أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - حوار أملاه الحاضر 15 الشريعة وتطبيق الحدود 5 خروج مؤقت عن المسار 1















المزيد.....



حوار أملاه الحاضر 15 الشريعة وتطبيق الحدود 5 خروج مؤقت عن المسار 1


عبد المجيد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 4088 - 2013 / 5 / 10 - 22:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حوار أملاه الحاضر 15
الشريعة وتطبيق الحدود 5 خروج مؤقت على المسار 1
بادرت محاوري قائلا : في حوارنا الأخير ، وقبل أن تصفق الباب وراءك ، أمطرتني بوابل من التهم ، أقلها أنني أحاول ، وأجرك معي ، الإساءة إلى الإسلام . قال : وإذن بم تصف ما كنت تقوله ، فيما وصفته بخاتمة حوارنا في المرة الماضية ؟ قلت : ولماذا أرهق نفسي ، وأنتم تقومون بالواجب وبما هو أكثر منه ؟ قال متحفزا : ماذا تعني بكلامك ؟ قلت : لماذا يتعب العلماني نفسه ، وأنت تصفني بالعلماني والملحد ، في التفتيش عن وقائع ، وأحداث تاريخ ، فيقرأ ، يدرس ، يحلل ، ويستنتج ما تصفونه بأنه يسيء للإسلام ، في وقت تقدمون فيه أنتم ، وللدقة قيادتكم ، ما يغني عن كل هذا التعب ، وما يتجاوز ويفيض عما تتوخاه أي محاولة للإساءة إلى الإسلام ؟. فإذا كنت أنا أحاول ، فأنتم وقيادتكم لا تحاولون ، وإنما تقولون وتفعلون ، كل ما من شأنه أن يسيء إلى الإسلام . قال : من البداية ، هذه اتهامات لا أقبلها ، وإن كنت تعنيها فمن الأفضل إنهاء لقائنا عند هذا الحد . وأضاف : يا صديقي أنا سمعت من افتراءاتك ما يكفيني ويزيد ، إذن وحتى لا نخسر بعضنا دعنا ننهي هذا الحوار ، ونتوقف عند هذا الحد . قلت : إن كان ما أقوله افتراءات فمعك حق . ولكن ما رأيك في أكبر رأس عندكم ؟ قال : من تعني ؟ قلت : الدكتور محمد بديع مرشدكم العام ؟ قال متأهبا ، مستفزا ، مستنفرا : ماله الدكتور بديع ؟ قلت : أظنك ما زلت تذكر حديثه عن ذي القرنين ، وقد تناقشنا وقتها فيما قال ، وسخريته من السد العالي ، وبنائه والغناء له - جريدة المصري اليوم المصرية عدد 22/ 11 / 2012 - ؟ قال : بالطبع أذكر . لكن ما لحديثه عن ذي القرنين والسد العالي ، وما تلمح له من إساءة إلى الإسلام ؟ قلت : لا أظن أن أحدا يستمع للمرشد بديع ، يمكن أن يشك في صحة معلوماته ، أو أنه لا يعي ما يقول . وهو ، بصفته المرجع الأعلى ، لتيار من تيارات الإسلام السياسي ، بحجم جماعة الإخوان المسلمين ، لا بد أن يؤخذ تفسيره لِ، أو استشهاده بالنص ، على أنه الحقيقة التي ، على الأقل ، يراها ويؤمن بها هذا التيار . لكن إن نظر غيرهم لها بمنظار العقل ، يرى أنها تسيء إلى الدين ، بصورة لا يستطيعها أعدى أعداء الدين ، حتى ولو بذل أقصى الجهد ، واستخدم أحدث مكتشفات العلم . قال مستَفَزا ومستهزِئا في ذات الوقت : ما هذا التخريف الذي تقول ؟ وما الهدف من مثل هذا التشويه والافتراء ، على الرجل وعلى الجماعة ؟ قلت : سأتجاوز عن لهجتك لأقول : لو أننا فقط وقفنا عند ما قاله بديع عن حكاية ذي القرنين ، وتأملنا قليلا فيما قال ، لرأينا أنه ، في واقع الأمر ، نسف الدين من أساسه . قال ، وقد عاوده الغضب : يا رجل اتق الله . ما هذا الذي تقول ؟ محمد بديع ينسف الدين من أساسه ؟ قلت : نعم هو يفعل ذلك . وحتى أبرهن لك على صحة استخلاصي ، تعال نثبت الآيات الخاصة بقصة ذي القرنين ، كما وردت في سورة الكهف ، ابتداء من الآية 83 وإلى الآية 98 . ولأنه هز رأسه موافقا ، قلت : تنص هذه الآيات على ما يلي :{ ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا * إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا * فأَتْبَعَ سببا * حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تُعذِّب وإما أن تتخذ فيهم حسنا * قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا * وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا * ثم أتبع سببا * حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا * كذلك وقد أحطنا بما لديه خُبْرا * ثم أتبع سببا * حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا *قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خَرْجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا * قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما * آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قِطرا * فما اسطاعوا أن يَظهروه وما استطاعوا له نقبا * قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دَكَّاء وكان وعد ربي حقا } .
