أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - عفوك يا سماحة المفتي 2















المزيد.....

عفوك يا سماحة المفتي 2


عبد المجيد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 3767 - 2012 / 6 / 23 - 14:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عفوك يا سماحة المفتي 2
مدخل :
في مقالي السابق " تسونامي إسلامي ......" ، أشرت لمقال للدكتور علي جمعة ، مفتي جمهورية مصر العربية ، حول الزواج المتعدد ، نشره في جريدة المصري اليوم ، عدد25 / 5 . للمقال ، كما سبق وأشرت ، علاقة بموضوع الكاريكاتير ، الذي تسبب في موجة التسونامي ، التي ضربت جامعة بيرزيت . وبسبب أهمية الموضوع ، وإعادة طرحه من قبل شخصية إسلامية ، على هذه الدرجة من سمو المكانة ورفعة المقام ، وعدت القارئ بتخصيص مقال له ، وها أنا أفعل .




يواصل سماحة المفتي ، منذ مدة ، نشر سلسلة مقالات ، في المصري اليوم ، موحدة العنوان ،" المرأة في الحضارة الإسلامية " ومتنوعة الموضوعات ، يحتاج كل منها ، كما أرى ، لوقفة مطولة . لكن وكما سبق ووعدت القارئ ، سنقصر الوقفة اليوم على مقال تعدد الزوجات بين الحقيقة والأباطيل ، المنشور يوم 25 / 5 الماضي ، أي قبل يوم واحد من البيان سيء الذكر ، الذي أثار تسونامي جامعة بيرزيت .
يفتتح سماحته مقالته بالقول :" من باب تصحيح المفاهيم وإرساء الحقائق يجب علينا أن نعلم أن الإسلام جاء بالحد من تعدد الزوجات ولم يأت بالدعوة أصالة إلى تعدد الزوجات كما يظن غير المتخصصين " . وللبرهنة على صحة ما ذهب إليه ، أورد حكاية غيلان الثقفي الذي أسلم وتحته عشر زوجات ، وكيف أمره النبي قائلا :" اختر منهن أربعا " . وبعد ذلك يذهب إلى تذكير القارئ بحقيقة أنه لم يرد – لا في القرآن ولا في السنة - أمر لمن تزوج بواحدة أن يتزوج بأخرى ، " وذلك لأن تعدد الزوجات ليس مقصودا لذاته وإنما يكون تزوج الرجل مرة أخرى لأسباب ومصالح عامة " . ينتقل سماحته بعدها لإيراد الآية التي حملت رخصة التعدد ، وحتى أربع زوجات ، وهي :{ وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا } سورة النساء الآية 3 . يتوقف سماحته هنا عند الخلاف في تأويل هذه الآية والذي رافق مسيرة تطبيقها ، منذ لحظة نزولها وحتى يومنا هذا . يقول سماحته أن التعدد ورد هنا مقرونا باليتامى ، وحيث جرى انتزاع { فانكحوا ما طاب .....} دون القول السابق والذي ورد بأسلوب الشرط ، وكذلك دون اللاحق الذي يقيد الإباحة بالعدل .
ينتقل سماحة المفتي بعد ذلك لإيراد أسباب إباحة التعدد ، مشيرا إلى أن نظام التعدد هذا كان قائما بين العرب والفرس واليهود ، إضافة إلى أن العادات والتقاليد ، عند هؤلاء ، كانت تسمح بتقديم النساء هدايا للآخرين . ومثل كل من تصدى لهذا الموضوع ينتقل سماحته لمهاجمة الغرب ، وما تشهده أممه من تفكك للأسرة وانتشار للفاحشة . ومثل من سبقوه – العقاد مثلا – يستشهد بذات الفلاسفة والمفكرين الغربيين – وهم اثنان أو ثلاثة الكل يستشهد بهم – الذين هاجموا وحدانية الزواج الغربي ، وأشادوا بصحة التعدد .
