أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - تسونامي إسلامي يضرب جامعة بيرزيت















المزيد.....

تسونامي إسلامي يضرب جامعة بيرزيت


عبد المجيد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 3759 - 2012 / 6 / 15 - 17:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



في جامعة بيرزيت ، في كلية الآداب ، دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية ، عُلِّق على باب مكتب أحد الأساتذة كاريكاتير . اختلف المتابعون حول المدة التي احتفظ فيها بمكانه هذا . البعض قال أنه يقبع هنا منذ سنة ، وآخرون قالوا : لا بل منذ سنة ونصف السنة . فحوى الكلام أن جميع الأساتذة ، الموظفين والطلبة ، ومن تردد على هذه الكلية ، شاهد الكاريكاتير أكثر من مرة ، وربما علق عليه ، ضحك أو عبس أو ...الخ . استمر الحال هكذا حتى صبيحة 26 / 5 ، مايو أيار الماضي . صحت الجامعة على موجة تسونامي إسلامية ، بسبب هذا الكاريكاتير ، تضرب جدرانها ، وبعنف غير مسبوق أو معهود . في صبيحة هذا اليوم صدر عن كتلة صغيرة من كتل الطلبة ، تدعى كتلة الوعي ، منبثقة عن حزب التحرير الإسلامي ، بيان تحت عنوان : من أراد الشهرة تطاول على الإسلام ، دار حول هذا الكاريكاتير . شن البيان حملة عنيفة على الأستاذ الذي قبع الكاريكاتير على باب مكتبه ، كما على دائرة الدراسات الثقافية ، مساقاتها وأساتذتها .
لكن وقبل استعراض ما حمله البيان وتتابعاته ، لنسأل : ماذا كان موضوع الكاريكاتير ؟ يقول البيان ، في الفقرة الثانية منه ، أن الكاريكاتير " صورة شخصية كرتونية ( سوبرمان ) بلحية ومعه ورقة مكتوب عليها فتوى ، حيث يوجه كلامه ( لباتمان ) ويقول له : أيها الباتمان سننفذ فيك شرع الله بقطع رأسك وصلبك من خلاف لتشبهك بالنساء وارتدائك لباسا يشبه النقاب " . ومن مثل " صورة امرأة نائمة بصورة مبتذلة في السرير مع سوبرمان الملتحي ، تسأله : هل تتزوجني ؟ فيجيب : ما أقدر الشريعة في كوكب كريبتون ما تسمح لي آخذ الخامسة " . ملاحظة : من هذا النص يبدو أنه كان هناك أكثر من كاريكاتير ، ومن أصل ومصدر خليجي ، كما تبين اللهجة في هذا الكاريكاتير الأخير .
ونعود إلى البيان وعنوانه : هل باتت جامعة بيرزيت منبرا للتطاول على الإسلام والاستهزاء به ؟!!! يقول البيان : " فيما يبدو أنه جري وراء من يسيئون إلى الإسلام ويتطاولون عليه ، كطريق لكل باحث عن الشهرة بأي ثمن على اعتبار أنه طريق سريع للشهرة حتى لو كانت شهرة شاذة ، فبدءا بالدنمارك والرسوم الكاريكاتيرية ومرورا بهولندا وأوروبا ومن ثم أمريكا وكاهنها اللعين ، والآن هنا في بلاد المسلمين ، بل وفي أكناف بيت المقدس المبارك ، هنا في جامعة بيرزيت ، حيث أقدم أحد أساتذتها ، والذي من المفترض أن يكون معلما ومربيا للأجيال ، على تعليق صور وعبارات كاريكاتيرية على باب مكتبه في دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية يتطاول فيها على الإسلام ويستهزئ بأحكامه النبيلة الرفيعة التي قصَّر عن إدراكها والخير الذي فيها ".
ينتقل البيان بعد هذه الفقرة لشرح موضوعات الكاريكاتير ، والتي أوردناها في الفقرة السابقة . وفي الفقرة الثالثة ليقول : " إن الاستهزاء بأحكام الشرع جرم عظيم وموجب لغضب الله ، وحكم من يستهزؤون – هكذا وردت – بأحكام الله النبذ والطرد وعدم مخالطتهم ومجالستهم ، قال تعالى { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا } وإن أصروا على استهزائهم بأحكام الله ولم يتوبوا إلى الله يكونوا – هكذا وردت – قد بارزوا الله في المعصية " .