الأسطورة والرمز :
قلت : والآن إذا نظرت لهذه الآيات من زاوية رمزيتها ، كونها تشير إلى أسطورة ، تأتي معانيها ومقاصدها متسقة مع هذه الرمزية . لكن إذا قرأتها على أنها حقيقة تاريخية ، أحداثها وقعت ، كما فعل المرشد بديع ، فإنك ، ومرة أخرى كما فعل بديع ، تفجر مشكلة . تضع الدين كله في مأزق . قال : اتق الله يا رجل . أتصف هذه الحقيقة القرآنية بالأسطورة ؟! نعم هي وقائع حدثت ، وذو القرنين شخص حقيقي ، ملك ، امبراطور لا أدري ، ولكنه حقيقي . قلت : يا صديقي وهذا هو ما قاله بديع . انظر إلى الآيات . أعد قراءاتها . تمعن فيها . فكر . استخدم عقلك . إن قبلنا بفرضية حدوثها فعلا ، فرضية أنها حقيقة تاريخية ، فإننا سنصطدم بحقيقة مرعبة ، وهي أنها تتناقض مع سلسلة من العلوم . تتناقض مع علم التاريخ ، وعلم الجغرافيا ، ومع علوم الفضاء ، والهندسة ، والتعدين ، والآثار ، والفيزياء ، والكيمياء ...الخ . هنا ، وبلسان ممثل كبير للدين ، كالمرشد بديع ، وهو كما تعلم يحمل شهادة دكتوراة في الطب البيطري ، يقدم ، ومن حيث لا يدري ، برهانا على تناقض القرآن مع العلم ، وهي دعوة إلى الشك في صحة القرآن وصدقيته . قال هائجا : أعوذ بالله منك ومما تقول . يا رجل ، هل واحد مثل بديع يمكن اتهامه بمثل هذا الاتهام الفظيع ؟ قلت : حنانيك يا صاحبي . تعال نتفحص الأمر نقطة فنقطة ، وجملة بعد جملة . بديع ، كما تقول أنت ، أشار ، وهو يطالب مستمعيه بإعانة الرئيس مرسي ، إلى قصة ذي القرنين ، على أنها واقعة تاريخية حقيقية . أشار إلى عظمة السد الذي بناه ذو القرنين ، من الحديد الساخن حتى الاحمرار ، ومن مصهور النحاس . ورغم أنه يعرف أن السد العالي صُنِّف على أنه أحد أعظم المشاريع الهندسية للقرن العشرين ، فإن بديع اعتبره لا شيء ، مقارنة بسد ذي القرنين ، ومن ثم استهزأ به وسخر من بناته وممن اعتبروه انجازا عظيما وغنوا له . والآن إن كان بديع ، وهو حامل شهادة دكتوراة في أحد فروع العلم ، مقتنعا بأن ما قاله ، وبالتبسيط الذي طرحه به ، وأنه حقيقة تاريخية ، وليس أسطورة ، ولا يرى أن كلامه يناقض العلم ، فتلك مصيبة ، وإن كان يعرف بتناقضه مع العلم ، ومع ذلك يصر على تقديمه بالصورة التي عرضها ، فتلك مصيبة أكبر وأعظم وأفدح . وفي كل الأحوال هو يطعن في صحة القرآن وصدقيته ، أراد ذلك أو لم يرد . قال : ولكن أنا ، بشخصي الضعيف أؤكد أن لا تناقض مطلقا بين قصة ذي القرنين ، بصفتها حقيقة تاريخية ، وبين أي علم من العلوم التي ذكرت ، أو غيرها . قلت : إذن تعال نحتكم إلى العلوم ، ولنبدأ من التاريخ .
ذو القرنين في التاريخ :

لا تشير موسوعات التاريخ إلى وجود ملك ، قيصر ، امبراطور ، بمواصفات ذي القرنين التي وردت في القرآن . كما احتار مفسرو القرآن ، والمؤرخون والعلماء المسلمون ، في تحديد شخصية ذي القرنين . قال أكثرهم بأنه الاسكندر الأكبر- المقدوني - ، وقال آخرون أنه الامبراطور الفارسي قورش ، وآخرون أنه داريوس ، وقليلون أنه أحد التبابعة ، ملوك حمير في اليمن . والثلاثة الأول عاشوا في الألف الأول قبل الميلاد ، أي قبل ألفين وثلاثمائة سنة ، إلى ألفين وثمانمائة سنة . وهو تاريخ حديث نسبيا كما ترى . ولذلك فتاريخهم وغزواتهم معروفة ، وآث4ارهم ما زالت باقية . الاسكندر لم يغز في الغرب ، وتوقفت غزواته في الشرق داخل الهند حيث قتل . قورش وداريوس ، كلاهما لم يتوجها في غزواتهما نحو الشرق ، حيث سور الصين العظيم ، الحافظ للأمة الصينية من أي غزو خارجي . وفي الغرب وصل قورش إلى مصر ، ووصل داريوس إلى اليونان . ملك اليمن الحميري ، التبع ، غير محدد ، ولم يعرف عن التبابعة غزوات نحو الشرق أو الغرب ، وإن حدثت إلى أين وصلوا . إذن لا أحد من هؤلاء وصل إلى مغرب الشمس أو إلى مطلعها ، كما جاء في النص . بقي القول أن بعض علماء المسلمين قالوا بأسطورية الحدث ، لاستحالة تحقيقه تاريخيا . ولأن محدثي بدا وكأنه يسمع ما قيل لأول مرة ، ولأنه لا يملك معلومات تاريخية تناقض ما قلت ، آثر الصمت المغلف بالدهشة . قلت : تعال إذن ننتقل إلى علم آخر ، وهو الجغرافيا .
