أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - رسالة من الله إلى الإنسان















المزيد.....

رسالة من الله إلى الإنسان


ضياء الشكرجي

الحوار المتمدن-العدد: 4096 - 2013 / 5 / 18 - 14:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



تمهيد
رسالة من وحي الخيال الفلسفي، أي المعتمد فلسفة إلهية تتمحور حول مركزية عقيدة تنزيه الله، بعيدا عن التصويرات الدينية المختلفة، إلا بمقدار ما تلتقي هذه الفلسفة العقلية مع مفردة من مفردات اللاهوت لهذه أو تلك الديانة. إذن هذه الرسالة المفترض توجيهها من الله إلى الإنسان، لا تدعي انتسابها إلى ثمة وحي إلهي بمعناه الديني الحرفي، لكون فلسفة التنزيه لا تعتمد مقولة وجود وحي قد أوحى الله به إلى أي إنسان، وبالتالي أن هذا الكلام أو أي كلام غيره لا يجوز نسبته إلى الله نسبة حقيقية، مع جواز نسبته إليه - تألقت آيات جماله - نسبة مجازية. وهذه الرسالة الموجهة افتراضا وتخيلا - لكن افتراضا وتخيلا فلسفيا - من الله إلى الإنسان، هي من هذا النوع، هي تصور عن لسان حال الله، أو عن طبيعة خطابه إلينا، ما لو خاطبنا، على ضوء تأملات فلسفية، لا تدعي لنفسها العصمة والكمال وبلوغ الحقيقة الإلهية المطلقة، بكشفها لحجب الغيب عنها، بل تنطلق من إيمانها فلسفيا بوجوب تنزيه الكائن الأزلي، الواجب الكؤون، والعلة الأولى لكل ما هو كائن. ابتُدِئ في كتابة هذه الرسالة في الثالث من بداية عام 2012، وبين فترة وأخرى، أضيف شيء إليها، حتى اكتملت بصورتها هذه غير الكاملة، إذ ليس من كمال إلا للمطلق، بل هو اقتراب نسبي من الكمال الذي لا تبلغ نهايته. واليوم تنشر هذه الرسالة بصيغتها التي آلت إليه حتى لحظة دفعها للنشر؛ تنشر بمشيئة الله، الذي هو أُمُّنا التي أنجبتنا من رحم مشيئتها، وتحننت علينا بعطف رحمتها، قبل أن يكون مولانا الآمر الناهي، إلا بقدر ما أوكل الأمر والنهي إلى عقولنا وضمائرنا، لتنمي الأولى حكمتنا، وتعمق وعينا، وترشد عقلانيتنا، وتزكي الثانية نفوسنا، وتهذب أخلاقنا، وترتقي بإنسانيتنا.
وكلمتان أخيرتان موجهتان إلى فريقين، إلى فريق اللاإلهيين، وإلى فريق الدينيين. أقول للأصدقاء اللّاإلهيين أي الملحدين، لا تجعلوا عدم قناعتكم بوجود الله ما نعا من قراءة تصور إلهي فلفسي، يلتقي معكم في عدم اعتماد مرجعية الدين كمصدر معرفي، ويفترق وإياكم في اعتماد الإيمان بالله، لكن ليس وفقا للصورة الدينية. وأقول للأصدقاء من عقلاء الدينيين، إنكم ربما ستشكلون على النص، في أنه يحاول عرض الله بصورة علمانية ليبرالية، فهو يتحدث عن ذلك الله الليبرالي، إذا صح التعبير، فأقول ولماذا تحتكر الأديان حق تقديم صورة عن الله في عرضه إلها مسلما، إلها سنيا، وإلها شيعيا، إلها مسيَّسا أو غير مسيَّس، أو تقدمه إلها مسيحيا، أو يهوديا، أو صابئيا، أو إيزيديا، أو زرادشتيا، ولا يحق للفكر الليبرالي المؤمن بالله الفلسفي أن يعرض الله ويقدمه حسب تصوره، إلها ليبراليا متنزها؟ ومع هذا أقول هذا النص لم يخض في تفاصيل الفلسفة المتبناة من كاتبه، والتي تعتمد لاهوت التنزيه، والتي سيجري تفصيلها في كتاب «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل»، بل تعرض بعض ملامح تلك الفلسفة، كما تقدم بعض ملامحه «التزيهية» التي سأنشرها لاحقا مع الشرح.
