أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عبد المجيد حمدان - يافخامة الرئيس لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديموقراطية درجة ثالثة















المزيد.....

يافخامة الرئيس لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديموقراطية درجة ثالثة


عبد المجيد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 3748 - 2012 / 6 / 4 - 14:11
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يا فخامة الرئيس:
لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديموقراطية درجة ثالثة

شكرا للرئيس كارتر ، وباقي المراقبين ، وللصحافة الغربية ، الذين نبهونا إلى حقيقة طالما غابت عنا . حقيقة تقول أنه كما أن العالم منقسم إلى شمال وجنوب ، عالم أول وعالم ثالث ، كذلك هو حال الديموقراطية . هناك ديموقراطية شمال وديموقراطية جنوب . ديموقراطية نخب أول وديموقراطية نخب ثالث . ديموقراطية درجة أولى وديموقراطية درجة ثالثة . صحيح أن كارتر والباقين – مراقبون وإعلام – لم يقولوا هذا بالضبط ، أو مباشرة ، ولكنهم قالوه عبر قصائد الغزل والمديح ، التي كالوها عقب انتخابات الرئاسة المصرية ، وعقب انتخابات الرئاسة والمجلس التشريعي الفلسطينية . كارتر وغيره أثنوا على النزاهة والشفافية التي اتسمت بها انتخابات فلسطين وانتخابات مصر . هم حضروا ، وشهدوا العمليتين الختاميتين ، عمليتي التصويت والفرز . والعمليتان ، هنا في فلسطين ، وهناك في مصر ، اتسمتا بالفعل بالشفافية والنزاهة . ولم نكن بحاجة لقصائد كارتر ، أو لقصائد غيره ، كي تبصرنا بحقيقة ما مارسنا وما شهدنا . لكن الأمر الأهم يتمثل في عدم حاجتنا لشهادات الزور ، التي تبرع كارتر وغيره ، غير مشكور ، وغير مشكورين ، بتقديمها ، حين سحبوا ما شاهدوه من الشفافية والنزاهة ، في الجزء الختامي من العملية الانتخابية ، على العملية كلها .
واستند المطبلون ، هنا في فلسطين ، وهناك في مصر ، كما استندت القوى الفائزة في الانتخابات ، ووسائل إعلامها ودعايتها ، إلى شهادات كارتر وصحبه ، وإلى الإعلام الغربي ، لرفع صخب حملات التطبيل للعرس الديموقراطي ، وللروح الديموقراطية ، وللسلوك والفعل الحضاري ، الذي تحلى به جمهور الناخبين ، ولنزاهة وشفافية الجهات التي أدارت ، وجهت ، وأشرفت على هذا العرس ، ليخرج هكذا بهذا الثوب الزاهي ، ولنباهي به الأمم الأخرى . وأكثر ليصل بنا الأمر كي ندعو الأمم الأخرى إلى التعلم منا .
ربما نجد العذر لكارتر ، وباقي المراقبين ، وكيل مدائحهم ، لأن هذا الجزء الختامي ، التصويت والفرز ، هو الذي ظل في الماضي يشهد عمليات التزوير الفظة لإرادة الناخبين ، وما ظل يترتب عليها من وأد للديموقراطية برمتها . لكن مما لاشك فيه أن كارتر ، ومن مقر عمله في الولايات المتحدة ، والأمر ذاته مع باقي المراقبين ، كان يتابع من هناك ، سير مختلف مراحل العملية الانتخابية ، قبل مجيئه للمتابعة عن كثب لجزئها الأخير ، التصويت والفرز . ولا أظنه إلا كان على علم بأن سير هذه المراحل لم يكن على ما يرام ، ولم يكن يتقاطع ، أو يتقابل ، مع أبسط متطلبات ديموقراطية الشمال ، أو الديموقراطية درجة أولى ، أو نخب أول ، التي تسود في بلدان الديموقراطيات العريقة . كان لا بد يعرف عن ما شاب هذه المراحل من سوءات ، تخص : مصادر تمويل الحملات ، سير الدعاية الانتخابية ، ملصقاتها واستباحة الملكيات العامة والخاصة ، تلطيخ البلد بكل هذا القبح وإضراره بالبيئة ، رشوة الناخبين ، الموتى في قوائم الناخبين ، تجميع ونقل الناخبين ....الخ . ولا أظن إلا أن كارتر وغيره يعرفون لو أن واقعة واحدة ، من آلاف الوقائع التي حدثت عندنا ، تحدث في بلد من بلدان ديموقراطيات النخب الأول ، لوقع زلزال سياسي وأخلاقي وديموقراطي ، ليس في ذلك البلد وحده ، ولكن في كل بلدان ديموقراطيات النخب الأول . ولتوضيح ما أذهب إليه ، اسمحوا لي أن أنتقل من التعميم إلى التخصيص .