الجغرافيا :
ولكن وقبل أن نتحدث في الجغرافيا ، اسمح لي تذكيرك بأن الإنسان هو من أوجد الاتجاهات ، شرق غرب ، شمال وجنوب ، لتحديد إحداثيات المكان الذي يقف فيه . والجغرافيا تقول لنا أن أي موقع ، أي مكان ، أي بلد ، هو شرق ، وهو غرب ، هو شمال ، وهو جنوب ،وفي نفس الوقت ، ولكن لما حوله . وبالتالي فتحديد الاتجاه ، ووصفه بالشرق أو الغرب ، هو نسبي للمكان . والآيات تقول لنا أن ذا القرنين ، انطلق من مكان ، لم يحدده ، واتجه غربا ، حتى بلغ مغرب الشمس ، ثم عاد واتجه شرقا حتى بلغ مطلع الشمس . ثم تحرك باتجاه ثالث لم يحدده ليبلغ المكان الذي بنى فيه سدا يفصل بين أمتين . واحدة طيبة والأخرى شريرة . والأخيرة هي قوم يأجوج ومأجوج . وإذا ما تأملنا خارطة العالم القديم ، يمكننا الافتراض بأنه انطلق من مكان ما ، فيما نسميه اليوم بالشرق الأوسط ، وتوقف عند سواحل البحر الأبيض الشرقية ، أو أنه عبر تركيا فأوروبا وتوقف عند سواحل المحيط الأطلسي ، أو أنه عبر شمال إفريقيا ، ومرة أخرى توقف عند سواحل المحيط الأطلسي ، الذي كان القدماء يظنون أنه نهاية العالم ، وكانوا يسمونه ببحر الظلمات . وفي كل هذه الاحتمالات كان يرى أن الشمس تغطس وتغيب في البحر . وبالتالي كان منطقيا أن يفكر بأن هذا البحر ، وصفه القرآن بالعين الحمئة ، هو مغرب الشمس . اعترض محدثي محتجا بالقول : ولكن العين الحمئة ليست البحر أو المحيط . هي عين من طين أسود حار . قلت ضاحكا : ولكن الجغرافيا وإن ثبتت على خرائطها وجود ينابيع ومياه وطين حار ، فإنه لم تثبت عينا غزيرة المياه الساخنة ، وتشكل على مدى البصر بحرا من طين حار ، يمكن للمرء أن يظن أن الشمس تغرب فيه ، كما يحدث له مع البحر أو المحيط . إذن فمسألة العين الحمئة هذه رمزية ، غير حقيقية . ولأن محدثي سكت موافقا على مضض ، قلت : وإذا انتقلنا إلى رحلة الشرق ، وإذا افترضنا أنه استطاع اختراق سور الصين العظيم ، أو أنه سار عبر الهند ، فالهند الصينية ، فإن المطاف سينتهي به عند سواحل بحر الصين ، الذي هو جزء من المحيط الهادي . وبديهي أن يرى الشمس تطلع من هناك . وهنا يبرز سؤال : هل المحيط الهادي هو مطلع الشمس ؟ وأمام اندهاش صديقي من هذه المعلومات التي يعرفها مثلي ، ومثل أي متعلم ، في عالمنا المعاصر ، أضفت : الآن يا صديقي بتنا نعرف كروية الأرض ، وأن المرء إن سار غربا ، وتابع السير ، فإنه يعود إلى نفس النقطة التي بدأ منها ، ولكن من الشرق . ودوران السفن الفضائية حسم لنا هذه المسألة ، وأخرجنا من خيالاتنا ، ومنذ ستينيات القرن الماضي . والحقيقة المؤكدة الآن أن لا وجود لشيء ، لنقطة ، لمكان ، اسمه مغرب الشمس ، أو لنقطة ، لمكان ، اسمه مطلع الشمس ، الأمر الذي يؤكد رمزية ، أو أسطورية حكاية ذي القرنين . صادق محدثي بهزة رأس ، تشي بالحيرة ، بالقلق ، بعدم اليقين ، بالشك ، بالدهشة ، أكثر مما تشي بالموافقة . قلت لننتقل إذن إلى علوم الفضاء . قال بفتور : لننتقل .