ويختتم سماحته مقالته قائلا :" ما سبق – الاستشهاد بالمفكرين الثلاثة – يؤكد لنا أن نظام تعدد الزوجات ، أو إباحة التزوج بأكثر من واحدة ، تحقيقا لمقاصد الشريعة التي نص عليها الشرع الإسلامي ، ليس منقوضا عند معظم المفكرين ، وقد رأينا شهادة بعضهم ، بل هو في حقيقته تكريم للمرأة ، لأن الإنسان لا بد أن تكون نظرته متكاملة ، فقََصْرُ النظر على المرأة التي يتزوج عليها الرجل ليس إنصافا ، فإن التي يتزوجها الرجل هي امرأة كذلك ، كرمها الشرع بأن سمح للرجل بأن يتزوج منها لعلاج ما يعانيه المجتمع من مشكلات اجتماعية واقتصادية ......"
وملاحظتان :
إذن وقبل الذهاب لمحاورة سماحته فيما كتب ، يتوجب إبداء ملاحظتين . وقبل الملاحظتين أرجو من القارئ الكريم التوقف مليا عند السطرين الأخيرين من مقالة سماحته . إذ لا أدري كيف يكون سماح الشرع للرجل بأن يتزوج امرأة ثانية هو إكرام وتكريم لهذه الثانية . ولا أدري كيف يوجب إكرام وتكريم الثانية ، غض النظر عن القهر الذي يقع على الأولى ، وكيف أن هذا الإكرام والقهر يُكَوَِّن متوالية هندسية مع الثالثة فالرابعة ، فتطليق الأولى إن أراد الخامسة ، وتطليق الثانية إن أراد السادسة وهكذا مما يعلمه سماحته . وبالعودة إلى الملاحظتين ، نسأل في الأولى :
ما حاجة سماحته ، وغيره من العلماء والفقهاء إلى الاستدلال برأي مفكرين غربيين – هم ثلاثة دائما أحدهم الفيلسوف الألماني شوبنهاور من القرن التاسع عشر – لإثبات صحة هذا التشريع عن الزواج المتعدد ؟ وهل يليق بعالم القول أن رأي هؤلاء هو رأي معظم المفكرين ؟
والملاحظة الثانية تتعلق بهذا التمحك بما يوصف بالحضارة الإسلامية . ويحق لنا أن نسأل :أهو نوع من الاعتذار والتكفير ، ما زلنا نفتقد الشجاعة لنعلنه صريحا وواضحا ، عما جنته أيدينا – أيدي علماء وفقهاء وأئمة تيار النقل – على هذه الحضارة ؟ ذلك لأنني لا أظن إلا أن سماحته يعرف تمام المعرفة ، أن الحضارة الإسلامية لم تقف عند حدود تقدم وتطوير علوم الدين على أهميتها ، بل تعدتها إلى المساهمة في ، وبناء وتطوير العلوم الأخرى ، من فلك وطب وفلسفة وعلوم ورياضيات وآداب وموسيقى وغيرها وغيرها . ويعرف سماحته أن العلماء الذين درس على أيديهم ، على مر القرون ، هم من حرَّض العامة ، وقاد عمليات مطاردة هؤلاء العلماء وإذلالهم ، وحرق وإبادة إنتاجهم . ويعرف أن الأوروبيين هم من حرص على إنقاذ ما أمكن إنقاذه من ذلك الإنتاج العظيم . وأنهم - الأوروبيون - بعد أن استوعبوه أضافوا له وبنوا فوقه . أما نحن فاكتفينا بالتفاخر بأننا نحن الذين أخرجناهم من ظلمات العصور الوسطى ، في وقت أبقانا أسلافه نرسف في جهلنا ، وأخرجنا من جنة هذه الحضارة العظيمة صفر اليدين . وأسال مجددا : هل هذا التمحك بالحضارة الإسلامية ، يبشر باحتمالية وقفة مراجعة مع الذات ، فمقدمة ربما للاعتذار عن الجريمة التي ارتكبناها تجاه هذه الحضارة ؟
سجال :
وبعد أستأذنك عزيزي القارئ في مساجلة مع سماحته ، أعرضها ، لمساعدة القارئ ، في نقاط .
