أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - حوار أملاه الحاضر 4 العورات بين المجتمعي الإنساني والرباني















المزيد.....


حوار أملاه الحاضر 4 العورات بين المجتمعي الإنساني والرباني


عبد المجيد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 3850 - 2012 / 9 / 14 - 00:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العورات ....بين المجتمعي الإنساني والرباني
قلت لمحدثي : كنا قد ختمنا حديثنا السابق بالإشارة إلى عورات النساء ، وما يترتب على كشفها من فتنة وإغراء فإغواء ...الخ . كما أشرنا إلى ما تفعله أحاديث الدعاة من إيقاظ وإلهاب لغرائز بعض الرجال ، ومن ثم تحويلهم إلى شيء أقرب إلى البهيمة منه إلى الإنسان . والآن آن لي أن أسألك : هل العورات ، الفتنة ، الإغراء ، الإغواء والسقوط في هاوية الفاحشة ، مفاهيم إنسانية ، أبدعها وطورها الوعي الإنساني المجتمعي ، أم هي مفاهيم ربانية ، قررها الله للإنسان ، منذ خلق آدم ، وبالتالي ستبقى ثابتة إلى الأبد ؟ وسؤال آخر يستتبع الأول بالضرورة : هل الأحكام ، بما في ذلك الحدود ، المترتبة على تلك المفاهيم ، هي إنتاج بشري ، ثمرة الوعي الجمعي ، استهدف تنظيم المجتمعات البشرية ، كما عبرت عنه العادات والتقاليد والأعراف ، الملائمة لكل مرحلة من مراحل تطور المجتمعات الإنسانية ، أم أحكام ربانية ، استهدفت تنظيم الحياة البشرية ، ثابتة الصلاحية ، منذ بدء الخليقة ، وحتى يوم القيامة ؟
قال محدثي : لا شك أن مفهوم العورات ، وما ترتب على كشفها ، مفهوم رباني ، ابتدأ مع خلق الإنسان ، وسيرافقه إلى نهاية الزمان . ودليلنا ذكر العورات ، والتعليمات بسترها في العديد من آيات القران ، تسندها سلسلة طويلة من الأحاديث النبوية الشريفة . والأمر ذاته مع الأحكام ، ونصوصها في القرآن الكريم والسنة النبوية . وأنت ولا شك تعرف أن القرآن الكريم مسطور في اللوح المحفوظ منذ الأزل ، وسيبقى كذلك إلى الأبد . وإذن لا مجال للظن بأن هذه المفاهيم ، فالأحكام ، هي إنتاج بشري ، أبدعه وطوره الوعي الجمعي ، مسايرا لتطور ورقي وتقدم المجتمعات الإنسانية ، وحاجاتها لتنظيم نفسها ، كما أشرت في سؤالك .
قلت : هل ترتكز في حكمك هذا على قراءات مترابطة واعية للنصوص القرآنية ، أم إلى تلك القراءات ، والتفاسير ، ومن ثم استنباط الأحكام ، التي تعمد إلى النظر في جزء من الآية ، باعتبارها عالما مستقلا عن الأجزاء الأخرى ؟ قال : بالطبع أعتمد ، كما يعتمد الفقهاء والأئمة ، وكل متحدث في الدين ، إلى القراءات المترابطة والواعية في النصوص ، ولا شيء غير ذلك . قلت : وماذا عن ذات النصوص في الديانات السماوية الأخرى ؟ قال : مع أنني غير مطلع على ما ورد بهذا الخصوص ، في الديانتين الأخريين ، إلا أنني لا أظن أن هناك تعارضا ، بل أنا مقتنع أن هناك توافقا تاما ، حول ما نعرض إليه من مفاهيم وأحكام ، فيها جميعا .
