أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - التجربة والإبداع الأدبي















المزيد.....

التجربة والإبداع الأدبي


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 4035 - 2013 / 3 / 18 - 12:28
المحور: الادب والفن
    



تعد التجربة الذاتية، ركناً مهماً في الإبداع الأدبي، أياً كان نوعه، سرداً وشعراً في آن، ولا يمكن الاستغناء عنها البتة، أو الكتابة في غيابها، ولعلنا نجد أن هؤلاء المبدعين الكبار ذوي التجربة الإبداعية الواسعة، قادرون على إنتاج نصوص تمتلك شروطها الجمالية والفنية والرؤيوية، كاملة، كما أن ضحالة التجربة تلقي بأذيالها على العمل الإبداعي، أنى بدت، وإنه من الممكن أن يقوم الدارس، أو حتى القارئ الحذق باكتشاف عمق النص الأدبي، أو عقمه، من خلال سبر أغواره وتفكيكه، إذ إن النص الذي يقدمه مبدع ما ذو مراس ودربة مع عالم الإبداع، سرعان ما يقدم أوراق اعتماده إلى متلقيه، كي يمارس سطوته، بيد أن النص الذي يقدم في المقابل من قبل ناص ذي تجربة إبداعية متواضعة، سرعان ما تكتشف نقاط ضعفه من قبل مثل هذا القارئ الخبير .
والتجربة المطلوبة بالنسبة إلى الكاتب، لا تنحصر في علاقته مع الإبداع الأدبي فحسب وإنما هي ذات وجوه متعددة، منها التجربة الذاتية، أو الحياتية، ومنها استلهام تجارب الآخرين، ومنها التجربة الأدبية، وتتجلى في عالم التلقي، والتفاعل مع نصوص الآخرين، إضافة إلى تجربة ممارسة الكتابة، وهي مهمة، وإن كل كاتب لديه الكثير من الذكريات الشخصية مع عملية الكتابة، بدءاً من النص الأول في حياته، وانتهاء بآخر نص قد يكتبه الآن .
وتتجلى التجربة الشخصية لدى الكاتب من خلال خبرته الحياتية، في اكتشاف الذات والآخر، انطلاقاً من محيط أسرته، ومروراً بالحي، والمدرسة، والمدينة، وليس انتهاء بفضاء عالم العمل، حيث إن كل ذلك يتحول إلى مادة أولية في خزان الذاكرة، يتكئ عليها، وينطلق منها في قراءة الشخصية الإنسانية، لاسيما أن الحياة تعجّ بالشخصيات المتناقضة، التي لا حصر لها، إذ نحن أمام نماذج هائلة منها، لا يمكن رصدها أدبياً إلا من خلال التوغل في لجة الحياة، واستقراء السلوك الإنساني، وهو ما يعتمد عليه المسرحي والروائي والقاص، على نحو خاص، وإن كان لا يوجد مبدع ما في أي مجال إبداعي إلا ويستفيد من استقراء فضاءات الشخصية الإنسانية، والإحاطة بها بهذا الشكل أو ذاك .
وما دمنا هنا توقفنا عند أحد العناصر المهمة، الفاعلة، في النص الأدبي، فإننا نلمس في نصوص أدبية كثيرة أن هناك كتاباً مبدعين يقدمون الشخصية، وهي تنبض بالحياة، سواء اتفقنا معها أو لم نتفق، حيث إنها تفرض سطوتها في ذات المتلقي، ولعلنا نتذكر شخصيات كثيرة في أعمال أدبية خالدة، إلى الدرجة التي قد يخيل إلى بعضنا في لحظات ما، أنها شخصيات من “لحم ودم”، وقد سبق أن التقينا بها، ومررنا بها، بيد أن كثيرين منا صدموا في بعض الأعمال “الأدبية” بشخصيات ضحلة، خاوية، غير مقنعة، لا تتعدى أن تكون من “حبر وورق”، لا حياة فيها، ولا تأثير لها البتة في نفوسنا، وهي تنم عن هشاشة التجربة الحياتية لصاحب مثل هذا العمل الأدبي .

