أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - حوار أملاه الحاضر















المزيد.....

حوار أملاه الحاضر


عبد المجيد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 3813 - 2012 / 8 / 8 - 14:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تسييس الدين .... وتحفيز العلمانيين ( 1 )
أمركم غريب ، ولا أقول عجيب ، أنتم أبناء تيارات الإسلام السياسي ، قلت لمحدثي . وكيف ذلك ؟ رد علي متسائلا . قلت : تمارسون العمل السياسي منذ عقود . اختطتم لأنفسكم نهجا محددا في الممارسة السياسية . صغتم له قواعد . سرتم وحافظتم عليها بدقة بالغة . فجأة وبعد الثورات العربية ، غيرتم نهجكم ، واخترتم العبور من بوابة الديموقراطية . فعلتم هذا وأنتم تعرفون أن للديموقراطية قواعد ملزمة ، أنتم لا ترتضونها . قبل الثورات كنتم ترون في الديموقراطية بدعة ، فضلالة . أما قواعدها فكنتم لا تقبلون مجرد النظر فيها . وبعد انقلابكم هذا على نهجكم ، واصلتم رفض النظر إلى قواعد الديموقراطية . وفي الممارسة تتجاهلونها ، وتتصرفون على أنها غير موجودة . أعاد محدثي السؤال : ولكن ، ومرة أخرى ، كيف ذلك ؟ قلت : لعلك سمعت بمبدأ تداول السلطة . وربما تعرف أن هذا المبدأ يشكل أحد أهم مبادئ ، والأصح لنقل قواعد ، الديموقراطية . أنتم بالطبع لا تؤمنون بهذا المبدأ . قناعاتكم تقول إن صعدتم للسلطة فالواجب يحتم عليكم الحفاظ عليها . عدم تركها أو النزول عنها . يجب الاستمرار عليها إلى الأبد . هذا رغم أنكم تعرفون أن السلطة الإسلامية تبدلت . جرى تداولها . أي منها لم يستمر سوى لفترة محدودة . الخلافة الراشدية استمرت لثلاثين سنة . الأموية لواحد وتسعين سنة . العصر العباسي الأول – الذهبي – لقرن وربع تقريبا . وهكذا الخلافة الفاطمية والعثمانية . والأمر ذاته سرى على الممالك ، السلطنات والإمارات ...الخ . دائما كان يحدث تداول للسلطة ، لكن بوسائل عنيفة ونهايات مأساوية ، بشعة ، أو لنقل غير سعيدة . ومع ذلك تصرون على مبدأ رفض تداول السلطة . إن صعدتم فلا رجوع . والديموقراطية التي عبرتم بوابتها ترونها طريقا باتجاه واحد . وسيلة تنتهي صلاحيتها بعد عبوركم الأول .
احتج محدثي بأن ما أقوله اتهام غير صحيح ، وفي غير محله ، ويأتي في إطار الحملة الشاملة وغير المنصفة ، المتحيزة ضد فرق الإسلام السياسي ، بل والمتصيدة للهفوات والأخطاء ، والتي يشنها إعلام ومثقفو التيار الليبرالي العلماني المغتاظون من ، والكارهون لِ ، نجاحات فرق الإسلام السياسي المتتالية في أكثر من بلد عربي . – تأدب محدثي ولم يصفني مباشرة بالكاره للإسلام ، والحاقد على المسلمين ، وغيرها من الأوصاف التي تصلني من أفواه غيره - . قلت : ما قلته الآن دليل على صحة ما أقول . دعني أسألك : كيف ، في رأيك ، يتم تطبيق مبدأ تداول السلطة ؟ قال بواسطة صناديق الانتخابات . قلت : وكيف تعمل هذه الآلية حتى يتمكن حزب ، أو ائتلاف للمعارضة ، من الفوز على الحزب ، أو الائتلاف ، الممسك بالسلطة ، لينزل الأخير ويصعد الأول مكانه ؟ ذلك كما تعرف هو تداول السلطة . قال : تجري جولة جديدة للانتخابات . ترشيح وبرامج ودعاية وتنافس ، ليحسم صوت المواطن ،عبر الصندوق ، هذه المنافسة ، ومن ثم يصعد الفائز ، وينزل الخاسر . قلت : وما بين جولتين ، ما الذي تفعله الأحزاب والأشخاص الراغبون في الترشح والفوز ؟ قال : يواصلون الدعاية لبرامجهم ، وإقناع المواطن بأنه الأفضل لمصلحته . قلت : ولكن كيف يقنع المواطن بأن برنامجه هو الأفضل ، ورموزه هم الأكفأ ، إذا لم يتعرض لممارسات الحزب الحاكم بكلمة ، وعلى العكس ، يمدح ، أو حتى يسكت على ، كل ما يفعله هذا الحزب الحاكم ، ويعلن الثقة بالمسئولين ، ولا يقترب من أخطائهم أو تجاوزاتهم ؟ قال : ولكن نستحق إعطاءنا فرصة ، وليس كما هو الحال الآن ، في مصر مثلا ، يقفون للإخوان بالمرصاد ، ويحاسبونهم على الصغيرة قبل الكبيرة . هذا تربص ، يصدر عن كراهية وأماني بالفشل ، وقبل ذلك وبعده ، هو كره للإسلام والمسلمين .
الفرصة :
قلت : قبل أن تسترسل ، مع أنني لا أعرف ما هي علاقة هذه بتلك ، أليس عليكم واجب ، وأنتم تطالبون بالفرصة ، وتطلبون الثقة ، أن تتخلصوا من سياسة الغموض ، وأن تأخذوا بمبدأ الشفافية ، أحد مبادئ الديموقراطية ، هذه البدعة التي ترفضونها ، فتعرفوا المواطن بالأسس التي بناء عليها تختارون المسئولين ، وبالخطوات التي ستتبعونها لتطبيق برامجكم ؟ وهل حقيقة لا تعرفون أن الغموض ، الذي هو عدو الصراحة والمكاشفة ، لا يكسب صاحبه ثقة ، حتى ثقة أقرب مقربيه ؟ وهل لا تعرفون أن الاستمرار في مواصلة الغموض ، من جماعة تربت على التقية ، الضرورية في العمل السري ، بعد زوال عدوها ، وبعد تسلمها هي قيادة الدفة ، مواصلة الغموض هذه ، أمر يستدعي سوء الظن ، فتقليب الأفعال ، والتنقيب في الأقوال ، حتى لا يفاجأ الناس بما لا يمكن أن يتقبلوه ؟ وهل تظن أن مجرد قولكم ، بأنكم تعتزمون إعادة عصر الإسلام الذهبي ، كاف لمنحكم الثقة ، فالفرصة التي تنشدون ؟ والأهم تخليق قناعة عند المنافسين ، بقدرتكم على حل المشاكل التي تغرق فيها البلاد والعباد ، وأن كل شيء سيغدو سمن على عسل ؟
قال : ولكن ما لكل هذا وقاعدة تداول السلطة ، التي تتهمنا برفضها ؟ قلت : ما دمتم اخترتم تغيير نهجكم ، والدخول من بوابة الديموقراطية ، فلا بد أن لديكم ولو بعض الاطلاع ، على الكيفية التي تتصرف بها الأحزاب ، الفائز قبل الخاسر في الانتخابات . قال : نعم أظن ذلك . قلت ك إذن تعرف أن الحزب ، أو الائتلاف ، الخاسر ، ملزم ، ومنذ اليوم الأول ، بإتباع عدة خطوات ، ليتأهل لاستلام السلطة في الجولة التالية . تبدأ خطواته بصرف القيادة الخاسرة – في العادة هي تبادر للاستقالة ، بعد إعلانها تحمل مسئولية الخسارة – تليها خطوة تعديل البرنامج ، فنهج التعامل مع الجمهور ، ثم ، وهو الأهم ، الوقوف بالمرصاد ، أو على سن ورمح حسب تعبيرنا الدارج ، للحزب الفائز ، وحكومته وبرنامجه ، وخطواته في التطبيق ....الخ . بدون هذا لا تصح قاعدة تداول السلطة . إذن فواجب الحزب ، أو الائتلاف ، المتطلع لاعتلاء السلطة ، في الجولة التالية ، ليس فقط محاسبة الحزب الحاكم على كل صغيرة وكبيرة ، بل وضرورة إقناع الناس بأن قيادته أفضل ، وبرنامجه أكثر تحقيقا لمصالحهم ، من خلال الكشف عن أخطاء الحكومة ، من جهة ، ومن خلال نقد خطوات تطبيق برنامجها من جهة أخرى .