وفي الفقرة الرابعة يقول البيان : " إن هذا العمل المشين والمعادي للإسلام يوجب على كل تقي نقي وكل غيور على الإسلام أن يقف موقفا حازما تجاهه ، ولذا فإننا نحمل إدارة جامعة بيرزيت ومسؤوليها المسؤولية الكاملة عن هذا العمل المشين ، وعلى الجامعة إن كانت تريد أن تخلي مسؤوليتها من هذه الفعلة الشنيعة أن تبادر على الفور لاتخاذ أشد الإجراءات تجاه هذا المتطاول على أحكام الله ، ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه أن يمس ديننا بسوء ، كما أننا نحمل المسؤولية لرئيس الدائرة الثقافية وذلك لسماحه مثل هذا التعدي الصارخ ، والذي يشاهده صباح مساء أمام مكتبه الواقع أمام مكتب ذلك الأستاذ ، وبغير ذلك تكون الجامعة ودائرة العلوم الثقافية – هكذا وردت – شريكة لذلك الأستاذ في جريمته ، التي لن تمر مر الكرام ، كما يتوقع ذلك الأستاذ ، فطلاب الجامعة وأهل فلسطين كلها لن يسكتوا أمام هذا التعدي على دين الله ". وتختتم كتلة الوعي بيانها قائلة :" وفي الختام نقول : إن دولة الخلافة تلوح بشائرها – على القارئ أن يضع تحت هذه العبارة ألف خط - ، وعندها ينال المستهزئون بدين الله الجزاء الذي يستحقون " فآيتين من القرآن الكريم ".
ارتدادات الموجة :
جاءت استجابة عمادة كلية الآداب ، ثم رئاسة الجامعة سريعة . أرسلت إدارة الكلية بعض عمال النظافة لنزع الكاريكاتير . منعهم رئيس الدائرة . نزل العميد ومساعده ، وبتوجيه من رئيس الجامعة ، كما قال ، لنزع الكاريكاتير ، وبعد دربكة في القسم ، تم له ذلك . ثم تتالت ارتدادات الموجة . فمن مطالبة بإلغاء دائرة الدراسات الثقافية ، نافذة الانفتاح على الحضارات ، ومنبر الحوار والاستنارة وإعلاء شأن العقل ، إلى المطالبة بالإشراف على ، فتحديد مناهج التدريس فيها ، إلى التحقيق مع الأستاذ وفصله ، أو مطالبته بالاعتذار ، إلى الاصطفاف في الجامعة ، واحتدام الجدل بين المتضامنين مع عميد الكلية وبعض معاونيه ، وأولئك المتضامنين مع كتلة الوعي من الكتل الطلابية الأخرى ، وبين المدافعين عن حرية الفكر والتعبير ، والمعارضين لحملة الإرهاب المتصاعدة .
ونزولا على مطالب الإسلاميين ، أجرت إدارة الجامعة تحقيقا مع الأستاذ . وتبين أن الكاريكاتيرات التي قبعت سنة ويزيد على باب مكتبه ، لا علاقة لها لا بالإسلام ولا بالمسلمين . هي كاريكاتيرات رسمت في سياق الحوار الذي دار بين مثقفين ومفكرين أوروبيين ، وبين طوائف ، مثل طائفة المورمون ، قالت ب ، ثم أقرت وعملت بمبدأ تعدد الزوجات . وهكذا كانت الشخصيات الكرتونية ، باتمان وسوبرمان ، وهما من إنتاج الثقافة الغربية ، أبطال هذه الرسومات . لكن يبدو أن خليجيين ، وسعوديين على وجه التحديد ، قاموا ببعض التحريف في هذه الرسومات ، لتنطبق على الوضع العربي .
