أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - حوار أملاه الحاضر 12 الشريعة وتطبيق الحدود ....الجنايات 2 حد الحرابة















المزيد.....



حوار أملاه الحاضر 12 الشريعة وتطبيق الحدود ....الجنايات 2 حد الحرابة


عبد المجيد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 4026 - 2013 / 3 / 9 - 22:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حوار أملاه الحاضر 12
الشريعة وتطبيق الحدود ...... الجنايات 2 حد الحرابة
قلت لمحاوري : يُعَرِّف الشيخ الأستاذ سيد سابق ، في فقه السنة ، الحرابة بأنها : 1) الجماعة التي تخرج لقطع الطريق ، بهدف سلب المال ، أو الخطف ، أو تخريب الممتلكات . ويختلف حجم العصابة من الفرد الواحد إلى المجموعة الكبيرة . كما وتستخدم هذه الجماعة القوة ، بما فيها المسلحة ، آلية لتنفيذ أهدافها ، وحيث يمكن أن يقع القتل وهتك الأعراض وحرق وتدمير الممتلكات . 2 ) الجماعة الخارجة على الحاكم ، أو نظام الحكم . وتشمل في أيامنا الثورات ، مسلحة وسلمية – الثورات السلمية تتعدد فعالياتها ، ومنها مظاهرات يمكن أن تستخدم الحجارة والمولوتوف ، ويحدث فيها القتل ، وتخريب الممتلكات أحيانا - . 3) الخروج على الجماعة ودينها . ويسمي سيد سابق هذه الأشكال الثلاثة بقطع الطريق ، لأن الناس يخافون الخروج ، وبالتالي التعرض للقتل ، ولسلب الأموال ، وهتك الأعراض وغيرها ، وحيث يسميها بعض الفقهاء ، والكلام لسيد سابق ، بالسرقة الكبرى . وقلت لمحاوري : هذه الأشكال جميعها تقضي الشريعة بتطبيق حد الحرابة عليها . والسؤال ما هو حد الحرابة هذا ؟
عرف حجازي :
والجواب : حد الحرابة هذا نصت عليه الآية 33 من سورة المائدة :{ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تُقَطَّعَ أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } . قلت : والنص كما ترى يحدد واحدا من أربع عقوبات لمن يرتكب جناية الحرابة وهي : 1) القتل – الإعدام – 2 ) الصلب – الإعدام البطيء بما يرافقه من تعذيب – 3 ) قطع الأيدي والأرجل من خلاف – اليد اليمنى والرجل اليسرى أو العكس – . 4 ) النفي في الأرض – من الحجاز إلى حضرموت ، أو إلى اليمن ...الخ – . أما الجريمة فتحدد بِ : 1) محاربة الله ورسوله وهذه واسعة جدا ، وأكثر ما انطبقت ، في كل العهود الإسلامية ، على معارضة النظام الحاكم ، سياسيا واجتماعيا ، مع تنوع أشكال المعارضة ، وحتى معارضة أي من تيارات الإسلام السياسي ، في عصرنا الراهن 2 ) السعي للفساد في الأرض ، ويشمل من بين ما يشمل ، قطع الطريق ، ومختلف أشكال العصابات . وسؤالنا الآن : هل أحكام حد الحرابة الأربعة كما فصلتها الآية ، جاءت جديدة على مجتمع الحجاز ، لأنها نزلت من عند الله ، وتصلح قانونا ، أو منظومة قوانين ، لبني البشر كافة ، أم أنها توافقت مع أعراف أهل الحجاز ، وحيث تختلف ، تتعارض ، تتناقض ، تتوافق ، مع أعراف مجتمعات أخرى من بني البشر ؟ وبمعنى آخر كيف تعامل أهل الحجاز ، قبل الإسلام ، مع هذا النوع من الجرائم ؟
قال : بما أنه تشريع من عند الله ، فهو بلا أدنى شك صالح لبني البشر كافة . وبما أنه نزل في الحجاز ، ولكي يحظى بقبول الناس ، ولا ينفرون لمعارضته ، كان لا بد ، كما تعرف ، أن يأتي غير مناقض لأعرافهم ، وحتى متوافقا معها ، إلى حد ما . قلت : حتى نعرف مدى التوافق ، أو حتى التطابق ، مع تلك الأعراف ، دعنا نتوقف قليلا مع أسباب نزول الآية ، والتي أشار لها سيد سابق نفسه ، وأوردها البخاري ، ملخصة أحيانا ، ومفصلة أحيانا أخرى ، في أربعة عشر موضعا من صحيحة . وسألته : أنت تعرف ذلك ؟ قال : نعم أعرف . قلت : تقول الرواية أن ثمانية من البدو ، يسمون بالعرنيين ، نسبة إلى قبيلتهم ، أتوا المدينة مسلمين . وبعد بعض الوقت أصيبوا بحمى المدينة- الملاريا – فشكوا ذلك للنبي قائلين أنهم أهل وبر – بدو - وليسوا بأهل مدر – مدينيين – وأن هواء المدينة لا يناسبهم . أرسلهم النبي إلى إبل له ، يرعاها أحد عبيده ، ليشربوا من ألبانها ، ويستشفوا بأبوالها . فلما تم لهم الشفاء طمعوا في إبل النبي ، وكانت من النوعية الممتازة ، فقتلوا العبد وساقوا الإبل . وصل الخبر إلى المدينة ، فلحقهم بعض الفرسان . أمسكوا بهم . ردوا الإبل . فعلوا بهم ما فعلوه بالراعي العبد . قطعوا أيديهم وأرجلهم . سملوا عيونهم ، وتركوهم في الشمس . وعلى مدى يومين ، ظل أهل المدينة يسمعون صراخهم وهم يطلبون شربة ماء ، ولا أحد يسقيهم ، ثم أنينهم ، حتى ماتوا . بعدها نزلت الآية السالفة . وسألته هل التلخيص صحيح ؟ قال : نعم صحيح . قلت : وكيف قرأت أنت ، أو تقرأ هذه الواقعة ؟ قال : لا أفهم قصدك . قلت : اسمح لي أن أساعدك ، بعرض قراءتي في نقاط ، وكالتالي : 1) الحادثة وقعت قبل نزول الآية . 2) تصرف الفرسان من تلقاء أنفسهم . طبقوا العقوبة كما يعرفونها ، قبل ، أو بدون ، استشارة النبي . 3 ) لم يبد النبي أي اعتراض ، بل أبدى الموافقة على العقوبة . 4 ) أهل المدينة أيضا أبدوا الموافقة بدليل أن أحدا منهم لم يستجب لاستغاثات طلب الماء ، ولم يزعجهم أنين المحتضرين ، رغم أن الرواية تقول أن المدينة ظلت تسمع ذلك الأنين لفترة طويلة بعدها . 5 ) يعني ذلك أن العقوبة تلك كانت عرفا من أعراف الناس – أهل الحجاز آنذاك ؟ قال : أوافقك في قراءتك ، وفي استنتاجك الأخير أيضا . قلت : وتعال نعود قليلا إلى تلك الفقرة ونستقرئ أعراف الناس الأخرى . قال : أسمعك . قلت : كان الحجازيون ، مكة والمدينة بصفة خاصة ، أهل تجارة . وكانت قوافلهم تقطع البوادي من مكة إلى الشام وبالعكس ، ومن مكة إلى الحيرة – العراق – وبالعكس ، رحلة الصيف . وحتى لا تتعرض لهجمات قطاع الطرق ، عقدت مكة اتفاقات مع شيوخ القبائل – الإيلاف – التي تمر الطرق قربها . تدفع مكة ، وتحمي القبائل قوافل التجارة من هجمات قطاع الطرق . هكذا تم التأمين . لكن ولأن لكل قاعدة شواذ ، ظلت القوافل تتعرض لهجمات قطاع الطرق ، ودأبت مكة ، وقبائل الإيلاف ، على مطاردتهم ، وإيقاع العقوبة المشددة بمن تقبض عليهم . وتراوحت هذه العقوبة بين القتل ، والصلب فالقتل ببطء شديد ، وتقطيع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، كما وقع مع العرنيين . وسألت محدثي : هل ما قلته صحيح ؟ قال : في الحقيقة لا أعرف ، ولكن يبدو لي أنه صحيح . قلت : وانظر الآن إلى الآية . ما هو وجه الاختلاف بينها وبين تلك الأعراف ؟ قال بعد تفكير : لا أفهم قصدك . قلت : الآية اعتبرت فعل العرنيين ، وأي فعل مشابه ، أو مقارب ، محاربة لله ورسوله . هذا أولا ، وثانيا رفعت سمل العيون من العقوبة ، وثالثا وقد أصبح للعرب دولة أضافت الآية عقوبة النفي في حال أن كانت نتائج الجريمة خفيفة . قال : نعم ذلك صحيح .
أبو بكر :
قلت : والآن أسألك : هل التزم المسلمون بتطبيق حد الحرابة هذا كما حددته الآية ؟ قال : نعم وبكل تأكيد . قلت : ولكن التراث والتاريخ يقول غير ذلك . تساءل مستنفرا : كيف ؟ . قلت : أنت تعرف أن عهد أبي بكر ابتدأ بحروب الردة . قال : نعم صحيح . قلت : وكان من الطبيعي أن يستغل المارقون الوضع ، وأن تظهر عصابات للنهب والقتل . قال : أكيد يحصل ذلك . قلت : هل تعرف قصة الفجاءة بن عبد ياليل مع أبي بكر ؟ . صمت مفكرا ثم قال: في الحقيقة لا . قلت : في بداية حروب الردة جاء الفجاءة ، وهو من قبيلة بني سليم ، لأبي بكر زاعما أنه مع الإسلام ، وأنه يريد محاربة المرتدين ، بفرقة يشكلها هو ، لكن السلاح ينقصه . صدقه أبو بكر . أعطاه السلاح وعشرة أحصنة . وفوق ذلك أمده بعشرة من المسلمين . لكن الفجاءة ، وما أن خرج من المدينة ، حتى غدر بالمسلمين ، قتلهم واستخدم السلاح والخيل التي حصل عليها ، في تشكيل عصابة لقطع الطرق والإغارة على المسلمين . وبعد نجاحه في ارتكاب سلسلة من الفظائع أمسك به خالد بن الوليد ، وسيق إلى المدينة . أبو بكر أمر أحد أصحابة بحرق الفجاءة خارج المدينة . جمع المكلف حطبا . أوثق يدي ورجلي الفجاءة ووضعه فوق الحطب ، ثم أشعل النار . احترق الفجاءة وتحول إلى رماد . قال محدثي : في الحقيقة لم أسمع بهذه الحكاية ، ولا أعرف من أين أتيت بها . قلت : لأنك لا تخرج عن المنهاج المقرر ، ولذلك لم تقرأ ما كتبه المؤرخون عن حرب الردة . اعترض صديقي ، ولكنني أضفت : ما يلفت النظر في هذه الحكاية أن أحدا من المسلمين ، وفي المقدمة عمر ، لم يلفت نظر أبي بكر بخروجه عن نص آية حد الحرابة ، ربما بسبب الفظائع التي ارتكبها الفجاءة . لكن أبا بكر ، وهو على فراش الموت ، تمنى لو أن ثلاثا لم يفعلها ، ومنها حرقه للفجاءة . قال : أما هذه فأعرفها وما تقوله صحيح .