الديموقراطية لا تفرخ الفساد :
في مصر شكلت الرزمة الغذائية ، زيت ولحمة ورز وسكر وبطاطس ، ثم أنبوبة البوتاغاز ، عنصرا مهما ، من عناصر حملة حزب الحرية والعدالة – الإخوان – الانتخابية . وشكلت هذه الممارسة مادة خصبة لأقلام رسامي الكاريكاتير . وأثناء الاقتراع رصدت عدسات المراقبين ، عمليات شراء الصوت – لم تقتصر على مرشح بعينه - بأسعار تراوحت بين مائة ومائتي جنيه ، نصفها قبل التصويت ونصفها بعده . وفي فلسطين جرت نفس العمليات ، وكما في مصر ، على عينك يا تاجر . وكان الفارق أن سعر الناخب الفلسطيني أعلى من نظيره المصري ، مائة ومائتي دولار ، غير كروت الموبايل .
والآن دعونا نتصور كيف ستكون ردة فعل كارتر ، وباقي المراقبين ، لو أن حدثا واحدا مثل هذا وقع ، ولو مع ناخب واحد ، في إسرائيل أو في قبرص . بالتأكيد لن يشهد كارتر بنزاهة هكذا انتخابات . والأهم موقف اللجنة المشرفة على الانتخابات ، والعقوبة التي يمكن أن تفرضها على المرشح ، أو الكتلة التي مارست فعل الرشوة هذا . لا أظنك ستفاجأ ، عزيزي القارئ ، بالحملة التي سيتعرض لها من يقدم على فعل كهذا ، أو بقرار لجنة الانتخابات القاطع بوقفه ، وربما بإخراجه من العملية كلها ، تمهيدا لمحاكمته . وبما يعني حكم الإعدام على مسيرته السياسية اللاحقة . فتلك هي ديموقراطية النخب الأول .
نحن في العادة لا نتوقف للتبصر في طبيعة ومضمون حكم تفرزه هكذا عملية ديموقراطية ، تشهد وقائع رشوة الناخبين هذه . ولتقريب المسألة من ذهن قارئ بسيط ، سأسرد له حوارا جرى أثناء الانتخابات الفلسطينية ، العام 2006 . دار الحوار حول مرشح ، اشترى صوت الناخب بمائة وبمائتي دولار ، وبكوبونات بنزين ، وكروت موبايل . وقيل أن حملته في محافظة رام الله ، وهي لا تساوي حي شبرا في القاهرة ، بلغت أكثر من مليون دولار- سقف حملة المرشح على المقاعد الفردية 20 ألف دولار - . سألت ذلك المتحمس لحملة هذا المرشح : كيف سيسترد مرشحك ، وهو رجل أعمال ، يسترد ، في العادة ، الدولار دولارا ونصف ، وحتى دولارين وأكثر ، هذا المبلغ الذي صرفه ، ولا تقل لي أنه لن يفعل ذلك ؟ وأضفت : لا بد أنك تعرف أن مجموع رواتبه خلال الدورة كلها لن يصل إلى عشر هذا المبلغ . بعد فترة تفكير قال : أكيد من خلال استغلال موقعه الجديد . قلت إذن ، أنت وغيرك ممن قبلوا ورقة ، أو ورقتي ، المائة دولار ، منحتم هذا النائب ترخيصا ديموقراطيا لممارسة الفساد . وتابعت : ثم أن الجهة التي راقبت ، ورأت ، ثم صمتت ، ليس فقط أقرت ، بل قوننت هذا الفساد . والسؤال : هل مهمة الديموقراطية محاربة الفساد أم استيلاده ، تشريعه وقوننته ؟
ذات الأمر ينطبق على موازنات الحملات الانتخابية . في فلسطين حددت اللجنة العليا سقفا أعلى للحملات الانتخابية . وحدث مثل ذلك في مصر . وفي مجرى العملية ، تجاوز المرشحون والكتل ، باستثناء غير المقتدرين ، هذا السقف بكثير .