حواء وآدم والجنة :
قلت : إذن دعنا نحاول أن نقرأ النصوص معا ، قراءة مترابطة ، علنا نتوصل إلى جواب على السؤال الذي بدأنا به حوارنا الآن . وأظنك تتفق معي في اختيار قصة خروج أبوينا ، آدم وحواء من الجنة ، بداية لهذه القراءة . قال : نعم هذا صحيح . قلت حين نراجع آيات الخروج من الجنة ، في سور البقرة والأعراف وطه ، لا بد أن يسترعي انتباهنا 1) أن آدم وحواء عاشا تلك الحقبة التي عاشاها في الجنة عراة تماما . لكنهما رغم عريهما ، ورغم أن الواحد منهما كان يرى عضو الآخر ، لم يعيا حقيقة عريهما ، ومن ثم لم يعرفا الشعور بالخجل منه . 2 ) حينما خالفا أمر الله ، وارتكبا المعصية ، بالأكل من الشجرة المحرمة ، وهي شجرة المعرفة ، وليس التفاحة أو العنبة أو أي شجرة أو نبتة مثمرة أخرى ، رأيا عضويهما لأول مرة . 3 ) ولأول مرة وعيا أن هذين العضوين " سوءة "، وأنه يتوجب سترهما عن بعضهما أولا ، وعن غيرهما من المخلوقات التي يعيشان بينها ثانيا ، والأهم عن الله خالقهما . 4 ) ولأول مرة أحسا بالخجل من هذا العري . الخجل من انكشاف عضويهما أمام الله . ولذلك بادرا هما ، دون أن يدلهما الله ، على خصف ورق الشجر ، وربطه معا ، وصنعا منه سائرا لعضويهما . 5 ) ومع ذلك ، وكما تقول التوراة تصريحا ، ما يقوله القرآن تلميحا ، لازمهما الخجل من أن يراهما الله على هذه الصورة . ولذلك وحين أحسا بأن الله يتجول في الجوار اختبآ خلف أكمة – الأدبيات الإسلامية تقول أنهما هربا من وجه الله ، لكن شجرة أمسكت بهما ، وأوقفت هربهما - . 6 ) بحث الله عنهما ولما لم يجدهما ناداهما ، فأعلماه أنهما تواريا خجلا من أن يرى عريهما . 7 ) سألهما الله كيف عرفا أنهما عريانان . اعترفا ، بعد أن كان قد عرف ، أنهما ارتكبا معصية عدم إطاعته ، وأكلا من الشجرة التي نهاهما عن الأكل منها ، وهي شجرة المعرفة . 8 ) طردهما من الجنة إلى الأرض . لكنه بعد ذلك ، وكما تقول الآيتان 26 و27 من سورة الأعراف ، أقر ما كانا قد بدآ به من ستر عضويهما – عوراتهما – بأن أنزل عليهم لباسا يواري سوءاتهما . ثم تطور هذا الساتر إلى لباس من ريش ، يصنعه الإنسان بنفسه ، كما خصف ورق الشجر بنفسه ، وحيث يحتاج صنعه بالضرورة إلى مهارة ، يتوجب أن يكتسبها الإنسان ، خلال طريق تطوره الصاعد .
وأضفت لمحدثي ، وقد وافق على عرض الجزء الخاص بالعورة في قصة الخروج من الجنة ، في شكل النقاط السابقة ، قائلا : دعنا نحاول إمعان النظر في هذه النقاط مجددا . ولعلك توافقني الرأي في أن أكثر ما يلفت النظر فيها ، أن الله لم ير ، ولم يشر إلى ، أي جزء من جسد آدم أو من جسد حواء ، وبما في ذلك عضويهما ، كعورة ، يتوجب سترها عن الأنظار . ولم ير في كشف هذه الأجزاء أمامه ما يوجب الخجل ، سواء أكان هذا الخجل منه أو من بعضهما البعض ، وبديهي من خَلِفهما فيما بعد . ويلفت الانتباه أيضا أن وعي الإنسان – آدم وحواء هنا – هو من وصف العضوين بالعورة ، وهذا الوعي هو من بعث الخجل من رؤية الآخرين لهما ، وهو من فكر ثم ابتكر مسألة الستر ، بأن استخدم ما توفر له آنذاك ، وهو ورق الشجر ، في صنع هذا الساتر لتغطية العورة – عضوي التناسل – عن العيون الأخرى . والمسألة الجوهرية هنا أن الله أقر ما توصل إليه وعي الإنسان وصنعه ، أولا بتوصيف العضوين كعورة – سوءة - ، وثانيا بالذهاب إلى ابتكار ما يسترهما ، وثالثا بقبول ما توصل إليه وعي آدم من نوع اللباس ، ورق الشجر ، ثم لباس الريش . قال : محدثي : ولكنك نسيت لباس التقوى الذي تحدثت عنه الآية . قلت : إنما قفزت عنه لأنه مجازي ، اختلف الأئمة والمفسرون في تعريفه ، وبالتالي لن نتمكن أنا وأنت ، لا من تعريفه ، ولا من مساعدة القارئ على التعرف على حقيقته .