المعارضة الثورية :
قلت : ونحن ننتقل إلى الحرابة مع النظام ، سأتجاوز حروب الردة وما شهدته من فظائع ، أوضحت بدون لبس أن الإسلام لم يغير شيئا في أخلاقيات الناس . سأتجاوزها معللا النفس بأنها في الأول والأخير ، حرب . وفي الحرب يحدث ما هو أكثر من الفظائع . القتل ومصادرة الأموال ، وسبي النساء والأطفال ، وتحويل الكل إلى عبيد . سأكتفي بأن أذكر لك بعض الأمثلة ، على تطبيق الأنظمة الإسلامية لحد الحرابة ، وسأعفيك من الحرج ، بعدم سؤالك عنها ، وإن كنت سأترك لك المبادرة إلى التعليق ، في الأمثلة التي تعرفها . قال : وهل أنت متأكد أنني لا أعرفها ؟ قلت : من معرفتي بكم فأنتم لا تخرجون عن المنهاج المقرر إلا فيما ندر . وعندما تفعلون ، تعتمدون ذات الأسلوب في القراءة ، ومن ثم في استيعاب الأحداث . بمعنى لا تتساءلون ، وترفضون كل ما يتعارض مع فهمكم المسبق ، مع منهاجكم . قال : هذا ظلم ، ومع ذلك سأوافق لأرى إلى أين تريد أن نصل .
قلت : سأبدأ من عند محمد بن أبي بكر . فربما قرأت أنه حين قبض عليه والي معاوية على مصر ، وضعه في جوف حمار وحرقه . وحينما وصل الخبر إلى المدينة قامت نساء من بني أمية ، بشوي خروف وإرساله إلى عائشة ، مذكرات إياها بأنه هكذا تم شي أخيها محمد . فما كان من عائشة إلا أن حرمت على نفسها أكل الخروف والجدي المشوي . قال : ولكنك تعرف أن محمد بن أبي بكر كان من الذين خرجوا على الخليفة عثمان ، كما وشارك في قتله ، وبالتالي كان الحكم بإعدامه متوقعا ، بل وطبيعيا . قلت : أنا لم أذكر الحادثة اعتراضا على حكم الإعدام ، ولكنني أشير إلى الطريقة البشعة ، البدوية ، الوحشية ، البربرية ، البعيدة كل البعد عن أي خلق كريم ، وعن شهوة الانتقام التي تملكت نساء بني أمية ، حتى بعثن ما بعثن به إلى أخته عائشة ، التي هي أم المؤمنين . قال : يا رجل ذلك شخص اشترك في مؤامرة على الخليفة ، المبشر بالجنة ، والذي وصفه النبي بأن الملائكة تخجل منه ، وفوق ذلك كان شيخا تخطى الثمانين ، ولم تشفع له شيخوخته ، وصحبته لأبيه ، أبي بكر ، وتم قتله وهو يقرأ القرآن . فماذا تتوقع من أقاربه ، وممن أناط بهم الشرع محاكمة القتلة وتنفيذ الحكم فيهم ؟ قلت : سأتجاوز فرضية أن الإسلام عمل على تهذيب معتنقيه ، وأنه ، من المفترض ، أخرج منهم خشونة البداوة . سأشير فقط إلى الوجه الآخر من العملة ، أي الخروج على الخليفة ، عثمان . الثورة على عثمان ، في جزئها الأخير استمرت ستة أشهر – في عمومها أكثر من سنة - . حافظت الثورة على سلميتها ، ولجأت لكل الوسائل ، في دفع الخليفة للرجوع عن أخطائه ، وللاستجابة للمظالم التي رفعها الثوار . حاوروه ، وكلفوا صحابته ، ومنهم علي بن أبي طالب بالتوسط بينهم وبينه . وتوصل علي ، وغيره من المحاورين والوسطاء إلى اتفاقات وعهود . وظل الخليفة ، وبعد الرجوع إلى أقاربه وعشيرته يتراجع عنها وينقضها . أخيرا ، وبعد نفاذ كل صبر ، طالبه الثوار ، مؤيدين من أغلبية الصحابة ، بالتنحي . رفض وقال قولته المشهورة : لا أخلع قميصا قمَّصنيه الله . ووصل الناس إلى الطريق المسدود . ولم ينفع حصار بيته لحوالي الشهر – 29 يوما في بعض المصادر - ، ومنعه من الخروج للصلاة وإمامة المسلمين ، وقطع الطعام والماء عنه ، في زحزحته عن موقفه . وقلت لمحاوري : لك الآن أن تتصور ، أن تتخيل ، أي خدمة للبشرية كان الإسلام سيقدمها ، وأي دفعة كان سيقدمها للديموقراطية ، ومقدار الدماء التي كان سيحقنها ، لو استجاب عثمان لمطالب الثوار ، وقبل التنحي عن الحكم . لكنه للأسف لم يفعل ، وقدم للبشرية خط التمسك بالكرسي ، ولو أدى ذلك إلى إسالة نهر ، وملء بحر من الدماء . اعترض محدثي وقدم مرافعة طويلة زبدتها أن عثمان لم يخطئ ، وأن مفاهيم عصره لم تكن تسمح بخطوة كهذه - التنحي - أن تحدث . قلت : ولكنكم تقولون أن الإسلام جاء ليرتفع بالناس عن مفاهيم عصورهم ، وها أنت تؤكد أنه لم يفعل . ذلك أمر ، وأما الثاني فانظر لما يحدث في مصر . ألا ترى أن الرئيس مرسي يتخذ عثمان قدوته ، ويتبع نهجه سطرا بسطر ، وخطوة بخطوة ؟ حتى القميص الذي زعم عثمان أن الله هو من قمَّصه إياه ، رغم أن خمسة من المسلمين هم من انتخبه ، أبدله مرسي وعشيرته بالصندوق ، زاعما أن الله هو من أنجحه ، وليس الجماهير التي صوتت له ، وتطالبه الآن بالتنحي . قال : المثال مقبول . وأنا أسألك ما العيب في ذلك ؟ قلت : العيب أنكم تقولون بالشريعة وتحللون لأنفسكم معارضتها في كل خطوة ، في كل حركة ، في كل سكنة ... مع كل نفس يخرج من صدوركم . اعترض محدثي بشدة .
