أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - مع جمانة حداد في «لماذا أنا ملحدة»















المزيد.....


مع جمانة حداد في «لماذا أنا ملحدة»


ضياء الشكرجي

الحوار المتمدن-العدد: 4045 - 2013 / 3 / 28 - 13:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


«لماذا أنا ملحدة»؛ هذا كان عنوان مقالة جريئة للكاتبة جمانة حداد على صحيفة «الحياة» البيروتية في 23/03/2013.
ليس مهما عندي أن يكون الإنسان ملحدا (لاإلهيا) أو إلهيا، أن يكون إلهيا لادينيا، أو دينيا عقليا، بل المهم أن يكون الإنسان حرا فيما هي الحرية من الداخل، بمعنى أن يملك عقلا حرا وإرادة حرة، وبالتالي فكرا حرا، وأن يمتلك الشجاعة في الإفصاح عما يفكر، ومواجهة تحديات الواقع الرافض بدرجة أو بأخرى لحرية الفكر، وحرية الإفصاح.
جمانة حداد مع مقالتها «لماذا أنا ملحدة؟» تريد أن تروّض هذا الواقع على وجوب القبول بهذه الحرية كخطوة أولى، ثم احترام هذه الحرية كخطوة ثانية متقدمة على الأولى، ثم الدفاع عن هذه الحرية كخطوة أكثر تقدما، ثم في آخر المطاف استنكار كل من لا يحترم حرية الرأي، وحرية العقيدة، وحرية الإيمان، وحرية الكفر.
ربما أكون الآن متهما في عقيدتي، ولذا سيعتبر البعض هذا التناغم مع جمانة حداد من موقع الالتقاء بمشترك (الكفر). لكني، ولا أقول هذا تقية، ولا خوفا، ولا نفاقا، كما يحب الدينيون أن ينعتوا حذرنا الذي كما يعلمون يملك الكثير من المبررات، التي أوجدوها هم، بل أيضا إصرارا مني عن التعبير عن قناعاتي، لأقول أني لا ألتقي مع جمانة حداد في نفي وجود الله، إلا بمقدار نفي ذلك الله الذي صاغته الأديان. لكن الذي يهمني هو حرية الفكر، وحرية الإفصاح، وليس أن نلتقي في النتائج التي توصلنا إليها أذهاننا، ذات المحدودية مهما حاولت أن تنطلق في الأفق الواسع، إذ تبقى سعة الأفق فيما هي حرية التفكير، ولكن الأفق لا يتسع إلى المدى اللامحدود في إصابة الصواب.
حتى عندما كنت ما أتحرج اليوم من ذكره، أي عندما كنت إسلاميا، كنت مؤمنا بهذه الحرية، ولطالما قلت يوم كنت إسلاميا إننا نحتاج إلى تأسيس جمعية للدفاع عن الملحدين والمرتدين، بالرغم من أني كنت على الصعيد السياسي إسلاميا، ولو إسلاميا ديمقراطيا آنذاك، وعلى الصعيد الميتافيزيقي كنت دينيا، ولو معتمدا لمنهج تأصيل مرجعية العقل آنذاك. كان يهمني دائما أن يملك الملحد حرية التعبير والإفصاح، ويملك المرتد عن الإسلام تلك الحرية، وهكذا يملك أتباع الديانات الممنوعة كالبهائية حرية الإفصاح، فلا يكونون مضطرين للتخفي، وممارسة التقية الإجبارية.