يوم الحشر :
قال محدثي : لا أتفق معك ، فالعورات تصنيف إلهي . وحتى لو أن آدم وحواء هم من بادروا إلى تحديدها ، فذلك لأن الله أوحى لهما بذلك . هو من وضع الفكرة في رأسيهما ، وهو من أرشدهما ، وحركهما إلى قطف ورق الشجر ، وصنع الساتر لعضويهما منه . ثم إن ذكر العورات في عديد من الآيات يؤكد أنها تصنيف إلهي كما ذكرت ، وليس وعي الإنسان ، الذي هو أيضا من عمل الله . قلت : إذن دعنا نستقرئ موضوعا آخر . موضوع البعث والحساب يوم الحشر . في هذا اليوم ، كما تعرف يخرج الناس من قبورهم ، ويتقدمون للحساب ، عراة كما ولدتهم أمهاتهم . ويفسر الأئمة حكمة العري هذه بأن الناس يكونون ، من هول يوم الحساب ، لاهين عن كل شيء ، بحيث لا يمكن لأي منهم أن ينظر إلى عورة الآخر . وطبعا في جو الرعب هذا لا مكان للشهوة ، ومن ثم للفتنة فالإغراء والإغواء . واسمح لي أن أسألك : ألا يراهم الله ، وهو يحاسبهم ، في عريهم هذا ؟ كيف يمكن فهم هذه المسألة في الوقت الذي تطالب المرأة ، شابة أو عجوزا طاعنة في السن ، أو بنتا لم تبلغ الحلم بعد ، أن تتقنع في الصلاة ، خشية أن ينظر الله منها جزءا ما من جسدها ، لتأتيه هكذا في الآخرة عريانة ملط ، كما نقول في العامية ؟ ثم هل سيكون كل الناس لاهين من فرط هول يوم الحساب ؟ أليس الرسل والأنبياء وأولياء الله الصالحين والقديسون أناسا ؟ هل سيكون الأنبياء والرسل ، الذين سيقفون متشفعين لأممهم ، عراة أيضا ؟ وألا يخجلون من النظر إلى عري أتباعهم ، وهم يحاولون التعرف عليهم ، ليتقدموا بالشفاعة لهم ؟ ثم ماذا عن الملائكة ، هل سيمنعهم هول يوم الحساب من النظر إلى الناس ورؤية عوراتهم ؟ ألا تقول كل أدبياتنا أن الملائكة يخجلون من النظر إلى عورات الناس ؟ وهؤلاء المطمئنون إلى أفعلهم في الدنيا ، وأن مصيرهم الجنة ، هل سيذهلهم هول الحشر عن رؤية أجسادهم وأجساد الآخرين ؟ وهل الذين سيساقون إلى الجنة ستتم كسوة عوراتهم قبل أو بعد الدخول إلى الجنة ، أم سيبقون عراة هناك ، كما كان حال آدم وحواء قبل طردهما من الجنة ؟
وبعد هذا السيل من الأسئلة الذي لا ينتهي ، دعني أنتقل إلى جانب آخر . تعلمنا الأدبيات الإسلامية ، أن سائر البشر ، يعني مليارات لا حصر لها ، ومن مختلف الأجناس ، سيواجهون النشر ثم الحشر ، فالحساب وهم عراة . والنص القرآني يؤكد لنا أن الله لن يعذب أمة لم يبعث فيها رسولا . وبتنا نعرف أن العديد من أمم الأرض لم تعرف الرسل ، وبالتالي فهو تحصيل حاصل أنها لن تتعرض للعذاب ، ومن باب أولى لن تعرف معنى الذهول الذي سيأخذ بالمرضعة ويلهيها عن رضيعها في ذلك اليوم . يعني هناك مليارات عديدة من البشر لن يذهلهم هول يوم الحساب عن رؤية عورات بعضهم البعض ، فكيف تفسر لي ذلك ؟ قال : في الحقيقة لم يخطر أي من هذه الأسئلة ببالي ، ولا جواب عندي عليها . لكن أعتقد أن الله سيذهب بشهوة الناس ، ومن ثم ستكون العورات بدون فتنة ، وستكون مشاهدتها بلا إثارة .