وواصلت القول : أما مسؤولية الحزب الحاكم فتتلخص في ضرورة تحلي كوادره المسؤولة بالكفاءة والنزاهة من جهة ، ومصارحة الجمهور وإقناعه ، عمليا وعقليا ، بأن ما يفعله يحقق مصالح هذا الجمهور ، وبالتالي يغلق كل المنافذ ، أو الثغرات ، التي قد يستفيد منها الخصم ، كي يأخذ منه مقاليد السلطة ، في الجولة القادمة .
تحفيز العلمانيين :
قال محدثي : ولكن ما يحدث هو تصيد للأخطاء ، وحتى أن الأمر بلغ بالوقوف علانية ضد التوجه لتطبيق الشريعة ، وبما يبدو وكأن هؤلاء المنافسين يرفضون الإسلام كدين ، قبل أن يكون مرشدا لشؤون الدنيا . قلت : نكون هكذا قد وصلنا إلى لب المشكلة . أنتم ، فيما يبدو ، لا تدركون أنكم بتسييس الدين ، وبدخولكم معترك السياسة من بوابة الديموقراطية ، تعرضون الدين نفسه لمخاطر ، ما كان غيركم يجرؤ على مجرد التفكير فيها ، أو أنه بدا ، في فترة سابقة ، غير معني بالدخول إليها . قال متحفزا : وكيف يكون ذلك ؟ قلت : كما لا بد تعرف أن قواعد الديموقراطية ، كما سبق وأشرت ، تلزم المنافس بالوقوف على طروحات الخصم ، مناقشتها ، نقدها ، معارضتها ، وحتى إثبات عدم صلاحياتها ، فرفضها . وإذا ما لجأ طرف إلى استخدام الدين ، عزز طرحه بآية أو بحديث ، يكون قد فتح الباب ، ليس فقط لمناقشة الآية أو الحديث ، بمعنى توافقها أو اختلافها مع المسألة المطروحة ، وأيضا بمعنى صحتها أو عدم صحتها .
هاج محدثي قائلا : وهل الآيات المحكمة ، والأحاديث الصحيحة ، تحتمل التشكيك فيها ؟ أليس ذلك اعتراضا على الدين نفسه ؟ أليس من يفعل ذلك كافرا ؟ وهل من الممكن ، باسم الديموقراطية ، أو قاعدة تداول السلطة السماح بذلك ؟ قلت : ولكن هذا ما جلبتموه ، وتجلبونه أنتم لأنفسكم وللدين . أنتم تصرون على تسييس الدين ، أي وضع المقدس تحت مقصلة التحليل والنقد والاعتراض ...الخ . سأقول لك كيف ؟ مثلا أحكام الشريعة التي تريدون فرضها على الدستور . أنتم تنكرون أن عشرات الآيات ، إن لم يكن مئات الآيات ، الخاصة بالتشريع ، طالها النسخ ، وبحيث بطل حكمها وبقي نصها . وحين تستشهدون بواحدة منها ، يكون الآخرون مجبرين على القول لكم : قفوا ، هذه الآية كذا وكذا . رفضكم ، أو إنكاركم للنسخ يعني عند الآخرين أنكم تعارضون الصواب . أكثر من هذا عندما تعارضون قانونا من قوانين الطبيعة ، بآية ، تضعون هذه الآية في موضع الأخذ والرد . ولأنكم تفعلون هذا فأنتم من يتحمل اللوم ، والمسئولية ، إذا عمد المنافس إلى البرهنة علميا على خطأ الآية المستشهد بها .