الفضاء وذو القرنين :
قلت : يعنينا هنا ، من علوم الفضاء ، العلاقة بين الأرض التي نسكنها ، ونعيش عليها ، والشمس التي تمدنا بالضوء وبالدفء ، وتبعث فينا الحياة . وأضفت : بالطبع أنت تعرف أننا جزء من المجموعة الشمسية ، والتي هي جزء صغير جدا من المجرة المعروفة بدرب التبانة . قال : نعم صحيح . قلت : وأنت تعرف أن العلم حسم الجدل حول العلاقة بين الشمس والأرض ، بأن الشمس هي مركز المجموعة ،وأنها ثابتة ، والأرض ، كما كواكب المجموعة الأخرى ، هي التابعة والتي تتحرك ، أو تدور ، حول الشمس . العلم حسم القول بأن الأرض ذرة صغيرة من هذا الكون ، وليست مركزه أو مركز المجموعة الشمسية . قال : نعم أعرف هذا . قلت : وتعرف أن حجم الشمس هائل الضخامة ، وأن الأرض صغيرة قياسا بالشمس ، وأن حجمها ، كما كتلتها ، أقل من واحد من مليون من حجم وكتلة الشمس . قال : نعم وأعرف هذا أيضا . قلت : ولتقريب الأمر – أمر الحجوم – نقول : إذا تصورنا أن الشمس بطيخة ، وزن عشرة كيلوغرامات مثلا ، تكون الأرض بجانبها مثل بذرة بقدونس ، أو لنقل – بمبالغة بعض الشيء - مثل حبة سمسم . قال : وهذا تجسيم معقول ومقبول . قلت : وأول شيء نقع عليه ، بالرجوع لحكاية ذي القرنين والعين الحمئة ، أن الكبير ، البطيخة ، لا يمكن أن يغرب - يغوص – في ، أو أن يخرج – يطلع - من الصغير ، بذرة البقدونس أو حبة السمسم . قال بعد تفكير : وهذا صحيح أيضا . قلت : والشمس تبعد عنا 93 مليون ميل ، أو قرابة 150 مليون كيلومتر . وهي ترسل ضياءها وحرارتها في كل الاتجاهات ، وحيث تصل حزم منها – من الضوء والأشعة الحرارية - إلى كواكب المجموعة ، وواحدة من هذه الحزم إلى أرضنا . كما حسم العلم مسألة تكون الليل والنهار ، وأنهما ظاهرة من ظواهر الطبيعة ، وتحدث على النحو التالي : لأن الأرض تدور حول الشمس في مسار إهليلجي الشكل ، وفي رحلة تستغرق سنة ، تحدث الفصول الأربعة . ولأن الأرض تدور أيضا حول نفسها ، مرة كل 24 ساعة ، ولأنها كروية الشكل ، فإن النصف المواجه للشمس يتلقى حزمة الضوء والحرارة ويكون فيه النهار . وفي الجزء الأخر الذي لا يصله الضوء والحرارة ، يكون الليل . ولأن كثافة الضوء الواقعة على هذا النصف المقابل للشمس ، تكون غير متساوية ، ولأن الأرض تواصل دورانها ، فإن الضوء يأخذ في التناقص ، على أحد جانبي هذا النصف ، شيئا فشيئا ، ليتحول الوضع من شفق الغروب إلى غبش المساء فعتمة الليل ، وهو الطرف الذي نسميه بالشرقي من النصف المواجه للشمس ، فيما تأخذ كثافة الضوء بالتزايد تدريجيا ، لتتحول عتمة الصباح إلى غبش ثم ضياء – شروق - في الجزء الغربي من هذا النصف . ومع مواصلة الدوران ، يتبدل الحال بأن يصبح المختفي عن الشمس مواجها لها، والمواجه مختفيا ، وهكذا . سكت محدثي كأنما يحاول تخيل الأمر ، فقلت : أتحب أن أضع مجسم الكرة الأرضية أمامك ، عله يساعدك على تجسيد الصورة . قال : نعم . وضعتها أمامه وأضفت : والآن أي طالب في الإعدادي يستطيع عمل التجربة ، فالتأكد من كيفية حدوث الليل والنهار ، وحالة الشروق والغروب والضحى والظهيرة والعصر ، وشفق كل من الشروق والغروب .
وواصلت مستغلا صمت محدثي : ونعود لذي القرنين لنقول أن العلم حسم مسألتي مطلع ومغيب الشمس . في واقع الحال الشمس دائمة الشروق ، وحركة الأرض هي من يتسبب في حجب ضياء الشمس عن جزء منها ووصوله إلى جزء آخر . وما يوصف بولوج النهار في الليل ، والليل في النهار ، هو مجرد ظاهرة طبيعية لا معجزة فيها ولا ما يحزنون ، وتستطيع أن تعيدها في المختبر أو في البيت . والمطلع والمغيب مرتبط بمكان ، ببقعة ، بجزء صغير ، تقف فيه ، وتتراءى لك فيه الظاهرة . فمثلا إذا كنت تسكن منطقة جبلية يتراءى لك أن الشمس تطلع من وراء الجبال ، وتغيب وراء جبال أخرى . وإذا كنت تسكن قريبا من البحر يتراءى لك أن الشمس تغطس في البحر . أما إذا كنت تسكن جزيرة في قلب المحيط ، فيتراءى لك أنها تطلع من الماء كما أنها تغطس في الماء . وفي كل الحالات ما يحدث لك يسمى خداع نظر ، لأن الشمس بعيدة جدا وكبيرة جدا ، لا تغطس ولا تطلع .