قلت : لكن ربما قرأت تصوير الإمام ابن تيمية لشهوة الناس في الجنة ؟ قال : أكيد فعلت . قلت : يقول ابن تيمية أن الله سيضاعف شهوة الرجل هناك أضعافا مضاعفة ، كي يتمكن من الاستمتاع بهذا الكم الكبير من الحوريات اللواتي سيحظى بهن في الجنة ، ولدرجة أن عضوه سيبقى في حالة انتصاب دائم . قال : هذا تفسير ابن تيمية ، وهو حر في تفسيره ، وأنا حر في قبوله أو عدم قبوله . قلت : أنا أيضا مثلك ، ولكن هل يذهب الله بالشهوة ساعة الحساب ، ويعيدها بعده أم ماذا ؟ وحتى لا نتوه في خضم هكذا أسئلة دعنا نعود إلى ما بدأنا به ، وهو مفهوم العورة .
عورات الإماء وعورات الحرات :
قال : قبل أن نعود أحب أن أؤكد على رفضي لهذا الأسلوب في الحوار ، وبما تضمن من طرح للأسئلة ، التي يبدو أن لا هدف منها سوى التشكيك في صحة ديننا الحنيف ، وسلامة أحكامه ، التي لا نجني من الشك فيها سوى ضياع أمة الإسلام . قلت : على رسلك يا صاحبي . أنا مجرد أحاول قراءة النص قراءة يحضر العقل فيها . وأنا مثلك أعرف أن الإيمان والعقل لا يجتمعان . القضايا الإيمانية لا تقبل الحوار العقلي . وكثيرون هم الأئمة الذين نهوا عن أي حوار عقلي ، لأنه بداية السير على طريق الكفر كما قالوا ، ناقضين الآيات العديدة التي تختمها هذه اللازمة :" أفلا تعقلون " ؟ . إذن دعنا ننتقل إلى موضوع آخر ، يتفق الأئمة والفقهاء على تجنبه دائما ، وكأنه ليس جزءا من الشريعة . موضوع طبيعة المجتمع الإسلامي وقت النزول ، وعل مدى القرون الطويلة بعد انتصار الدعوة . موضوع النساء المسلمات وذلك الانقسام بين الحرية والعبودية ، وما ترتب على هذا الانقسام ، من تصنيف للعورات والفتنة والإغراء والإغواء .
قال : لم يا صاحبي تحاول ، كما فعل المستشرقون ، تشويه فكرة العدالة والمساواة والحرية التي إنبنى عليها الشرع ، بالقول بمجتمع عبودي قسم الناس إلى أحرار وعبيد ؟ قلت : ليس هذا قولي أو قول المستشرقين . هو حقيقة أكد عليها النص في عشرات الآيات . كما عالجتها السنة في عشرات الأحاديث . وكرست لها كتب الفقه أبوابا كاملة . ومن ثم يكون تجاهلها محاولة للهرب مما يتصور الهارب أنه معيب ، وأن ذكره أو حتى تذكره مدعاة للخجل . رد محدثي مستفزا : ليس في ديننا ما نخجل منه ، بل كل ما فيه مصدر للفخر . قلت على رسلك مرة أخرى . إذن يا صديقي تعال لنتعامل مع الحقيقة . الإسلام ورث مجتمعا عبوديا . وكانت الأعراف والتقاليد قد سنت لطرفيه أحكاما وشرائع . الإسلام ، كما يتفق الأئمة والفقهاء ، حاول بأفعال فردية – فك الرقبة والعتق والمكاتبة ...الخ – الخلاص منه بخطوات تدريجية . لكن حروب الفتوحات عمقته أضعافا مضاعفة . وعليه بقي المجتمع الإسلامي ، حتى في عهد النبي ، الذي عكس بيته صورة واضحة ، منقسما إلى أحرار وعبيد . وفي العهود الإسلامية كلها ظلت النساء العبدات – الإماء ، ملك اليمين ، السراري ، المحظيات – يزدن عددا على الحرات . والمهم أن التشريع الخاص بكل طرف ظل قائما وفاعلا ، وفيه ما يستفز حتى العقل الخامل لطرح الأسئلة . قال : كيف ذلك ؟ وماذا تعني ؟ قلت نحن نتحدث هنا عن العورات . وأنت تعرف أن الشرع حدد عورة المرأة الحرة بكل جسمها ، ما عدا الوجه والكفين . والإسلام الجديد الذي يدعو لسيادة النقاب ، لم يكتف بأن جعل الوجه والكفين عورة ، بل ووصل إلى الصوت ، ليكون إخراس المرأة بعد تنقيبها ، هو الهدف والمرام . أما عورة الأمة المسلمة ، فهي ذات عورة الرجل ، أي ما بين السرة والركبتين . وعليه ، وفي كل العصور الإسلامية ، بما في ذلك أيام النبي ، ظلت المسلمة الأمة ممنوعة من ستر شعرها ، ونحرها . وظهور أجزاء أخرى كان محببا ، وليس فقط مقبولا . وفي جلسات التسرية ، وعن الأصحاب ، ظلت الإماء يظهرن ، ويخدمن الضيوف شبه عاريات . ولا أظنك إلا وتعرف حديث أنس عن إماء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب اللواتي كن يخدمن مسامريه من الصحابة " وأثداؤهن تترجرج " . قال والحرج يمسك به : نعم ذلك صحيح . ولكن ماذا تقصد ؟
قلت : لا أظنك إلا وتعرف أن أنوثة المرأة لا يحددها وضعها الاجتماعي ، فقرها أو غناها ، حريتها أو عبوديتها . وأنت ولا شك تعرف أن إثارة شعر المرأة ، أو ساقيها ، أو نحرها ، أو استدارة كتفيها ، وما يشع من أعضائها هذا من فتنة ، لا علاقة له بوضعها الإجتماعي . والحرية أو العبودية ، لا تجعل من واحدة امرأة ، ومن أخرى سبت خضار . وعليه دعنا نفهم : كيف يستقيم أن يكون شعر الحرة ، كيفما يكون شكله ، عورة ، وشعر الأمة ليس بعورة ؟ كيف يكون أسفل ساق الحرة وظهر قدمها عورة ، وظهوره مدعاة للفتنة ، وكل ساقي الأمة ليس بعورة ، وانكشافهما لا يستدعي لا الإثارة ولا الفتنة ؟ ألا يدهشك هذا التقسيم في الشرع المنسوب إلى الله ؟ قال : يا أخي لماذا هذا النبش في الماضي ؟ لقد انقضى عهد الإماء وملك اليمين ، ومجتمعاتنا ليس فيها غير نساء حرات ، موقف الشرع من عوراتهن صحيح صحيح صحيح . قلت : لنعد إلى السؤال الذي بدأنا به حديثنا عن مفهوم العورات ، وما إذا كان نتاج الوعي المجتمعي الإنساني ، أم هو تنزيل إلهي . ألم يكن هذا التفصيل في العورات قائما قبل الإسلام ، وأن كل ما فعله النص أن صادق عليه ؟ غلى محدثي من الغيظ وقال : هذا كلام مردود عليك . قلت من البداية أن الإنسان لم يصل بفكره إلى شيء إلا وكان وحي الله قد سبقه وصبه صبا في وعيه . قلت : لا تغضب يا صديقي ، ودعنا ننتقل إلى نقطة أخرى قد تكون خاتمة حديثنا .
طواف العراة حول الكعبة :
تحدثنا أدبيات التراث أن أهل مكة استنوا لأنفسهم عرفا يخص طواف الحجيج حول الكعبة . استندوا في تشريع عرفهم هذا ، إلى حقيقة أن الحاج يستهدف من أدائه لمناسك الحج ، تخليص نفسه مما علق بها من دنس الآثام التي كان قد سبق وارتكبها . قسموا مكة إلى جزأين : الحل والحرم . وكان على القادم من خارج مكة أن يدخل إلى منطقة الحل ، وأن يستأجر منها ثيابا ، يطوف بها حول الكعبة ، إذ يحرم دخول منطقة الحرم ، في ثياب ارتكب صاحبها ، وهو يلبسها ، الدنس الذي يريد الخلاص منه ، بتأديته مناسك الحج . وكان أهل مكة ، الذين أضفوا على أنفسهم لقب الحُمْس ، يمنعون وصول الحاج إلى منطقة الحرم ، قبل التخلص من ثيابه تلك . وإذا ما عارضهم ، هاجموه ومزقوها عنه . وفي حال لم يجد ثيابا يستأجرها من منطقة الحل ، طاف حول الكعبة عاريا كما ولدته أمه . وهذا العرف يجري تطبيقه على الرجال والنساء سواء بسواء . وبعض الأدبيات تقول أن طواف العراة هذا كان مختلطا ، وبعضها يلطف المسألة بالقول أن النهار كان مخصصا لطواف الرجال العراة ، والليل لطواف النساء العاريات .
