أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - وهيبة... تسالي المصاطب














المزيد.....

وهيبة... تسالي المصاطب


محمود عبد الغفار غيضان

الحوار المتمدن-العدد: 4029 - 2013 / 3 / 12 - 18:31
المحور: الادب والفن
    


وهيبة... تسالي المصاطب

تغزل من صبر السنين فتيلاً للمبة الجاز الصغيرة التي تتحرك بصحبتها كلما همت بفتح باب دارها العجوز... تنتظرُ مرور فراشي المدرسة الابتدائية بنتائج الناجحين لتحصل على بعض كتبهم ودفاترهم دون مقابل كي تصنع منها قراطيس لب عباد شمسها الذي تؤنس ليل المصاطب... تنثر اللب على الحصير بساحة الدار لأنها لا تقوى على طلوع السطح... ليس لكبر سنها وإنما لأن ساتر البوص المعلق بين السماء وحوائط الدار ما كان له أن يحمل أكثر من بعض حمام الجيران أو عصافير بهجة الصباح... بعد تمام جفاف اللب... تضعُ أعواد الحطب بجوف الفرن... تمسح بخرقة بالية مبللة بلاطته السوداء المستديرة... ترش الملح بمقدار معلوم وتتأكد من ملامسته لغلاف كل حبة منه حتى تكتسب مذاق أصابعها الطيبة... تفرشه بدقة على البلاطة بعد أن تخمد النار... ثم تتلو كل تعويذات الصحة والعافية على أبدان آكليه في أنشودة خاصة تنتهي كل مرة مع آخر ما تنضجه البلاطة... تتأني في وضعه على حصير الصالة بحيث تكون لكل حبة مساحة مناسبة بين أخواتها كي لا يتسبب صهد الحرارة الخارج منها في إفسادها...

تبادلها حبات اللب الحديث عن كل شيء... عن الذي يملأ جيبه بها قبيل جلوسه فجرًا بانتظار دورة الري... عن ذلك السائر وحده مع أشعة الغروب إلى القرية المجاورة ليزور بيت خطيبته مخاطبًا كل حبة... مستودعًا إياها أغلى أسراره دون حاجة إلى أية لغة على الإطلاق... فحركة أصابعه مع حبات اللب بين سيالة الجلباب وفمه كانت تتكفل بمهارة شديدة بهذا الأمر... عن الجالسين فوق المصاطب يتسامرون... يشاغبون أكواب الشاي التي لا تفرغ أبدًا... يسخرون من أنفسهم حد الموت من الضحك ليحصلوا على تأشيرةٍ لسخريةٍ من الآخرين ستسافر قبيل النوم إلى كل بيوت القرية قبل أن تختزنها ذاكرة "كباش" من كتل طين عفيٍّ كانت تحرس البيوت على مشارف النواصي... تضحك وهيبة... تضحك حبات اللب حتى تكاد تقفز دون صهد البلاطة متخيلة ذلك الطفل الصغير الذي يحاول عبثًا نزع القشرة عن الثمرة الناضجة فيقرر أن يبتلع الحبة كلها... لم يكن قد عرف بعد نكهة أصابع وهيبة الخاصة... لكنه بلا شك كان قد أدرك أن ذلك الليل المراوغ الذي يسوِّد كل بياض النهار في طرفة عين يخرج من بين قراطيسها الساحرة حتى يستولى بهدوء على كل الأرجاء... تستريح وهيبة عندما ينام الليل وتستريح معها كل المصاطب... وعندما يبلغ الليل منتهى النوم العميق... يستأذنه البياض ليكمل دورته الأزلية دون صراع يذكر... فيبدأ كل شيء بالحركة من جديد... العائد من دورة الري... المستيقظ بعد لقاء الخطيبة متكاسلا عن غسل يديه بالماء بعد أن لمستها يد الحبيبة وهي تقدم له كوب الشاي في حضرة أمها... المتسامرون على المصاطب متجهين إلى الغيطان يلقون التحية على الجميع غير عابئين بامتزاجها بصدى التثاؤب الذي يفرض على أشعة الشمس كسلاً مدهشًا فتظل باردة لساعات عدة قبل أن تشتد حرارتها... الطفل الصغير بانتظار "قرصة" أمه المحشوة بالعجوة قبيل الإفطار... وحدها قراطيس اللب الباقية تسكن على حصيرة الصالة المجاورة لجسد وهيبة الصغير المتكوم كجذور بعمر مئات السنين تلمس كل قشرة لب ملتصقة الآن بأرض القرية... تستيقظ وهيبة وتمارس طقوسها الاعتيادية بانتظار المساء... تجلس قرابة الباب... تفتحه كلما دقه طارق... تعطيه ما يريد من القراطيس... تضع النقود المعدنية في كوب الصفيح وقد علمها صوت قرعها قاع الكوب فن تحديد هويتها... ثم تعاود الاتكاء بركنٍ دافئ ملاصق لعتبة الدار بانتظار القادم التالي... وهكذا تستمر حركة كل شيء بإيقاع مسائي متميز حتى ينام الليل من جديد.

محمود عبد الغفار غيضان
مجموعة "زمن المصاطب"
12 مارس 2013م



#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العم -توفيق-... خواجة من زمن المصاطب.
- أبو رجل لم تكن مسلوخة
- تلصصُ الوداع
- بورتريهات الدهاليز 1- - أبانا الذي في منيل الروضة-
- تلصص على حين غرة
- تلصص ٌخاص...
- صاصا .. آخرُ بوحِ المصاطب
- كُتَّاب الشيخ عبد الواحد
- المتلصص 4
- رجلٌ بألف ...
- أوبرا المصاطب
- المُتَلصَّص-3
- -أُسُودَه... أُسُودَه-
- لوحاتٌ ورجلٌ من زمن المصاطب
- صد رد 2- (دهاليز عالم ثالث)
- المتلصص-2 (دهاليز عالم ثالث)
- المُتَلَصَّص: -دهاليز عالم ثالث-
- صدّ ردّ (دهاليز عالم ثالث)
- غيبوبة صراحة
- جوابات الشيخ -برهيم-


المزيد.....




- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم
- صحوة أم صدمة ثقافية؟.. -طوفان الأقصى- وتحولات الفكر الغربي
- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب
- الفيلم الفلسطيني -الحياة حلوة- في مهرجان -هوت دوكس 31- بكندا ...
- البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج ...
- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - وهيبة... تسالي المصاطب