ففي 29/01/2007 كتبت «الملحدون الإلهيون والمرتدون المتدينون»، وفي 14/07/2007 «حرية الرأي والاعتقاد بين الدستور والواقع»، وفي 29/01/2008 «هل يمكن التفكيك بين الإيمان والدين»، وفي 30/08/2011 «الأقليات الدينية التي ليس لها مدافع: الملحدون والمرتدون». في هذه المقالات وفي كثير غيرها التي يجدها القارئ على موقعي الشخصي (نسماء) http://www.nasmaa.org، دافعت عن حرية العقيدة، والأهم من ذلك أني بينت التفكيك الفلسفي بين موضوعتي الإيمان والدين، فهناك الإيمان اللاديني، كخيار ثالث بين الدينية واللاإلهية، كما إن الله لا يمكن أن يكون حكرا على الأديان الإبراهيمية، فهناك الله الفلسفي الذي لا علاقة له بكل الصور التي قدمتها تلك الأديان عنه، فشوهت معناه، وخدشت جماله، وأحطت من جلاله.
من هنا فأنا ألتقي مع جمانة حداد في إلحادها، لكن لا من حيث نفي وجود الله، بل من حيث نفي وجود ذلك الله المسلم، والله اليهودي، والله المسيحي، نفي ذلك الله الشيعي، والله السني، والله الوهابي، نفي ذلك الله الأشعري، والله المعتزلي، نفي ذلك الله الكاثوليكي، والله الپروتستانتي، أو الأرثوذكسي، من حيث نفي الله الإسلامي المسيس أو المتسيس، والله الخرافي اللاسياسي على حد سواء. الله الذي أؤمن به، هو ذلك الله الذي - كما في تنزيهيتي - «لا يثيب لمجرد إيمانه أحدا من المؤمنين، ولا يعذب لكفره أحدا من الكافرين، إنما بإحسانه يثيب المحسنين، آمنوا به أو لم يكونوا يؤمنون، وبعدله يجزي المسيئين، كفروا به أو كانوا من المؤمنين»، إنه الله - كما في تنزيهيتي أيضا - «إنما العقل رسوله والضمير رقيبه». إنه ذلك الله الذي يحب الملحد الذي أعمل عقله، فلم يقتنع بوجوده، كما يحب الإلهي الذي أعمل عقله فآمن به، ولم يكفّر أحدا ويقمع حريته، ممن يؤمن أو لم يؤمن، أو يؤمن إيمانا مغايرا لما يؤمن به؛ فكان الملحد الذي أعمل عقله فلم يوصله إلى الإيمان به، أحب إليه من المتدين المؤمن الذي عطل عقله واتبع اتباعا أعمى وقلد ما وجد عليه آباءه، فكان مقتديا آثارهم، من غير أن يتبين، فلعلهم كانوا في ضلال مبين، وإن كانوا معذورين في ضلالهم، لأنهم لم يختاروه بمحض حريتهم، وإن بدا لهم ولخصومهم ذلك.
الله الذي أؤمن به يحب للإنسان أن يكون خلاقا مثله، مبدعا مثله، مطورا للعلوم والمعارف، باحثا من غير تابوهات، سواء أوصله بحثه للصواب، أو للخطأ، ما زال مستعدا أن يكتشف الخطأ ويصححه، ويواصل بحثه إلى ما هو أقرب للصواب، سواء في علوم دنياه على ضوء التجربة، فيما يبني الحياة ويطورها على جميع الأصعدة، أو فيما هو البحث الفلسفي عما وراء الطبيعة، بدون دعوى احتكار الحقيقة، ودون تكفير.
ففلسفة التنزيه تريد أن تكسر قضبان السجون والزنزانات، التي أودعت الأديانُ فيها كلا من الله، نعم الله أودعته في سجنها، والإنسان، والعقل، والحرية، والإبداع، ونفت من الحياة كلا من العلم، والحب، والسلام، وتذوق الجمال.