رسالة من الله إلى الإنسان
يا أيها الإنسانُ بجنسيَك، أيتها الإنسانة .. أيها الإنسان، أخاطبُكِ .. أخاطبُك، سواءٌ عرفتَني أو لم تعرفني، سواء آمنتَ أو لم تؤمن بي؛ لا أقول لك آمن بي، إنما خلقتُ لك عقلا أريدك أن تطلق له عنان التفكير والتأمل، وإلم تفعل لسبب أنت معذور فيه، لا أؤاخذك، ولا أعاتبك، ناهيك عن أن أعاقبك، إنما هو الإنسان ذلك المخلوق، الذي قد يعاني من العقدة تجاه الذين لا يعترفون به، أو بقابلياته، أو إنجازاته. أما أنا .. أنا الله، فإنني أنا الكامل مطلق الكمال، والمطلق في كماله متنزه عن أن تكون له هكذا عقد. بل وهكذا هو حتى أنت الإنسان، فأنت وإن كنت لن تبلغ الكمال المطلق، لكن بمقدورك بلوغ بعض مراتب الكمال، فكلما تدرجت في كمالك، كلما تنزهت أكثر من عقدة الحساسية تجاه الذين لا يعترفون بك. من هنا أقول لو أوصلك عقلك إلى الإيمان بي، فأحببتني، وانجذبت إلي، ووثقت بي وتوكلت علي، وجعلتني مثلا أعلى تستقيم إلي، وتكدح إلي في كدحك التكاملي، كنتَ من هذا الجانب أحبَّ إلي. ولعلي أحبُّ آخرين من جوانب أخرى، فثمة ملحد أعمل عقله وتأمل، ووصل إلى قناعة عدم وجودي، أحب إلي من مؤمن آمن بي إيمانا تقليديا أعمى، ولم يعمل عقله، وأحب إلي من مؤمن بي متعصب متزمت يكره من لم يؤمن بي، بل ويكره من يؤمن بي على غير إيمانه، وما أحببت له أن يكره من لا أكرهه، وأحب إلي، أي ذلك الملحد، لاسيما إذا ما تألق في تأنسنه، من متدين تحول عنده دينه إلى وثن، إلى إله يعبده من دوني من حيث لا يشعر، أو جعل مقدَّسيه من أنبياء أو قديسين أكثر قداسة مني، لاسيما إذا كان إيمانه ودينه وتدينه وعبادته لم تستطع أن تصوغ منه إنسانا متأنسنا. لكني أقول لك أيها الإنسان، إن العقل الذي وهبته لك، هو أثمن هداياي إليك، وشكر الهدية إظهارها وتوظيفها، لكن بمقدار ما تعي هذه الحقيقة، فإن وعيتها، فهي الحجة عليك بمقدار وعيك إياها، وإلم تعها، أو وعيتها وعيا محدودا، فلا عتاب عليك. واعلم أيها الإنسان، المهم عندي هو كم ستتأنسن في حياتك، فكلما تأنسنت واستقمت وصلحت، كنت أحب إلي، وكلما تعلمت من أخطائك، وصححتها، وتداركت فأصلحت ما أفسدت بها، وكلما تحريت في كل قضية تواجهك عن الحقيقة، أو عما هو أقرب إلى الحقيقة، كنت أقرب إلي، فمهم عندي أن تكون صادقا مع نفسك، ومعي، ومع الإنسان الآخر، ولا أكلفك فوق وسعك، بوجوب إصابتك الصواب المطلق في أي من الحقائق، ولكن إن اكتشفت حقيقة ما، أو جزءً من حقيقة، فلا توصد الأبواب أمام اكتشاف ما أمكن من جزئها المتبقي، فتكتشف ما يكملها، أو يصححها، أو ينفيها ويستبدلها بما هو أصح منها. ولا تخطّئ بالمطلق كل ما وكل من يخالفك فيها، كما إنك لا تحب أن يخطئك الآخرون بالمطلق، وإلا فإنك إن قبلت لنفسك أن تخطّئ غيرك، فاقبل منه أن يُخطّئك. ولا يُخطِّئن أحدكما الآخر بالمطلق، بل أبقوا الأبواب مفتوحة أمام اكتشاف كل منكم لخطأ وقع فيه، ولصواب أصابه غيره المخالف له، فلعل في كل صواب ثمة خطأ، وفي كل خطأ ثمة صواب، فإن وجدت غيرك مخطئا، فابحث عن ثمة صواب في خطئه، وإن وجدت نفسك مصيبا، فابحث عن ثمة خطأ في صوابك. لا تكابر، ولا تغالِ، ولا تتعصب، ولا تأسر عقلك في سجون حقائق