1. ففي هذه المقالة ، كما في غيرها ، يبدأ سماحته – مثل أكثرية علماء الدين العاصرين ، وحتى سابقيهم من القرن الماضي - بتذكير القارئ ، بما يصفونه بالحقائق التي تغيب عن المتخصصين ، ومنها حقيقة أن الإسلام جاء بالحد من تعدد الزوجات ، ولم يأت بالدعوة إلى هذا التعدد ، لأن الأصل في الزواج هو وحدانيته . ومثل غيري ، من غير المتخصصين ، أتفق مع سماحته . فالباحث لن يعثر في القرآن على آية ، تدعو بصورة مباشرة أو غير مباشرة للتعدد . والأمر عينه للسنة . ومع ذلك ليسمح لنا سماحته بالقول أن هذه نصف الحقيقة . والنصف الثاني ، الذي يواظب سائر العلماء على القفز عنه ، أن تعدد الزوجات كان عرفا قائما – قبل الإسلام - في الحجاز ، وربما في بعض أجزاء الجزيرة الأخرى ، لم يلغه الإسلام ، كما فعلت المسيحية ، بل وثبته بالتشريع الذي نصت عليه الآية .
2. يبرهن سماحته على صحة ما ذهب إليه بإيراد حكاية غيلان الثقفي ، الذي أسلم وعنده عشر نساء ، وأن النبي طالبه بتسريح ستٍ منهن ، والإبقاء على أربع . والحادثة صحيحة ، لكنها مرة أخرى نصف الحقيقة . لم يذكر سماحته ، ربما لضيق المساحة ، أن غيلان أسلم قرب نهاية السنة العاشرة للهجرة ، أي قبل وفاة النبي بقليل . النبي طالبه بتسريح بعض زوجاته والإبقاء على أربع . هذا صحيح . لكن مصادر التراث تختلف حول استجابته للطلب ، خصوصا وأن النبي انتقل للرفيق الأعلى بعدها بقليل . بعض المصادر قالت أنه استجاب ، وبعضها قال أنه لم يستجب ، وأنه توفي عن زوجاته العشرة . لكن ليس ذلك بذي أهمية كبيرة .
3. في بحوثي استرعت اهتمامي هذه المسألة . ونقبت فيما وقع بين يدي من مصادر التراث ، ولم تكن قليلة أو محدودة ، فلم أعثر إلا على ستة ، بينهم غيلان الثقفي ، جمعوا بين أكثر من أربع زوجات . ومن حسن حظي أن الباحثين الإسلاميين ، الذين اهتموا بهذه المسألة ، والذين هم على اطلاع أكبر مني ، سيد قطب ، وعباس العقاد مثلا ، لم يوردوا عددا أكبر . وإذن دعونا نفترض أن عدد هؤلاء الذين جمعوا بين أكثر من أربع زوجات ، وصل إلى عشرة ، إلى خمسين ، وحتى إلى مائة . يبقى عددهم محدودا ، ولا يوجب هذه المجاملة من التشريع . هم بالطبع من كبار الأغنياء ، يقابلهم آلاف ، وحسب النص القرآني ، من الفقراء الذين لا يجدون سبيلا إلى الزواج ، ولو من واحدة ، وحيث عرض النص الحل بالزواج مما ملكت أيمانكم . ودليلنا الآخر ، أن أغنياء مكة ، وهم سنام أغنياء العرب ، لم يعرفوا هذا الجمع مثل غيلان الثقفي . وكان تثبيت الوحدانية ، كما فعلت المسيحية ، واستجاب لها العرب ، يقضي بحظر هذا التعدد . وحجة أن التعدد لم يكن مقصودا لذاته ، وإنما يكون التزوج مرة أخرى لأسباب ومصالح عامة ، حجة غير مقبولة ومردود عليها ، كما سنبين لاحقا .
