أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - حوار أملاه الحاضر 13 الشريعة وتطبيق الحدود ...حد الجنايات 3 حد الحرابة 2















المزيد.....



حوار أملاه الحاضر 13 الشريعة وتطبيق الحدود ...حد الجنايات 3 حد الحرابة 2


عبد المجيد حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 4049 - 2013 / 4 / 1 - 17:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حوار أملاه الحاضر 13
الشريعة وتطبيق الحدود ......حد الجنايات 3 حد الحرابة 2
بادرت محدثي قائلا : أرجو أن تكون قد هدأت ، وأن لا نعود إلى ما انتهينا إليه في حوارنا السابق . قال متخابثا : وماذا كنا فعلنا ؟ قلت : يا رجل ، لقد صببت على شآبيب غضبك . لم يبق في قاموس السباب واللعن ما لم تصبه على رأسي ، ثم وصفتني بأوصاف أصغرها العلماني والعاصي والكافر والملحد ...وغيرها كثير . قال : أنا آسف ، ولكنك تطاولت على الإسلام ، وأثرت غضبي . قلت : وماذا قلت ؟ قال : اتهمت الإسلام بأنه عدو لحقوق الإنسان وللديموقراطية ، والحريات ، مع أنك تعرف ، وتقر ، بأن دين الإسلام هو دين الحق والعدل والمساواة والكرامة والإنسانية . قلت مقاطعا : ولكنني لم أتهم . أنا سقت وقائع ، هي تقول ، وأنا مجرد ناقل . قال : ها قد عدنا . أنا يا أخي لا أعرف لِمَ أشاركك هذا الحوار أصلا ، وأنا أعرف أنني يوم الحساب ، حين أقف بين يدي الخالق ، سيحاسبني على حواري هذا . سألته : ولماذا ؟ فأنت لا تقول أو تفعل ما يغضب ؟ قال : لأنني ، في هذا الحوار ، أشاركك في معاصيك ، في أوزارك ، وسيحاسبني الله على ذلك . قلت : وهل النقاش ، استنطاق الأحداث ، استعمال العقل ، البحث عن الحقيقة ، ضلال يؤدي إلى التهلكة ؟ وهل محاولة رؤية ما وقع ، والإقرار بالحقيقة ، يقع تحت باب الوزر والمعصية كما تقول ؟ قال : بالطبع هو كذلك ، لأنك تلوي عنق الحقيقة . وتُقَوِِّل الإسلام والمسلمين ما لم يقله وما لم يفعلونه . قلت : إذن تعال نعيد قراءة التاريخ ، تاريخ النظم التي وصفت بالإسلامية ، ولنرى معا ما إذا كنت أفتري على هذا التاريخ أم لا . قال : ولماذا لا نستقرئ معا تاريخ الفقه ؟ قلت : لأن الحكام حكموا بالسياسة وليس بالفقه . ألا تقولون أن الإسلام دين ودولة ؟ وأن لا انفصال بين الدين والحكم ، أي السياسة ؟ قال : نعم هي كذلك . قلت : أظنك تسمع ما يقوله بعض رموز تيارات الإسلام السياسي ، في مصر وتونس ، بحق المعارضة ، من التكفير ، والاتهام بالإلحاد ، ومن ثم مطالباتهم للرئيس وللدولة بضرب هذه القوى ، وحتى التصفية الجسدية . قال : نعم أسمع . ولكن تلك شطحات متعصبين لا يمثلون الدين والمتدينين . قلت : أنا لن أسألك لماذا ، ما داموا كما تقول ، لا تحاولون ، مجرد محاولة ، التصدي لهم ، سأسألك : ألم تحاول أن تسأل نفسك : من أين لهؤلاء أن يقولوا ما يقولون ؟ وإلى ماذا في دعاواهم تلك يستندون ؟ قال : ها قد بدأنا . أنا أعرفك . علمتني خبرتي معك كيف تمسك بواقعة لتنحرف بها إلى مقصدك ، وهو إثبات أن العيب في الشريعة نفسها لا فيمن يطبقونها . وهذا هو الوزر ، المعصية التي أشاركك حملها ، وسيحاسبني الديَّان عليها حين نقف جميعا أمامه . قلت : سامحك الله ، ولكن إذا كان تاريخ الحكم هو الدين فما تقوله صحيح . ولكن أنا أقول أن الحكام المسلمين حكموا بالسياسة التي ليست بالدين . وهؤلاء الساسة فعلوا ما فعلوا اجتهادا ، مسترشدين بثقافة ومعارف عصورهم ، وإن قالوا أنهم يستندون فيم يفعلون إلى الدين . قال : قلت لك ها قد بدأنا ، فليس صحيحا ما تقول يا سيدي . قلت : إذن دعنا نعود لنقرأ التاريخ ومن سطره الأول . قال : لنفعل ، ولأرى آخرتها معك .