موقفي كوقف جمانة حداد «عقلي بحت»، مع اختلاف النتيجتين، لأن العقل البشري، عقل جمانة حداد، وعقل ضياء الشكرجي، نسبيان، لذا ينتهي بها عقلها بقول: «أنا ملحدة، بناءً على موقف عقلي بحت»، وينتهي عقلي بي بقولي «أنا إلهي منزه لله عن الأديان، بناءً على موقف عقلي بحت». كلانا ملحدان، والفرق أني ألحدت بالله الديني حصرا، ولم ألحد بالله الفلسفي العقلي، الذي لا شغل له مع من يؤمن به ومن لا يؤمن به، بقدر ما له شغل مع من استطاع أن يتأنسن، وكم تأنسن، ومن لم يرد أو لم يستطع أن يتأنسن، وكم كان لاتأنسنه، فيكون فاقد الاستطاعة معذورا، وغير المريد مع الإصرار محاسبا ولاقيا جزاءه بمقدار ما يستحق، «ومن استحق تعويضا عما أصابه، أو عما فاته، فلن يجد مثله من معوض، إنه أجزل المعوضين»، كما في تنزيهيتي.
وجمانة حداد لم ترد لمقالها أن يكون «بحثاً عن الله»، بل هو - كما عبرت -: «بكل بساطة، بحثٌ عنّي، عن أغواري، عن السفر الداخلي الذي أسافره في أعماقي، حيث أحفر عميقاً عميقاً لأكتنه نفسي، فلا أجد ذلك الله الذي كان أساس حياتي في ما مضى»، فوجدت الانسجام مع نفسها. ومثلها أنا لم أجد - لكن بعد البحث - «ذلك الله الذي كان أساس حياتي في ما مضى»، بل هو الله الذي أناديه في تنزيهيتي بـ«رب العقل والصدق والعدل والرحمة والحب والجمال والسلام»، عندما عثرت أيضا من جديد على الانسجام مع نفسي. الله الذي عرفته، أو تعرفت عليه من جديد، بعدما حررته من سجن الدين، هو ليس ذلك الله الذي كتب لنا كتب الفقه والشريعة، وملأ حياتنا بمحرمات لم يحرمها العقل، وبالتالي لم يحرمها الله الذي عرفته، وملأ حياتنا بواجبات، لم يوجبها العقل، وبالتالي لم يوجبها الله، كما أباح لنا ذلك الله الديني الكثير الكثير مما لم يبحه العقل، ولا الضمير، ولا الأخلاق، وبالتالي فهي من مباحات الدين، لكنها من محرمات الله، لأنها بكل بساطة من محرمات العقل والضمير، وأقل تلك المحرمات قمع الحريات، وأبشعها نفي حياة المغاير في العقيدة.
وكم هو جميل ما تعبر عنه جمانة حداد بقولها: «ولأوضح: ليس عندي شعورٌ بالعذاب من جرّاء عدم الإيمان بالله. بل أشعر بأن نوعاً من التوازن الروحي والجسدي والعقلي والفلسفي يملأ سيرورتي، ويمنحني أن أكون امرأة "طبيعية". ليس عندي أحمالٌ أو تابوهاتٌ إيمانية وإلهية، تثقل وجودي. لهذا السبب أشعر بأني خفيفة. وبأني طليقة. وبأني غير مقيّدة بإرثٍ عميق الجذور كهذا الإرث. أشعر بأني موجودة فحسب. وبأن عقلي، بما يجنيه من مشاعر وأحاسيس وعلوم وثقافات وقيم وحضارات ومفاهيم وأسئلة وأجوبة وشكوك ويقينات، هو الإيمان الوحيد الذي أؤمن به.»