علوم الآثار :
ولأن محدثي غرق في صمته ، مشدوها ، وربما مفكرا فيما قلت ، مضيت قائلا : أظنك تعرف أن مسحا آثاريا قد تم لعموم الأرض ، وبالتأكيد شاملا ودقيقا لشرق آسيا ، المنطقة التي تقول حكاية ذي القرنين أنه بنى سده فيها . قال : لم أفهم قصدك من هذا السؤال . قلت : قصدي أنه على كثرة ما تم اكتشافه من آثار ، إلا أن أحدا لم يعثر على أي أثر لسد ذي القرنين . قال : ألا تقول الآية 98 { قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دَكاءً وكان وعد ربي حقا }. ألا تفسر هذه الآية غياب تلك الآثار ؟ قلت : ولكن بقيت بقايا آثار كثيرة ، أقل متانة من ذلك السد . بما يعني أن المسألة لو كانت { وعد ربي } وهو يوم القيامة ، لطارت بقايا تلك الآثار ، كما اختفت بقايا ذلك السد . قال متنبها : ماذا تعني ؟ قلت : في واقع الحال ، تقول لنا علوم الآثار أنه لا وجود حقيقي لذلك السد . وحكايته ، فيما يبدو مأخوذة عن الأساطير الصينية ، ورغبة الأباطرة الصينيين في حماية بلادهم ، من غزو القبائل الشمالية ، البربرية المتوحشة ، ومن ثم تفكيرهم وتخطيطهم لبناء سور الصين العظيم ، الذي رغم ما وقع من زلازل ، ما زالت أجزاء كاملة منه موجودة مزارات للسياح حتى يومنا هذا . وهذا السد ، أي سور الصين ، مبني من الحجر والتراب والجير ، فما بالك بسور بني من حديد ونحاس ، أليس هو الأجدر بالبقاء ، حيث من المفترض أن الزلازل لا تؤثر به ؟ قال بعد فترة صمت : في الحقيقة لم يخطر ببالي أن أفكر في المسألة على هذا النحو ، ولذلك لا جواب عندي . قلت : ربما عليك أن تتخيل قيمة هذا السد الآثارية ، أو جزء متبقي منه ، وملايين البشر الذين يزورونه سنويا ، ويتمثلون عظمة هذه المعجزة ، لو كان حقيقيا ، وليس مجرد أسطورة . صمت قليلا ثم قال : في هذه معك حق .
السد العالي :
قلت لمحدثي : ولتصور قيمة هذه المعجزة ، لو كانت حقيقية ، ولم تكن مجرد أسطورة ، تعال نقارنها بالسد العالي ، الذي زرته أنا ، طالبا في الجامعة ، في بداية العمل فيه ، وعدت لزيارته قبل بضع سنوات . وأضفت : أظنك ما زلت تتذكر سخرية المرشد د. بديع من السد العالي ، باعتباره لا شيء قياسا بعظمة سد ذي القرنين . قال : نعم أذكر ذلك ، مع أن بديع على حق ، لأن السد العالي هو فعلا لا شيء مقارنة بسد ذي القرنين . قلت : إذن تعال نستحضر بعض الحقائق عن هذا اللاشيء ، رغم وصفه بأحد أعظم مشاريع العصر ، حتى نتمكن من تكوين تصور مقبول عن ذلك الشيء العظيم ، سد ذي القرنين . قال : لك ذلك . تفضل . قلت : أظنك تعرف أن المصريين حلموا ، على مدار تاريخهم ، بالسيطرة على مياه النيل ، ومواجهة الكوارث التي يسببها انحباس الفيضان أحيانا ، وتلك التي تسببها الفيضانات العاتية والمدمرة في أحيان أخرى . قال : في الحقيقة لدي فكرة غامضة عن هذه المسألة . قلت : كان الحسن بن الهيثم ، عالم الرياضيات الشهير ، هو من بلور فكرة الحل ، وهو بنا سد على النهر في ذات الموقع للسد العالي الحالي . وكان ذلك في نهاية القرن العاشر ، أي قبل عشرة قرون . وأظنك تعرف بأن الحاكم بأمر الله ، الخليفة الفاطمي ، فوضه بإنجاز المشروع . وانتقل ابن الهيثم إلى الموقع . وبعد الدراسات أعلن أن إقامة المشروع غير ممكنة ، نظرا لقصور الإمكانيات التقنية ، وبما في ذلك الآليات الثقيلة اللازمة للعمل . ومنذ ذلك اليوم وحلم السيطرة على النهر يراود المصريين ، حتى جاء عبد الناصر ، فحَوَّل هذا الحلم إلى حقيقة .
ولأن محدثي كرر القول بأنه يملك فكرة غامضة عن الموضوع قلت : اختار ابن الهيثم أضيق نقطة في مجرى النيل لبناء السد . هناك يجري النيل بين جبلين ، بعرض 520 مترا . معنى ذلك أن قوة تدفق المياه هائلة . وللصمود في وجه هذه القوة العاتية يحتاج جسم السد لأن يكون هائلا هو الآخر . وكما بات معروفا من الناحية الهندسية ، يكون جسم السد سميكا عند القاع ، ويقل سمكه ، محتملا ضغط الماء كلما ارتفع . ولأن البناء في الماء غير ممكن ، يحتاج الأمر لتحويل المجرى بداية ، عبر حفر الجبال المحيطة ، وهو ما حدث ليتم بناء جسم السد على أرض جافة . وقلت : لا بد لاحظت كيف يتم بناء عمارة من عدة طوابق . لا يكنس الناس التراب ، ويبنون على أول طبقة صخر يجدونها . يتم حفر المكان ، وبناء طوابق عدة تحت الأرض ليرتفع البناء فوقها . قال : نعم ذلك صحيح . قلت : ولبناء سد ، وحتى لا يتسرب الماء من تحته ، فيؤسس لهدمه ، كم في ظنك يتوجب حفر الأرض لوضع الأساسات ؟ قال : في الحقيقة لم يخطر ذلك على بالي . قلت : تصور عمق حفرية لعمارة من عشرة طوابق ، وقس عليها الحفرية اللازمة لبناء سد بحجم السد العالي . قال : ولكن لا فكرة لدي عن حجم السد العالي . قلت : إذا فتحت الانترنيت ، ستقول لك المعلومات أن سمكه عند القاع 980 مترا ، وفوقه طريق بعرض أربعين مترا ، ويرتفع الماء خلفه إلى 111 مترا ، وطوله 3800 متر تقريبا ، أما حجمه ، وهو من الحجارة والاسمنت والحديد والباطون فهو 43 مليون متر مكعب . والسؤال : كم في رأيك سيكون عمق الأساس وستارة العزل المانعة لتسرب نقطة ماء واحدة من تحت السد ؟ قال : لا أدري . قلت : العمق بلغ 260 مترا ، وستارة الحديد والاسمنت 170 مترا .