سقيفة بني ساعدة :
قلت : أنت بالتأكيد تعرف ما جرى في سقيفة بني ساعدة – مقر برلمان أهل المدينة بلغتنا المعاصرة – فور انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى . قال : نعم أعرف . قلت : حدث وجسد النبي ما زال مسجى ، وأهل البيت – علي والعباس بصورة خاصة – يباشرون طقوس الغسل والتكفين ، أن اجتمع الأنصار في منتداهم ذاك ، للبحث في شأن خلافة النبي في ولاية أمور المسلمين . عرف أبو بكر بما يحدث ، فترك هو وعمر وأبو عبيدة ، ومعهم بعض المهاجرين ، طقوس تحضير جسد النبي للدفن ، وذهبوا إلى السقيفة . وهناك دار جدل بين المجتمعين ، انتهى بمبايعة أبي بكر بالخلافة . قال : نعم صحيح . وقد وصف عمر بن الخطاب ما جرى بأنه فتنة وقى الله المسلمين شرها . قلت : ولماذا هذا التوصيف بأنها فتنة ؟ قال : لأن الأنصار حاولوا أن يستولوا على حق ليس لهم . ونجاحهم كان سيوقع فتنة بينهم وبين المهاجرين ، كان من الممكن أن تكون عواقبها وخيمة . قلت : ولكن ما وقع كان أمرا طبيعيا . هو تعارض بين وجهتي نظر في السياسة ، يتمحور حول من هو صاحب الحق ، والأكفأ ، والأصلح ، لولاية أمر المسلمين ، أو قيادة الدولة ، بلغة اليوم . قال : ولكن الأمر كان واضحا ، وهو أن قيادة الدولة حق للمهاجرين ، ولمهاجري قريش على وجه التحديد . قلت : لو كان الأمر واضحا كما تقول ، لما فكر الأنصار في الوثوب عليه . والثابت أن القرآن ، كما النبي ، لم يترك للمسلمين ، ولو تلميحا ، لمن سيؤول هذا الأمر . ولأن الأنصار بمالهم ، بسلاحهم ، بمنازلهم ، بمزارعهم ، بأبنائهم ، لأنهم هم من تحمل جل عبء نصرة الدعوة ونجاحها ، لأنهم قدموا أكثر من المهاجرين بكثير ، فكروا ، أو ظنوا ، أن من حقهم أن يتولوا إمرة المسلمين . قال : ذلك غير صحيح . صحيح أنهم قدموا النصرة ، ولكنهم لم يقدموا أكثر من المهاجرين . قلت : لن أناقشك في هذا ، رغم أن الوقائع تقول العكس ، ورغم أن المدونين فيما بعد بالغوا في تضحيات المهاجرين ، وقللوا في المقابل من تضحيات الأنصار . ما يعنينا هنا أن أول خلاف سياسي ، وكان على هذه الدرجة من الأهمية ، بحيث ترك المسلمون جسد النبي مسجى ، وانشغلوا في هذا الخلاف ، فقد تم حله بالحوار . قال : أوافقك على هذا . قلت : لكن فات المسلمين أن يتخذوا الحوار قاعدة لحل الخلافات السياسية التي ستنشأ بالضرورة . بدليل أن عمر وصفها بالفتنة التي وقى الله المسلمين شرها . قال : لا أفهم قصدك . قلت : قصدي أن القاعدة التي وضعت قالت بتصنيف الخلاف السياسي على أنه فتنة ، والتعامل معها بما يوجب وقف الفتنة . ومعنى هذا سلوك طريق العنف بديلا للحوار الذي تم في السقيفة . قال : لا أوافقك . ما تستنتجه غير مقبول لأنه غير صحيح . قلت : أنت لا شك تتذكر ما حدث مع سعد بن عبادة . قال : بالطبع أذكر . كان الرجل طامحا في الخلافة ، رغم أنها ليست من حقه . قلت : هنا المشكلة . إذ من المفترض أنها حق لكل مسلم كفؤ . وسعد بن عبادة كان كفؤاً . ومع ذلك فالوقائع تقول أنه لم يسع إليها . كان مريضا ، وحين نقل إلى السقيفة ظل ممددا على أرضها . ولأن صوته كان ضعيفا ، كان هناك من يميل بجسده إليه ، يسمع ، وينقل ما يسمعه إلى الحضور . قال : نعم ذلك صحيح . قلت : وحدث بعد مبايعة أبي بكر ، أن قفز إليه عمر ، وطئه في صدره ، لدرجة أن أنصاريا صرخ : قتلت سعدا ، فرد عمر : قتل الله سعدا . قال : ذلك صحيح ، لكن ما هو قصدك ؟ قلت : سعد لم يبايع أبو بكر . واعتزل الصلاة خلفه . وكرر الأمر مع عمر . وفيما يبدو ظن أن خدماته الجلى للدعوة وللإسلام تشفع له . ولكن بدل ذلك دمغوه بصفة المنافق . وجرى التعامل معه على هذا الأساس . وبعد خلافة عمر ، التقيا في الطريق فشكا سعد من قسوة عمر ، مشيرا إلى أن سلفه – أبو بكر – كان أكثر لينا ومودة . فما كان من عمر إلا أن قال له ما معناه أن على من لا ترضيه الجيرة أن يرحل . ورحل سعد عن مدينته ، عن بيته وبساتينه . رحل إلى الأردن . لكن وقبل أن يستقر قتل . خرج ليلا لقضاء حاجة ، فجاءه سهم قتله . فكان أول مسلم يغتال على خلفية خلاف سياسي . قال : يا رجل اتق الله . هل تتهم عمر ، الخليفة العادل بقتله ؟ هذا والله لأمر منكر . وأضاف : أنت تعرف أن الجن هو من قتله . قلت : هذه رواية على درجة من السذاجة ، لا يصدقها إلا أحمق بلا عقل . خصوصا أنها منقولة على لسان صبية من المدينة ، مروا على بئر خرب فزعموا أنهم سمعوا الجن يتغنون بقتل سعد ، ولماذا ؟ لأنه بال واقفا . وأضفت متسائلا : هل كان بقاء سعد ، بخلافه السياسي مع الخليفة ، سيشكل أي نوع من الخطر على الدولة ؟ وألا ترى أن وضع مثل هذه القاعدة ، وصم المعارض السياسي بالمنافق ، ثم التخلص منه بالاغتيال ، قد وضع أول عثرة على طريق السبق للديموقراطية وللحريات السياسية ؟ قال : حقيقة لا أعرف من أين تأتي بهذه الاستنتاجات . يبدو أنك تقرأ كثيرا للمستشرقين أعداء الإسلام . ضحكت وقلت : قد لا تصدق لو قلت لك أنني لم أقرأ كتابا واحدا لمستشرق . ولسبب بسيط وهو أنني أعرف هذه التهمة الجاهزة ، فأتجنبها . ومع ذلك دعني أسألك قبل أن ننتقل إلى الخطوة التالية ، لحرب الردة : أليس هو ذات التوصيف ما يطلقه الإخوان وحلفاؤهم من تيارات الإسلام السياسي على رموز المعارضة في بلدانهم ؟ قال : لا أوافقك ، فما تقوله غير صحيح ، ولننهي هذه المسألة وننتقل إلى النقطة التالية .