وأنا مثلها مع الاختلاف في التفاصيل، حيث إني أيضا «ليس عندي شعورٌ بالعذاب من جرّاء عدم الإيمان [بمقولات الدين، مع إيماني اليقيني بالله]، بل أشعر بأن نوعاً من التوازن الروحي والجسدي والعقلي والفلسفي يملأ سيرورتي، ويمنحني أن أكون إنسانا طبيعيا؛ ليس عندي أحمالٌ أو تابوهاتٌ إيمانية وإلهية [مدعاة، ابتدعها الدين ونسبها إلى الله]، تثقل وجودي، لهذا السبب أشعر بأني خفيف، وبأني طليق، وبأني غير مقيّد بإرثٍ عميق الجذور كهذا الإرث، بل أشعر بأني موجود فحسب، [والقيد الذي وضعه الله لي، أو الذي جعلته لنفسي طوعا، هو ضميري وإنسانيتي]، وبأن عقلي، بما يجنيه من مشاعر وأحاسيس وعلوم وثقافات وقيم وحضارات ومفاهيم وأسئلة وأجوبة وشكوك ويقينات، هو الإيمان الوحيد الذي أؤمن به، [مع إيماني بنسبية عقلي، وبالتالي فهو خطّاء، لكنه لا يشعر بتأنيب ضمير عندما يخطئ، ولا يخاف من عذاب في نار أعدها خالقه، ليحرقه فيها، عقابا له على خطئه، ولا يكابر عندما يكتشف خطأه، فيصححه، فيقترب شوطا آخر من الصواب، أو إلى ما أهو أكثر صوابا].»
وهكذا ألتقي مع ثمة افتراق مع جمانة حداد عندما تقول: «وإذا طرحتُ على نفسي الآن، السؤال الآتي: أيّ إحساسٍ يملأني حيال هذه الخلاصة العقلية، التي تقول إن الله لا وجود له في حياتي، وإن خالق البشرية المفترَض ليس سوى أحد مخلوقاتها/ اختراعاتها؟ أجيب بسرعة، ولكن بدون تسرّعٍ نزِق: هو الإحساس بالمصالحة مع الذات، بكل مكوّناتها، بطفولتها، بماضيها، بحاضرها، بتناقضاتها، باحتمالاتها، وبتناغماتها. والإحساس بالمصالحة مع الكون، بكل مكوّناته، بطبيعته، بتاريخه، بجغرافيته، بشعوبه، بكيميائه وفيزيائه وأرضه ومياهه وكواكبه.»
فأقول: وأنا أيضا «إن إحساسا يملأني حيال هذه الخلاصة العقلية، التي تقول [إن لله وجودا مركزيا في حياتي، وإنه خالق البشرية، وليس من مخلوقاتها واختراعاتها، إنما الذي اخترعته عقول البشر هو ذلك الله الديني المهووس بلذة تعذيب عباده، وإن الدين طاغوت يتنافس ويتدافع مع الله، ليحل محله، فيُعبَد من دونه. وهذا يولد عندي كما عند جمانة حداد مع اختلاف التفاصيل، يولد عندي] الإحساس بالمصالحة مع الذات، بكل مكوّناتها، بطفولتها، بماضيها، بحاضرها، بتناقضاتها، باحتمالاتها، وبتناغماتها [بتحولاتها، بإيمانها وكفرها، وإيمانها وكفرها، وإيمانها وكفرها]. والإحساس بالمصالحة مع الكون، بكل مكوّناته، بطبيعته، بتاريخه، بجغرافيته، بشعوبه، بكيميائه وفيزيائه وأرضه ومياهه وكواكبه.» كما هي مصالحة جمانة حداد مع نفسها ومع الكون.
وكما جمانة حداد «أنا أؤمن بالعلم، بما اخترقه الى الآن، وبما سوف يخترقه في الغد». لكني لا أقول إن «الكثير من العلم يدحض اقتراح الله في شكل حاسم، أو في الأقل "ضرورته" كتفسير لوجود هذا الكون»، إنما الذي أتفق معها فيه، إن الكثير من العلم يدحض اقتراح الله في شكله الديني، أما في شكله الفلسفي، فصحيح كما تعبر جمانة حداد، لا يقر العلم «في الأقل "ضرورته" كتفسير لوجود هذا الكون»، لكن العلم لا يقول أيضا بـ"امتناعه" العلمي، إنما بـ"امتناع" الصورة الدينية لله. بل إنه عندي امتناع فلسفي، مما هو أوسع من الامتناع العلمي، فالله الديني ممتنع عقلا، أما الله المتنزه عن تلك الممتنعات عليه فيما هو التصوير الديني، فهو عندي واجب عقلي فلسفي، ولكن من الممتنعات الفلسفية أن يثيب الله ويعاقب على وفق عقيدة الإنسان، فالعقيدة ليست فعلا إراديا، حتى يثاب ويعاقب عليه صاحبه. فالجزاء بمقدار الإرادة الحرة، وإلا كان ظلما، يتنزه عنه المطلق في كماله.