حدث أن أنيطت بي مسؤولية الإشراف على مصروفات حملة كتلة البديل ، وهي كتلة لتنظيمات يسارية هي : حزب الشعب ، حزب فدا والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين . ومن موقعي هذا وقفت على حجم الصعوبات التي واجهت التنظيمات الثلاث ، فقيرة التمويل والإمكانيات ، في توفير حصصها من المصروفات ، بعد أن انزلقت إلى مجاراة بعض أوجه صرف حملات كتل أخرى . وفي النهاية قدمت الكتل الفائزة ، بمقاعد في المجلس التشريعي ، تطبيقا للقانون ، كشوفا بمصروفات حملاتها للجنة الانتخابات . وفوجئنا ، بعد المقارنة بين مختلف الكشوف ، أن كشوف جملة مصروفات كتل فاقت إعلانات حملاتها ، غير الرشاوى المباشرة ، إعلانات حملتنا ، بعشر مرات في حدها الأدنى ، جاءت أقل من نصف ما سجلناه في كشفنا . آنذاك فتحنا حوارا مع من يعنيهم الأمر ، وبينهم منظمات حقوقية ، ولتعليم الديموقراطية ، حول معنى ما حدث ، وأثره على ديموقراطية ننشدها ونعمل لها . وأذكر أنني طرحت السؤال التالي : في رأيكم ما هو المتوقع من نائب ، أو كتلة ، شكل كشف مصروفاته/ها المزور ، عتبة دخوله/ها للمجلس ؟ هل نتوقع من مثل هذا النائب ، هذه الكتلة ، انحيازا للأمانة ؟ رفضا للمحسوبية ؟ محاربة للفساد ؟ انصياعا للقانون ؟ دفاعا عن الحقوق ؟ وقوفا في وجه الظلم والطغيان ؟ انحيازا للمظلومين ؟ احتراما للحريات ؟
ما أثار دهشتي آنذاك ، وحتى يومنا هذا ، أن محاوري لم يروا أية أهمية لما طرحت . واجهوني بشهادة كارتر وغيره عن نزاهة الانتخابات ، وعن نجاحنا الحضاري المذهل ، في عبور تجربتنا الديموقراطية الأولى هذه . ومنهم من عدد نجاحاته في تدريب وتخريج كوادر المراقبين ، ومتابعة ورصد مراحل التصويت والفرز ، وما إذا وقع فيها مخالفات أم لا .
مؤسسة احتقار القانون :
وفي مصر ، وفي انتخابات الرئاسة ، حددت اللجنة العليا ، سقف الحملة بعشرة ملايين جنيه . وتوفرت معطيات تفيد أن حملتي مرشحي الإعادة تجاوزت هذا السقف بكثير . والتقديرات المتحفظة وضعتها بين ثلاثمائة وخمسمائة مليون جنيه . أي بتجاوز للسقف مابين ثلاثين وخمسين ضعفا . وعلى حد علمي لم يُسألْ أي منهما عن ذلك . كما لم يسألا عن مصادر تمويل حملاتهما ، وعما إذا كانت جهات من خارج مصر ، قد ساهمت فيها ، وبمخالفة واضحة للقانون . ومن جديد لم يهتم أولئك الذين اعتمدوا شهادة كارتر بهاتين الجزئيتين . وواصلوا التفاخر بالشفافية والنزاهة التي بهرت العالم .