ما يهمنا هنا أن النبي شاهد هذا الطقس كل سني عمره قبل البعث ، وطوال السنوات التي قضاها في مكة – 13 سنة – قبل الهجرة . يعني ذلك ، وهو من كان ملازما للكعبة ، أنه شاهد هذا الطقس ، كما شاهده مسلمو مكة ، عشرات المرات . وقد تقول لي : ما الغريب في أمر مشاهدة النبي وسائر المسلمين لهذا الطقس ؟ وأقول ليس الغريب في المشاهدة ، ولكن في الموقف من الطقس نفسه . قال : وكيف ذلك ؟ قلت : لو أنك فتشت السور المكية ، أو السنة النبوية ، وكذلك سير الصحابة – الذين صاروا يعرفون بالمهاجرين – لما وجدت إشارة واحدة إلى هذا الطقس الجاهلي . وحين يتحدث التراث عن الفحش الذي جاء الإسلام ليخلص الناس منه ، تطرق جدران دماغك سلسلة من الأسئلة من مثل ، وهل كان هناك فحش أكثر من هذا ؟ وكيف ولماذا سكت عنه النص كما سكتت عنه السنة ، وسكت عليه الصحابة أجمعين ؟ ما هو السر وراء ذلك ؟ وإذا كشف شعر الحرة سيدفع بها لأن تعلق منه في نار جهنم ، فماذا عن كشف هذه العورات كلها ، في طقس يعتقد منفذوه أنه سيسقط عنهم كل دنس أو جرم أو فاحشة ارتكبوها قبله ؟ وأكثر من ذلك : ما هي حقيقة موقف الرب من مفهوم العورات وأحكامها ، وقد سكت عن هذا الكشف الشامل للعورات كلها ؟
وتتضاعف هذه الأسئلة إثر الوقوف على حقيقة أن هذا السكوت استمر بعد صلح الحديبية ، وبعد انفتحت مكة أمام تأدية المسلمين لطقوس الحج والعمرة ، والأهم بعد الفتح وإزالة الأصنام من حول الكعبة . واصل المسلمون لثلاث سنوات السماح بهذا الطقس . وكثيرون ، كما تؤكد كتب التراث ، من هؤلاء المسلمين ، رجالا ونساء ، مارسوه . والنص يلتزم الصمت تجاهه وكذلك السنة ، حتى كانت السنة التاسعة للهجرة ونزول سورة براءة ، حين أصدر النبي بلاغه بلسان علي ، يأمر بوقف هذا الطقس . كان الأمر " لا يطوف حول الكعبة و مشرك ولا يطوف حول الكعبة عريان " ، ليتوقف بهذا الفرمان السلطاني ، هذا الطقس شديد الفحش آنذاك .
استنكر محدثي كل ما رويت ، واعتبره من تخليقات المستشرقين . ودهش حين أوضحت له أنني لم أقرأ كتابا واحدا لهؤلاء المستشرقين ، وأن كتب التراث ، التي كما يبدو يقاطعها ، هي من يزخر بأنباء هذا الطقس . وأضفت : افتح المجلد السابع من كتاب " الإصابة في تمييز الصحابة " لابن حجر العسقلاني ، مجلد النساء ، واقرأ فيه سيرة الصحابية ضباعة بنت عامر بن صعصعة القشيرية ، كونها ذات دلالة كاشفة .