لكني أراني منسجما تماما مع قول جمانة حداد: «ماذا تكون الأديان سوى أدوات عزاء وهمية تستهدف الملايين والملايين من العقول التائقة إلى من يطمئنها، في خضمّ أوجاعها ومخاوفها وشكوكها وتحدياتها اليومية وأزماتها؟ هل نريد حقاً أن نجازف بحياتنا، ومبادئنا، ومواقفنا، وخياراتنا، كرهان على ذلك؟ ألن يكون من الأسلم والأجدى أن نحترم المبادئ الأخلاقية والمعنوية الدنيوية، القائمة على القيم الإنسانوية العالمية؟ ألن يكون من الأسلم والأجدى أن نقرّر بأنفسنا ما هي أخطاؤنا ونحاول أن نصحّحها؟ هل صحيح (وعادل) أن نعتبر أنّ فرضية الله [على وفق الصورة الدينية] تجسيد للحبّ والسماح وتقبّل الآخر والأخلاق، والطريقة الوحيدة لإنقاذ الإنسان من "حيوانيته" أو غرائزه "الشريرة"؟ ليس إذا كنتَ متديناً على نحو أعمى، ليس إذا كنتَ طائفياً بعنف، ليس إذا كنتَ تلتزم حرفياً أحكام دينك - مهما يكن هذا الدين - وتسلّم أمرك ورأيك وقدرتك على الحكم والتفكير إلى جهة تزعم أنها "أعلى" منك، فتصدّق بسلامة طويّة كلّ كلمة يتلّفظ بها كبار المسؤولين الدينيين في طائفتك، وتكيّف حياتك، ورؤياك، وأعمالك مع تلك الحلقة المفرغة من القوانين والوصايا (التي تبلغ في بعض الأحيان حدوداً عبثية)، تلك القوانين والوصايا التي كان شخصٌ آخر قد فكّر فيها بالنيابة عنك، وقرّر أنها تناسبك وتمنحك بطاقة غير مشروطة لـ"الدخول إلى الجنة".»
بل فهمي لإيماني بالله، رب الحب والجمال والسلام، هو الذي يفرض عليّ حرمة تسليم عقلي، أثمن عطايا الله لي، لمن يقوم بتخريفه وتعطيله وشله ومصادرته وتشويهه. فمواثيق حقوق الإنسان أكثر رقيا بكثير من كل الشرائع الدينية، والأخلاق الفلسفية أكثر ألقا وإنسانية بكثير من أخلاق الأديان، التي اختزلت كل المنظومة الأخلاقية في وضع ضوابط، كثير منها غير معقول، وغير مبرَّر، للممارسات الجنسية.
ولجمانة حداد وكل الجمانات كل الحق، ولها ولهن كل المساندة والدعم والتضامن، في ثورتهن على ما أسمته «إهانات لا تحصى لكينونتي كإنسان/ إنسانة»، خاصة عندما تكتشف ونكتشف معها أن الأديان «عنصرية، متحاملة على النساء، عديمة الرحمة، دموية، رافضة للاختلاف، متحيّزة عملانياً ضدّ الإنسانية والحريات وحقوق الإنسان. [...] ناهيك بأن هذه الأديان الثلاثة أقدمت كلها، في مجرى تاريخها، على توظيف العنف والإرهاب ترويجاً لأهدافها، [...] وولّدت بسبب طابعها الحصريّ (إن لم تكن معي فأنت عدوّي، فأنت كافر، فأنت إنسان سيئ)، ظلماً مباشراً أو مبطّناً بحقّ الذين لا يتبعونها.» وأضيف إن هذا لم يكن فقط انتهاكا لإنسانية الإنسان، ولا مصادرة لعقله وحرياته وحقوقه، وشلا لطاقته الإبداعية الخلاقة وحسب، بل كانت عرضا مشوها لصورة الله، فكانت عامل تنفير منه، وعامل صد عن سبيله، وكانت طاغوتا في الغالب يُعبَد من دون الله.