وللتجربة الذاتية دور مهم في النتاج الأدبي، إذ إن الخبرة الحياتية للإنسان تعد ركيزة مهمة في تنشئة ثقافته الأولى، وهي تظهر منذ أن يفتح كلتا عينيه على الحياة، وتستمر على امتداد شريط سني عمره، إذ إن الذات كراسٌ مفتوحٌ، تدون فيه خلاصة التجربة الحياتية، لتكون رصيده الأكبر، وهو قادر على الانتفاع منه أكثر كلما كان تفاعله مع لحظته الحياتية أكبر،لأن البشر مختلفون في درجة انتفاعهم من تجاربهم الشخصية، إذ إن هناك من تبلغ درجة تفاعله مع العالم المحيط به أعلى المستويات الممكنة، بيد أن هناك من ينحدر مستوى تفاعله مع المحيط إلى الحضيض .
وقد تكون هناك حادثة واحدة، تجري على مرأى مجموعة كتّاب، إلا أن طريقة تفاعل كل منهم تكون على حدة، حيث هناك من يستطيع أن يتفاعل معها مباشرة مقدماً رؤيته تجاهها، بيد أن هناك من قد يكون تفاعله معها أقل مستوى، بيد أن هناك من لا يستطيع فك أبعادها، وتجسيدها فنياً، بالشكل المطلوب، وهكذا، فإننا في ما لو استقرأنا نتاجات هؤلاء الكتّاب حول الحادثة المذكورة، لتأكدنا كيف أن للعامل الفردي دوره الخاص في العملية الإبداعية .
وبدهي، أن أية خبرة ذاتية وحياتية وكتابية، أن لا مستقبل لها البتة، في ما لو بقي صاحبها قارة معزولة عن سواه، إذ إن التواصل مع الناس، ومعايشة تفاصيل حيواتهم أمرٌ في منتهى الضرورة، حتى وإن كانت هناك قراءة غير مباشرة لهذا المحيط، لأن حواس المبدع لابد من أن تغوص عميقاً في التقاط ذبذبات يوميات محيطهم، والعالم، وأن “تُشحن” بدفء هذه اللحظات في أحلامها، وإنجازاتها، وتطلعاتها، وانكساراتها، كي تتمكن من إعادة إنتاجها في قالب إبداعي، يعد إعادة خلق للحياة، في أحد تعريفات الإبداع الأدبي .
ولا ننسى أن مثل هذه المعايشة اليومية للحراك الحياتي، لا يمكن أن يكون معيناً كافياً لتشكيل نواة تجربة إبداعية لدى الكاتب، بل إنها بحاجة ماسة إلى أن تقرن بالثقافة العامة، من فلسفة، وفكر، وفن، وإبداع، إذ على الكاتب أن يقرأ نتاجات سواه من الكتاب، في المجالات كافة، سرداً ونثراً، لأن مثل هذه التجارب الأدبية الفكرية، تشكل رافداً ثراً لا بد من النهل منه، باستمرار، ولعل انقطاع الكاتب في سنّ محددة عن التواصل مع نتاجات الآخرين يظهر بجلاء في كتاباته التالية، وإنه من السهل اكتشاف انحدار مستوى الإبداع لدى بعضهم، في ما لو تخلوا عن الأعمدة الرئيسة التي استندوا إليها خلال نتاجاتهم الإبداعية السابقة، وفي هذا ما يدل على أن التجربة الذاتية تظل غير قادرة على تهيئة الحالة الإبداعية لدى الكاتب، ما لم تكن الأشكال الأخرى من التجربة متكاملة في لحظة الكتابة .

من هنا، فإن تجربة الكاتب، حتى وإن بدت غير ملموسة شأن أدوات الكتابة وعناصر النص الأدبي إلا أنها تشكل ما يمكن وسمه ب”روح” الإبداع، بل هو العمود الفِقري في العملية الإبداعية، وهي بهذا المعنى متواجدة في كل أداة وعنصر على حدة، إلى الدرجة التي لا يمكن أن ننظر إلى فضاء أي نص إبداعي من دون تجربة صاحبه، وهي إما تجربة غنية، أو فقيرة، متسطحة، ضحلة، عجفاء، وذلك وفقاً للإمكانات التي يمتلكها الكاتب .

إن الكاتب أكثر من يستطيع تأصيل تجربته، وذلك من خلال الانغماس في صلب حياة الناس، ومعاينتها، من دون أن ينعزل عنها، معتكفاً على ذاته، وأدواته الكتابية، إضافة إلى ضرورة متابعة تجارب سواه من المبدعين، محلياً، وعربياً، وعالمياً، حتى تكون نتاجاته الإبداعية في المستوى الذي يروم، والذي ينتظره المتلقي، ويجدر بأن يذيله بتوقيعه الشخصي .

[email protected]



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النص المفتوح
- جمالية الفكرة
- بيبلوغرافيا الكاتب
- أسئلة أبي العلاء المعري الكبرى
- على عتبة العام الثالث للثورة السورية:ثلاثية المثقف/ الثورة/ ...
- ثورة الصورة الضوئية
- ثقافة الاعتذار
- بين لغتي السرد والشعر
- أسئلة اللحظة2
- رأس أبي العلاء المعري
- العصرالذهبي للشعر
- سري كانيي: من بوابة الثورة إلى بوابة الفتنة- ومفرقعات منع رف ...
- أنا والآخر
- خصوصية الرؤية
- سري كانيي/رأس العين غموض الجليِّ وجلوُّ الغموض
- غموض النص الشعري
- نداء عاجل إلى الأخوة في حزب العمال الكردستانيpkk:
- كتابة في دفاتر-سري كانيي/رأس العين-2-3
- كتابة في دفاتر-سري كانيي/رأس العين
- سري كانيي امتحان الوطنية الأكبر..!


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - التجربة والإبداع الأدبي