مؤقتا ، كما يبدو ، تم صد موجة التسونامي هذه ، عن جدران جامعة بيرزيت ، نتيجة للوقفة الشجاعة والجريئة من المدافعين عن الحريات الأكاديمية ، والمتبنين لاتجاه إعلاء شأن العقل . لكن قبل ذلك وبعده كانت الموجة قد انتقلت من الجامعة ، إلى الجامعات الفلسطينية الأخرى ، وإلى قطاعات عديدة من المجتمع الفلسطيني . والأهم من ذلك وعبر وسائل الاتصال الاجتماعي – الفيسبوك والتويتر والإيميلات - انتقلت خارج الحدود ، حيث وصلت ردود فعل غاية في القسوة والبشاعة .
ردود :
تباينت ردود الفعل على شبكات التواصل الاجتماعي ، بين مطالب بالحل عبر الحوار ، باعتبار أن ما حدث يقع في إطار حرية التعبير ، وبين رافض للحوار ، ومنكر لحرية التعبير ، فمطالب بالقصاص العاجل ، وبتوصيف ما حدث ردة ، ومن ثم تطبيق حد الردة بالقتل . وإليكم بعض الأمثلة . على موقع الخليفة كتب عضو نشيط : " من المعروف وجود تجمع مسيحي في بيرزيت ويبدو أنه يصاحبه وجود مرتدين ، كما نرى في مصر . عموما من أحسن القربات لله العظيم ( سبحانه وتعالى ) قتل المرتدين " . وعلى موقع محمد 2007 كتب آخر : " قتل المرتدين مش بسرعة ولكن نسأله هل هو مكره أم تلقى تهديد حتى يقول هذا الكلام فإذا كان ذلك كذلك فلا يعتبر مرتد لأنه مكره وهناك حديث للرسول صلى الله عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " . أما أن قد تطاول على الإسلام بمحض إرادته فنمهله 3 أيام ليتراجع ، وإن لم يتراجع يعتبر مرتد ووجب القتل " . وكتب عضو من حماس يقول : " إن صفحت حماس فلن أصفح ، وإن نسيت حماس فلن أنسى ،وإن غفرت حماس لن أغفر ، هذا عهد ووعد وقسم " . وتعقيبا على كارل ساغان ، موقع كارل ساغان الذي كتب : " من حق الرجل التعبير عن رأيه . من يأخذ دينه ويحوله لأيدلوجية – هكذا وردت – يريد فرضها على الناس فعليه أن يتحمل عواقب ذلك " انهمر سيل من الردود الغاضبة ، منها : كتب عضو من موقع سيف الدين محمد : " لا حرية للرأي في التطاول على الإسلام وأحكامه وشرائعه السماوية لأن الاستهزاء بها استهزاء بالله سبحانه وتعالى وبسنة نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . يجب محاسبة هذا الدعي وإيقاع أقصى العقوبات به حتى يكون عبرة لغيره من المنافقين " . وعلى موقع مصارع العشاق كتب آخر :" يا أخي الحل بأيديكم أنتم الشباب إحياء سنة اغتيال الطواغيت والزنادقة . ليس هو بأعتى من السادات وقد صرعه أولياء الله بين أحشاده أجناده ، فمات عليه غضب الله ذليلا مهينا . أحيوا سنة اغتيال الطواغيت كما فعل الصحابة الكرام بطاغوت قريش كعب بن الأشرف – كعب يهودي من خيبر ولا صلة له بقريش - . عليكم بمن آذى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . لا تنتظروا فتوى من أحد . الحل بأيديكم والزنديق يقتل من غير استتابة على الرأي الراجح وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول ". وكتب آخر في ذات الموقع :" إن كانت حرية أقوالكم لا ضابط لها فلتتسع صدوركم لحرية أفعالنا " . ونكتفي بهذا القدر من هذا الفيض المحرض على الانفلات فالعنف وقتل أي مختلف معهم في الرأي .
