أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهير المصادفة - مكانى الأول














المزيد.....

مكانى الأول


سهير المصادفة

الحوار المتمدن-العدد: 4042 - 2013 / 3 / 25 - 14:52
المحور: الادب والفن
    



ما الذى يجعل مكانًا بعينه ماثلاً أمام أعيننا طوال حياتنا، ندور حوله، ونسبر عمقه فى أيامنا، ونتذكر أدّق تفاصيله، وتنتابنا الرعدة نفسها خوفًا أو حبًّا أو حنينًا له!! تتكاثف رائحته رغم توغله فى الزمان، وتتقاطع ظلاله فوق رؤوسنا وتنبعث من أرجائه موسيقى خاصة تظلّ تترددُ فى فضاءِ مسائنا وإذا ما استمعنا إلى ما يُشبهها فجأة حتى إذا كنا فى الهند أو السند أو بلاد الواق واق، نتوقف فى الحال عن السير إذا كانت خطواتنا تغز السير نحو سباقٍ ما، ونصحو من نومنا الهانئ إذا ما كنا نيامًا ونتأمل هذا المكانَ الأوَّلَ الذى يقفز فوق لحظتنا ناصعَ الوضوح.. قد يكون هو كل ما تبقى من سنواتنا الأربع الأولى.. مجرد جدار قديم معلقة عليه صورة زعيم يتداعى منها لون أسود تتشحُ به إذ فجأة البلاد ــ ولا نفهم آنذاك لماذا ــ وتنبعث منها ترنيمة خافتة وشجية إلى أقصى الحدود، وعلى الرغم من أن ملايين الجموع ترددها إلا أنها تغيبُ فى همسٍ آسرٍ.. الوداع يااااجمال ياحبيب الملايين.. الوداع.
وقد يكون المكان الأوَّل ــ الذى تبقى فى الذاكرة من حفنة سنوات ــ بيتًا في بورسعيد هدّمته دانةٌ غاشمةٌ فظلّت حوائطه المحترقة تُطل علينا من آن إلى آخر حتى ونحن نُغير بيوتًا وفنادق فى أرجاء المعمورة لا حصر لها.
وقد يكون المكان الأوَّل شبرًا فى بحر ما لا نتذكر سواه لأننا فيه حملقنا فى الموت للمرة الأولى وجهًا لوجه، وألقينا أمامه أولى جُملنا الصامتة بثقة منقطعة النظير: أنت نفسك تعرف أن الأوان لم يحنْ بعدُ. سنظلُّ نرى هذا الشبر من الماء ونستمعُ إلى هديرالأمواج الممتزج بهمهماتِ المُصطافين التى تأتينا من بعيد.
وقد يستحيلُ حِجرجدّة عجوز إلى مكانٍ لا يُنسى.. نطيرُ منه إلى آفاق لن نستطيعُ بلوغها فيما بعدُ قطُّ مهما حاولنا، ونقابل فيه ملائكة تُساعد الفقراء ومَنْ ضربت عليهم الوحدةُ خيمتَها الثقيلة والمطعونين فى محبتهم، ونتمنى أن تختفى من العالم الجنيات اللاتى لا يسترحن أبدًا إلا إذا فرقنَّ بين الحبيبين، ونتابعُ منه شمسًا تبتسمُ لعَبَّادها الذى لا يكلُّ ولا يملُّ من النظر إليها، ونرى بوضوح أوراق بردى تعبرُ أجملَ أنهار العالم وعلى متنها عذراواتُ جميلاتُ رضينَ أن يكن زوجات خالدات له.
قد يكون هذا المكان أسفل شجرة وارفة ارتحنا تحت جذوعها من كلِّ صروف الحياة، ونسينا فى ظلّها الحنون الماضى والحاضر والمستقبل وانقطعت جميع الأصوات البشرية عنّا، وكدنا أن نستمع إلى موسيقى الكون صافية تمامًا لا تشوبها شائبة فناجينا الله واستجاب لنا فى دقائق سديمية ستظلُّ مميزة لدينا.
كثيرة هى الأماكن الأولى التى حفرت دون شك خريطتها الواضحة فى أرواحنا وجعلتنا نكتشف مَنْ نحن ومَنْ سنكون تحديدًا ولو بعد تسعين عامًا، هذه الأماكن الأولى أبتْ أن يجرفها النسيان أو تشوشها أمكنةٌ مُتشابهات، وظلّت أمام ملايين الدقائق المُتعاقبة تُكرر بهدوء: ها أنا أمارس خلودى الخاص.



#سهير_المصادفة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عاصمة ثقافية
- غرفتى الأولى
- -بيت الديب- وفِتنة السرد فى رواية الأجيال
- كأنه يعيش
- يكاد الأدب أن يكون متمردًا
- -عبد المنعم رمضان- وحنينه العاري
- إلى الكاتب المصرى
- طيب يا حلمى
- اليونانُ.. هنا تعيشُ الآلهة
- تاء التأنيث
- إلى محمد عفيفى مطر
- مانهاتن .. مدينة المرايا
- ميس إيجيبت الفصل الثاني عشر والأخير
- ميس إيجيبت الفصل الحادي عشر
- ميس إيجيبت الفصل العاشر
- ميس إيجيبت الفصل التاسع
- ميس إيجيبت الفصل الثامن
- ميس إيجيبت الفصل السابع
- ميس إيجيبت الفصل السادس
- ميس إيجيبت الفصل الخامس


المزيد.....




- التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
- الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي ...
- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر
- -المعرفة- في خدمة الإمبريالية والفاشية والاستبداد
- روزي جدي: العربية هي الثانية في بلادنا لأننا بالهامش العربي ...
- إيران تكشف عن ملصق الدورة الـ43 لمهرجان فجر السينمائي
- هوس الاغتراب الداخلي
- عُشَّاقٌ بَيْنَ نَهْرٍ. . . وَبَحْر
- مظهر نزار: لوحات بألوان صنعاء تروي حكايات التراث والثقافة با ...
- في حضرةِ الألم


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهير المصادفة - مكانى الأول