وأضفت : كل هذه الأرقام غير مهمة ، لأنها لا تلتفت إلى حجم الدراسات الهندسية والجيولوجية ، وحجم الجهد والعمل الذي بذله المهندسون والعلماء ، والمخططات التي رسموها تمهيدا لبدء العمل . المرشد الدكتور بديع ، قال ساخرا أن ذا القرنين قال للناس ، كما نصت الآية ، أعينوني فأعانوه ، ليهزأ بعدها بعبد الناصر ومعجزة السد العالي . وأسألك : ألم يقل عبد الناصر للشعب المصري ، ولأصدقاء كثيرين ، أعينوني ، وأعانوه فعلا ؟ قال بعد تردد : نعم قال ذلك . قلت : بكم تقدر عدد الناس الذين أعانوه ؟ قال : في الحقيقة هذا صعب . قلت : الأرقام تتحدث عن عدد السنوات التي احتاجها بناء السد ، وعن أعداد ونوعية الآلات الثقيلة المستخدمة ، وعن عدد الخبراء السوفييت ، والمهندسين والعمال المصريين المهرة ، الذين عملوا في الموقع ، ولنقل عدد هؤلاء تجاوز عشرات الألوف ، فهل كان من أعانوا عبد الناصر ، وسخر منهم الدكتور بديع ، هم هؤلاء فقط ، أم كان هناك غيرهم ، وأكثر منهم ؟ قال : لم أفهم قصدك . قلت : سأعطيك مثالا . في السد 12 مولدا للكهرباء ، زنة الواحد منها 18 طنا . هذه صنعت في مصنع خاص في مدينة ليننغراد – بطرسبرغ حاليا - . ولا حاجة للقول بأن من عملوا في ذلك المصنع هم من ذوي المهارات الخاصة جدا ، وهم ألوف . وهذه المولدات احتاجت إلى شحن ، من موقعها إلى ميناء مصري ، ثم بالقطار ، وربما بغيره ، إلى موقع السد ، فإلى مكان تركيبها . وعليه هل تستطيع أن تخمن عدد الناس الذين اشتركوا في هذا العمل وحده ؟ ومن ثم هل تستطيع حصر عدد الناس الذين شاركوا في بناء الآلات الثقيلة ، وفي الاسمنت والحديد والمتفجرات وكابلات الكهرباء ، ولوازمها الأخرى ، بما في ذلك التحميل والشحن والتفريغ ....الخ ؟ قال : لآ شك أنهم تجاوزوا مئات الألوف . قلت : وذلك نصف العمل ، إذ لم نتحدث عن إنقاذ آثار النوبة ، ولا عن نقل السكان وبناء القرى الجديدة لهم ، ولا عن بناء شبكة الكهرباء وشبكة الطرق الملاصقة ، وإيصالها إلى قرى مصر لأول مرة ....الخ . وسألت محدثي : في تقديرك ، كم عدد هؤلاء الذين أعانوا عبد الناصر في بناء السد العالي ؟ قال : حسب كلامك يتجاوزون مئات الألوف بكثير ، وربما يصلون إلى الملايين . قلت : ولا تنس أن عددا كبيرا منهم ذوو تأهيل عالي ، وفي مختلف فروع العلم . في الإدارة ، في الاقتصاد ، في المحاسبة ....الخ . قال : نعم ذلك صحيح .