ولأنني لا أظن أن أحدا يجهل مسؤولية الرئيس في صيانة واحترام القانون أسأل : كيف لرئيس ، من أجل احتلال منصب بهذه الرفعة ، تجاهل القانون بهذه الغلظة ، أن يتقيد بالقانون ، أن يخلص للقانون ، أن يكرس جهدا لحماية القانون ، بعد اعتلائه سدة الرئاسة ؟ وكيف لرئيس وافق على رشوة الناخب بكراتين لحمة وزيت ومكرونة وبطاطس ، أو بالمائة جنيه نقدا ، أن يؤتمن على مصالح الشعب ، كأن يحمي الفقراء من جشع مستغليهم ؟ وما الذي يعنيه سكوت المنظمات المدنية والحقوقية ، وتلك التي تناضل من أجل توفير ديموقراطية حقيقية ؟ ألا يعني هذا السلوك من حضرة الرئيس ، وذلك السكوت من الحقوقيين والمدافعين عن الحريات ومبادئ العدالة ، تفويضا للرئيس باحتقار القانون والضرب به عرض الحائط ؟ وهل هذه هي الديموقراطية التي فقد خيرة شباب الوطن حياتهم من أجلها ؟ وهل نواصل إطراب سمعنا بعبارات كارتر عن نزاهتها ؟ وأخيرا هل يستطيع القارئ تخيل ما الذي يحدث في بلد من بلدان الديموقراطية نخب أول ، لو حدث من مرشح للرئاسة ، تجاوز واحد من التجاوزات المذكورة أعلاه ؟
تعليمات اللجان العليا للانتخابات :
ودأبت اللجان العليا للانتخابات ، في مصر كما في فلسطين ، على إصدار سلسلة من التعليمات المحددة لقواعد وضوابط ، يضمن تطبيقها سلامة وشفافية ونزاهة العملية الانتخابية . كما دأبت على إرفاق هذه القواعد والضوابط بعقوبات تطبق بحق الخارجين عليها ، تتدرج من الغرامات المالية إلى السجن مددا محددة . مثلا حددت سقوفا لقبول التبرعات المالية ، بما فيها حظر تلقي التبرعات من مصادر خارجية ، تُعرض متجاوزها ، لإحدى العقوبتين ، أو كلاهما معا . وتحديد سقف التبرعات ، بألف دولار ، أو عشرة آلاف ... أمر في غاية الأهمية ، تطبيقه يعني منع المال السياسي ، من شراء فالسيطرة وتوجيه النائب أو الرئيس . والأمر ذاته مع سقف الصرف المالي ، وحظر رشوة الناخب . ثم حظر استخدام الدين في الدعاية الانتخابية ، وحظر استخدام دور العبادة ، وفترة الصمت الانتخابي .....وغير ذلك كثير . ومسألة حظر استخدام الدين ، ودور العبادة ، وهي تشكل أحد أهم دعائم نزاهة العملية الانتخابية ، لم تبتدعها الديموقراطية نكاية في هذا الحزب أو ذاك ، أو لمناوأة الإسلام كما يقول البعض . هي جاءت كثمرة طيبة لعملية تطور الديموقراطية ، عبر مسارها الطويل . وهي ، كما أكدت مختلف تجارب الديموقراطيات ، تشكل ضرورة تحول دون تحول العملية الانتخابية ، إلى صراع دامي بين الطوائف ذات المرجعيات الدينية المتعارضة . وللتوضيح أكثر ، ليتصور القارئ ما المحتمل حدوثه لو فرض الهنود دعاية هندوسية متشددة ، على الأقلية الإسلامية – حجمها فقط 180 مليونا - ، أو لو اعتمد كل من الشيعة والسنة في لبنان ، دعاية مستندة إلى معتقداتهم الدينية . هل يضمن أحد أن لا تتحول المعركة الانتخابية في البلدين المذكورين إلى مذابح دامية ؟ وبالعودة للسياق نقول : في فلسطين ، كما في مصر كسر المرشحون كل هذه القواعد ، وبصورة صارخة أحيانا ، دون أن تقدم اللجان ، واضعة القواعد والضوابط ، على مجرد مساءلة واحدة ، ولو لواحد من مرتكبي المخالفات . وظل تبرير هذا النكوص من قبل اللجان واحدا : عدم امتلاك اللجان إمكانيات التحقق من وقوع المخالفة ، وعدم امتلاك الصلاحية فالقدرة لإيقاع العقوبة ، التي هي مناطة بجهة أخرى .