حرب الردة :
قلت لمحدثي : كان خروج العديد من القبائل العربية ، على طاعة المدينة ، المعضلة السياسية الثانية التي واجهت حكم أبي بكر ، ومن اليوم الأول . اعترض محدثي وقال : لم يكن ما حدث حدثا سياسيا ، أي لم يكن خروجا على طاعة المركز ، وإنما كان ارتدادا عن الدين ، وهو ، أي الارتداد عن الدين ليس مسألة تتعلق بالسياسة . قلت : إذن لماذا اختلف المسلمون ، وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر ، على تشخيص الحالة ؟ قال : لم يختلف المسلمون كما تقول . وتساءل مستنكرا ومستغربا : وإذن في رأيك كيف كان ذلك الاختلاف المزعوم ؟ قلت : الإخباريات – كتب التاريخ والسير – قدمت نماذج أو أشكالا للردة وعلى النحو التالي : 1) قبيلة واحدة ،هي خثعم اليمانية ، عادت ونصبت صنمها – ذو الخلصة – ثم عبدته . هذه ارتدت عن الدين فعلا . 2 ) قبائل ظهر فيها من ادعى النبوة ، وأدخل بعض التغيير على طقوس الصلاة والأذان . 3) قبائل امتنعت عن إرسال ما جمعته من الزكاة إلى المدينة .4 ) وقبائل رفضت مبايعة أبي بكر بدعوى أن بطن تيم ، عشيرة أبي بكر ، أضعف بطون قريش ، هو أدنى نسبا ومكانة وشرفا من مكانتهم ومن قبائلهم . وهؤلاء أعلنوا أنهم كانوا سيبقون على طاعتهم لو أن الخلافة آلت لعلي ، أو لواحد من البطون الأرفع مكانة من بني تيم ، من بطون قريش . وأشكال الردة هذه كما ترى ، عدا الأول ، أسباب سياسية غير دينية . قال : يا رجل اتق الله ، هل تقول أن ادعاء النبوة مسألة سياسية ، وليست ارتدادا عن الدين ؟ قلت : انظر إلى ما فعل مدعو النبوة هؤلاء . صحيح أنهم جميعا زعموا أن جبريل يأتيهم ، لكن أيا منهم لم يخرج عن فكرة التوحيد . لم ينكر وحدانية الله ، ولم يدع إلى الشرك به ، كما لم ينكر نبوة النبي وأنه رسول الله . سجاح مثلا لم تفعل شيئا غير إضافة اسمها في الأذان ، والقول بأنها نبية الله . طليحة تجاوب مع شكوى قبيلته من ثقل الصلوات الخمس فخفضها إلى ثلاثة ، ملغيا صلاتي الفجر والعشاء . مسيلمة مستلهما تراثه وتراث قبيلته المسيحية ، قال بالصلاة وقوفا ، ملغيا الركوع والسجود . قال : عجبا ، وهل هذا قليل ؟ أليس هذا ارتدادا عن الدين ؟ قلت : لو تمعنت فيما وصلنا من مدعي النبوة هؤلاء ، لرأيت أنهم حاولوا ، لتثبيت زعامتهم لقبائلهم ، ومن ثم لتحمل عواقب خروجها على طاعة المدينة ، حاولوا تقليد النبي في كل شيء . حاولوا تقليده في سلوكه وعلاقاته مع الناس ، وحاولوا في مخاطبتهم لقومهم ، تقليد القرآن من حيث استخدام السجع في الكلام . وما وصلنا يشير إلى أنهم لم يقدموا لقبائلهم أية تعليمات ، ومن ثم أية تشريعات ، لنظم حياتهم وعلاقاتهم . وما وصلنا مما قالوا كان من السخف بحيث لا يجتذب أحدا للأخذ به . قال : يا رجل أليس التغيير في الصلاة وفي الأذان تغييرا في الدين ، وبما يصح تسميته بالردة والكفر ؟ قلت : لا أوافقك ، ومع ذلك دعنا لا نتوقف كثيرا عند هذه المسألة ، التي في رأيي كان يمكن حلها بالحوار والإقناع ، ولأسألك : ألم تكن جباية الزكاة ، وتوزيعها على فقراء القبيلة ، بدل إرسالها للمدينة ، تعبيرا عن موقف سياسي ، جوهره الخروج على طاعة المركز ؟ هل يمكن توصيف ذلك بأنه ارتداد عن الدين ؟ قال : يا رجل كان ذلك خروجا على جماعة المسلمين ، فإضعافهم . ألا يشكل ذلك في رأيك ردة عن الدين ؟ قلت : لكن لِمَ ، برأيك ، اختلف المسلمون في هذا الأمر تحديدا ؟ أبو بكر قال بضرورة التعامل معهم بالقوة ، بالحرب . جماعة المسلمين ذكرته بحداثة عهد هؤلاء بالإسلام ، الذي لم يستقر بعد في قلوبهم وعقولهم ، ومن ثم نصحوا بأخذهم باللين والإقناع . عمر وقف أمام أبي بكر متسائلا : علام نقاتل الناس ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها . أبو بكر ذَكَّرَ الصحابة بأن الصلاة والزكاة مقرونتان . وأنه إذا كانت الصلاة حق الدين فالزكاة حق المال . وأوضح للناس الجوهر السياسي لمسألة إخراج الزكاة وحجبها عن المدينة قائلا : والله لو منعوني عناقا – سخلة – في رواية ، وعقالا في رواية أخرى ، كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليها ، حتى يؤدوها . وأضفت : أنت لا شك تذكر أن الصحابة ، وفي مقدمتهم عمر ، لم يوافقوا أبا بكر في البداية ، مما اضطر أبو بكر لمخاطبة عمر بتلك الجملة الشهيرة " أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام ؟ " . قال : نعم ذلك صحيح .
