|
كلّ حرب لها شائعة معروفة
نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 4076 - 2013 / 4 / 28 - 11:46
المحور:
الادب والفن
فحش موتنا ..
ما أعطي لنا في الماضي ، أشياء فقيرة نفنيها في الزمن الذي لا يروّض ولا يمكن الصلح معه والتفاؤل به . نزن مرضنا في غياب الحدس ، والألم لا يتواني في تكهّنه للحظة التي نقارب فيها كرهاً العشاء مع السأم ، وفي محاباتنا لمن خدعونا بين بخار السنوات ، نذعن لعطاياهم المجرّدة من الرحمة ونقتصد بالاساءة الى أفعالهم الشرّيرة . ما يجيئنا به العيد ، يتحجّر في رغباتنا المكبوحة ، ويهدّدنا نسيم العالم في سعينا الى تحرير ما نخفيه . ميول كثيرة نبعدها عن اللايقين ونخلد الى الراحة في البرهة التي يترصدنا فيها الذئب . لا عار في ما نضيّعه في الظهيرة ولا نستردّه مرّة أخرى . كلّ مجد لا يجدي الفاني ، والعصور حانية على نصيبها من فحش موتنا .
كلّ حرب ولها شائعة معروفة ..
جاءهم العدو وبناتهم يحلجن القطن في الريح النائحة بين الأشجار . ضد العدالة ، يظهر ما هو أعمق من انتقام طروادة ، وحلفنا لليمين أمام الأبنية التي دفنّا فيها الغرقى ، يمدّنا بقوّة نرعب فيها الأعداء . لا نتمنّى قتلهم خارج أسيّجة حقولنا ، لكنّنا ننقض على دوابهم ونجردهم من التوافه التي غنموها في الماضي . كلّ حرب ولها شائعة معروفة ، وما يطويه النسيان في الجرح الذي لا يلتئم ، يغزل ثياب موتنا في كلّ آنٍ . ما نبذره في تحرّرنا من الترصّد الدائم الى أولئك الذين يوجّهون سهامهم صوب ندى ربيع أرضنا ، يجنّبنا الاذعان الى ما يّسُرّ الجثة في خصامها مع النسيم في الظهيرة . إحصاء القتلى بخيلاء ، فعل غير سديد وشاذ عن ما نود أن نجنّبه عبء التحايل على القانون . يشحب وجه البطل في الشجرة التي تغمرها هزيمته ، والتنعّم بالراحة بين نجوم السنة ، رغبة منوطة بما نتجافاه في ذهابنا الى النوم .
المخلّص ...
أسبغوا علينا نعمة عظيمة وأبحروا بما سلبوه منّا في الصيف . مراكبهم التي حمّلوها بنذورنا وحلي أطفالنا ، أرهقها ميزان الشمس ونغّصت عليهم راحة البال ، أسرارنا التي بقيت في حوزتنا . علم اجتماع الوقار ، يبيح لنا أن نتظاهر بالعِيِّ ونحنُ نسدي المعروف لرجال الله اللصوص . أجناس كثيرة أضلَّها انتظارها للمخلّص ، والمخلّص هو ذاته من يحتاج الى البشرية في الرأفة به ، ورفع الغبار المتراص عن مصيره . مهما يكن البرهان ، يبقى الخبز والنكاح والنوم ، أفضل للمرء من الترقّب المحموم للوهم والأفياء المغلوطة . ما يشدّنا الى الفردوس في وفاقنا مع حنوّ الطبيعة ، تخلّصنا من نقائص جنسنا المنفصل عن حلمه . أبواب متهورة ندخلها ونفرط في سجننا لذواتنا . تفسّخ طويل يغذّي فزعنا من العوالم الأخرى وخيّرها الشعائري .
مرثية بغداد ...
يهاجر عرب الشمال في الصيف الى بغداد المريضة الجميلة ، ويحضرون معهم أمتعتهم القليلة وترياقهم وآلهتهم التي تُحمل على الابل . شعوب أخرى تهاجر مثلهم الى الأرض المعطاءة . أرمن . بلوش . أكراد . تركمان . هنود . غجر . كلّ شعب تعلو وجوه أفراده سيماء النبل والعزّة ، لكن عرب الشمال الذين تدرّبوا طويلاً على الغزو واشتهروا باللصوصية ، يكسّرون آلهتهم على الرمل الأحمر لشواطىء دجلة ، ويتحالفون مع أشباههم ضد الشعوب التي تعيش معهم . أشياء فظيعة تشقى بها بغداد وتبكي في الليل على القتلى والعشّاق الذين غرقوا في ندى الآبار . نسيمها الآن ضريح ترقد فيه الصواري ، ولا نيزك يشعل الشرارة في الكهوف . لصوص الدراما الذين جاءوا بإرثهم السياسي المتهتك ، يتدفقون على الشكاية من الآخرين ويقتلون ما لا يحصى منهم ، وأفعالهم تشذ عن طيّبة الصبية العروس . كلّ شيء يتحول الى خراب ، ويتم في النهاية إرشاد العدو الى المسالك الخطرة . منغصات كثيرة بعد الحرب ، والمغول الذين يقتلون الجميع ويسبون أولادهم ونسائهم ، لا يفرقون بين التبن والتراب . يهدمون المعابد ، يحرقون الحدائق وينهبون دار الوثائق والمخطوطات ، ويشعلون النيران في نهار المتحف . الوقحون في تجنّبهم لأوراد ونجوم الاخوة ، يهدّمون الهدنة دائماً ويدأبون على كلّ ما يطري تدميرهم للزمالة ، وكلّ شيخ أخرق ، ينجذب في صلاته الى صنوه .
27 / 4 / 2013
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سهرنا في الريح مع الملُقّنين
-
اطراء العفّة
-
قسمتنا من الإرث
-
في تنفيذنا مشيئة الموتى
-
ما يتعاقب في أحلامنا
-
قصر حياته مع الأغلبية
-
تماثل طقسي
-
قبل الطوفان وبعده
-
فتائل الهاوية
-
الاطاحة بالمراثي
-
في إنشاده لموته
-
ما يجاوز يأسنا
-
ما كُنّا نخفيه عن الموتى
-
مطالبهم في البرّية
-
المنحدرون من هاوية الحرب
-
دفن القتلى
-
الرسو في آبار اليوم
-
ما يتجلَّى في المفازات
-
شُعل الديمومة
-
الممالك المتعادلة للطبيعة
المزيد.....
-
أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم
...
-
تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
-
هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف
...
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|