وتابعت :
قلت : سأنتقل من هذا المثال إلى ما فعله مسلم بن عقبة ، قائد جيش يزيد ، في مدينة النبي ، وفي صحابته وبنات صحابته . قلت : ضجت المدينة من ظلم والي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، وهو مروان بن الحكم ، وخرجت عليه . وبعث يزيد جيشا على رأسه مسلم بن عقبة ، وكان شيخا هرما متدينا ، وحتى شديد التدين حسبما وصف . احتل مسلم المدينة ، بعد معركة عرفت باسم واقعة الحرة . وبعد دخول مدينة النبي استباحها ثلاثة أيام . ربط خيله على قبر النبي ، وقتل من قتل ، شتت الأنصار في بقاع الأرض ، ولم يبق من يومها شيء اسمه الأوس والخزرج . والأهم استباح نساء الصحابة ، الصحابيات وبناتهن وحفيداتهن . وحين خرج الجيش من المدينة، قيل أنه كان قد فض بكارة ألفا من بنات الصحابة . عرف ذلك من ظهور حملهن فيما بعد . والغريب في هذه الحكاية أن القائد مسلم هذا كان شيخا هرما ، مات بعدها بوقت قصير، بعد أن توجه إلى مكة ، وبدأ حصارها ، وأن جنوده كانوا متأكدين من شفاعته لهم يوم القيامة، لأن مصيره الجنة ، بلا أدنى ريبة . قال محدثي : من أين لك هذه القصة فأنا لم أسمع بها . قلت : لأنك لا تقرأ خارج المنهاج المقرر . اقرأ أي كتاب من كتب التاريخ ، للطبري أو لابن كثير أو لغيرهم وستجدها .
وتابعت : وكان بسر بن أبي أرطأة ، وهو قائد جيش لمعاوية ، بعثه معاوية إلى الحجاز واليمن ، لاقتطاعهما من خلافة علي ، قد سبق مسلم ين عقبة ، بأكثر من عشرين سنة . بسر لم ينجح فقط في انجاز المهمة التي كلف بها ، ولكنه وجيشه ارتكبا من الفظائع ، ما فاق كثيرا ما فعله جيش ابن عقبة . وتفوق على خلفه هذا في أنه أعاد سبي المسلمات ، وعرضهن في أسواق النخاسة مكشوفات ، وحيث يتحسس الشاري البضاعة قبل شرائها . قلت أعاد سبي المسلمات لأن الخليفة عمر بن الخطاب كان منع استعباد العرب ، وحرر العبيد منهم – نساء ورجالا – في خلافته . وأكثر وحين اقترب بسر من اليمن خاف واليها لعلي ، وهو عبيد الله بن عباس ، ففر من مواجهته . بسر أمسك بزوجة عبيد الله وطفليها ، ثم قام بذبح الطفلين في حجرها . اختلت المرأة ، وسارت عمرها كله تبحث عن طفليها في القرى والبوادي .
لم يعلق محاوري هذه المرة ، ربما خوفا من أواجهه بالحقيقة عن القراءة وضعف المعرفة .