اكتشفتها، أو بدى لك أنك اكتشفها، فظننت أنها نهائية، لا بد من التسليم بها، ومنع الشك فيها، أو طرح التساؤلات عنها، أو نقدها، أو دحضها، أو القول بما يغايرها بنسبة ما، أو يخالفها وينفيها كليا. أيها الإنسان، لا تستسلم لحقائق مدعاة موروثة، أو مشهورة، بل أعمل عقلك وعش أبدا قلق البحث عن الحقيقة، ولا تقلد أو تتبع تقليدا أعمى أو اتباعا أعمى من غير تبين؛ كن شجاعا حتى في أن تشك في وجودي، أنا خالقك، وعلة الوجود كله، واملك شجاعة الإفصاح عن شكك، ولا تتخفَّ إلا إذا كنت مهددا في وجودك، أو في بعض عناصر وجودك المهمة. أيها الإنسان كن إنسانا، ولا تكونُ إنسانا، إلا بمقدار ما تعتمد من العدل والقسط والإنصاف، وأقل العدل أن تحب للآخر ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لها. ولا أؤاخذك، إن أحببت نفسك أكثر مما تحب غيرك، وكذا إن أحببت القريب أكثر من البعيد، لكن دون أن يخرجك ذلك عن العدل، وعن إنسانيتك. لا تكن أنانيا، إلا بمقدار ما لا يخرجك عن إنسانيتك. طبيعي أن تكون حياتك أهم من حياة غيرك، وسعادتك أهم من سعادة غيرك، وراحتك أهم من راحة غيرك، ومصلحتك أهم من مصلحة غيرك، وربحك أهم من ربح غيرك، دون أن أن يمس ذلك حياة غيرك، أو سعادته، أو راحته، أو مصلحته، أو حريته، أو أيا من حقوقه، لكن تقديمك لغيرك على نفسك في أي مما ذكر، إذا شخصت أو احتملت أن حياته أهم من حياتك، أو سعادته أهم من سعادتك، أو راحته أهم من راحتك، أو مصلحته أهم من مصلحتك، أو ربحه أهم من ربحك، أو شخصت أنه في الاستغناء عن شيء من ذلك أقل احتمالا منك، فقدمه عليك. وبعض التقديم والإيثار مستحب ومثاب أنت عليه، وبعضه قد يبلغ درجة الوجوب. ومما عليك أن تحب وتكره للآخر ما تحب وتكره لنفسك، أنك لا تغتابه، لا تبهته، لا تفتري عليه، لا تسيء الظن به، لا تتهمه بما ليس لك برهان عليه، لا تغشه، لا تخون أمانته التي اءتمنك عليها، لا تفشي سره، لا تكشف عيوبه، لا تسيء إلى كرامته، لا تسلبه أو تعين على سلبه حقا من حقوقه، لا تقلق راحته، لا تخدش ذوقه، لا تسخر منه، ولا تجعله في موضع السخرية، لا تحرجه، أو تضعه في موضع الحرج، لا ترهقه بتحميله ما فوق طاقته، لا تؤاخذه بوزر غيره، مهما قرب منه، لا تفرض عليه بالإكراه ما تراه أو ما تميل إليه، لا تتركه من غير مد يد العون إذا احتاج إلى عونك، لا ترفض اعتذاره إن اعتذر عن خطأ أو إساءة منه تجاهك. أيها الإنسان، عامل غيرك بمثل ما تحب أن تُعامَل، وجنّبه ما تحب أن تُجنَّب، وإن أسأت إلى أحد أو قصرت بحقه، أو سببت له أي أذىً، فلا تتردد عن الاعتذار إليه وتطييب خاطره، وإصلاح ما بينك وبينه، ورد حقه واعتباره إليه، واقبل اعتذار من يعتذر إليك. أيها الإنسان، وإني أعطيتك عقلا تحكم به على ما هو صائب أو خاطئ، وأودعت فيك ضميرا تحكم به على ما هو جيد أو سيئ، ما هو حسن أو قبيح، ما هو صالح أو طالح، ما هو خير أو شر، طيب أو خبيث. أيها الإنسان، كن صادقا، ولا تترك الصدق من غير اضطرار، فإن تطلبت الحكمة ألا تقول الحقيقة، أو ألا تقول إلا جزءً من الحقيقة، فاسكت عما لا تراه من الحكمة أو المصلحة أن تقوله، ولا تقل ما لا تعلمه، أو خلاف ما تعلمه، ولا تقل