4. ويقول سماحته أن الإسلام جاء ونظام التعدد قائم بين العرب والفرس واليهود ، وأن الأغنياء كانوا يبنون القصور لحريمهم ، كما كانوا يقدمون النساء هدايا للآخرين . ونقول ذلك صحيح ، ولكنه أقل حتى من نصف الحقيقة . فالتعدد كان قائما بين بعض العرب وليس كلهم . وهو لم يكن كذلك لا في مكة ، ولا في المدينة ، ولا حتى في الطائف . كانت هناك ممالك عربية ، الغساسنة والمناذرة ، سكان كل منها أكبر من سكان الحجاز ، تأخذ بوحدانية الزواج ، ببساطة لأنها كانت تدين بالمسيحية . وبالإضافة كان هناك العديد من القبائل ، مثل طيء – أميرها حاتم الطائي – بني حنيفة ، تغلب وبكر ، وقبائل نجران ، وأهل تبوك والعقبة ....الخ تأخذ بوحدانية الزواج ، لأنها مسيحية . وتؤكد العديد من مصادر التراث أن بني أسد بن عبد العزى ، أحد بطون قريش ، عشيرة خديجة ، زوج النبي ، وابن عمها ورقة بن نوفل، كانت مسيحية ، وأن خديجة نفسها كانت مسيحية ، وإلى هذا يرجع الباحثون ، عدم زواج النبي عليها .ولا أظن إلا أن سماحته يعرف ، وبكل تأكيد أن اليهود رجعوا عن التعدد ، ألغوه ، ولم يلحق ذلك ضررا بدينهم .
5. والأهم من ذلك ، وحيث أن الإسلام جاء للناس كافة ، للعالمين ، وليس للعرب وحدهم ، أو للفرس معهم ، فقد كانت جزيرة العرب ، وقت نزول الدعوة ، محاطة ، ومن كل الجهات ، بشعوب وأمم ، تعدادها أضعاف تعداد العرب والفرس واليهود ، تأخذ بالزواج الأحادي ، وترفض المتعدد . كانت الهند من الشرق . وكانت الإمبراطورية الرومانية ومصر ولاية من ولاياتها ، من الشمال والشمال الغربي . وكانت الحبشة من الجنوب الغربي . وقبل الرومان كان الإغريق ، وإمبراطوريتهم الواسعة – السلوقيون في بلاد الشام وتركيا والعراق ، والبطالسة في مصر – وكلهم يأخذون بالزواج الأحادي ويحظرون ويرفضون التعدد . ومعنى إقرار الإسلام للتعدد ، مع إقصاره على أربع ، ومعنى أن الإسلام كان سينتشر ، بعد الفتوحات في تلك البلدان ، يتبعه بداهة إحداث ردة عند تلك الشعوب ، بإعادتها عن الوحدانية إلى التعددية ، وهو ما حدث فعلا . والقول بأن ذلك تطلبته دواعي اجتماعية واقتصادية ، هو مجرد فذلكة ، لأن تلك الشعوب والأمم كانت متقدمة كثيرا على عرب الحجاز ، ولم تبرز فيها تلك الدواعي على مر قرون وقرون .
6. الأهم من كل ذلك أن سماحته ، مثل كل العلماء ، تجاهل الجانب الأهم ، وهو أن الحديث يجري عن النساء الحرات ، ويتجاهل النساء العبدات ، أو الإماء ، أو ملك اليمين ، ، الجواري ، السراي ... الخ حسب التسميات القرآنية . والأخيرات لا ينبس عنهن سماحته ببنت شفة ، رغم أن الأمة ، ملك اليمين ، العبدة ، قد تكون قبل عبوديتها غير مسلمة ، لكنها تصبح مسلمة مؤمنة بعد ذلك . هذه المرأة ، المسلمة المؤمنة ، يعاشرها المالك معاشرة الزوجة ، ولكن بدون عقد زواج . والإسلام لم يشرع له ذلك فقط ، بل وشرع له حق امتلاك أي عدد تسمح به ثروته . وكل ذلك إلى جانب زوجاته الأربعة الحرات . والشرع لا يشير إلى اية حقوق لهؤلاء الإماء ، والعدل بينهن أمر غير وارد على الإطلاق ، ببساطة لأن العبدة ، والعبد ، شيء ، سلعة ، عقار ، مال ...الخ ، وكل ذلك لا يتطلب حقوقا ولا ما يحزنون . والسؤال : تحت أي تصنيف تقع ملكية الإماء ، ومعاشرتهن معاشرة الزوجات ، تحت مصنف الزواج المتعدد ، أم تحت مصنف الزواج الأحادي ؟