ولننتقل إلى الحديث – السنة - ، حيث المسألة هناك أكثر وضوحا . تقولون بتقديس ، وبالتالي إخراجها من مجال المناقشة ، ما تصفونه بالسنة الصحيحة . وحين تُسْألون عن السنة الصحيحة ، تجيبون بأنها الأحاديث التي وردت في كتب الصحاح الستة . قال : ذلك صحيح ، فهذه الأحاديث ، قبل تدوينها في الصحاح ، خضعت لعمليات تدقيق وفرز طويلة ، استبعدت ما هو موضوع ، وما هو ضعيف ...الخ . وبالتالي غدا ما ورد في هذه الصحاح خارج إطار أي نقاش ، ولا يحتمل التجريح ، أو حتى عدم القبول . قلت : هنا لب المشكلة . أنا لا أريد أن أتوقف عند جهود الإمام البخاري مثلا . وأختصرها بالقول أن المادة التي وضعت بين يديه حينها – ستمائة ألف حديث في رواية ، وثمانمائة ألف ، في رواية أخرى ، تحتاج مؤسسة بحث ، مزودة بأحدث منجزات التكنولوجيا ، وبعشرات الباحثين ، إلى سنوات عدة لفرزها . للفصل بين ما هو صحيح ، وما هوغث منها . والبخاري ، وهو غير عربي ، أنجز ذلك لوحده ، وفي سنوات قليلة . ومن له معرفة بأبسط شروط البحث ، لا بد أن يستنتج أن الصواب لا بد قد جانبه أحيانا . صرخ محدثي : هذا غير معقول . هل يمكن أن يصل الحال إلى التشكيك في أثبت ثوابتنا ؟ قلت : أعيد هذا ما جلبتموه وتجلبونه أنتم ، على أنفسكم ، وعلى الثوابت ، بإصراركم على تسييس الدين . قيل ويقال لكم : نرجوكم ، أبعدوا الدين عن وحل السياسة وأنتم ترفضون . تصرون على تلويث الدين بالسياسة . وإذا فكرتم أن العنف والقمع سينفعكم فأنتم بلا شك مخطئون . ودعني أعرض عليك حكاية وقعت لي .
حكاية :
منذ سنوات قرأت صحيح البخاري . ومثلي حين يقرأ لا يمر على ما يقرأ مر الكرام . صدمني حينها أن صحيح البخاري يضم أحاديث عديدة ، بين متناقضة وغير صحيحة . المتناقضة تعرفها بمقارنتها بعضها ببعض . أما غير الصحيحة ، فالأمر يحتاج إلى إعمال للعقل ، إما باكتشاف عدم معقوليتها ، أو مناقضتها لنص القرآن . آنذاك لم أهتم للمسألة . وباختصار نسيتها . وجئتم لتذكروني بها . قال متحفزا : مثل ماذا ؟ قلت : في الحلقة السابقة " عفوك يا سماحة المفتي 3 " شرحت براهيني بعدم صحة الحديث " ما فاز قوم ولوا أمرهم – شئونهم – امرأة " . والآن اكتفي بإيراد حديث آخر جاء فاتحة لصحيح البخاري . ففي مقدمة الناشر ص4 ، المجلد الأول – الصادر عن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – فتحت صحيح البخاري وعرضت الحديث عليه - جاء الحديث التالي : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ " . كل ما حدث ، إثر قراءتي لهذا الحديث أن ضحكت ، قلت في نفسي هذا حديث غير صحيح يأتي فاتحة لكتاب يعتبره كل مسلم أصح الصحيح . ثم نسيت الأمر . بعدها وأثناء قراءة أبواب فضائل الصحابة ، في صحيحي الشيخين البخاري ومسلم صدمني الحديث التالي : ( 1) عن ...عن .. عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتفض حراء قال : " أسكن حراء فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد " وكان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد ، وسعيد بن زيد – أيضا أورده مسلم والإمام أحمد على لسان أبي هريرة . مرة أخرى ضحكت عندما قرت هذا الحديث ، ثم نسيت الأمر . وبعد فترة قرأت في باب فضائل الصحابة ، وباب مناقب عمر الحديث التالي : عن ..... عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد أحدا ومعه أبو بكر وعمر فرجف أحد فضربه برجله وقال : " اثبت أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان " . إذن لندع القول فيما شعرت هذه المرة ، والحديث ذاته تكرر عند أبي داود والترمذي ، وأسألك : هل تعتقد أن هذه الأحاديث صحيحة ؟ قال : لقد وردت في الصحاح وهذا يكفي . قلت هذا كاف لك . لكن عندما تقحمون ما تصفونه بالسنة المحكمة في السياسة ، وأحاديث الصحاح في مقدمتها ، تجبرون منافسيكم على مناقشتها ، وتهيئون لتيار العقل ، العلمانيين ، فرصة الدخول إلى حقل ، هم كانوا قد حظروه على أنفسهم . دخول ، تحليل ، نقاش ، والبرهنة على عدم صحة ما تستندون إليه .