ما لا تؤمن به، أو خلاف ما تؤمن به. وإن اضطُرِرت اضطرارا حقيقيا لا تبريريا، إلى ألا تقول الحقيقة، أو إلى ألا تقول كامل الحقيقة، بل وأن تقول ما هو خلاف الحقيقة، فاستخدم التورية إن استطعت، حتى تبقى مبغضا للكذب، فالكذب قبيح مهما اضطُرّ إليه، وعمر الكذب قصير مهما امتد أمده، ولا تكذب اليوم كذبة بيضاء، فتوقع نفسك في حرج انكشافها غدا، ولا تستخدم التورية من غير حاجة حقيقية، فالتورية ما هي إلا كذبة متوارية وراء غلاف الصدق، ولا تجانب الصدق إذا اضطررت إلا بمقدار الاضطرار، دون أن تتجاوزه خطوة واحدة إلى ما هو خارج دائرة الاضطرار. تجنب بأقصى وسعك أن تكذب كذبة بنية حسنة، كي لا تعطي من يكذب بنية سيئة المبرر لذلك، فالكذب يبقى قبيحا، مهما جُمِّل. ومن الصدق والعدل أداءك الشهادة، اصدق بها، ولا تخفها، ولا تشهد شهادة زور، وإذا توقف إقامة القسط والعدل على شهادتك، فبادر بإدلائها قبل أن يطلب منك، حتى ولو على نفسك أو على من هو كنفسك في قربه إليك، بل وحتى لو كان ذلك لصالح خصمك وبغيضك، إن كان الحق معه، ولا ترتشِ ولا تُرشِ. أيها الإنسان كن متواضعا، فإنك مهما بلغت من درجة في شيء أعلى من غيرك، فاعلم أنه قد يكون في أشياء أخرى، أو ثمة شيء أعلى منك درجة، وحتى لو علمت أنك أفضل منه في كل شيء، فلا تتكبر عليه، إذ التكبر قبيح مُقبِّح؛ قبيح بذاته، ومقبح لكل جمال تملكه. فجمّل كمالك وعلوك وجمالك، جمل كل ما تَفضُل به على غيرك بالتواضع. لكن لا تجعله تواضعا متكلفا، ولا تتواضع من أجل أن يقال عنك ما أشده تواضعا، ولا تتواضع للمتكبر، ولا تتواضع إذلالا لنفسك من أجل قشور ما تربحه. كن ذا كرامة، ولا تخدش كرامتك بإذلالك نفسك لمن لا يستحق، أو من أجل ما لا يستحق أن تعطي كرامتك ثمنا له. أيها الإنسان، مهما قل علمك، لا تستكثر على نفسك أن تُعلّم درسا لذي علم أوفر بكثير من علمك، ومهما كنت عليما، لا تستصغر غير ذي علم أن تتعلم منه درسا فيما تفتقده. أيها الإنسان، كن عفوّا متسامحا، كما تحب لنفسك أن يُعفى عنك إن زللت، أو أخطأت، أو أسأت. اعف أنت أيضا عن الآخرين زللهم، وإن لأجمل العفو عندي هو عفوك عند المقدرة. وقابل الإساءة بالإحسان، وحول العدو إلى صديق، والمبغض إلى محب، والبعيد إلى قريب، ومن جهل عليك، فأعرض عنه، ولا تستنزف طاقاتك في الخصام معه. أيها الإنسان استأنس وتمتع بما شئت، من غير إسراف وإفراط، ومن غير تفريط بما هو أهم، ومن غير أن تظلم أحدا، أو تؤذي أحدا من خلال استئناسك بما يؤنسك، واستمتاعك بما يمتعك، ولا تستمتع بمتعة فيها ضرر عليك أكبر من نفعها لك. وأيما اثنين من ذكر وأنثى، أحبا أن يستمتع بجسد أحدهما الآخر، فليستمتعا إن تراضيا، من غير أن يؤذيا إنسانا آخر أو إنسانة أخرى. وأحب الاستمتاع بأحدكما الآخر إليّ، هو متعة الجسد المقترنة بالحب، فإن استطعتما ألا تفرقا بين الحب ومتعة الجنس فافعلا، وإلا فبأي منهما أسعدتما أو متعتما أحدكما الآخر، فذاك جميل ومحبوب عندي. ومن الطعام فاءكل أيها الإنسان ما لذّ لك وطاب، من غير إسراف، ومن غير ما تناولٍ لما يؤذي سلامتك، ومن غير إدمان، إلا ما لا يضر الإدمان عليه. أيها الإنسان املك الأشياء بالقسط والاعتدال، لكن