قلت : إذن فإن أبا بكر ، لوعيه بأهمية التزام القبائل بطاعة المركز ، حتى تكون هناك دولة ، وحتى لا ينفرط عقد دولة النبي ، أصر على حرب الممتنعين عن توريد الزكاة للمدينة ، وعلى حرب من رفضوا طاعته ، بزعم أنهم أرفع منه ، ومن عشيرته ، بني تيم ، شرفا ونسبا . لكن واجهت أبا بكر وعمر والجميع ، معضلة تتعلق بالعقيدة ، وتتمثل في عدم جواز مقاتلة المسلم للمسلم ، وحسم الخلاف السياسي بالحرب . وكان الحل بتكفير الخارجين على طاعة الحاكم ، واستحلال دمائهم وأموالهم . والغريب أن هذا الحل جرى قبوله ، ثم تحول إلى قاعدة ، تم اللجوء لها فيما بعد ، في كل ما طرأ من حالات مشابهة .
اعترض محدثي ساردا سلسة طويلة من الأحاديث ، ومقولات العلماء والفقهاء تؤكد صحة صدور حكم الردة ، أو التكفير ، بحق الخارجين على طاعة الحاكم ، وفي الأساس الآية التي تقرن بين طاعة الله ورسوله وأولي الأمر . قلت : أظن أنه يفوتك ، أنت وكل المروجين لهذه القاعدة ، أكثر من حقيقة . أولاها أن اقتران الدين بالسياسة ، كما تقولون ، كان يفترض من التنزيل ، وهو صادر عن علام الغيوب ، والله كاشف لحجب المستقبل ، أن يقدم إشارة ، تلميحا ، لكيفية حل النزاعات السياسية بالطرق والوسائل والأساليب والآليات السلمية . ولك أن تتخيل عظمة الخدمة التي كان سيقدمها النظام الإسلامي للبشرية ، لو أن ذلك حدث . ثانيها أن المسلمين ، وهم لم يقعوا على إشارة في التنزيل ، ولم يسمعوا أي توجيه من النبي ، كان عليهم أن يجتهدوا ، مستندين إلى ثقافة عصرهم . وثالثها أن بعضا من الصحابة ، الذين تأثر وعيهم بتعاليم الدين ، طرحوا فكرة الصبر على مانعي الزكاة عن المدينة ، ورافضي إمرة أبي بكر استنادا للتقاليد ، ومعالجة المسألتين باللين ، أي بالسياسة . هؤلاء لم تقبل وجهة نظرهم ، ثم نزلوا على رأي أبي بكر . ورابعها أن رأي أبي بكر كان صحيحا تماما من منظور السياسة ، المقيدة بتراث وثقافة ذلك العصر . وخامسها أن تكفير الخصم السياسي ، واستحلال دمه وماله ، وسبي نسائه وعياله ، أزاح جانبا ، وإلى قرون عديدة قادمة ، قاعدة " ولا تزر وازرة ُ ور أخرى " . أي أنه – التكفير - كرس مبدأ هدر حقوق أساسية للإنسان . قال : إذا كنت قد سمحت لنفسي بالإنصات لك ، وحتى التفكير في النقاط التي طرحتها ، فإنني أستنكر وأحتج بشدة على النقطة الخامسة . وأضاف : أنت تعرف أن الإسلام سبق الأديان والعقائد الأخرى ، وكل الأفكار والعقائد الوضعية ، في مسألة حفظ حقوق الإنسان بالذات . يا أخي لماذا تماري في حقيقة أن الإسلام هو دين الحق والعدل ، والذي لا يضاهيه أي دين أو فكر آخر ؟ قلت : دعني أسألك : هل أطفال ونساء وشيوخ القبائل التي صدر عليها حكم الردة ، كان لهم دور ، يتحملون بموجبه ولو جزءا مما فعله الكبار ، سادة ورجال القبيلة ؟ ثم ألم تكن مسؤولية الرجال في ذلك الأمر غير متساوية ؟ قال : أظن أن ذلك صحيح . قلت : إذن لِمَ سرى ، ذات الحكم على الجميع ؟ وأين وجه الحق والعدل ، في سبي الأطفال والنساء وتحويلهم إلى عبيد ؟ قال محتجا : ولكن ذلك لم يحدث . قلت : ها أنت تماري في الحق . تنكر الحقيقة كما هي عادتكم . لأنك تربيت أن لا تفكر ، وأن لا تعرض موقف أي صحابي للنقد . يا أخي تقول وقائع تلك الحرب ، أنه إضافة لقتل عشرات ألوف المسلمين ، الذين اختلفوا سياسيا مع القيادة الجديدة للدولة ، وانتزاع ممتلكاتهم ، واغتنام أموالهم ، تم سبي ألوف مؤلفة من النساء والأطفال الذين تحولوا إلى عبيد . هذا غير الرجال الأسرى . وأسألك : أي هدر لحقوق الإنسان أعظم من نزع حرية وإنسانية فرد واحد ، وليس ألوفا كما حدث ، لا لشيء إلا لأن الأب ، الأج ، الزوج ، العم ، الخال ، الرجل ، اختلف مع الحكم ، عارضه ، خرج عليه ؟ ومستغلا دهشته ، وتحضيره لقذفي بسيل من الاتهامات ، قلت : هل تتخيل حجم ومدى الخدمة للإنسانية ، لو أن خلافة أبي بكر ، كسرت قواعد سياسة ذلك الزمان ، وقررت فرض قاعدة " ولا تزر وازرة وزر أخرى " ، وأسقطت مسؤولية الردة عن غير المسؤولين عنها ، وبالتالي أقرت وطبقت قاعدة جديدة تمنع سبي الأطفال والنساء ، وتقر لهم بعيش كريم ، رغم ثقل ذنب معيليهم ؟
أخيرا وقبل أن ننتقل إلى الموضوع التالي ، سألت محدثي : أليست قاعدة التكفير ، ورمي التهم بالإلحاد ، على من يوصفون بالعلمانيين والليبراليين والاشتراكيين ، التي يشهرها الإخوان المسلمون ، وتيارات الإسلام السياسي الأخرى ، في وجه معارضيهم ، هي ذات القاعدة السالفة التي قامت عليها حروب الردة ؟ قال : كل استنتاجاتك غير صحيحة ، والدين بريء مما تقول . قلت : لأنك معتاد على قبول التعاليم ، فإنك لم تستمع جيدا لما قلت . فأنا لم أتحدث عن الدين ، وإنما تحدثت في السياسة . السياسة التي حولتموها إلى دين . السياسة التي كانت اجتهادا لأصحابها ، ولم تكن دينا بأي حال ، والتي تكررون محاولات فرضها دينا في القرن الحادي والعشرين .