7. ونصل أخيرا إلى الآية ونصها : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا } . سماحته أشار إلى عدم جواز اقتطاع { فانكحوا ...} من سياق الآية كونها جواب الشرط الذي سبقها والمتعلق باليتامى ومعاملة اليتيمات . وفي كتابي " حقوق المرأة بين شريعة القبيلة ورداء الشريعة " ، وفي الصفحة 120 توقفت عند هذه الآية وتفسيرها . وقلت أنه على الرغم من أنني لست فقيها ولا مفتيا ، ولا حتى متخصصا ، إلا أنه يمكنني القول ، أن أي عارف باللغة العربية ، يمكنه ، وبسهولة ، أن يرى أنها جملة مركبة من أربع جمل بسيطة ، وأنها معا تشكل كلا واحدا . وهي من حيث التكوين ، شرط فجواب للشرط ، فشرط ثاني قائم على الجواب الأول ، فجواب للشرط الثاني . وقلت : وأخذها منفصلة يجعل ل { فانكحوا ما طاب ....} معنى ، لكنه يفرغ الباقي من أي معنى . مثلا ما معنى { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } لوحدها ؟ واضح أن لا معنى لها . وأخذ هذه الآية ككل لا يتجزأ ، يعني رفض التعدد ، والقول بالوحدانية ، حتى بدون الرجوع إلى الآية 129 من نفس السورة ونصها :{ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم .....} . وإذن يصبح حكم الشرع واضحا بعدم جواز التعدد ، وهو ما وصل إليه سماحته ، وإن عاد وتراجع عنه تعللا بالدواعي الاجتماعية والاقتصادية . ومرة أخرى تجاهل أن تعداد كل من حابتهم هذه الآية من أغنياء الحجاز لم يتجاوزوا عدد أصابع اليدين .
8. لكن يبقى الأهم تلك الكيفية التي طبق الصحابة بها حكم التعدد هذا ، كما نصت عليه الآية ، في وجود النبي وبعد غيابه . فقد قدم التطبيق ، والذي نال موافقة النبي ، شرحا للآية ، أو أسلوبا للتعامل مع هذا الشرح ، حكم فهم هذا التشريع ، وتطبيقه ، لاحقا ، أي في كل العهود ، وبما في ذلك يومنا هذا . الصحابة كلهم ، وبعد أن أثروا ، بعد تدفق الغنائم على المدينة ، منذ غزوة بني قريظة ، وفتح خيبر وفدك ، مارسوا الزواج المتعدد . وكلهم بلا استثناء ، جمعوا مع الزوجات كماً غير محدود من الإماء المسلمات المؤمنات . ونعود لنذكر أن الصحابة ، وسائر المسلمين ، حتى منتصف القرن الماضي ، ظلوا يقتنون هؤلاء الإماء بطرق مختلفة ، ويعاشروهن معاشرة الزوجات ، لكن بدون عقد زواج ، وفي إطار الشرع ، حسب نصوص العديد من الآيات التي تعرضت لملك اليمين . وفي كتابي "المسلمة الحرة " ، أوضحت أكثر من مرة ، أن فقهاء المسلمين ، وبعد وفاة النبي مباشرة ، قدموا أكثر من تفسير للآية ، وبالتالي للحد الأعلى من الزوجات اللاتي يستطيع الرجل الجمع بينهن . الاتجاه الأعم قال بأربعة . وهناك من فسر حرف الواو في " ... مثنى وثلاث ورباع " على أنه حرف عطف ويفيد الجمع ، وبالتالي يكون الحد الأعلى تسعة . ومنهم من فسر حرف الواو بأنها حرف بدل ، وتفيد الجمع ، وليصبح الحد الأعلى 18 . ومنهم من فسر الآية بجواز التزوج من اثنتين معا ، أو ثلاثة معا ، أو أربعة معا ، وفي ليلة واحدة . واشتهر بهذا التفسير وتطبيقه المغيرة بن شعبة كاتب رسائل الرسول ، ووالي البصرة والكوفة فيما بعد . وأكثر من هذا أتاح الثراء ، الوافد مع الفتوحات ، للصحابة فرصة تغيير الزوجات . فكان الطلاق والزواج أشبه بلعبة يمارسها هؤلاء الأثرياء . وكتب التراث تعج بالأمثلة ، ومنها أن عبد الرحمن بن عوف تزوج عشرين امرأة ، في أقل من ثلاثين عاما. وكان المغيرة بن شعبة يتفاخر بأنه أحصن – تزوج – 300 امرأة . ومعروف عن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب ، وهو معصوم عند الشيعة ، أنه تزوج 99 امرأة . كل ذلك غير الإماء اللواتي وصل عددهن عند بعض الصحابة – طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف ، وحتى الخليفة عمر بن عبد العزيز - أرقاما فلكية .