لا تدعها تملكك. أيها الإنسان، إنك إن احتجت إلى مساعدة أحد في أي شيء، وكان هناك من يستطيع أن يمد لك يد العون، لن تكون سعيدا إذا ما لم يبال بحاجتك أو محنتك؛ هكذا إذن كن أنت مع غيرك، كلما احتاج أحد إلى مساعدتك، فلا تخذله. وإن اقترنت مساعدتك إياه بمشقة أو تضحية، فقد ارتقيت في إنسانيتك أكثر، وكنت أحب إليّ، بل ساعد من تخلى في وقت ما عن مساعدتك عندما احتجت إلى مساعدته، وأعط من منع عنك العطاء عندما كنت في حاجة لعطائه، وسامح من لم يسامحك، لتكون معلم أخلاق للآخرين، وترقى في إنسانيتك بتجاوزك على جراحك. أعن غيرك على ما يحتاج فيه إلى عونك، واستعن بغيرك على ما لا تقدر عليه من غير عونه؛ لا تستنكف من تلقي العون من غيرك، ولا تبخل في عونك لغيرك، ولا تفسد إحسانك إلى أحد بالمنة عليه، أو التحقير أو الإحراج له، أو التشهير به. أيها الإنسان أحبب الناس، وكن محبوبا لديهم، فالحب هو أرقى ألوان العلاقة بين الإنسان والإنسان. أيها الإنسان، اكتشف الجمال في كل شيء، أحبب الجمال، انجذب إلى الجمال، تذوق الجمال، استمتع بالجمال، ونمِّ ذوقك واسشعارك بالجمال، فتذوُّق واستشعار الجمال أرقى أنواع التسبيح لي والصلاة إليّ، سواء كان جمال اللون، أو جمال الشكل، أو جمال الصوت، أو جمال النغم، أو جمال المعنى، أو جمال السلوك. وعقلك أيها الإنسان، عقلك؛ نَمِّه، وطوره، وتألق به، تأمل وتدبر وزاول الفكر، فالفكر عندي أرقى أنواع النشاط الإنساني، ومن ليست له ملكة التفكير ومزاولة الفكر، فلا يكُلَّف إلا بما هو في وسعه. أيها الإنسان، كن حرا، ولا تدع نفسك تُستعبَد من غيرك، أو مما يملكك من الإفراط في الملذات، إذا ما أخرجتك الملذات عن توازنك، وعن وسطيتك، وعن إنسانيتك. أيها الإنسان طور العلم في كل ميادينه، وتعلم مني أنا الخالق أن تكون خلاقا، وتعلم مني أنا المبدع أن تكون مبدعا، وتعلم مني أنا المتقن أن تكون متقنا، وتعلم مني أنا أستاذ الفنانين أن تكون فنانا. أيها الإنسان، إن استطعت، فلا يمرنّ عليك يوم إلا وأضفت إليه جديدا لم يكن في أمسك، تحرك دائما إلى أعلى، إلى ما هو أكمل، وأجمل، وأفضل، وأسمى، وأسنى. وكن يوما بعد يوم أعقل، وأحكم، وأكثر معرفة مما قبله، كما وكن أعدل وأقسط وأنصف مما قبله. أيها الإنسان وأفض بالرحمة على كل من يفتقد عنصر قوة تتوفر عليه؛ إن كنت غنيا، فارحم الفقير، وإن كنت قويا، فارحم الضعيف، وإن كنت سالما، فارحم السقيم، وإن كنت عالما، فارحم الجاهل، وليرحم كبيركم صغيركم، وشابكم شيخكم. أيها الإنسان، ازدد إنسانية واستقامة، وازدد علما ومعرفة، وازدد حكمة وعقلانية. أيها الإنسان، لا تطع الأديان والأنبياء والفقهاء والقساوسة والرهبان والحاخامات والكهنة، فيما لم آمرك به، وفيما لم أنهك عنه، ولا تطعهم فيما يبيحونه لك مما هو محرم عندي. أما شريعتك أو شريعتي لك، فيبينها لك ضميرك وحده، وعقلك وحده، وتجربتك وتجربة الآخرين والتجربة الإنسانية عموما، وما تراضى عليه عقلاء الناس، وما تعاهدوا عليه مما وجدوا فيه تحقيق العدل بينهم، في تطوير مبادئ ومواثيق حقوق الإنسان. أيها الإنسان، اعلم أني مساو بين المرأة والرجل، وبين الفقير والغني، وبين كل إنسان وكل