أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - لوحاتٌ ورجلٌ من زمن المصاطب














المزيد.....

لوحاتٌ ورجلٌ من زمن المصاطب


محمود عبد الغفار غيضان

الحوار المتمدن-العدد: 3973 - 2013 / 1 / 15 - 17:45
المحور: الادب والفن
    



لوحةٌ أولى:
كانت رجولته مُقنعة وأخاذة، وكان صوته شديد التميز، له قامة معتدة بطولها وانتصابها، وقوام عداءٍ يحترف جلسة بهيئة الكاتب المصري لم أرها لسواه... بنقودٍ كثيرةٍ حملت علامة مائية لشكوكٍ أكدتها الأيام...؛ اشترى كلَّ المهابة التي عُرضت في سوق الأحد الذي جمع كل القرى والعزب المجاورة آنذاك... ثم راح يمارس طقوسَ الاستمتاع بالتجبر دون خشية أحدٍ إلا الله تعالى... بل إن هذا الاستثناء يمكن بترجمة أنيس عبيد "وضعه على المحك"... أمام بيته، كلما حلَّ العصر، يفترشُ حصيرًا بلاستيكيًّا لم تألفه البيوت المجاورة، دون أنْ تفارقه عُلب طارد الذباب والناموس الغريبة.... ينتقلُ إلى الداخل مع أقرب أذان للصلاة... وتدريجيًّا يكبُرُ صخبٌ تتكدس به الجنيهات الخطرة بأكياسٍ من القماشِ يميزها هلالٌ عند قاعها... أكياسٌ كانتْ تأخذ كل اتساخ شقاء الأصابع محاولة إبعادها عن أوراق عُملةٍ علَّمتها ظروف الفقراء ممارسة أبشع رذائل الهرولة أو أخبث حيل الاختباء فلا تحضرُ ولو بالمندل...
لوحةٌ ثانية:
أمام كل البيوت، وعلى مصاطب التواصل الاجتماعي بتعبيرنا اليوم، وعند كل حلقة "سيجه"، وحول طلمبات المياه، وعلى جُرُفِ الترعة الصغيرة حيث تغسل النسوةُ الجالسات لوقتٍ طويلٍ بعض الملابس والمواعين؛ صارَ موضوع الحديث الأوحد... حسده البعض ومجَّده... لعنهُ آخرون... واكتفى فريق ثالثٌ بنصحه بأضعفِ الإيمان مخافة بطشه... خطوة خطوة نصبَ الرواة المتعددون حوله "طوفًا" أحسنت شائعات مضفورةٌ بالقليل من الحقائق مزج طينه بقش الأرز كي يتحمل كل اتكاءات الحواديت ونعاسها عليه... بعد وقتٍ غير قصير... كان موكبُ زيارته الأول بسجنٍ المحافظة القريبة مِن فصيلة مواكب وزراء هذه الأيام... عددٌ كبير من سيارات البيجو مختلفة الألوان متكدسة بالناس والأطعمة ورزم السجائر.... اصطفت جميعها على الكورنيش بالقرب من سور المحبس الضخم حتى حانَ موعد الزيار... فتسابق الكلُّ إليه.
لوحةٌ ثالثة:
ورثتُ بلاغة القص مع شالِ جدَّي... وفيه درستُ كيف أختزنُ التفاصيل وأنقل العبارات كما قيلت وبالإيماءات نفسها التي صاحبتها في الأفلام أو الحياة... أنتظر الآن على بعد عدة مترات من عالم أسطوري يكفي لآلاف الحكايات الليلة لأصحابي... عالم ملون بأزرق الملابس والوجوه وأسود أسياخ الحديد حول كل شيء... سأمزج بعض حقائقه بما يجود به خيالي وسيصدقني السامعون الصغار دون حاجة للقسم بالبخاري الموجود بديوان جدنا العمدة... ومع ذلك... وحدي بكل السياراتِ الكثيرة انتظرتُ أكثر من ساعتين لأني لم أجرؤ على مغامرةٍ لم أكن قد أتممتُ الاستعداد لها... لم أكن من النوع الشغوف برؤية الأسود منزوعة المخالب... نعم كان أسدًا أحبُّ رؤيته من بعيدٍ... لمْ يكن معه في القرية إلاه... وقد كان ذلك كافيًا.. وقت أنْ كان الكل يحتمي وراء المئات من بطون العشيرة.... كان يليق بمقعد العمودية وتليق حقًا به... لكن الفقر أجلسه ملكًا بسلطنة المزاج التي لم يُسمع أنها نبذت فقيرًا مغامرًا مثله قط... كانت كل الأفكار عن سر اختياره لهذا العرش بالذات مزعجة، لكن الأكثر إزعاجًا خلال انتظاري كان تخيُّل بعض الأعين الشامتة وهي تثقبُ إلى غير رجعة أجمل ما لفَّ حول جسده النحيل من كرامته ومهابته الفريدة.
لوحةٌ رابعة وأخيرة:
تنقضي المدة تلو المدة، يذهب مرغمًا ويعود حرًّا... وفي كل مرةٍ تخضب جبين حفاوة استقباله عفاريت كسلٍ يعشق رش تثاؤبات لا تتعب فوق رؤوس العواجيز الجالسين بمنتهى ظل جدران الشوارع للتشمس... يصبح رجوعه أمرًا عاديًّا ما عدا الرجوع الأخير، فقد كان خاصًّا جدًّا... كان قد تجاوز السبعين... تجاوز كل لحظات الوحدة والشقاء وعاد ليجد الكل بانتظاره في مشهدٍ غير متكرر بالنسبة له... لا صوت عند مدخل القرية المزدحم بالناس سوى أصوات الحديث عنه... تصل السيارة... يُفتحُ بابها الخلفي... يتسابق الجميع نحوه... يحملونه عن طيب خاطرٍ على أكتافهم... يبدأ موكبُ التحركُ الطويل على الفور ليمتد من موضع وقوفِ تلك السيارة إلى أن يبلغ.... دون اعتراضٍ لأحد.... المقابر!

محمود عبد الغفار غيضان
مجموعة "زمن المصاطب"
15 ديسمبر 2013م



#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صد رد 2- (دهاليز عالم ثالث)
- المتلصص-2 (دهاليز عالم ثالث)
- المُتَلَصَّص: -دهاليز عالم ثالث-
- صدّ ردّ (دهاليز عالم ثالث)
- غيبوبة صراحة
- جوابات الشيخ -برهيم-
- زمنُ المصاطب
- صداقة بالتبغ!
- سلة مهملات
- -أبو فرحان-
- -تَوبة-
- حقيبة أمي
- غُرزَة المعلم -منظور-
- قدمانِ مألوفتانٍ جدًّا
- -الحاجة-.. -أم محمود- و..- لقب آخر محبب-
- مشاهد غير متقطعة لطفولة غيضانية
- مشاهد من طفولة غيضانية: مشهد داخلي
- دهاليز عالم ثالث
- أم فرحات (من حكايات غيضان الحكيم)
- مِن نسْلِ غيضان الحكيم


المزيد.....




- قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - لوحاتٌ ورجلٌ من زمن المصاطب