شيخ أزهري :
على مسرح الحياة ، وفي معمعان معركة جامعة بيرزيت ، وقع حدث ، جسد دقائق ذلك الكاريكاتير ، لكن دون أن تبتدعه ريشة رسام ، أو يختلقه خيال كاره مناوئ للإسلام ، وللأحكام التي ثار دفاعا عنها ، أولئك الثائرون . بطل الحدث لم يكن شخصية من شخصيات الأفلام الكرتونية . لا سوبرمان ولا باتمان ، بل شيخ أزهري بشحمه ولحمه، اسمه علي ونيس . بطل الكاريكاتير ، الحدث الجديد ، عضو في حزب النور السلفي ، ونائب عنه في مجلس الشعب المصري ، صاحب لحية كثة ، متزوج من أربع نساء ، يلبس العمامة والجبة الأزهرية ، خطيب وإمام مسجد في مركز طوخ . الشيخ الإمام ، النائب عضو حزب النور ، قبضت عليه دورية أمن ، الساعة التاسعة من مساء يوم الخميس 7 / 6 ، في منطقة خالية من طريق القاهرة الإسكندرية الزراعي ، وهو يمارس ، ما وصفته قوة الأمن والإعلام المصري ، فعلا فاضحا مع فتاة منقبة ، في سيارته الماتريكس، المركونة على جانب الطريق . وتداولت وسائل الإعلام ، وشبكات الاتصال الاجتماعي ، فيديو للحادث يظهر فيه الشيخ وهو يرجو البنت " متفضحنيش " ، كما وهي تحلف وتكرر الحلفان بأنه سيتزوجها . النيابة المصرية أودعت الفتاة السجن رهن التحقيق ، وأرسلت تطالب مجلس الشعب رفع الحصانة عن سيادة النائب ، بعد أن تبين أن الفتاة لا تمت له بأي صلة قرابة ، وبعد أن تبين أيضا أنه تعمد الكذب ، وسقطت كل روايته التي جاءت في التحقيق الأولي .
إذن مسرح الحياة الحقيقي قال بأن ما ابتدعته ريشة الرسام ، والتي أثارت ذلك التسونامي في جامعة بيرزيت ، هو أمر قابل للحدوث في الحياة ، وها هو قد وقع بالفعل . وعليه فإن إثارة هكذا موضوع لا تحمل لا عداءا للإسلام ولا استهزاء بتعاليمه وأحكامه . وعليه فإن هذه الغضبة الضروس لا مبرر لها في واقع الحال .
ولمحاسن الصدف ، لم يقف الأمر عند هذه الواقعة التي بطلها الشيخ علي ونيس . ففي صحيفة المصري اليوم ، وقبل يوم واحد فقط من صدور بيان كتلة الوعي الذي أثار العاصفة ، أي يوم 25 / 5 كتب مفتي جمهورية مصر العربية ، الشيخ الدكتور علي جمعة ، مقالا ، من سلسلة مقالات ، عن المرأة في الحضارة الإسلامية ، خصصه لموضوع تعدد الزوجات ، وما يثور حوله من جدل هنا وهناك . ولأن ما طرحه سماحة المفتي هام ، وجدير المناقشة ، وتحتاج معالجته لشرح طويل ، فسيكون موضوع مقالنا القادم . ما لفت نظري ، وما حمله المقال ، أن الدكتور علي جمعة لم يذهب إلى اتهام رافضي التعدد ، ومن ثم متناوليه بأشكال وأساليب مختلفة ، لم يتهمهم لا بالاستهزاء بالدين ، ولا بالتهجم عليه ، كما وليس بالارتداد وبوجوب تطبيق حد القتل عليهم ، كما ذهب إلى ذلك طلا ب في بدء مسيرتهم الحياتية ، ونافقهم من يصنفون بالمفكرين والمثقفين من حملة شهادات الدكتوراة .
تحليل واستخلاص :
وهكذا نصل إلى النقطة الهامة : استجلاء حقيقة ما حدث . أو كيف ولماذا حدث ما حدث ؟ وكيف ولماذا اختيرت جامعة بيرزيت ، ودائرة الدراسات الثقافية بالتحديد ، لتكون مسرح الحدث ؟ وقبل الدخول في محاولة للإجابة ، لا أظن أن القارئ بحاجة إلى التذكير بأن انطفاء هذا الحريق ، أو تكسر موجة التسونامي هذه على جدران الجامعة ، محض أمر مؤقت . فعملية التحريض على القتل ما زالت قائمة . ولم يتصد طرف مسؤول ، في حزب التحرير ، أو في غيره ، للتنديد بها ، ومن ثم للعمل على منعها . ولا أظن أن هناك ضرورة للتنبيه بأن وقوع جريمة اغتيال للأستاذ موضع التحريض ، ستفتح الباب لكوارث ، يعرف قادة حزب التحرير أنهم غير محصنين منها ، ولن يعرف أحد مداها ، أو يستطيع التكهن بنتائجها . ذلك أنه هنا يوجد لعب بالنار ، لا مجال للتهرب من تبعاته .