إنسان، إلا بما يكون أحد أفضل من أحد بما هو أفضل منه، وحصرا في الميدان والمناسبة والظرف فيما يكون لتلك الأفضلية دور وأهمية؛ كل ذلك بمعاييري، ومعايير عقلك وضميرك، وبمعايير العقلاء والإنسانيين. أيها الإنسان كن في كل ما تعمل نزيها صادقا متقنا، ولا تكن مقلدا وحسب، بل حاول أن تكون مبدعا. أيها الإنسان، لا يكفي أن تكون عادلا، بل ارفض الظلم، وقاومه، وانتصر للمظلوم، وارفض الاستبداد، وقاومه، كما لا تستبد أنت مقدار ذرة ظالما لأحد. ناضل إذا استوجب الأمر من أجل الحرية والعدالة السلام؛ ناضل من أجل الآخرين، حتى لو لم تكن ممن مسهم شيء مما تناضل من أجله، ولا تلجأ ما استطعت إلى العنف في نضالك، بل اجعله نضال رفق وسلام، ما استطعت إلى ذلك سبيلا. أيها الإنسان، أحبب السلام، وادع له، وأفشه، وانبذ الاقتتال والعنف، وصالح بين المتخاصمين. أيها الناس إن اختلفتم فلا تتقاتلوا، فأبغض المحرمات عندي القتل والاقتتال؛ حلوا خلافاتكم بالحوار والعقل والإنصاف. أيها الإنسان، أطع القوانين، لأنها عهد بينك وبين الآخرين، ولأنها تحفظ النظام العام، والصالح العام. وقاوم القوانين الظالمة، واعمل على إصلاحها. ومن العدل أن تساوي في الحقوق بين الناس؛ إياك - إن كنت رجلا - أن تقدم في الحقوق ذكرا على أنثى، وإياكِ - إن كنتِ امرأة - أن تقدمي في الحقوق أنثى على ذكر، وإياك أيها الإنسان أن تقدم في الحقوق صديقا على غريب، أو قريبا على بعيد، أو من تهواه على من لا تهواه، أو غنيا على فقير، أو ذا جاه على غير ذي جاه، أو ذا لون كلونك على ذي لون مغاير، أو من لك مصلحة عنده على غيره. أيها الإنسان لا يكن لك ميزانان، تزن تارة بهذا وتارة بذاك، أو مكيالان، تكيل تارة بهذا وتارة بذاك، حسبما تحب وما تهوى، وما لا تحب وما لا تهوى، وحسب قرب كل شخص منك أو بعده عنك، وحسب ما يحقق لك من مصالح، خلاف موازين القسط ومعايير الحق.
آخر مراجعة 10/03/2013



#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دويلات شيعية وسنية وكردية ومناطق متقاتل عليها
- الفرائق الخمسة من اللاشيعة واللاسنة
- الموقف من الأقسام الستة لكل من التشيع والتسنن
- الطائفيون واللاطائفيون واللامنتمون لطائفة 2/2
- الطائفيون واللاطائفيون واللامنتمون لطائفة 1/2
- لماذا وقعت على «إعلان البراءة من الطائفتين»
- ال 3653 يوما بين نيساني 2003 و2013
- مع جمانة حداد في «لماذا أنا ملحدة»
- قضية القبانجي تؤكد خطورة ولاية الفقيه علينا
- معارضة أحد طرفي الصراع الطائفي لا يستوجب تأييد الطرف المقابل
- يا علمانيي العالم اتحدوا
- لماذا تحميل (الشّيعِسلامَوِيّين) المسؤولية أولا؟
- الديمقراطيون بين السلطة الشيعية والانتفاضة السنية
- مجرد سؤال .. ماذا لو قيل: «الإسلام هو المشكلة»؟
- تصويت البرلمان ضد التجديد للمالكي
- أفتخر أني لست شيعيا ولا سنيا
- «كفى يا أبا إسراء ...» مقالة لي تاريخها 06/10/2010
- مع المعلقين بشأن خيار الانتخابات المبكرة
- بيد المالكي وحده مفتاح فكّ استعصاء الأزمة
- يحق لنا ولا يحق لنا أن نحتفل بالسنة الجديدة


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - رسالة من الله إلى الإنسان