أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - أوبرا المصاطب














المزيد.....

أوبرا المصاطب


محمود عبد الغفار غيضان

الحوار المتمدن-العدد: 3978 - 2013 / 1 / 20 - 21:05
المحور: الادب والفن
    


أوبرا المصاطب

زمنُ "مصاطبي" لم يمنح أحدًا اسمًا حقيقيًّا سواها... عايدة... أجمل بنات الحارات الخلفية المشرفة على المقابر... رغب فيها الكثير من الموسرين شابة متأنقة بملابس الفلاحات التقليدية التي كانت تكشف السيقان وبعض مناطق خجلة حول الصدر آنذاك... لكنَّ منديل الفقر كان قد وضع يدها بيدٍ مِن طينة الشقاء نفسها حاملين تعويذة جلبِ الأطفال دون عدٍّ بمجرد أنْ يغلق الشيخ دفتره وسط زغاريد مألوفة... لتفتح الحياةُ بانضابط دورات الريَّ فوقهما بعض سدود كدرها المتجدد كلَّ تسعة أشهرٍ بالتمام والكمال... ثم تحجب دون رجعةٍ وجهها المليح عن الجميع... في غرفةٍ لا تختلف كثيرًا عن أكواخ الفلاحين البسطاء النابتة كشجرة "أم أيوب" التي أتت الغربانُ على أغصانها عند مدخل القرية، وفي بيتٍ غريب لا يجرؤ أحدٌ على الاقتراب منه... عاشت شبابها الذي لا يمكن من باب المجاملة وصف بعضه بالحلو.... بيتٌ تعجزُ كل المجازات التي تعلمتها عن رسمه... فكل مجازاتي عنه وعنها قد عصبتْ رأسها ثم جلست وراء "الطوف" المجاور للترعة بانتظار أحد المارة كي يضع صفيحة همِّ الحقيقة الثقيلة على رأسها... لا يميز ملامح البؤس التي تخطفت أجزاء جسدها تباعًا سوى بطنها المنتفخ بأولادٍ لا ميزة بينهم كذلك سوى القدرة على احتمال الجوع...

كفان وظهر متقوسٌ كانا كل رأس مال زوجها في الحياة... جاب الأرض بحثًا عن رغيفٍ يمكن ادخاره لموائد الزمن العجاف... فتعلمت حملَ الأقفاص مِن المدينة المجاورة مطلع الصباح الباكر... تفترش مصطبة بيتنا طيلة اليوم لتبيع ما اشترته بالأجل... لا تعرف سوى الأحد والجمعة؛ السوق الكبير، والعودة إلى البيت قبل المساء، بعد أن تنفد كل بضاعتها فور خروج الناس مِن الجامع العتيق بعد الصلاة... أما بقية الأيام فتمرُّ كعجوز تنأى الأرض عن حمله فلا يكاد يُرى له حركة قط... ظلَّ وجهها مليحًا طيلة الوقت... تنتقي بجدٍ بسمة لم يكتمل نضجها أو ضحكةً كادت أنْ تدهسها يدٌ الزبائن بسطح القفص وتزين بها جبهتها المتعبة... وفي جوف الألم... تقلد بعض المماطلين بإتقان ممثلة محترفة... تفكُّ كروبَ المحزونين بضحكة مموهة، لتعلمهم بذكائها الفطري كيف يضعون عنها بعض أحمالها.... كان يكفي لأقرب عين ترى دموعها أن تسألها السبب بنبرة صوت الجدة "ألوف"- إحدى شخصياتها المحببة - لتبادله ضحكًا يودُّ تقسيط الألم لموعد دينٍ يقينيٍّ من بنكٍ أقرضها دون حساب كل إيقاعاته الاعتباطية مِن الوجع.

محمود عبد الغفار غيضان
مجموعة "زمن المصاطب"
21 يناير 2013م



#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المُتَلصَّص-3
- -أُسُودَه... أُسُودَه-
- لوحاتٌ ورجلٌ من زمن المصاطب
- صد رد 2- (دهاليز عالم ثالث)
- المتلصص-2 (دهاليز عالم ثالث)
- المُتَلَصَّص: -دهاليز عالم ثالث-
- صدّ ردّ (دهاليز عالم ثالث)
- غيبوبة صراحة
- جوابات الشيخ -برهيم-
- زمنُ المصاطب
- صداقة بالتبغ!
- سلة مهملات
- -أبو فرحان-
- -تَوبة-
- حقيبة أمي
- غُرزَة المعلم -منظور-
- قدمانِ مألوفتانٍ جدًّا
- -الحاجة-.. -أم محمود- و..- لقب آخر محبب-
- مشاهد غير متقطعة لطفولة غيضانية
- مشاهد من طفولة غيضانية: مشهد داخلي


المزيد.....




- فيلم جديد يرصد رحلة شنيد أوكونور واحتجاجاتها الجريئة
- وثائقي -لن نصمت-.. مقاومة تجارة السلاح البريطانية مع إسرائيل ...
- رحلة الأدب الفلسطيني: تحولات الخطاب والهوية بين الذاكرة والم ...
- ملتقى عالمي للغة العربية في معرض إسطنبول للكتاب على ضفاف الب ...
- لأول مرة في الشرق الأوسط: مهرجان -موسكو سيزونز- يصل إلى الكو ...
- شاهين تتسلم أوراق اعتماد رئيسة الممثلية الألمانية الجديدة لد ...
- الموسيقى.. ذراع المقاومة الإريترية وحنجرة الثورة
- فنانون يتضامنون مع حياة الفهد في أزمتها الصحية برسائل مؤثرة ...
- طبول الـ-ستيل بان-.. موسيقى برميل الزيت التي أدهشت البريطاني ...
- بين الذاكرة وما لم يروَ عن الثورة والانقسامات المجتمعية.. أي ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - أوبرا المصاطب