قلت : وتعال ننتقل إلى الحجاج بن يوسف الثقفي ، الذي وصفه الخليفة عمر بن عبد العزيز ، بأنه ملأ الأرض جورا وظلما . وأقول دعك من قصفه الكعبة بالمنجنيق ، وفظائعه مع أهل مكة ، وقتله الخليفة المنتخب ، عبد الله بن الزبير ، ثم صلبه على باب مكة حتى سقط لحمه عن عظمه ، منتظرا انكسار أمه وطلبها العفو عن جثمان ابنها . أقول دعك من كل ذلك ، ومن أن الإسلام ، بالحجاج وبغيره ، لم يقدم نموذجا إنسانيا واحدا ، يتقدم على أهل ذلك الزمان من غير المسلمين . وتابعت القول : أنت ولا شك تذكر خطبته في المسجد بعد توليه على الكوفة : " .... يا أهل العراق ، يا أهل الشقاق والنفاق ، إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها ، وإني والله لصاحبها ......" . قال : أذكرها طبعا ، ومن منا لا يذكرها . قلت : أمعن الحجاج في قتل المعارضين وغير المعارضين . وليس هذا هو المهم ، أو جو الرعب الذي نشره ، والظلم والجور الذي ملأ الأرض ، كما قال عمر بن عبد العزيز . فربما لا تعرف عن سجون الحجاج وما كان يجري فيها . إذ قالت المصادر التاريخية أن الحجاج قتل في سجونه قرابة مائة وثمانين ألفا . وأظنك تعرف أن هذا هو فعل إبادة جماعية . والسؤال هو : كيف تمكن الحجاج من إبادة هذا العدد الضخم من معارضي بني أمية ؟ والجواب أن الحجاج ، من خلال القائمين على سجونه ، كان يزج عددا كبيرا في الغرفة ، أو العنبر الواحد . وكان غير مسموح لهم بالخروج ، أو التخلص من بولهم وبرازهم . كانوا يأكلون ويعيشون مع مخلفاتهم ، وسرعان ما يصابون بالأمراض فالموت . وكان من غير المسموح التخلص من جثة الميت . تبقى معهم ، تتعفن ، وتنقل المرض إلى الأحياء ، الذين يأخذون في التساقط حتى ينتهوا جميعا . وتتكرر هذه الفظاعة مرة بعد أخرى ، وبعد أخرى . وتقول المصادر التاريخية أنه حين مات الحجاج ، وجد في سجونه مائة ألف إنسان . وأسألك : أين الالتزام بالشرع والشريعة ، وأين معارضة العلماء والفقهاء ، استنكارهم ، رفضهم ، لهذا التطبيق للشريعة ، بعد وفاة الحجاج ؟ قال : الحقيقة لا أدري من أين تأتي بهذه الحكايات . ومع ذلك أنت قلت أن الخليفة عمر بن عبد العزيز استنكرها ووصف الحجاج بأنه ملأ الأرض ظلما وجورا . قلت : ليست مشكلتي أنك وجماعتك لا تقرأون خارج المنهاج . فلم يعرف عن عمر أنه تصدى لعمه عبد الملك بن مروان ، ولابن عمه الوليد ، لتخفيف ظلم الحجاج ذاك . وربما لا تعرف أن جنود الحجاج ، وهو يقصف الكعبة ، كانوا ينتظرون شفاعته لهم في الآخرة ، لأنهم مقتنعون أنه ذاهب إلى الجنة . وأظنك ستقدر أن هذه القناعة ظلت قائمة عند كل من أحاط به وهو ينفذ جرائمه تلك . طبعا للحجاج إيجابيات كثيرة منها فتوحاته في الشرق ، وتنقيط القرآن ، وغيرها كثير . وأسألك : على هدي من يسير الرئيس مرسي وجماعة الإخوان ، في تعاملهم مع معارضيهم اليوم ، أمام قصر الرئيس وفي ميادين بورسعيد والمنصورة وفي لتحرير ؟. ارتبك محدثي فعاجلته قائلا : لا تجب ، فقد عرفت إجابتك قبل أن تنطق .
والعثمانيون :
قلت لمحدثي تعال ننتقل إلى الخلافة العثمانية ، وبعض ما جرى فيها . قال : لماذا هذه النقلة الواسعة في الزمن ، ألأنه غلب حمارك ، كما يقال ، فلم تجد ما تتقوله على العصور الإسلامية ؟ قلت : بالعكس تماما ، فكل العصور التي تلت ، حملت تكرارا لنفس الجرائم التي نفذها الحجاج ، ومن قبله زياد بن أبيه . وأنت لا تقرأ تأريخا لعهد خليفة أو سلطان ، وإلا ويطالعك ذلك الكم المهول ، من الإعدامات لمعارضيه . وأكثر تعجب من بربرية تلك الإعدامات ، ولتتساءل طوال قراءاتك : ول:ن ماذا فعل الإسلام من تهذيب للأخلاق ولسلوك أتابعه ؟ وأظنك تعرف أن بشاعة الجرائم وصلت إلى حد أن كل نظام جديد – خلافة تقوم ، سلطنة تنشأ ، إمارة تولد - ظل ملتزما بتنفيذ عملية محو كاملة للنظام الذي سبقه . مثلا حين انتصر العباسيون قاموا بمحو كل آثار العمران الذي أقامه الأمويون . أزالوا عن وجه الأرض كل القصور الأموية ، التي كانت تحفا عمرانية في عهدها . وبديهي أن هذا الهدم ، سبقه وتبعه هدم لكل شيء ، ومنه إبادة للجنس ، للبشر . وهذا يفسر لماذا لم يتراكم تراث فني ومعماري وحتى حضاري ، من العصور الإسلامية ، ولماذا لم يبق لنا شيء من آثارهم ، رغم أن امبراطورياتهم عاشت طويلا ، وعمرت وبنت وأنتجت الكثير . وأضفت : أنقل للعهد العثماني لما أراه من " تجديد !!!" أحدثوه في تطبيق حد الحرابة على الثورات التي ناهضتهم ، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، خصوصا في الولايات الأوروبية . العثمانيون استحدثوا عقوبات غاية في البربرية والوحشية . ولأن محدثي كان يصغي مستنكرا ، تابعت القول : ولأن العقوبات المستحدثة كثيرة ، ولا يتسع المجال هنا لتعدادها ، فسأكتفي هنا بعرض ثلاث منها : وكان محدثي يبتسم بسخرية تعني أن ما سأقوله مجرد تقولات من تأليفي . تجاهلت ابتساماته الساخرة وتابعت سائلا : هل سمعت عن الشوي على السفود ؟ قال : لا ، لم أسمع ، وما هذه ؟ قلت : هذه طريقة لشوي طرائد الصيد – أرنب ، غزال ، حجل ...الخ - وفي المناسبات شوي خروف ، جدي أو حتى عجل صغير . يتم فيها تحضير كمية من الجمر ، ويربط الجسم المراد شويه على عود ، ويوضع على قائمتين ، وعلى ارتفاع نصف متر تقريبا فوق الجمر ، وبواسطة ذراع متصل بالعود ، يتم تحريك الشوي ببطء ، وفي دورات كاملة فوق الجمر ، حتى ينضج اللحم . هذا الأسلوب استخدمه العثمانيون في تعذيب معارضيهم من الثوار . إذ يستمر تقليب الثائر على السفود وفوق الجمر ، والاستمتاع بصراخه ، حتى موته ، واحتراق لحمه .