وكيف لا تشعر الأديان جمانة حداد بالإهانة، فهي تعبر بحق «الأديان التوحيدية تُشعرني بالإهانة، أولاً، لأنّي امرأة. امرأة ذات كرامة، امرأة تؤمن بشكل لا مجال فيه للشك بأنها مساوية للرجل، وبأنه ينبغي لها أن تتمتع بالحقوق والامتيازات نفسها التي يتمتع هو بها. فكيف يسعني ألاّ أرفض أدياناً كارهة للنساء بشكلٍ متأصّل، ومعادية لمبدأ المساواة بين الجنسين، وتتنافس في ما بينها لتطبيق المعايير البطريركية، من إذلال للنساء، إلى تصنيفهنّ كملكٍ من أملاك الرجل، وقمعهنّ، والتعامل معهنّ بدونية؟» وقد أوردت كشاهد على كلامها وموقفها مقتطفات من الكتب السماوية المقدّسة الثلاثة، حيث يساويها العهد القديم بالعبد والأمة، ويساوي الثلاثة بالثور والحمار، فكل مما ذكر مما يباع ويشترى.
من حق المرأة أن تشعر بالإهانة، عندما توصم بنقصان العقل، وعندما يُسلَّم مصيرها لإرادة ورغبات ونزوات وتقاليد وأحكام الرجل. كما من حق غير المسلم أن يشعر بالإهانة والغضب، عندما يجد اسمه بوصفه (كافرا)، أي غير مؤمن بالإسلام، مدرجا في قائمة ما يسمى بلغة الفقه بأعيان النجاسة، أي ما هو نجس ذاتيا، وليس متجنسا بغيره، فيجد اسمه سواء بسواء، مع الغائط، والبول، والكلب، والخنزير. وعندما يجد غير المسلم إن حرمة الحياة خاصة حصرا بحياة المسلم، كما يجد غير اليهودي أن حرمة الحياة خاصة بحياة اليهودي.
وفيما يتعلق الأمر بالدولة، حيث تتناول الكاتبة تصورها عن الدولة التي تطالب بها، ونطالب بها جميعا، ألا هي الدولة العلمانية، التي تكون حاضنة للإنسان كإنسان، ولا توضع في ميزان المواطنة القضايا التي يجب أن تكون شأنا شخصيا محضا، ومنها الإيمان واللاإيمان والإيمان المغاير، الدين واللادين والدين المغاير، والاعتناق والتحول والتخلي واللاأدرية. هنا تقول جمانة حداد: «هذا لا يعني أني أنادي، على مستوى النطاق العام، الى دولة ملحدة. لكني، أبعد من موقفي الخاص حيال مسألة الايمان، لا بد من أن أطالب بأنظمة علمانية في حدّها الأدنى.». فعلا نحن، العلمانيين الديمقراطيين الليبراليين الحداثويين، لا نريد دولة ملحدة، كما ولا نريد دولة مؤمنة، فالدولة لا تتصف بالكفر، ولا بالإيمان، بل هي حاضنة لكل المواطنين، لكل الأديان، لكل الفلسفات، لكل ألوان الإيمان، ولكل ألوان الكفر. وكما كتبت جمانة حداد «لطالما نالت المرأة حقوقها وحريّتها في مختلف أنحاء العالم ضمن إطار علماني»، ونال الإنسان حقوقه بقطع النظر عن كل الاعتبارات التي تمثل ملامح وخصوصيات شخصيته وفردانيته.