نقاش :
قلت لمحدثي : اسمح لي أن أعرض عليك تحليلي ، الذي أوصلني إلى التأكيد على عدم صحة الحديث الأول :" عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ " . واسمح لي أن أعرضها في نقاط .
1. أول ما يلفت الانتباه في مثل هذا الحديث أنه يحمل اتهاما ضمنيا للنبي بالتقصير في أداء رسالته . حاول محدثي أن يحتج فأسكته بإشارة من يدي ، رافضا مقاطعته . قلت : فحديث كهذا يؤسس لمثل هذه القاعدة في التشريع ، لا يسر به لفرد ، أو لبضعة أفراد ، وإنما يقال للجماعات ، في خطب الجمعة مثلا ، في الجلسات الإرشادية ، مرة بعد مرة ، ليعرفه ويعمل به كافة المسلمين . وأستدرك لأذكرك أن جمع الحديث تم بعد وفاة النبي بمائة وخمسين سنة ، وفي العهد الراشدي كله ، لم يكن هناك تداول للحديث . ولا أظنك إلا وتذكر أن عمر بن الخطاب منع أبوهريرة من تقول الحدث ، وهدده بإبعاده إلى اليمن ، وإعادته إلى قبيلته دوس إن عاد وفعل . ونتيجة هذا التهديد صمت أبو هريرة كل ولاية عمر . والمسلمون عندما ثاروا على عثمان ، وعندما غرقوا بعدها ، في خلافة علي ، في وحل الحرب الأهلية ، كان أول ما فعلوه أن خالفوا وصية النبي هذه ، إن صح الحديث ، وعن وعي كامل . وهذا أمر لا يقبله أي عقل .
2. هذا الحديث يوحي بأن النبي كان يعرف الغيب ، وهو ما يتعارض بشكل صارخ مع النص القرآني . فالقرآن ، وفي آيات عدة ، أكد على أن معرفة الغيب هي لله وحده ، ونفت الآيات ، وبشكل قاطع معرفة النبي بالغيب ، فكيف يأتي هذا الحديث لينقض القرآن ، وتختمون على صحته ، وتطالبون منافسيكم بذلك ؟ قال : ولكن هناك شواهد كثيرة على النبي كان يطلع على الغيب . قلت وهذا يناقض القرآن ، وعليكم أن تقرروا من هو الصحيح من هذين النقيضين . وعليكم لوم أنفسكم حين تدفعون غيركم إلى الخوض في هذا الأمر .