ووسط استنكار محاوري تابعت . تلك كانت طريقة ، و أخرى كانت الإعدام على الخازوق . فيها يتم أولا بري رأس عمود ، أو عصا خشبية ، يليه دق هذا العمود ببطء ، بدءا من إست الثائر، وحتى الخروج من أحد كتفيه . وتتجلى مهارة منفذ عملية التعذيب ، في عدم مس العمود لعضو قاتل للضحية ، القلب أو الرئتين ، ليستمر عذاب الضحية وحتى ثمان وأربعين ساعة وأكثر قبل موته . وكلما أنَّ وصرخ أكثر ، كلما كان ذلك أعذب لمعذبيه . والأسلوب الثالث تمثل في الإعدام عن طريق الحرق في مقلى . إذ توضع الضحية عارية في مقلى كبير ، ثم تضرم النار تحته ، ولترفع حرارتها بالتدريج ، والضحية تتقلى مثل سمكة في الزيت ، إلى أن يحمر المقلى ويحترق جسم الضحية بالكامل .
قال محاوري مستنكرا : من أين لك بهذه التقولات ، وأستحي أن أقول التفاهات أو التخرصات ؟. قلت : لأنك لا تطيق قراءة التاريخ ، وقد تحتمل قراءة الأدب ، أنصحك بقراءة الملحمة التاريخية التي نالت جائزة نوبل في العام 61 واسمها جسر على نهر درينا . فيها سجل هذا الروائي العبقري واليوغسلافي إيفو أندرييتش ، ليس فقط بطولات شعوب يوغوسلافيا في مقاومة الحكم العثماني ، وإنما سجل أيضا الأساليب التي استخدمها العثمانيون في تعذيب الثوار الصرب والبلغار ، وغيرهم من شعوب البلقان . وأنصحك أيضا بقراءة رواية في سبيل التاج ، تعريب مصطفى لطفي المنفلوطي ، عن المقاومة اليونانية للاحتلال العثماني ، وأنا متأكد أنك ستذهل من بشاعة وهمجية ووحشية جرائم العثمانيين ، ضد أبناء تلك الشعوب الأوروبية التي قهروها آنذاك .
المعارضة السياسية :
قلت : أما وقد وصلنا إلى النقطة الثالثة من تعريف سيد سابق للحرابة ، وأعني ما وصفه بخروج الأفراد على الحاكم ، على النظام . معارضة لا فيها قطع طريق ، ولا حمل وإشهار سلاح ، وإنما معارضة بالرأي وبالموقف ، بالكلمة وبالقلم . وهي في أيامنا تهمة واسعة شاملة ، تبدأ من السياسي ، وتمتد لتصل إلى الأديب والشاعر والكاتب والإعلامي والفنان ، في أي فرع من فروع الفن ، وما أكثرها كما ترى . وأضفت : ولأن التاريخ الإسلامي زاخر بالأمثلة والمواقف من هكذا معارضة ، سأكتفي بعرض بعض الأمثلة ، ولك ، تجنبا للإحراج أن تمتنع عن التعليق . وافق محدثي فتابعت القول : سأقسم هذه الفقرة إلى قسمين . الأول يتعلق بقادة الفتح الإسلامي ، والثاني بأهل الرأي من الكتاب .
في الأول ، لفت نظري ، وأظنه يلفت نظر أي قارئ لتاريخ الفتوحات الإسلامية ، ذلك المصير الفاجع والمفجع ، لقادة الفتح العظام . ظل هذا المصير واحدا لأغلبيتهم ، وهو إما الخلع ، فالإهانة والإذلال ، وإما السجن والتعفن فيه حتى الموت ، وإما القتل بأساليب مختلفة . وحين سألت مختصا في هذا التاريخ ، أجاب بأن النظم الإسلامية ظلت تقوم على الحاكم الفرد ، والذي لا يطيق أن يبرز إلى جانبه قائد يتمتع بالمحبة الشعبية ، الأمر الذي قد يتطور إلى منافسة لهذا الحاكم . ومن ثم فقد ظل الحاكم الفرد يسارع إلى التخلص من هذا القائد ، رغم عظمة الخدمة التي قدمها للدعوة الإسلامية ، وللدولة ، وللحاكم نفسه ، من خلال الفتوحات . وأذكر أنني قلت لأستاذ التاريخ المختص : الآن فهمت تلك البداية التي راح ضحيتها القائد الخالد ، خالد بن الوليد . عزله الخليفة عمر بن الخطاب عن ولاية حمص . ولم يكتف بالعزل ، بل بعث له من يحاسبه على ماله ، ويقاسمه فيه ، بعد أن قيده بعمامته ، وبدعوى تصرف خالد في مال المسلمين . ووصلت المقاسمة حتى قسمة نعلي خالد . إذ ذهبت فردة منه إلى بيت مال المسلمين ، وبقيت الفردة الأخرى لخالد . وبلع خالد الإهانة ، ولكن لم يطل به المقام ومات مقهورا . بعد موته حكى عمر بأنه لم يعزل خالد بسبب قصور أو خيانة ، ولكن لأنه خاف أن يفتتن الناس بخالد ، وأن يفتتن خالد ، تبعا لذلك بنفسه .