كمثال في انتخابات التشريعي الفلسطينية ، وضح لكل ذي عينين ، تلقي مرشحين ، وكتلا ، تمويلا خارجيا ، وحيث بدا هذا التمويل صارخا يفقأ العين . ووقفت لجنة الانتخابات عاجزة عن فعل شيء . موقفها ، أو عجزها ، مفهوم ومقدر . فهي لا تملك وسائل التحقق ، وفي حال تزويدها بالوقائع ، تعوزها الصلاحية ، والقدرة على إصدار الحكم ، بالعقوبة أو بدونها . ولو أنها فعلت ، فقد يقع لها ما لا يمكن تخيله . ومرة أخرى حالنا في فلسطين معروف ومفهوم ، فنحن قبل كل شيء بلد ليس له دولة ، وسلطته منقوصة السيادة . لكن ما بال مصر ، البلد والدولة كاملة السيادة ، ولجانه العليا تتمتع بالحصانة القضائية ، وبحماية أجهزة للدولة قادرة وفاعلة ؟
هنا ، لا بد لأي مهتم بقضية الديموقراطية ، أن يطرح العديد من الأسئلة ، في مقدمتها : لماذا تكلف اللجان العليا للانتخابات نفسها عناء إصدار تعليمات بقواعد وضوابط ، هي أول من يعلم افتقارها للقدرة على تطبيقها ؟ ثم لماذا تكلف نفسها هذا العناء ، وهي تعرف يقينا أن أيا من المرشحين لن يلتزم بها ؟ هل تفعل ذلك ، رسالة للخارج ، وللمنظمات الحقوقية والمدنية ، عن الالتزام بالمعايير الدولية ؟ وكيف لم ينتبه أحد ، من أعضائها ، أو من غيرهم ، أن الخارج ، وبشهادة متكررة من كارتر والمراقبين الآخرين ، لا يأبه لهذه الضوابط ، ولا ينتبه أو يهتم لخرقها أو الالتزام بها ؟ وألم يتوجب الانتباه إلى مضمون العبرة من كل ذلك ، وهي توطيد وتعميق ثقافة الخروج على القواعد والضوابط ؟ خرق القانون وكسره ؟ عدم احترام سيادة القانون ، أحد أهم مبادئ الديموقراطية المنشودة ؟ ونحن لا نفتري على هذا المضمون ، أو نخرجه كالحاوي من جيوبنا . فهؤلاء الذين يمارسون خرق وكسر القواعد ، في حملاتهم الانتخابية ، ويشي فعلهم عن سلوك متأصل ، هم أنفسهم الذين سيتولون أقدس مهمة ، مهمة تشريع القوانين ، ومهمة الرقابة على تطبيقها . وإذن كيف سيتمكنون من فعل ذلك ، وقد دشنوا مسيرتهم إلى هذا الحصن المقدس ، فالجلوس تحت قبته ، بالخطو على بساط التعديات على القانون ، والتعبير الصارخ بذلك عن عدم احترامه ؟!!!.
وفي مصر ، وسبقناهم إلى ذلك في فلسطين ، جرى حديث كثير ، عن تمويل خارجي ، من أشقاء عرب ومن غيرهم ، لحملات مرشحين للرئاسة ، وصل بعضهم لجولة الإعادة ، وبعد أيام سيجلس أحدهم على كرسيها . ورغم كثرة ما تردد على الألسنة ، وفي وسائل الإعلام ، لم تكلف اللجنة العليا ، أو أي جهة أخرى ، نفسها عناء التحقق من صحة الأمر . ولعل القارئ لا يحتاج إلى التذكير ، بأن مهمة حفظ استقلال البلد ، وصيانة كرامته وكرامة المواطنين ، تتصدر مهام الرئيس . والسؤال كيف لمن هو مدين في وصوله إلى كرسي الرئاسة ، أو حتى لكرسي البرلمان ، إلى هذا الخارج ، أن يصون استقلال وكرامة البلد ، من عبث هذا الخارج ؟ ألا يشي سكوت الجهات المعنية أن الديموقراطية الجاري تطبيقها ، تقنن عبث التدخلات الخارجية وتحميها ؟
خاتمة :
ختاما عزيزي القارئ اسمح لي أن أطرح عليك بعض التساؤلات ، المكلف أنت ، قبل أي أحد غيرك بالإجابة عليها . هل حدث أن سمعت أن حزبا ما ، تكتلا انتخابيا ما ، في بلد من بلدان ديموقراطيات النخب الأول ، بريطانيا ، البرتغال ، اليونان ، النمسا ، استراليا ، كندا ، مالطة ، قبرص وغيرها وغيرها ، استأجر وسائط تنقل الناخبين إلى مراكز الاقتراع ؟ ستجيب : لم أسمع . وأعود لأسألك : في ظنك لماذا لا يحدث هذا هناك؟ ثم : هل حدث وسمعت عن استخدام للدين ، أو لدار من دور العبادة ، في أي من هذه البلدان ، للدعاية الانتخابية ؟ ستجيب : لا لم أسمع . وأعود لأسألك : في ظنك لماذا لا يحدث مثل هذا هناك ويحدث عندنا ؟ وثم أخرى : هل حدث وسمعت عن تدخل لإدارة من الإدارات الحكومية ، أو حتى من المؤسسات غير الحكومية ، في أية عملية انتخابية ، وفي أي واحدة من هذه البلدان ؟ وأسمعك تجيب : لا لم أسمع . وأعاود عليك السؤال : لماذا لا يحدث مثل هناك ، وهو دائم الحدوث عندنا ، ولا نرى فيه ما يشوب نزاهة الانتخابات ، أو مساسا ما بالديموقراطية التي نضحي بزهرة شبابنا من أجلها ؟
