة بالقدم كان الأطفال يمتدحون و بحماس المعلمة التي يسمونها الظالمة فيقولون المعلمة الظالمة أفضل كثيرا من الطيبة لأنها تجعلنا نجتهد و ندرس جيدا.المعلمة الظالمة تتحول- كما يتحول كل شيء لا نجرؤ على انتقاده و لا تفسير سلوكه- إلى حكمة عظيمة.
التمييز بين الطلبة لم يكن شيء يمكن ان نثور عليه أو ننتقده فان يكون التلميذ ابن معلمة أو قريبها فهو حق مشروع تماما لان يكون مميزا على الآخرين و حتى لو دار الحديث حول تمييزه عن باقي التلاميذ بلهجة استنكار فان قلة هم من سيجرؤون على الخوض في هذا الحديث فالقبول بالتمييز بين التلاميذ بحسب القرابة للمعلمة جزء من ثقافتنا المدرسية الطفولية. و الشعور بالظلم و الاقتناع انه قدر لا يمكن رده يصبح أيضا جزء من ثقافتنا المدرسية الطفولية البريئة.
مع هذا الخوف و الشعور بأن المدرسة قدر طاغ مؤلم لا يمكن تجاوزه . نلقن معلومات جامدة مجردة. نتعلم التاريخ نطلع على الحضارات و نحاول فهم و استيعاب كيف تصنع الحضارة. نتعلم قوانين التطور و قوانين الفيزياء و نتعلم الشعر و الموسيقى.
تلاميذ الأمس هم اليوم الموظفين المربين المهندسين الأطباء الفنانين. طبعا ليسوا التجار، لان هؤلاء غالبا أتوا من فئة أخرى، فئة المتسربين من المدارس.
اليوم و في عدة بلدان عربية يمنع الضرب بالمدارس و لكن هذه القوانين تبقى حبرا على ورق فكل المدرسين يؤكدون استحالة تطبيق ذلك بوجود هذه الأعداد الهائلة من التلاميذ في الصف الواحد و الذين لا يمكن ضبطهم أبدا بدون التخويف و الضرب، و هؤلاء أيضا الذين لا يمكنهم الجلوس بشكل طبيعي على مقاعد الدراسة بسبب الازدحام سيصبحون رجال و نساء الغد و آباءه و أمهاته و في كل عام تزداد و تتضخم أعداد التلاميذ في المدارس رغم ازدياد أعداد المدارس بشكل هائل في كل حي و ها نحن ندور في حلقة مفرغة، لأن الحضارة لا تتجزأ فالإنسان الذي ينشأ نشأة صحية يصبح إنسانا مبدعا و لن ينشأ جيل بهذه الطريقة إلا في بلد يحظى فيه قطاع التعليم بمستوى عالي من الجودة و لن يحظى بذلك هذا القطاع إلا بفضل المبدعين و الامكانات الكبيرة و لن تتحقق الامكانات مع هذا الانفجار السكاني.



#نرين_طلعت_حاج_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صعاليك و انبياء
- الأنا العليا و سحق الإنسان
- لا تُشوّهوا أطفالكم
- العجوز و الياسمين
- حيث الاختلاف خلاف
- الحب بين رجل و حشد من نساء
- ما بين الايمان و العقد بون شاسع
- حكاية عن بَاتر
- المشعوذون و الفضائيات
- أساطير النارتيين
- من حضر القسمة فليقتسم
- المرأة و الإحساس بالحياة
- عشرون صالحا يشفعون لمدينة اشرار
- مكابرون حتى الرمق الأخير
- المرأة و وجدانية الرجال
- الكرسي و الطاولة
- الموؤدات
- حبة شعير
- حجز العقول
- مسؤولية المؤسسة الدينية عن الأخلاق العامة في المجتمعات الإسل ...


المزيد.....




- ما العواقب التي قد تترتب على صدور مذكرة اعتقال دولية بحق نتن ...
- منظمات إنسانية دولية والأمم المتحدة تحذر من عواقب اجتياح رفح ...
- منظمة الهجرة تعلل سبب مغادرة اللاجئين السوريين للبنان بوتيرة ...
- الجيش الإسرائيلي يحول عددا من مدارس غزة إلى مراكز اعتقال وتع ...
- هكذا تعتمد إسرائيل على المقاتلين الأجانب في ارتكاب جرائم حرب ...
- إعدام -قاتل البحيرة- في مصر..كيف يرى القانون جرائم رد الفعل؟ ...
- الأونروا تتحدث عن -شاحنات تنقل جثثا من إسرائيل إلى غزة-
- مسؤول بالأمم المتحدة: هجوم رفح يلوح -في الأفق القريب- 
- وثيقة داخلية: إدارة بايدن تدرس استقبال لاجئين من غزة
- قائمة جامعات أمريكية شهدت اعتقالات في ظل تزايد الاحتجاجات ال ...


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - نرين طلعت حاج محمود - ترهيب الاطفال