ذات التكريم العظيم لهكذا لقائد عظيم ، الخوف من الافتتان ، أصاب معاوية بن أبي سفيان ، من عبد الرحمن بن خالد بن الوليد . عبد الرحمن كانت له صولات في الأناضول . ومحبة من المقاتلين والناس ، أثارت خشية معاوية . معاوية لم يكتف بعزل عبد الرحمن ، كما فعل عمر مع أبيه ، ولكنه دبر قتله بالسم ، مع طبيب له يقال له ابن آثال ، ووعد لابن آثال بمكافأة مجزية . ونفذ ابن آثال الاتفاق ، بأن دس لعبد الرحمن السم في شربة عسل ، وقبض المكافأة من معاوية – اشتهرت طريقة معاوية هذه في التخلص من مناوئيه ، حتى أنه كان يقول لله جند من عسل - .
وقلت لمحدثي : وأظنك تعرف المصير الفاجع لفاتحي الأندلس ، طارق بن زياد وموسى بن نصير . كلاهما استدعاه الخليفة الأموي لدمشق ، وليس لشبهة تقصير أو خيانة ، وإنما لخوف الخليفة من افتتان الناس بهما . جردهما الخليفة من كل شيء . أبقاهما في دمشق وعاشا في بيت متواضع حزينين مقهورين حتى وافهما الأجل .
وتابعت : ذلك كان أفضل من مصير محمد بن القاسم ، ذلك القائد النابغة ، ابن التسعة عشر عاما ، وفاتح السند ، باكستان اليوم . نقم الحجاج على هذا القائد العظيم ، وهو ثقفي مثله ، أوغر صدر الخليفة الذي استدعاه من السند ، وهو يتأهب لدخول الهند . وعن مصيره هناك روايتان . واحدة تقول أن شرطة الحجاج وضعته في كيس مملوء ببعر الغنم ، وحملته على جمل ، فمات مختنقا قبل أن يصل الكوفة ، وأخرى تقول أنه وصل الكوفة ، وزجه الحجاج في السجن ، وظل يواصل تعذيبه حتى مات .
وأمر مشابه حدث مع قتيبة بن مسلم فاتح آسيا الوسطى – كازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان وطاجكستان الحالية - . نقم عليه سليمان بن عبد الملك بسبب ما قيل أنه وافق رأي الوليد بن عبد الملك ، بنقض وصية أبيه وعزل سليمان وتولية ابنه مكانه . ورغم أن الفكرة لم تتم، بعث سليمان من يقاتل قتيبة وقتله . وتكرر الأمر مع يزيد بن المهلب فاتح أفغانستان ، ومع أكثرية القادة الفاتحين كما أشرت . وحين تقرأ التاريخ ، بعقلية اليوم ، لا بد أن يتملكك العجب ، فتتساءل : أهكذا كان يكرم الخلفاء المسلمون قادتهم العظام ؟ ألم يسمعوا بأكاليل الغار التي كان الرومان يكللون بها جباه قادتهم ؟
وإذن فإن هذا التكريم الإسلامي للقادة العظام ، تحت باب الخوف من افتتان الناس بهم ، تواصل في كل العهود الإسلامية . وأكتفي بتذكيرك بمصير أبو سلمة الخلال ، وأبو مسلم الخراساني اللذين قتلهما الخليفة المنصور ، وهما عمودي إقامة الخلافة العباسية . قال : نعم أعرف هذه رغم أنني ما زلت متعجبا من أين جئت بتلك الحكايات العجيبة السابقة . ضحكت وقلت : ألم أذكرك بحقيقتك المرة وهي أنك ، ومن هم مثلك ، لا تقرؤون خارج المنهاج المقرر . اقرأ التاريخ وسترى أن هناك أمثلة أبشع بكثير مما ذكرت ، وأنه بالكاد أفلت واحد من قادة الفتح العظام من مثل هذه المصائر الفظيعة .
وقلت لمحدثي : أما وقد اقتربنا من نهاية حوارنا هذه الليلة ، دعنا ننتقل لما كان يحدث مع المفكرين والكتاب . بداية ، ومنذ أواخر العصر الأموي ، صار مسموحا للمفكر أن يخوض في أي شيء ، بما في ذلك نقد الصحابة ، وحتى إعلان الإلحاد ، ما دام الأمر بعيدا عن النظام . بمعنى أنه كان هناك نوع من حرية الفكر – لاحظ نشوء المذاهب مثلا – ما دام هذا المفكر لا يتخذ موقفا ، أو يقول رأيا ، يقدح في شرعية النظام . وإن فعل يخرج النظام له ، من جعبته ، تهمة الزندقة ، ويقتله بها . وسأكتفي بمثلين يلقيان ضوءا على الوحشية التي كانت تتم بها تصفية هؤلاء الخصوم من أصحاب الفكر .
