محمود عبد الغفار غيضان
الحوار المتمدن-العدد: 3970 - 2013 / 1 / 12 - 15:56
المحور:
الادب والفن
جدُّك الفريد
6- كانَ جدُّك يغار على زوجته بشكل جنونيِّ... يضعُ لوحين من الدقيق الأبيضِ على عتبةِ الدار كلما غدا أو راح... لم يكتفِ أبدًا بهذا الحصار... فكانَ كثيرَ الابتكار في التنكيل بها حبًّا كما أشيعَ آنذاك... تبنَّى قبل مصلحة السجون بعقود مقولة إنَّ الزوج "إصلاحٌ وتهذيب"... وكان الدقيقُ المنثور على تلك العتبة كفيلٌ بإصلاح جدتك ومن تسول له نفسه الاقتراب من الباب العتيق على مشارف الغيطان... اعتاد أنْ يضعَ علامةً عند منتهى سطح العسل الأسود بالصَّحن بعد فراغه من الفطور... وفور عودته من الغيط ظهرًا... يتفرس حافة الصَّحن ثم يقرر إنْ كان سيرمي السلام أو يدقُ طبول حربٍ بين طرفين تعجزُ أية معادلة رياضية عن وصف عدم التكافؤ بينهما بدقةٍ... هنا على وجه الخصوص يبدأ "التهذيب" الذي كانت للحظاته متعتها الخاصة... كان كلما همَّ بعقابها انتقامًا لخدشِ حياء العسل... يقف في ساحة الدار "كما ولدته أمه"... يركلها... يلكمها... يستمتعُ بترنحها يمنة ويسرة دون توقفٍ... يسمع الجيران صراخها المتكرر... ثم... حرجًا أو خجلاً... لا يجرؤ أحدٌ أنْ يخطوَ فوق العتبة باتجاه الذَّود عنها.
حفيدُ التلصُّص السابق
7- ما زلتُ أتحدثُ إليك... فتلصص وحيدٌ لا يليق بك... بمحضِ الصدفةِ ذات ولوجٍ طفولي لصالة بيتكم المتهالك بحثًا عن الكرة في تفاصيل لا يهم ذكرها الآن... رأيتُ أربعَ صوامع كبيرة بالأركان تبلغ جريدَ السقفِ المنسدلِ على فلقاتِ النخيل المتداعية شديدة السواد... يسترُ كلاَّ منها طَبَقٌ من السعف باتساع فتحتها... وبأسفلها طاقة صغيرة مكتومة بقطعة باليةٍ مِن القماش... عندما سألتك عنها... أقنعتني أنَّها مملوءة بأرباع الجنيهات الورقية تحديدًا... وأنَّ أمك تفتحها كل صباح كي تعطيك المصروف قبل الذهاب إلى المدرسة... لم أرَ معك غير الخمسة قروش المعدنية قط... ومع ذلك... أقنعتك دائمًا أني أصدق حكايتك تلك لأنَّ الأمر كان يسعدكَ ويحفظ هيبة صداقتك عندي... الشيء الوحيد الذي كان يزعجني... هو أنَّك كنتَ دائم التغني بذكائي دون محاولةٍ واحدة لجبرِ خاطري بالاعتراف بأنَّ الصوامع كانت مليئةً... بالعملات المعدنية فئة الخمسة قروش فحسب!!
وفي التلصص بقية
محمود عبد الغفار غيضان
12 يناير 2013م
#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