وكما أشرنا في البداية ، قدحت الشرارة كتلة طلابية صغيرة الحجم ، خارج حسابات القوى في الجامعة ، محسوبة على حزب التحرير الإسلامي . ولأن الأمر كان كذلك ، فقد تعدى إثارة الدهشة ، وليطرح أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات واضحة . فالمعروف عن حزب التحرير رفضه لِ ، فبعده عن ، منهج العنف والتكفير وما إلى ذلك . وعلى مدار عشرات السنين – نشأ في بداية خمسينيات القرن الماضي – سادت السماحة والمرونة عمله . تبنى الدعوة بالموعظة الحسنة ، فالحوار والإقناع ، سبلا لنشر دعوته ، وجذب الأعضاء والمريدين والمناصرين لصفوفه . فما الذي عدا على ما بدا كما يقال :
الجانب الأهم في مسيرة حزب التحرير أنه ، وطوال ال45 سنة من عمر الاحتلال ، لم يرفع أصبع احتجاج ، أو يصدر جملة اعتراض واحدة ، في وجه هذا الاحتلال البغيض ، الذي بدا لهذا الحزب ، وكأنه يجثم على صدر شعب في المريخ وليس في فلسطين . هل يمكن أن نستخلص إذن أن حزب التحرير هذا ، يتخذ من الإخوان المسلمين ، الذين تحولوا إلى حركة حماس ، قدوة ، فمشعلا لإنارة طريقه فيما سيأتي ؟
الإخوان ، كما لم يعد سرا ، سكتوا على الاحتلال عشرين سنة كاملة . ليس فقط لم يرفعوا في وجهه أصبع احتجاج ، ولم ينبسوا بجملة اعتراض . بل ودخلوا معه في مفاوضات وحوارات ، كان بطلها الشيخ الدكتور محمود الزهار ، لإقامة تحالف مواجه لقوى منظمة التحرير . استغلت حماس فترة الصمت هذه للبناء - وكذلك يفعل حزب التحرير ، وفي فترة مضاعفة - للقفز إلى صدارة المشهد الفلسطيني ، مستغلة انفجار الانتفاضة الأولى . خلعت رداءها القديم ، جماعة الإخوان ، والتحفت الرداء الجديد ، حركة حماس ، وبقية القصة معروفة . والسؤال هو : هل يتصور حزب التحرير أن الظرف بات مهيأ كي يعيد تطبيق هذا السيناريو من جديد ؟
دولة الخلافة :
لمحاولة الإجابة دعونا نعود إلى البيان ، وحيث نقرأ فيه : " وفي الختام نقول : إن دولة الخلافة تلوح بشائرها وعندها ينال المستهزئون بدين الله الجزاء الذي يستحقون " . إذن فاللحظة باتت مناسبة ، والفرصة مواتية . ها هي دولة الخلافة قادمة . اكتساح تيارات الإسلام السياسي للانتخابات في المغرب ، تونس ومصر ، وقريبا ليبيا واليمن ، وربما سوريا بعد ذلك ، كلها بشائر لدولة الخلافة . وإذا تذكرنا أن البيان تزامن مع بدء ظهور نتائج الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة في مصر ، أمكننا أن نقف على سر اندفاع حزب التحرير لاقتناص اللحظة . لكن ما حدث بعد ذلك ، حكم المحكمة الدستورية بحل البرلمان ، واحتمالية فشل مرشح الإخوان د . مرسي ، سقط من حسابات حزب التحرير ، ويبدو أنه أصابه في مقتل .