3. النبي ، كما يعرف أي صاحب اطلاع بسيط على التراث ، لم يترك لأصحابه ولو إشارة ، عن شكل الحكم من بعده . ولو كان هذا الحديث صحيحا ، فكيف تفسر حيرتهم على توصيف إمارة أبي بكر ؟ تعرف أن بعضهم اقترح تسميته بخليفة الله ، فرفض لما تضفيه هذه التسمية من قدسية على تصرفاته ، فحظر معارضتها . وقبل بتسميته – هو اقترح ذلك – بخليفة رسول الله ، والخليفة اختصارا . وعندما تولى عمر ، تكررت الحيرة ، فكان من اقترح : خليفة خليفة رسول الله . وهنا سأل هو : وماذا عن الذي بعدي ، والذي بعده ....الخ . قال : إنما أنتم المؤمنون وأنا أميركم ، وصار الاسم الرسمي أمير المؤمنين .
4. لم تلحق صفة الراشد أو الرشيد بأي من الخلفاء الأربعة . ولو كان الحديث صحيحا لما كانت الحيرة التي أشرنا إليها ، ولالتصقت هذه التسمية بكل منهم ، وهو ما لم يحدث . والمطلع ، ولا أقول الملم بالتراث ، يعرف أن هذه التسمية – الراشدين – جاءت متأخرة ، للتمييز عن الأمويين والعباسيين ...الخ
5. والأمر الأهم أن الخلفاء الراشدين لم يسيروا على سنة واحدة ، كما يفترض الحديث . والمسلم لن يعرف ، وبالتأكيد ، المطلوب منه إتباعه من سننهم . ولا أظنك بحاجة للتذكير أن عهد عثمان ، ساير عهد عمر ، وطريقته في الحكم ، أو سننه ، في النصف الأول منه –عهد عثمان- ، وناقضه في النصف الثاني . وأن عهد علي كان عهد الحرب الأهلية وما حملت من مصائب على الإسلام والمسلمين . وعلى كل حال حاول علي اقتفاء عهد عمر ، مع اجتهاد واضح ، ولم ينجح . والمهم أن عهده جاء نقيضا لعهد عثمان . فهل معقول أن النبي طالب المسلمين بإتباع هذا المجهول ، والوقوع بين فكوك متناقضاته ؟
6. لكل ما تقدم أقطع بعدم صحة هذا الحديث . تبسم محدثي وقال : لأكون صادقا معك ، أنا أيضا أشك في صحته .
يتبع :.



#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عفوك يا سماحة المفتي 3
- خطوة للأمام ... عشر للوراء
- عفوك يا سماحة المفتي 2
- تسونامي إسلامي يضرب جامعة بيرزيت
- يافخامة الرئيس لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديمو ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 17 اختطاف الثورة قبل الأخ ...
- عفوك يا سماحة المفتي هذه ليست مساواة
- تغيير يوجب تغييرات
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 16 تغيير ام إصلاح
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 15 المثقفون وأدوارهم 4 سو ...
- آفاق المرأة والحركة النسوية بعد ثورات الربيع العربي
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 14 المثقفون وادوارهم 3 مخ ...
- قرراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 13المثقفون وأدوارهم 2
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 12
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 11مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 10 مخاطر على الديموقراطية ...
- عن دور اليسار في ثورات الربيع العربي
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 9 مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 8 مخاطر على الديموقراطية ...
- الربيع العربي وقضايا الأقليات القومية


المزيد.....




- “يا بااابااا تليفون” .. تردد قناة طيور الجنة 2024 لمتابعة أج ...
- فوق السلطة – حاخام أميركي: لا يحتاج اليهود إلى وطن يهودي
- المسيح -يسوع- يسهر مع نجوى كرم وفرقة صوفية تستنجد بعلي جمعة ...
- عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي
- عصام العطار.. أحد أبرز قادة الحركة الإسلامية في سوريا
- “يابابا سناني واوا” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ال ...
- قائد الثورة الاسلامية: العمل القرآني من أكثر الأعمال الإسلام ...
- “ماما جابت بيبي” التردد الجديد لقناة طيور الجنة 2024 على الن ...
- شاهد.. يهود الحريديم يحرقون علم -إسرائيل- أمام مقر التجنيد ف ...
- لماذا يعارض -الإخوان- جهود وقف الحرب السودانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - حوار أملاه الحاضر