الفتنة الكبرى :-
وقلت لمحدثي : تعال ننتقل إلى أحداث الفتنة الكبرى ، والتي انتهت بمقتل أول وآخر خليفة منتخب في الإسلام ، وهو عثمان بن عفان . وإثر هزة من رأسه بالموافقة مضيت قائلا : أظنني لا أكون مخطئا أو مبالغا ، حين أقول أن أحداث الفتنة الكبرى دشنت عهود الصراعات السياسية الكبرى ، التي عصفت بسائر النظم الإسلامية ، والتي حملت نتائجها كوارث كبرى ، مازالت تتوالى في البلدان ذات الأغلبية المسلمة حتى يومنا هذا . وتابعت القول : وأن فشل المسلمين الأوائل في وضع قواعد سليمة ، سياسية وسلمية ، لحل هذا النوع من الصراعات ، كان المسؤول المباشر عن الكوارث التي وقعت فيما بعد . قاطعني محتدا : ها قد عدنا إلى الاتهامات . وصرخ : يا رجل لِمَ لا تتق الله فيما تقول ؟ قلت : تعال نحتكم إلى الوقائع وبهدوء ، ولنر بعدها من يتق الله ومن لا يتقيه . زفر محدثي وقال : على بركة الله ولنر آخرتها معك . قلت : كما أشرت كان الخليفة عثمان هو أول وآخر خليفة ومسؤول منتخب في كل التاريخ الإسلامي . قال : نعم . ذلك صحيح . قلت : وللتوضيح ، كان كل جمهور المنتخبين له مكونا من ستة أشخاص ، هم من بقي على قيد الحياة ، من العشرة المبشرين بالجنة ، أو مجلس قيادة الثورة الإسلامية بلغة عصرنا ، وكان عثمان واحدا منهم بالطبع . قال : وهذا صحيح أيضا . قلت : أما الذين أدلوا بأصواتهم فقد كانوا خمسة ، لتغيب طلحة . وحصل عثمان على ثلاثة أصوات مقابل صوتين لمنافسه علي بن أبي طالب ، وبالتالي فاز عثمان بفارق هذا الصوت الواحد . قال : ذلك صحيح أيضا . ولكن ماذا في ذلك ؟ قلت : جوهر الأمر هنا أن عثمان حصل على هذا الفارق بسبب تعهده بالسير على خطى سلفيه أبي بكر وعمر . ذلك كان برنامجه الذي تعهد بالتزام تطبيقه . علي خسر لأن برنامجه قام على أساس الالتزام بسيرة سلفيه ما وسعه ذلك ، وبالاجتهاد حينما يتطلب الأمر ذلك . قال : نعم مرة أخرى . ذلك صحيح .