قلت : وهذه النبذة عن اللاشيء في رأي بديع ، فكيف إذن كان الحال مع الشيء الذي هو سد ذي القرنين ، مثار إعجاب الدكتور بديع ، وموجب سخريته واستهزائه بالسد العالي ، ومن بنوه ومن غنوا له ؟
الهندسة ، الكيمياء والفيزياء وذو القرنين :
ولأن محدثي لاذ بالصمت مجددا قلت : لا تشير الآيات إلى أن ذا القرنين كان نبيا أو رسولا . كما لا تشير إلى أن بناء سده كان معجزة من الله . صحيح أن الآيات تقول أن الله مكن له في الأرض ، أي أعطاه منعة وقوة ، ومعدات وآلات ، سهلت له السير حيث يقصد ، وهزيمة من يواجهونه من الأمم ، لكنه لم يعضد بأية معجزات . وتقول الآيات أنه حين بنى السد ، بناه بالطاقات البشرية ، المتوفرة لديه ولدى جيشه ، ومقابل أجر ، من جهة ، ولدى القوم الذين طلبوا مساعدته من جهة أخرى . وإذن ولأنه جهد بشري ، وهو ما استدعى إعجاب الدكتور المرشد بديع ، والطلب من الشعب المصري إعانة الرئيس مرسي ، كما فعل ذلك القوم مع ذي القرنين ، ومن ثم استدعى سخريته واستهزاءه بالسد العالي ، ومن أقاموه وغنوا له أحد عشر سنة ، لأنه كذلك ، تكون مناقشته ، واستدعاء المعارف التي وفرتها لنا علوم الطبيعة المختلفة ، ليس واجبا فقط ، بل وضرورة ملحة . ولأن صمت محدثي تواصل ، أضفت : أنا هنا لن أسألك عن طول السد ، الذي حتى يفصل بين قومين ، يتجاوز عشرات الكيلومترات في حدوده الدنيا ، كما لن أسألك عن سمكه وارتفاعه ، وعن حجمه بالأمتار المكعبة ، رغم أهمية ذلك ، لأنه بني من الحديد والنحاس ، وليس بالحجارة والطين والكلس ، ولن أسألك إن كان قد حفر له أساسات كالسد العالي ، أم وضعت كتل الحديد على التربة مباشرة ، كما لن أسألك عن كميات الحطب والأخشاب المستخدمة لإحماء الحديد ، وما إذا كان قد تم قطع الشجر ، وترك الأرض عارية تماما وإلى مسافة كبيرة من السد ، ومساحات واسعة من الأرض ، لن أسألك عن كل ذلك ، ولا عن عدد السنوات التي احتاجها إتمام العمل – استمر العمل في السد العالي عشر سنوات - ، ولا عدد المشاركين في العمل ، إن كانوا عدة ملايين ، أو عدة مئات آلاف ، وإنما أدعوك لأن نتوقف عند نص الآيتين 95 و96 وهو : { قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما * آتوني بزبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا }. في هاتين الآيتين ، ورغم صعوبة التفاهم لاختلاف اللغة ، ولعدم وجود مترجمين ، كما تشير الآية السابقة لهما ، طلب ذو القرنين العون القوي من هؤلاء القوم . تمثل العون في تزويده بكتل من الحديد ،بني بها السد ، ثم تزويده بالحطب والأخشاب ، وبالنفح على النار ، ليشتد اشتعالها ، ثم وبعد احمرار كتل الحديد صب مصهور النحاس عليها ، لتتكون على السد طبقة ملساء يتعذر تسلقها ، كما يتعذر نقب السد لأنه غدا كتلة واحدة من الحديد الملبس بالنحاس ، وهذا بالذات ما أثار دهشة المرشد بديع ، ومن ثم استهزاءه بالسد العالي ، وسخريته ممن غنوا له .
الصناعة المنجمية والتعدين :
ولأن محدثي وافقني في تفسير الآيتين قلت : من سمع بديع تصور أن الأمر سهلا ، كمثل صناعة إبريق من الفخار . لكنني أظنك تعرف أن الحديد والنحاس لا يوجد في الطبيعة كمعدن ، كفلز . لا توجد جبال من الحديد تم قطع الكتل المطلوبة منها . في الطبيعة توجد خامات الحديد والنحاس على شكل تراب ، أو حجارة . ومن المنجم ، وبواسطة آلات ثقيلة ، يتم حفر الخام ونقله إلى أفران الصهر ، وحيث يتم فصل المعدن عن باقي المكونات ، ثم صبه ، في عمليات تقنية معقدة . قال : نعم لدي فكرة ، وإن كانت عامة ، عن ذلك . قلت : وفي العادة يكون المنجم وفرن الصهر قريبين من بعضهما ، ولكن غير متلاصقين . وحسب معلوماتي ، من النادر أن توجد خامات الحديد والنحاس في منطقة واحدة ، وبالتالي فإن عمليتي تنجيم وتعدين هذين الفلزين لا تتم في بقعة واحدة .
قال : ربما ما تقوله صحيح . قلت : ونعود إلى ذي القرنين . ولأن كميات الحديد والنحاس التي يفترض أنه استخدمها في السد ، وتكنولوجيا التعامل معها، تعجز دولة بحجم وقدرات وإمكانيات الولايات المتحدة ، أو الصين الحديثة ، عن توفيرها ، ومن ثم إنجاز مشروع بحجم جزء من ذلك السد ، كل ذلك يجبرنا على الوقوف أمام منطوق فعل ذي القرنين ذاك . وأضفت : طلب ذو القرنين ، الذي عرض عليه القوم أجرا ، أو خراجا ، مقابل خدمته ، طلب من القوم زبر الحديد . وقدموه له . كتل من الحديد ، منتظمة الشكل ربما ، بنى بها السد . هذا يفترض أن القوم كان لديهم مناجم للحديد هائلة الضخامة . كما ولديهم أفران صهر ، وقولبة للحديد هائلة هي الأخرى . كما كانت لديهم ، بالضرورة ، وسائل نقل وروافع هائلة القدرة . أيضا وبعد إتمام البناء أحضر القوم الحطب ، ووضعوه على جانبي السد ، أو بين كتل الحديد ، وأشعلوا النيران ، وبطلب من ذي القرنين ، استخدموا آلات نفخ هائلة القدرة لإذكاء النار . ولأن هذا العمل تم في الهواء الطلق ، وليس داخل الأفران ، كان لا بد أن يكون الجهد هائلا ، حتى وصل الحديد ، كل حديد السد ، إلى درجة الاحمرار . وقلت : لن أسألك في مثل هذه النيران الهائلة ، إلى أي مسافة يمكن الاقتراب من النيران لمواصلة النفخ فيها ؟ ولن أسألك بأي وسيلة كان يتم تزويد النيران بالحطب ؟ أسألك فقط : لأي مسافة يمكن الاقتراب من الحديد المحمى لدرجة الاحمرار ؟ وكيف يمكن المحافظة على هذه الحالة ، حتى تتم عملية صب مصهور النحاس عليه ؟ هذا سؤال مهم لأن الخطوة اللاحقة ، صب مصهور النحاس على الحديد المحمى ، تتوقف على الإجابة عليه . قال : في الحقيقة لا أعرف الجواب . قلت : في الشتاء نشعل كوانين النار للتدفئة . وأظنك جربت فعل الحرارة عندما يرتفع اللهب ، وإلى أي مسافة يمكن الاقتراب منها . كما جربت حرارة الصوبة ، بعد أن تخمد الشعلة والتحول إلى الجمر ، وكيفية نقلها ، أو رفعها عن الكانون . قال : بالطبع أعرف ذلك . قلت : تقول قصة ذي القرنين أنهم والحديد محمرا نقلوا مصهور النحاس ، وصبوه على الحديد ، فتم التصفيح . وسؤالي : بأية وسائل نقلوا هذا المصهور ؟ هل نقلوه بالدلاء مثلا ؟ وهل اعتلوا السور وسكبوا هذا المصهور من عَلٍ عليه ؟ وكيف كان يتم نقل هذا المصهور مع تقدم سير العمل في السد ؟ هل نقلوا أفران الصهر معهم أم كانوا ينقلونه عبر خراطيم خاصة ، حتى يبقى المصهور سائلا ، ولا يتجمد قبل سكبه ، بفعل برودة الجو؟ وقلت : وسأختم أسئلتي بسؤالين . الأول : هل كان أولئك القوم يملكون تكنولوجيا لا نملكها الآن ؟ وإذا كانوا كذلك ما حاجتهم لمساعدة ذي القرنين لحمايتهم من قوم الشر جارهم ؟ . وأخيرا أليس استخفاف المرشد بديع في طرحه لهذا الموضوع ، يدلل قبل كل شيء على استخفافه بعقل سامعه ، وقبل ذلك عدم الاحترام لعقله هو ؟ ألا يدل كلام دكتور بديع على انعدام المعرفة بالعلوم التي ذكرناها ، وعلى تناقض الطرح القرآني ، حال عدم اعتماد رمزية الأسطورة ، مع كل هذه العلوم ؟
هل هي الأسطورة الوحيدة ؟
ولأن إجابات محدثي تركزت على التأكيد أن الحادثة وقعت ، وأن قدرة الله تدخلت ومكنتهم من إتمام عملهم ، قلت : مهما قلت وبررت فقد لاحظت ، مما ارتسم على وجهك ، أنك في داخلك مقتنع أننا أمام أسطورة ، وليس أمام واقعة تاريخية . وعليه في ختام حوارنا لهذه الجلسة أسألك : هل أسطورة ذي القرنين هي الأسطورة الوحيدة التي استعارها النص ؟ قال : ماذا تعني ؟ قلت : إن كان النص قد سمح لنفسه باستعارة أسطورة ، هي أسطورة ذي القرنين هنا ، لإيصال رسالة للناس عبر رمزيتها ، يكون السؤال عما إذا كان النص قد استعار غيرها واجبا . ولأنني لاحظت أن مرجل غضب محدثي يوشك على الانفجار ، سارعت إلى القول : من حقنا أن نعتقد ، وذلك حدث فعلا ، أن النص استعار الكثير من هذه الأساطير . انفجر غضب محدثي ، وتكرر ما حدث في الجلسة السابقة . صب الكثير من اللعنات على رأسي قبل أن يصفق الباب وراءه .



#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار أملاه الحاضر 14 الشريعة وتطبيق الحدود ...حد الجنايات 4 ...
- حوار أملاه الحاضر 13 الشريعة وتطبيق الحدود ...حد الجنايات 3 ...
- حوار أملاه الحاضر 12 الشريعة وتطبيق الحدود ....الجنايات 2 حد ...
- قراءة في ثورة الشباب المصري 18 الإخوان ودولة الخلافة
- حوار أملاه الحاضر 11 الشريعة وتطبيق الحدود حد الجنايات 1
- حوار أملاه الحاضر 10 الشريعة وتطبيق الحدود ملك اليمين والمجت ...
- حوار أملاه الحاضر 9 الشريعة وتطبيق الحدود ....زنا الإماء
- حوار أملاه الحاضر 8 النبي وتطبيق حد الزنا
- حوارأملاه الحاضر 7 الشريع وتطبيق الحدود حد الزنا 2
- حوار أملاه الحاضر 6 الشريعة وتطبيق الحدود ....الزنا (1)
- حوار أملاه الحاضر 5 الشريعة وتطبيق الحدود ....الخمر
- حوار أملاه الحاضر 4 العورات بين المجتمعي الإنساني والرباني
- حوار أملاه الحاضر 3
- حوار أملاه الحاضر 2
- حوار أملاه الحاضر
- عفوك يا سماحة المفتي 3
- خطوة للأمام ... عشر للوراء
- عفوك يا سماحة المفتي 2
- تسونامي إسلامي يضرب جامعة بيرزيت
- يافخامة الرئيس لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديمو ...


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - حوار أملاه الحاضر 15 الشريعة وتطبيق الحدود 5 خروج مؤقت عن المسار 1