استعجال حزب التحرير ، وتسرعه هذا ، ذكر بالحكمة القائلة : رب ضارة نافعة . فالحزب في بيانه هذا قال لنا وبوضوح لا لبس فيه : كل تيارات الإسلام السياسي سواء ، حين يتعلق الأمر بالحريات ، بالحقوق ، بالديموقراطية ، بالعقل وحركته ، باستنارته وتغليفه . لا فرق في ذلك بين تيار لبس ثوب السماحة والمرونة ، كحزب التحرير ، وبين تيار اتسم بالانغلاق والغلظة والتشدد ، كالسلفيين والإخوان . فدولة الخلافة ، حين تقوم ، ليس في جعبتها للتعامل مع خصومها غير القمع ، غير التنكيل والقتل . وحيث كل معارض ، يؤمن باستنارة العقل ، ويحاول إعلاء شأنه ، يواجه التصنيف الجاهز : " مستهزئ بدين الله " ، ينتظره الجزاء الذي يستحق ، وهو القتل ، كما بينت التغريدات – التويتات – التي سبق نشرها .
ويبقى سؤال : لماذا لجأ حزب التحرير إلى منظمته الطلابية الصغيرة هذه لتفجير هذه الموجة ؟ وإذا ما انتبهنا لحقيقة أن هؤلاء الشباب هم من صدرت على لسانهم فتوى الردة فوجوب القتل ، وأن هناك تحريضا واضحا لهم باقتفاء أثر جماعة الجهاد التي قتلت السادات ، وتحريضهم على أخذ الأمر بأيديهم ، واغتيال الطواغيت ، يتوجب السؤال : هل بشائر دولة الخلافة تعدنا بولادة حركة طالبان جديدة ؟ وأنها ستجري عقابا للمستهزئين بدين الله بذات الطريقة الطالبانية الأفغانية ، التي اشتهرت بوحشيتها ؟ ما فعلته كتلة الوعي الطلابية التحريرية ، يقول بِ ، ويؤكد ذلك .
ويبقى أخيرالا أظن أن القارئ بحاجة للتذكير بأن جامعة بيرزيت التي أسستها ، وبنتها لبنة بعد لبنة ، عائلة فلسطينية مسيحية عريقة ، من بلدة بيرزيت الفلسطينية المسيحية ، هذه الجامعة تعتمد في بقائها ، على معونات ، تبرعات ومنح مالية ، تأتيها من أكثر من جهة ، عربية وغربية . والذين فجروا المعركة فيها ، يدركون ولا شك ، يعون ويعرفون تمام المعرفة ، أن ما فعلوه قد يتسبب في حجب بعض المعونات العربية – الخليجية بالأساس – عنها . مما يعني المشاركة في قتل هذا الحصن العلمي الفلسطيني الأكبر والأعرق . فهل هذا ما تعدنا به أيضا دولة الخلافة الهالَّة بشائرها ؟ بالتأكيد هو كذلك . وفي الختام نقول : أيها الحالمون ، أيها الليبراليون ، أيها العلمانيون ، أيها اليساريون ، أيها المثقفون ، أيها المؤمنون قضيتكم ، قضية فلسطين ، أفيقوا يرحمكم الله . أفيقوا حيث لم يعد للطيبة المثالية ، وللنوايا الحسنة مكان . أفيقوا حتى لا يأكلكم الندم . حتى لا يأتي وقت لا ينفعكم فيه أي ندم .



#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يافخامة الرئيس لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديمو ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 17 اختطاف الثورة قبل الأخ ...
- عفوك يا سماحة المفتي هذه ليست مساواة
- تغيير يوجب تغييرات
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 16 تغيير ام إصلاح
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 15 المثقفون وأدوارهم 4 سو ...
- آفاق المرأة والحركة النسوية بعد ثورات الربيع العربي
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 14 المثقفون وادوارهم 3 مخ ...
- قرراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 13المثقفون وأدوارهم 2
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 12
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 11مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 10 مخاطر على الديموقراطية ...
- عن دور اليسار في ثورات الربيع العربي
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 9 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 8 مخاطر على الديموقراطية ...
- الربيع العربي وقضايا الأقليات القومية
- قراءةتأماية في ثورة الشباب المصري 7 مخاطر على الديموقراطية 6 ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 6 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 5 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 4 مخاطر على الديموقراطية ...


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - تسونامي إسلامي يضرب جامعة بيرزيت