قلت : وتُجْمع الإخباريات أن عثمان التزم ببرنامجه هذا في السنوات الست الأولى من خلافته . وبسبب ذلك حظي بحب الناس وولائهم . في السنوات الست التالية أخذ عثمان ينحرف عن برنامجه شيئا فشيئا . وأخذ حب الناس وولاؤهم ، يتناقص مع كل خطوة يخطوها عثمان بعيدا عن برنامجه . وبلغ الأمر في سنته الأخيرة – الثانية عشرة – أن تحول الحب إلى كراهية ، والولاء والثقة إلى الخروج عليه ، وذلك لأن انحراف عثمان بات كاملا عن برنامجه . وبلغ هذا الخروج حد انفضاض أغلبية الصحابة عنه . وكان أن وقعت أحداث الفتنة الكبرى التي تواصلت قرابة السنة وانتهت بقتله . قاطعني قائلا : بهذا لا أوافقك ، وأنت الآن تماري وتتجاهل الحقيقة . فالمسلمون لم ينفضوا عن الخليفة عثمان ، رضي الله عنه ، لأنه انحرف في حكمه عن سيرة سلفيه . لم ينفضوا لأنه انحرف عن الحق وارتكب الأخطاء كما قيل ويقال ، بل كان الانفضاض ، فالمعارضة ، بسبب تحريض ابن السوداء ، الملعون عبد الله بن سبأ . قلت : لستُ ناقص العقل حتى أصدق أن شخصا فقط ، بلغت ما بلغت قدراته ، نجح بمفرده ، وبوسائل ذلك الزمان ، في تحريض أهالي أمصار متباعدة ، مصر والكوفة والبصرة ، على تحريض المسلمين ، الصحابة وأبناء الصحابة ، ودفعهم للخروج على خليفتهم . وإذا ما قبلنا بتجميد العقل وشربنا مقولة أن ابن السوداء هو من حرض الأمصار ، توجب أن نسأل : ومن حرض أهل المدينة ، الذين يرون عثمان ويخالطونه ويصلون خلفه خمس مرات في اليوم ؟ هل كان ابن السوداء وراء سحب كل من عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله للثقة من عثمان ؟ وهل كان ابن السوداء هو من دفع عائشة للإطلال عليه في المسجد من نافذة حجرتها لتصرخ : هذا قميص محمد لم يبل بعد وأبليت سنته ؟ قال : أنت تماري في الحق من جديد ، ولا أدري ماذا أقول لك . أنت لا تذكر مثلا أن كثيرين من الصحابة بقوا على ولائهم له . قلت : صحيح ما تقول ، ولكن صحته نسبية . بمعنى أن الذين بقوا على ولائهم لعثمان كانوا هم أهله من بني أمية ، وعشيرته من المنتفعين منه . قال : يا رجل حرام عليك . هل يصح وصف صحابة من صحابة رسول الله بالمنتفعين ؟ قلت : لا تنحصر المسألة في يصح ولا يصح ، لأن التاريخ أمدنا بوقائع . ففي حقيقة الأمر كان هناك منتفعون ، ومنهم القائمون على بيت المال ، والذين كثرت عطايا عثمان منه لهم ولأهله والأقربين . وإلا كيف تفسر قبول الناس لاتهام عائشة له بالكفر ، وتحريضها عليه بالقتل ؟ قال : ذلك غير صحيح ومدسوس عليها وعلى المسلمين ، بدليل أنها بعد قتله قامت تطالب بدمه . قلت : ولكن الناس ذَكََّروها بما كانت تقول : اقتلوا نعثلا فقد كفر . والنعثل هو الشيخ الخرف ، وفي رواية أخرى هو الضبع ، فردت : قلت وقلت وقولي الأخير خير من قولي الأول . وأضفت : هذا رأي لعائشة وموقف سياسي بامتياز . رأي وموقف أَهَّلا عائشة لقيادة الخروج السياسي على الخليفة ، علي ، ثم أهلها لقيادة الخروج العسكري عليه ، في موقعة الجمل .
تشعب نقاشنا حول هذه الفرعية ، ولم نتفق . وعدت لأقول : دعنا نعود ونركز على المسألة الأساس ، على الجوهر . قال : أليس ما نتجادل فيه هو الأساس والجوهر ؟ قلت لا ، هو تفاصيل قد نتفق وقد نتخلف عليها ، تبعا لحجم قراءاتنا ومعارفنا . قال : بلهجة تحمل من السخرية أكثر مما تحمل من الجد : وما هو الجوهر حسب رأيك ؟ قلت : الجوهر ، أو المسائل الكبرى التي طرحتها الفتنة الكبرى، تتمثل في الأسئلة التالية والتي كانت إجابتها ستنعكس إما سلبا ، وإما إيجابا ، ومنذ ذلك الوقت المبكر ، على مسيرة البشرية كلها . عاد إلى السخرية قائلا : أتحفنا يا سيدي . قلت : الأسئلة هي : 1 ) هل التفويض للخليفة المنتخب هو تفويض من ناخبيه أم تفويض من الله ؟ 2 ) وهل يملك الناخبون حق سحب أو إلغاء هذا التفويض أم لا ؟ 3 ) وهل التفويض مطلق أم مقيد بأداء الشخص المنتخب ؟ 4 ) وهل من واجب المنتخب الحرص على الالتزام بعهوده أم يمكنه نقضها وعدم الوفاء بها ؟ 5 ) وهل التفويض للعمر كله أم لمدة تحددها قدرة المنتخب على أداء وظائفه ورضا الناس عنه ؟. وقلت لمحدثي هناك بالطبع قضايا أخرى طرحها الوضع آنذاك ، وتضاربت وتناقضت الإجابات عليها . قال : أنت تحاكم ذلك الماضي البعيد بمفاهيم العصر الحديثة ، وهذا لا يجوز . ضحكت وقلت : ألستم أنتم من يقول بصلاحيتها لعصرنا ؟ قال : سأتجاوز ملاحظتك وأسأل : كيف تضاربت إجابات أهل ذلك العصر عليها ؟. قلت : من وصفوا بالثوار ، وسار معهم أغلبية الصحابة ، قالوا أن تفويض الخليفة كان من الناس ،وليس من الله ، وبالتالي كان من حق الناس مراجعة الخليفة ، وإلزامه بالتراجع عما لا يرضيهم من تصرفاته وقراراته . وقالوا أن واجب الخليفة أن ينزل على إرادتهم ، ومن ثم التنازل عن الخلافة ، ما دام غير قادر على الاستجابة لمطالبهم . من جهته قال الخليفة والمحيطون به أن انتخابه هو تفويض من الله ، ينفي حق الناس في المحاسبة ، ويلزمهم بالطاعة بغض النظر عن أداء الخليفة . ومن ثم يلزمه الواجب بالتمسك بالمنصب إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا . قلت : ورغم أن مجتمع المسلمين اجترح آنذاك مأثرة الحوار ، والبحث عن حل سلمي للخلاف ، إلا أن تمسك الخليفة والمحيطين به بموقفهم ، أوصل الحوار إلى طريق مسدود . ولم يتبق من فرصة ، للخروج من ذلك المأزق ، إلا الرجوع لطريق العنف ، الذي انتهى بقتل الخليفة . وسألت محدثي أخيرا : أليس ذلك بالضبط ما يفعله الرئيس مرسي الآن ؟ ألم يقل أن تفويض الصندوق له هو تفويض من الله ، وليس من الثلاثة عشر مليونا الذين انتخبوه ؟ وألا يقول أن ليس من حق الناس عليه مراجعته في أفعاله ؟ وألا يطالبهم بحق الطاعة كانت ما كانت عليه إدارته من السوء ؟ وألا يطبق ذات الفعل بتكفير المعارضين له ، وبالتالي يصغي إلى تحريض أهله وعشيرته على البطش بهم ؟ واغتناما لحالة الذهول التي سيطرت على محدثي سألته منهيا هذه الفقرة من الحوار : هل يمكنك أن تتخيل حجم الخدمة ، حجم المساهمة في دفع البشرية على سلم الحضارة ، لو أن عثمان استجاب لطلبات التنحي ، ودشن قاعدة فض الخلاف السياسي بالحوار والاتفاق ؟ وهل يا ترى دار بذهنك ، وحاولت أن تتصور ، حجم الجرائم التي تكاثرت في كل العهود والنظم الإسلامية ، استنادا إلى موقف عثمان ذاك ، وقاعدة الحكم التي أرساها حل ذلك الخلاف بقتل الخليفة ؟
الحرب الأهلية :
وبعد أن انتهينا من مرافعة محدثي في الدفاع عن مواقف الإخوان في مصر ، وحوارنا حولها ، قلت : تعال ننتقل إلى خلافة علي ، والحرب الأهلية التي دارت رحاها آنذاك ، وطحنت عظام عشرات الآلاف من الصحابة . وأضفت : أنت ولا شك تعرف أن الثورة على عثمان ، هي من حمل علي إلى كرسي الخلافة . أي وصل علي إلى مقعد الخلافة بطريقة مخالفة تماما لطرق وصول أسلافه الثلاثة إليها . المهم هنا أن علي وعى ، أدرك ، ومن اليوم الأول ، أن الطريقة التي جملته إلى مقعد الخلافة ، أفضت إلى وجود معارضين لها . وأدرك ، ومن اللحظة الأولى ، أن عليه أن يجد طريقا مقبولا للتعامل معهم . لم تقتصر المعارضة على بني أمية ، عشيرة عثمان ، ولا على أتباعهم والمنتفعين من خلافة عثمان . خرج عليه أقرب الناس إليه . الزبير وطلحة اللذان اعتصما معه في بيته معترضين على خلافة أبي بكر . ومثلت عائشة رأس هؤلاء المعترضين . رد محدثي على سؤالي : نعم ذلك صحيح . قلت : اختار علي طريق الحوار والإقناع مع المعترضين . وحتى حين ظهرت نوايا الزبير وطلحة بالخروج إلى مكة ، بدعوى أداء العمرة ، لم يعترضهما . أهمية ذلك تكمن في أن علي اتبع ، في العلاقة مع المعترضين ، أو المعارضين ، طريقا مغايرا لطريق سلفيه أبي بكر وعمر . فعندما تخلف علي عن مبايعة أبي بكر ، جاء الاثنان ، وأحاطا بيت فاطمة ، بيت علي ، وأنذرا من فيه بالخروج ، وهددا بحرقه عليهم . احتج محدثي مقاطعا : هذا غير صحيح . هذه كذبة شيعية استهدفت تشويه سيرة الخليفتين ، وتبريرا لاستهدافهما بالسب والشتم وحتى التكفير . وأضاف : وأنا أستنكر استشهادك بمثل هذه الأقوال المنافية تماما للحق وللعقل . قلت : ألم يعلن أبو بكر وهو على فراش الموت ندمه على ما وصفه بكشف بيت فاطمة ؟ سكت محدثي ثم عاد ليكرر ما قاله . قلت : ليست هذه الواقعة هي ما يهمنا هنا . ما يهمنا أن علي قرر أن لا يضغط أو يعترض طريق معارضيه . قرر محاورتهم ، فإما أن يقتنعوا ويعودوا عن مواقفهم ، أو أن يواصلوها ، لكن بوسائل سلمية . سأل محدثي : وكيف ذلك ؟ قلت : هو أعلن أنه لن يرفع سيفا على أحد إلا مضطرا . بمعنى لن يجبر أحدا على مبايعته ، ولن يقاتله إلا إذا بادأه الآخر بذلك . قال ، والدهشة تبدل كل ملامحه : وهل طبق ذلك ؟ قلت : نعم فعل . آنذاك بعث من يحاور عائشة ، ويذكرها بمواقفها من التحريض على عثمان ، ومواقف علي المعارضة لذلك ، ومن يحاور طلحة والزبير . ولم يقتنع أي منهم بإقصار معارضته على الجوانب السلمية ، رغم هشاشة مواقفهم . وتركهم علي ولم يعترض طريقهم . وحتى حين جاءته الأخبار بأن عائشة ومعها الزبير وطلحة ، وجماعة من بني أمية ، وعلى رأسهم مروان بن الحكم ، يراسلون القبائل ، ويتأهبون للخروج إلى البصرة ، رفض الاستجابة لدعوات اعتراضهم . وبعد أن تطورت الأمور ، واضطر هو إلى الخروج إلى الكوفة ، وبعد المذابح التي وقعت في البصرة ضد مشايعيه ، واصل نهج الحوار مع عائشة . وفشل الحوار . وكانت معركة الجمل التي قتل فيها طلحة والزبير .