وحقا «في ثقافتنا» كما تقول جمانة حداد، «تندرج الفضيلة والعفة كمفهومَين مترادفين، يمكن استبدال أحدهما بالآخر. كذلك بالنسبة إلى الحرية والفجور، ولاسيّما في حال النساء». فلو كذب الإنسان، فليست هي بشكلة كبيرة، ولو غشّ، أو زوّر، أو حتى لو سرق، ولو سلب حقوقا لآخرين، ولو ولو ...، كل هذا قد يعرضه فقط للعتاب، لكنه لا يُسقطه اجتماعيا، فقط الممارسة الجنسية هي التي تحدد مدى التزام (المتدين) بالأخلاق. ومع هذا فهو هنا يمارس ازدواجية المعايير، فلو مارس الرجل محرما من المحرمات الجنسية، ربما يكون أمرا معيبا، أو ذنبا صغيرا، علاوة على المجال الشرعي دينيا الذي فتحه له الدين بما يكاد يكون بلا حدود في إشباع غريزته الجنسية حتى التحوين أحيانا، أما المرأة لو مارست بأقل منه، بعُشره، بل عُشر العُشر، فتسقط، وتفقد شرفها، بل تتعرض حياتها للنفي. أما إذا امتنعت المرأة كزوجة عن تلبية الرغبة الجنسية لزوجها لأي سبب، فستجد إن هناك حشدا هائلا من الملائكة، له أول وليس له آخر، لا شغل لهم في تلك الليلة، إلا صب اللعنات تلو اللعنات على تلك الزوجة العاقّة التي لم تلبِّ رغبة زوجها.
وذكرت كاتبتنا الملحدة الشجاعة جمانة حداد أمثلة لازوداجية الدينيين، فأرودت مثلا من الفقه الشيعي، وآخر من الفقه السني، المثال الشيعي كان من تلك الفتوى التي غدت معروفة، التي ذكرها الخميني في كتابه (تحرير الوسيلة): «لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين [حسب التقويم القمري، والتي تعادل حسب التقويم الشمسي ثماني سنوات، وثمانية أشهر، وعشرين يوما]، دواماً كان النكاح أو منقطعاً [أي بعقد زواج موقت، أو ما يعرف بالمتعة]، وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة [كم هي مرعبة ومقرفة ووحشية هذه الصورة]، ولو وطأها قبل التسع ولم يفضّها لم يترتب عليه شيء غير الإثم [كما لو شرب كأسا من الخمر] على الأقوى [أي ما ينبغي تجنبه على نحو الاحتياط الاستحبابي، مما يعد نهيا ترخيصيا، أي مكروها، وكل مكروه جائز، فيا للكارثة]».
أما المثال السنّي الذي تذكره كاتبتنا الملحدة المؤمنة، بمعنى الإيمان بالمثل الإنسانية، الذي هو أرقى ألوان الإيمان عند الله، حسب عقيدتي التنزيهية، فتذكر هذه الفتوى: «إن الصغيرة التي لم تحض بعد يمكن أن تتزوج وتطلق، فتكون عدتها حينئذ ثلاثة أشهر. وإذا تزوج الرجل الكبير البنت الصغيرة التي يُستمتَع بمثلها عادة ["عادة" وكأنه أمر طبيعي]، جاز له أن يستمتع بها بكل [انظروا "بكل"] أنواع الاستمتاع المباحة شرعاً. أما وطؤها [نعم، وطأها يا ناس] فلا يطأها حتى تكون مطيقة للوطء، بحيث لا يضر بها [فيا لرحمة الشريعة]» كما ذكرت نصا آخر من الفقه السني: «يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعاً، ولو كانت في المهد [الله أكبر]، لكن لا يُمكّن منها [يا للرحمة] حتى تصلح للوطء.».