ضباعة :
تقول السيرة أن ضباعة كانت واحدة من أجمل جميلات العرب . تزوجت ، إثر وفاة زوجها الأول ، من رجل كبير السن ، يدعى عبد الله بن جدعان . أعجب بجمالها هشام بن المغيرة أحد أثرياء بني مخزوم . عرض عليها الزواج منها بعد تطليق ابن جدعان . عرضت الأمر على زوجها الذي وافق على طلاقها مقابل مطالب عينية ، لباها المغيرة ، والطواف حول الكعبة وهي عارية . وافق هشام أيضا على هذا الطلب ، واستخدم نفوذ عائلته في إخلاء ساحة الكعبة ، ساعة التنفيذ . لكن النبي ، وكان غلاما حينها ، شاهد العرض مع صبي آخر هو المطلب بن وداعة السهمي . خلعت ضباعة ثيابها ثم نثرت شعرها الطويل على جسدها ، وأخذت في الطواف ، وهي تقول : اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا لا أحله . والنبي الغلام مستمتع بالعرض الذي جلس يشاهده . تزوجها ابن المغيرة ودارت الأيام . وبعد فتح مكة أسلمت ضباعة وهاجرت إلى المدينة ، وكان زوجها هشام قد مات قبل ذلك . لقي النبي ابنها واسمه سلمة في عرض الطريق . سأله النبي تزويجه أمه ضباعة . استغرب سلمة السؤال ، وطلب العودة لأمه . سألها فلامته على التردد في قبوله طلب النبي ، حيث تمنت أن تختم حياتها كأم للمؤمنين . عاد سلمة ليبلغ النبي قبول أمه للطلب . لكن بعض الصحابة كانوا قد سبقوه ، وأخبروا النبي أن ضباعة اليوم ليست هي من رآها تطوف حول الكعبة عريانة . كبرت وسقطت أسنانها وابيض شعرها وتجعد وجهها . ولذلك حين عاد سلمة لم يفعل النبي غير أن أعرض عنه . وهذا يعود بنا إلى السؤال من جديد : لماذا تجاهل النص والسنة وأقوال الصحابة هذه الحالة ؟ أجاب بعض جامعي التراث بأن هذا الطقس – الطواف عراة حول الكعبة – كانت له مبررات تجارية . والنص كما النبي تجنب محاربة قريش في تجارتها . لنعود ونسأل : هل مفهوم العورات ، وما ترتب عليه من أحكام ، إلهي رباني ، أم هو إنساني ، أنشأه وطوره الوعي المجتمعي ، وما كان من الله غير تبنيه ، ثم تثبيته في نصوص ، كما حدث مع عادات وأعراف وتقاليد أخرى ؟
قلت : تفاديا لحرجك ، أنا أجيب على السؤال : كان ذلك تحديد إنساني ، قبله الله ، وسكبه في النصوص . وأكثر من ذلك فقد وافق أيضا على الأحكام وثبتها هي الأخرى في النصوص . والمدهش أن أحكام النصوص جاءت أكثر تشددا من الأحكام الإنسانية الأصلية . والعقوبات المترتبة عليها لا تتناسب مع المخالفات ، كما هو الحال في العقوبات الوضعية . وأكثر من ذلك تقرر الأحكام ، أو القوانين الوضعية عقوبة واحدة للمخالفة الواحدة ، بينما هذه العقوبات الربانية المتبناة عن البشر ، تقول بعقوبتين للمخالفة الواحدة ، واحدة في الدنيا وثانية ، قاسية وطويلة الأمد جدا ، في الآخرة . فتح محدثي عينيه على وسعهما دهشة ، وتهيأ لهجوم عنيف علي ، تحاشيته بتأجيل الحوار حول العقوبات – الشرع والحدود – إلى حلقة حوار قادمة .



#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار أملاه الحاضر 3
- حوار أملاه الحاضر 2
- حوار أملاه الحاضر
- عفوك يا سماحة المفتي 3
- خطوة للأمام ... عشر للوراء
- عفوك يا سماحة المفتي 2
- تسونامي إسلامي يضرب جامعة بيرزيت
- يافخامة الرئيس لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديمو ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 17 اختطاف الثورة قبل الأخ ...
- عفوك يا سماحة المفتي هذه ليست مساواة
- تغيير يوجب تغييرات
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 16 تغيير ام إصلاح
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 15 المثقفون وأدوارهم 4 سو ...
- آفاق المرأة والحركة النسوية بعد ثورات الربيع العربي
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 14 المثقفون وادوارهم 3 مخ ...
- قرراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 13المثقفون وأدوارهم 2
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 12
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 11مخاطر على الديموقراطية ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 10 مخاطر على الديموقراطية ...
- عن دور اليسار في ثورات الربيع العربي


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - حوار أملاه الحاضر 4 العورات بين المجتمعي الإنساني والرباني