9. وينحو بعض الفقهاء والمفسرين ، إلى القول بأن الزواج المتعدد يحمل فضيلة تحصين الرجل ضد ارتكاب الفاحشة . وهذا القول ، رغم ما يقوم عليه من وجاهة ، ينقصه الدليل ، فالبرهان ، على صحته . ولنا أن نسأل : هل صحيح أن جمع الرجل لأكثر من زوجة ، في بيت واحد ، يوفر له الوقاية ، فالحماية والحصانة ، من وسواس ارتكاب الخطيئة ؟ الوقائع تقول عكس ذلك ، والشواهد كثيرة في السياحة الخليجية ، وغير الخليجية ، سواء في آسيا ، تركيا أو أوروبا ، أو الكاريبي . وحتى أيام الصحابة ، لم يقدم التعدد هذه الحصانة . وللتأكيد أحيل القارئ إلى قصة المغيرة بن شعبة ، مع أم جميل الهلالية ، وشهادة أربعة من كبار الصحابة ، ومن رواة الحديث ، ومحاكمة الخليفة عمر بن الخطاب له . صحيح أن عمر برأه لكن الواقعة تقول بوضوح ، أن التعدد لا يقدم قطعيا هذه الحصانة .
خاتمة : وفي الختام نقول ، أن مقالات سماحته تستدعي نقاشا موسعا لكل منها . وربما أفعل ذلك لاحقا . لكن السؤال العاجل الآن : لماذا يطالعنا سماحته الآن بهذه المقالات ؟ هل ليقول لنا ، وسط أجواء التشدد ، التي تشهدها مصر الآن ، أن الوسطية ، التي يرفع الأزهر لواءها ، هي الأكثر تلاؤما وتواؤما مع روح العصر ؟ هل بصفته مفتي الجمهورية ، يتجه إلى إصدار فتاوى تعزز من هذه الوسطية ، وتعمل على مواكبة العصر ، وفتح الأفق أمام مصر ، والعالم العربي ، للحاق ب، فالدخول في ، ركب الحضارة ؟ ربما هو كذلك ، لكنني بكل أسف ، لم أن أنجح في التقاط الخيط ، الذي رمى به سماحة المفتي لي ولغيري من القراء . رأيت في مقالاته لعم لمواءمة العصر ، ولم أر فيها نعم .



#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تسونامي إسلامي يضرب جامعة بيرزيت
- يافخامة الرئيس لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديمو ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 17 اختطاف الثورة قبل الأخ ...
- عفوك يا سماحة المفتي هذه ليست مساواة
- تغيير يوجب تغييرات
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 16 تغيير ام إصلاح
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 15 المثقفون وأدوارهم 4 سو ...
- آفاق المرأة والحركة النسوية بعد ثورات الربيع العربي
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 14 المثقفون وادوارهم 3 مخ ...
- قرراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 13المثقفون وأدوارهم 2
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 12
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 11مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 10 مخاطر على الديموقراطية ...
- عن دور اليسار في ثورات الربيع العربي
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 9 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 8 مخاطر على الديموقراطية ...
- الربيع العربي وقضايا الأقليات القومية
- قراءةتأماية في ثورة الشباب المصري 7 مخاطر على الديموقراطية 6 ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 6 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 5 مخاطر على الديموقراطية ...


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - عفوك يا سماحة المفتي 2