واللافت في نهج علي أنه وهو يلجأ للحسم العسكري ، بعد فشل الحوار ، رفض قاعدة تكفير خصومه . سواء أكان هؤلاء الخصوم عائشة وقادة ومحاربي معركة الجمل ، أم معاوية ومشايعيه من أهل الشام والمناصرين . طبق علي على الحرب القائمة على الخلاف السياسي ، قواعد الحرب الأهلية . وقضت هذه القواعد ، بعد رفض واستبعاد التكفير ، رفض الاستيلاء على أموال ، وسبي أسر ، الخصوم كغنائم . وفقط سمح بأخذ أدوات الحرب ، السلاح والخيل والإبل كغنائم . وفي البداية قبل أتباعه ذلك . ولما طالت الحرب وازدادت مشاقها ، أخذوا في التذمر . قالوا : أحل لنا دماءهم وحرم علينا أموالهم ونساءهم . وقلت لمحدثي : أظنك تعرف كل ذلك . قال : نعم أعرف ، ولكن ، وبصراحة ، لم أكن أضعها ، أو أنظر لها بهذه الصورة . قلت : وإذن تعرف أن معاوية حين سمع بتذمر مقاتلي علي ، أرسل لهم من يستميلهم بالمال ونجح في ذلك . قال : نعم أعرف ذلك أيضا . قلت : الأمر الآخر المهم تمثل في تشكيل أول تنظيم سياسي معارض في الإسلام . ذلك التنظيم الذي عرف بالخوارج . احتج محدثي قائلا : ولكنه لم يكن تنظيما سياسيا . كانوا مجموعة خرجت على جماعة الإسلام ، على علي وتابعيه ، وعلى معاوية وتابعيه . قلت : ذلك صحيح ، بمعنى خروجهم على الطرفين . لكنهم رفعوا لخروجهم شعارا أو قاعدة الحاكمية لله ، وليس للبشر ، ومن ثم كفروا علي ومعاوية وجماعة المسلمين الآخرين . وأيضا رفضوا القاعدة التي تحصر ولاية أمر المسلمين في قريش . قالوا أن من حق أي مسلم كفؤ أن يتولى أمر المسلمين ، أي أن يكون خليفة . ورغم أن المرء الآن لا يملك إلا الإقرار بتقدم فكرة الخوارج تلك ، لكنه لا بد أن يلاحظ عجزهم عن إيجاد آلية لتطبيقها . وما يهمنا هنا أن علي واصل نهجه في محاولة التعامل مع الخلاف السياسي الجديد هذا ، بوسيلة الحوار . بعث لجماعة الخوارج ابن عمه عبد الله بن العباس . ثم قام هو بمحاورتهم . ومن جديد ورغم قوة حججه وهشاشة مواقفهم رفضوا الانصياع لمنطق العقل . وقلت لمحدثي : أظنك تذكر تعبيرهم عن دهشتهم من علم علي بقولهم : لله دره ما أفقهه ، أو ما أعلمه . المهم أن علي صبر عليهم ، رغم علمه بتكفيرهم له ، وبتكفيرهم لجماعته ولجماعة المسلمين . وفقط تحرك حين بدأوا بمهاجمة وترويع المسلمين ، وبسبي النساء واغتصابهن وقتلهن . بعدها قاتلهم وكاد أن يفنيهم .
قلت : وأعود لأشير لو أن هذا الحزب السياسي الأول في الإسلام ، استجاب لنهج علي ، واختار طريق العمل السياسي السلمي ، لكان قدم للإسلام وللمسلمين وللبشرية خدمة يعجز المرء عن توصيف مزاياها وتأثيرها على تطور الحضارة . لكن الخوارج ، متأثرين بثقافة عصرهم ، اختاروا طريق المواجهات العنيفة ، ونجحوا في قتل علي ، وإسقاط منهجه كله .
وقلت لمحدثي : وقبل أن نختم هذه الجولة من الحوار أسألك : ألا تقرأ في سلوك الإخوان ، وجماعات الإسلام السياسي المتحالفة معهم ، ذات مواقف الخوارج ؟ قال : بالعكس فالإخوان هم من يعرضون الحوار ، والمعارضة هي من يرفض . قلت : ولكن ألم تر في عروضهم سمات الحق الذي يراد به الباطل ؟ وألا ترى أنهم في كل خطوة يستلهمون ذلك الماضي الذي لم يجلب للناس غير المآسي والكوارث ؟ قال : لا أوافقك وأنت هنا تجانب الحقيقة . وطال حوارنا حول هذه النقطة ، ولنتفق في الختام أن تكون موقعة كربلاء وما حفلت به من أحداث ، وما حملته من دروس ، موضوع حوارنا القادم .



#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار أملاه الحاضر 12 الشريعة وتطبيق الحدود ....الجنايات 2 حد ...
- قراءة في ثورة الشباب المصري 18 الإخوان ودولة الخلافة
- حوار أملاه الحاضر 11 الشريعة وتطبيق الحدود حد الجنايات 1
- حوار أملاه الحاضر 10 الشريعة وتطبيق الحدود ملك اليمين والمجت ...
- حوار أملاه الحاضر 9 الشريعة وتطبيق الحدود ....زنا الإماء
- حوار أملاه الحاضر 8 النبي وتطبيق حد الزنا
- حوارأملاه الحاضر 7 الشريع وتطبيق الحدود حد الزنا 2
- حوار أملاه الحاضر 6 الشريعة وتطبيق الحدود ....الزنا (1)
- حوار أملاه الحاضر 5 الشريعة وتطبيق الحدود ....الخمر
- حوار أملاه الحاضر 4 العورات بين المجتمعي الإنساني والرباني
- حوار أملاه الحاضر 3
- حوار أملاه الحاضر 2
- حوار أملاه الحاضر
- عفوك يا سماحة المفتي 3
- خطوة للأمام ... عشر للوراء
- عفوك يا سماحة المفتي 2
- تسونامي إسلامي يضرب جامعة بيرزيت
- يافخامة الرئيس لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديمو ...
- قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 17 اختطاف الثورة قبل الأخ ...
- عفوك يا سماحة المفتي هذه ليست مساواة


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد حمدان - حوار أملاه الحاضر 13 الشريعة وتطبيق الحدود ...حد الجنايات 3 حد الحرابة 2