وأضم صوتي إلى صوتها عندما ختمت مقالتها بهذا النداء، مضيفا تعيلقاتي [بين مضلَّعَين]:
«حريّ بنا العودة إلى ما قبل عهد "الصواب" و"الخطأ"، [ما قبل الإيمان والكفر] ما قبل عهد المؤسسات الدينية، ما قبل عهد "فكِّر مثلي" و"نحن على حقّ وهم المخطئون". لنعد إلى ما قبل ذلك حتى: إلى ما قبل عهد الخطيئة الأصلية، وكل المؤلّفات المشوّهة وطريقة التفكير المتأثّرة بها. فلنعد إلى ما قبل آدم، ما قبل حوّاء، ما قبل الملائكة، وقبل الأبالسة، قبل الصالح والمستقيم، وقبل الآثم والشرّير، ما قبل الوصايا، قبل العقاب، قبل الثواب، [قبل الجنة والنار] قبل المقدّسات، [قبل الكتب وتفاسيرها، قبل الأحكام الشرعية واستنباطاتها من مصادرها الشرعية، قبل الوحي، قبل جبريل] قبل الله، [أقول قبل ذلك الله الذي صاغته الأديان على خلاف حقيقته، وبالضد من تنزيهه] وقبل الشيطان. من ثمّ، دعونا نبدأ من جديد، نبدأ نحن البشر من جديد، من تلك النقطة البيضاء بالذات»، ديننا إنسانيتنا لا غير، وشريعتنا عقلانيتنا لا غير.
وأخيرا تحية حب وإجلال من مؤمن/كافر، من إلهي منزه لله ومنتصر للإنسان، إلى الملحدة الشجاعة والحرة جمانة حداد، وإلى كل الأحرار، حتى تتهشم الأوثان، وتتحرر العقول، فتفك رقبة العقل من رق هلوسات المقدس الموهوم، ويطلق أسر الله من سجن الدين.
وآخر ما أختم به، بعد اعتذاري من عقلاء الدينيين، وعقلاء الملحدين، هو سيمفونية أن تحمَّد الله فوق حمد الحامدين، وتنزَّه فوق تنزيه المنزهين.



#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضية القبانجي تؤكد خطورة ولاية الفقيه علينا
- معارضة أحد طرفي الصراع الطائفي لا يستوجب تأييد الطرف المقابل
- يا علمانيي العالم اتحدوا
- لماذا تحميل (الشّيعِسلامَوِيّين) المسؤولية أولا؟
- الديمقراطيون بين السلطة الشيعية والانتفاضة السنية
- مجرد سؤال .. ماذا لو قيل: «الإسلام هو المشكلة»؟
- تصويت البرلمان ضد التجديد للمالكي
- أفتخر أني لست شيعيا ولا سنيا
- «كفى يا أبا إسراء ...» مقالة لي تاريخها 06/10/2010
- مع المعلقين بشأن خيار الانتخابات المبكرة
- بيد المالكي وحده مفتاح فكّ استعصاء الأزمة
- يحق لنا ولا يحق لنا أن نحتفل بالسنة الجديدة
- المشهد السياسي: قراءة للواقع واستشراف للمستقبل
- الشريعة والرئيس يغتصبان الدستور المصري 3/3
- الشريعة والرئيس يغتصبان الدستور المصري 2/3
- الشريعة والرئيس يغتصبان الدستور المصري 1/3
- المالكي والبرزاني إلى أين في غياب الطالباني؟
- التقية والنفاق والباطنية على الصعيدين الديني والسياسي
- رؤية في إعادة صياغة العلاقة بين الإقليم والدولة الاتحادية
- نقاش في المفاهيم مع الكاتب محمد ضياء العقابي


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضياء الشكرجي - مع جمانة حداد في «لماذا أنا ملحدة»