أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - -أُسُودَه... أُسُودَه-














المزيد.....

-أُسُودَه... أُسُودَه-


محمود عبد الغفار غيضان

الحوار المتمدن-العدد: 3975 - 2013 / 1 / 17 - 19:38
المحور: الادب والفن
    


"أُسُــــودَه... أُسُـــــودَه"

لم أره يمشي... بل لم أرَه واقفًا قط... كان كهلاً قعيدًا يُشكِّلُ جسده المتكوم تكوينة صلصالٍ لأسدٍ نزع عنه مجهولٌ ما إلى غير رجعة كلَّ مخالبه... لا يبرح عتبة داره الداخلية أمام منزل جدي ليل نهار... فقدت ذاكرتي الكثير من تفاصيل الحكايات المرعبة... لكني أتذكر جيدًا أنه مع "أبو رجل مسلوخة" و"العفريت" و"البعو" كان مِن الذين تم ترويعنا بهم للنــــــــــوم... لم أعرف اسمه الحقيقي ولم أهتم بمعرفته أبدًا... ذات مرورٍ مرتعدٍ أمام داره... أمرني جدَّي ألا أجري، وأنْ أناديه بــ" أُسُـــودَه... أُسُـــودَه"... كنتُ واثقًا أنَّ ذلك المشهور جدَّا بخفة ظله- جدِّي- لا يداعبني بخبثٍ إلى درجةِ إرسالي لألقى حتفي مأكولاً بطريقةٍ بشعةٍ تخيلها رأسي الصغير في سيناريو وحيد فرضته هيئة الرجل وشكل فمه المُكدَّس بالأنياب فحسب... اقتربتُ بمسافة تسمح لساقيَّ بركوب الريح أنَّى شئت... نظرتُ في عينيه بوجلٍ لم تنجح كل خبرات الطفولة في دفنه بأكوام تراب الغائط وراء حائط الجامع الخلفي القريب... وبوضع نصف وقوفٍ ونصف جري تجرأتُ ورميتُها أمامه: "أُسُـــودَه... أُسُـــودَه"... على الفور... فتح فمه باتساعٍ أخرسَ كلَّ ملامحي... لكنه ترك بعض حركةٍ باهتة لعينيّ فغاصتا في أبعد منطقة مظلمة بحلقه بحثًا عن نيران "مَنْقَد" الجِنِّيَّة التي كانت تأتي من المقابر ليلاً... وفي طِينٍ غارق في لزوجة الهلع... غاصت قدماي حتى الركب... كانَ النبضُ هو أول ما بدأ الهرولة استعدادًا للفرار ولو على حسابي... وكان آخر ما شاهدته على مشارف الغياب عن الوعي هو حركة إطباق فكيه بقوة رهيبة منحتْ صوت اصطكاك أسنانه صدى مسموعًا بوضوح... كرر الحركة ذاتها مرة ثانية.... ثم... بهدوء أعاد كل شيء بسرعة البرق إلى سيرته الأولى... ومبتسمًا نظر إليَّ... ثم أشاح بوجهه بحيث لا يراني... وغرق في صمته المعهود... علَّمه المارة أنَّ هذا الأداء يسعدهم... فقرر ألا يحرمهم منه قدر استطاعته... ثم برع في التمثيل حتى نسي قاموسه أية كلمات أخرى غير "أُسُـــودَه.. أُسُــــودَه"... . بكلِّ أدبٍ تركتُه وحيدًا... وبأدبٍ أحلى تركني وحدي أستعيد وضع ملامحي الطبيعي... منتشيًا بالتخلص مِن إحدى شخصياتِ رُعب حواديتي... للأبــــد.

محمود عبد الغفار غيضان
مجموعة "زمن المصاطب"
17 يناير 2013



#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لوحاتٌ ورجلٌ من زمن المصاطب
- صد رد 2- (دهاليز عالم ثالث)
- المتلصص-2 (دهاليز عالم ثالث)
- المُتَلَصَّص: -دهاليز عالم ثالث-
- صدّ ردّ (دهاليز عالم ثالث)
- غيبوبة صراحة
- جوابات الشيخ -برهيم-
- زمنُ المصاطب
- صداقة بالتبغ!
- سلة مهملات
- -أبو فرحان-
- -تَوبة-
- حقيبة أمي
- غُرزَة المعلم -منظور-
- قدمانِ مألوفتانٍ جدًّا
- -الحاجة-.. -أم محمود- و..- لقب آخر محبب-
- مشاهد غير متقطعة لطفولة غيضانية
- مشاهد من طفولة غيضانية: مشهد داخلي
- دهاليز عالم ثالث
- أم فرحات (من حكايات غيضان الحكيم)


المزيد.....




- كيف تُغيّرنا الكلمات؟ علم اللغة البيئي ورحلة البحث عن لغة تن ...
- ما مصير السجادة الحمراء بعد انتهاء مهرجان كان السينمائي؟
- وفاة الممثلة الإيطالية ليا ماساري عن 91 عاما
- البروفيسور عبد الغفور الهدوي: الاستشراق ينساب في صمت عبر الخ ...
- الموت يغيب الفنان المصري عماد محرم
- -محاذاة الغريم-... كتاب جديد في أدب الرحلات لعبد الرحمن الما ...
- -أصيلة 46- في دورة صيفية مخصصة للجداريات والورشات التكوينية ...
- -نَفَسُ الله-.. هشاشة الذات بين غواية النسيان واحتراق الذاكر ...
- جبل كورك في كردستان العراق.. من خطر الألغام إلى رفاهية المنت ...
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - -أُسُودَه... أُسُودَه-