عزيزي القارئ : يمكن طرح عشرات الأسئلة كالسابقة وغيرها . والإجابة عليها واحدة وواضحة . هناك وصلوا إلى ديموقراطية متقدمة . وهنا نحاول الوصول إلى ديموقراطية ، تسد الطريق عليها تقاليد بالية وثقافة متخلفة . والأهم أن كارتر وأمثاله ، وأصحاب المصلحة عندنا ، يريدوننا أن نقتنع ، ليس فقط أن ليس بالإمكان أبدع مما كان ، بل ولأننا جزء من العالم الثالث ، لا نستحق غير ديموقراطية من النخب الثالث . فهل نركن إلى ما يقولون ، ونواصل التفاخر بشهاداتهم ، وهذا اللغو بأن العالم يتعلم منا ، أم نواصل الجهد لنرتقي بديموقراطية النخب الثالث ، التي بدأنا طريقنا بها ، إلى ديموقراطية النخب الأول ؟
أخيرا ، إنْ واصلنا هذا الرضا عن الذات ، والقبول بمعايير كارتر وأمثاله ، الأكثر من مزدوجة ، ستحافظ إسرائيل على موقعها ، كالديموقراطية الوحيدة ، كواحة الديموقراطية ، في الشرق الأوسط . ولن يفيدنا الصراخ بأن الواقع ، وبعد توطد ديموقراطية النخب الثالث في مصر وتونس ، وغيرهما من بلدان الثورات العربية ، يقول غير ذلك . فالعالم يرانا على حقيقتنا ، وحقيقة ديموقراطيتنا التي نرضى بها ، ونواصل الزهو بها ، ديموقراطية نخب ثالث ، أمامنا طريق طويل ، تسده معوقات كثيرة ، كي نرتقي بها ، ومعها ، إلى ديموقراطية من النخب الأول .



#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 17 اختطاف الثورة قبل الأخ ...
- عفوك يا سماحة المفتي هذه ليست مساواة
- تغيير يوجب تغييرات
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 16 تغيير ام إصلاح
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 15 المثقفون وأدوارهم 4 سو ...
- آفاق المرأة والحركة النسوية بعد ثورات الربيع العربي
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 14 المثقفون وادوارهم 3 مخ ...
- قرراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 13المثقفون وأدوارهم 2
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 12
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 11مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 10 مخاطر على الديموقراطية ...
- عن دور اليسار في ثورات الربيع العربي
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 9 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 8 مخاطر على الديموقراطية ...
- الربيع العربي وقضايا الأقليات القومية
- قراءةتأماية في ثورة الشباب المصري 7 مخاطر على الديموقراطية 6 ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 6 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 5 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 4 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 3) مخاطر على الديموقراطية ...


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عبد المجيد حمدان - يافخامة الرئيس لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديموقراطية درجة ثالثة