الحادثة الأولى وقعت قرب نهاية العهد الأموي ، في خلافة هشام بن عبد الملك ، ومع مفكر اسمه الجعد بن درهم . والأخير من الأوائل الذين دشنوا تيار العقل ، والذي تأصل بفرقة المعتزلة . وكان قبل ذلك معلما ، أو مؤدبا لأبناء أمراء بني أمية ، والظاهر أنه أظهر هوى لبعضهم على بعض آخر فكان غضب الخليفة عليه . أما تهمة الزندقة التي ألصقت به فهو قوله أن الله لم يكن خليلا لإبراهيم ولم يكلم موسى تكليما . هرب من دمشق إلى الكوفة . أمسكه والي الكوفة وهو خالد بن عبد الله القسري وأودعه السجن . ويبدو أن الوالي تباطأ في إعدامه ، فكان أن وصله أمر من الخليفة هشام ، بوجوب تنفيذ الإعدام وفورا . ويوم عيد الأضحى أخرجه القسري من السجن ، وأحضره إلى المسجد مكبلا بأغلاله . وبعد انتهاء الصلاة والخطبة ، وكانت العادة أن يبادر الوالي إلى نحر أضحيته ، ثم يتبعه الناس ، قام القسري بنحر الجعد في صحن المسجد ، وقال للناس أنه نحر ضحيته وعليهم نحر أضحياتهم ففعلوا .
والثانية حدثت في عصر الخليفة المنصور ومع المكفر والأديب الشهير عبد الله بن المقفع . وعبد الله بن المقفع فارسي الأصل ومجوسي الديانة . تعلم العربية وبرع فيها ، ونقل إليها من الفلسفة الهندية ، واشتهر بكتاب كليلة ودمنة . عبد الله هذا أسلم ، ثم وصف بالشعوبية والزندقة . وبأمر من الخليفة المنصور قبض عليه والي البصرة ، وأخذ في تعذيبه بقطع لحمه وشويه على النار ، ثم إجباره على أكل لحمه ذاك . وظل يفعل به هكذا حتى مات .
أخيرا ولما كان هناك اعتقاد بأن الروح مثل نسمة الهواء ، حين تغادر الجسد تغادره من إحدى فتحاته ، ابتدع الحكام المسلمون عقوبة عجيبة غريبة . فيها يدفن المحكوم حيا في حفرة ، مقلوبا ورأسه إلى أسفل ، ويدفن حتى وسطه . ولأن الروح ، وهو بهذا الوضع المقلوب مضطرة للخروج من إسته ، فإنها تخرج ملوثة دنسة ، ومن ثم لا تستطيع المثول بين يدي الخالق يوم الحساب ، فتظل هائمة على وجهها أبد الدهر .

وقلت لمحدثي : وسؤالي لك الآن ، ومثل الحوادث التي ذكرناها تكررت في سائر العهود الإسلامية آلاف المرات ، فماذا تقول فيها ؟ قال : أنا بداية لا أعرف شيئا عنها ، كما لا أعرف من أين أتيت بها . وظني أنها من فبركات أعداء الإسلام . فالإسلام وقد هذب النفوس لا يمكن أن يحدث فيه مثل هذه الجرائم التي لا يقبلها عقل . قلت : إذا كان الأئمة الذين كتبوا تاريخ الإسلام ، وغيره من كتب التراث ، هم أعداء للإسلام ، يكون ما تقوله صحيح . وآسف أن أقول لك أن أمة تنكر تراثها ، هي أمة بلا مستقبل لأنها بلا ماضي . وأقول لك ختاما أن التراث الإسلامي يكشف حقيقة ساطعة سطوع الشمس ، وهي أن النظم الإسلامية كلها ، لم تعرف شيئا اسمه حقوق الإنسان . عرفت حقوق الحاكم ، وواجب الطاعة من المحكوم . ولأن الحال كان كذلك ، فإن حقوق الإنسان ، التي كان يفترض أن يأتي بها دين العدل والمساواة ، كما تصرخون طوال الوقت ، لم يعترف بها في كل العهود الإسلامية . وكان أن جاءت ، ويا للأسف بدعة من بدع الغرب الفاسق كما تصفونه . صرخ محدثي منكرا ومستنكرا ، أرعد وأزبد ، فما كان إلا أن رفعنا جلسة الحوار ، في انتظار لقاء جديد .







#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في ثورة الشباب المصري 18 الإخوان ودولة الخلافة
- حوار أملاه الحاضر 11 الشريعة وتطبيق الحدود حد الجنايات 1
- حوار أملاه الحاضر 10 الشريعة وتطبيق الحدود ملك اليمين والمجت ...
- حوار أملاه الحاضر 9 الشريعة وتطبيق الحدود ....زنا الإماء
- حوار أملاه الحاضر 8 النبي وتطبيق حد الزنا
- حوارأملاه الحاضر 7 الشريع وتطبيق الحدود حد الزنا 2
- حوار أملاه الحاضر 6 الشريعة وتطبيق الحدود ....الزنا (1)
- حوار أملاه الحاضر 5 الشريعة وتطبيق الحدود ....الخمر
- حوار أملاه الحاضر 4 العورات بين المجتمعي الإنساني والرباني
- حوار أملاه الحاضر 3
- حوار أملاه الحاضر 2
- حوار أملاه الحاضر
- عفوك يا سماحة المفتي 3
- خطوة للأمام ... عشر للوراء
- عفوك يا سماحة المفتي 2
- تسونامي إسلامي يضرب جامعة بيرزيت
- يافخامة الرئيس لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديمو ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 17 اختطاف الثورة قبل الأخ ...
- عفوك يا سماحة المفتي هذه ليست مساواة
- تغيير يوجب تغييرات


المزيد.....




- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - حوار أملاه الحاضر 12 الشريعة وتطبيق الحدود ....الجنايات 2 حد الحرابة