|
التحرش والثقافة
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4013 - 2013 / 2 / 24 - 17:06
المحور:
ملف التحرش الجنسي ضد المرأة في الدول العربية - بمناسبة 8 آذار/ مارت 2013 عيد المرأة العالمي
التحرش والثقافة في شبابي الاول ، وكان ذلك منذ زمن بعيد ، اذكر أن النساء والفتيات لبسن التنانير القصيرة ،وشاركن في العمل السياسي الوطني من مظاهرات ، محاضرات وندوات ، والتي كانت في غالبيتها مشتركة ، والتي لم تكن مقتصرة على الشيوعيين وحدهم ،بل نظمت هذه الفعاليات قوى وطنية وقومية ويسارية اخرى . لا اذكر أن امرأة او فتاة اشتكت من تعرضها لتحرش جنسي ، رغم أن علاقات عاطفية تطورت بين الجنسين ، علاقة كانت مبنية على الرغبة والمشاعر المتبادلة . طبعا لم ترض هذه النشاطات المشتركة اوساطا معينة في المجتمع ، الاوساط التي اعتقدت أن "الاختلاط " سيؤدي الى الاباحية والفسوق والكبائر. ومع ذلك ،فقد سادت ثقافة تنويرية ، ترى في المرأة جناح طائر لا يستطيع المجتمع بدونه "الطيران" والتقدم ، لقد رأت هذه الثقافة في المرأة شريكا فاعلا وفعالا في بناء مجتمع على قدر كبير من المساواة . وحصل ما حصل ، وكان من "ثمار" الحرب الباردة انتشار وتشكل حركات الاسلام السياسي ،التي شقت طريقها " على" جثة "حقوق المرأة ومساواتها . فقد دعت حركات الاسلام السياسي الى الالتزام بعدم الاختلاط واتهامه بأنه السبب الرئيسي في نشر ثقافة "الفسق والفجور" المستوردة من الغرب "المنحل " اخلاقيا ، ولكي نحافظ على اخلاقنا وعاداتنا وديننا ، فلا بد لنا من اتباع "التعاليم" الدينية المقدسة ، والتي اعظم مظاهرها الجلباب "الاسلامي " ، الذي يحفظ شرفنا وعزتنا . لكن لم تنفع وسائل الاقناع مع الكثيرات ، فكان لا بد من استعمال الارهاب ، وكان كافيا التحرش جنسيا بعدة فتيات ، والقاء سوائل حارقة في وجه مجموعة اخرى من السافرات ، لبث الرعب في نفوس الاهل وبناتهم وتغطية الرؤوس وسائر اعضاء الجسد ، اتقاء لكارثة قد تقضي على مستقبل فتاة او عائلتها . ورويدا رويدا عادت وترسخت في الاذهان ، مقولة أن جسد المرأة مدعاة لاثارة الغرائز الجنسية المقموعة عند الذكور "الفحول" ، ولا بد من تغطيته درءا للمفاسد . أن تشكل او اعادة تشكل وعي جمعي ليس بالمهمة السهلة ، ولكن ليس بالمستحيلة ، وقد نجح انصار اعادة تشكيل الوعي الجمعي في احياء بنى ذهنية "متأصلة" في الشيفرة الجينية للمسلم العربي . لقد كان من السهل وبأدعاء ، الحفاظ على الشرف ، منع الاناث من الخروج الى اماكن عمل خارج "حمى القبيلة " او خارج حدود القرية او المدينة ، والتي هي اصلا تعاني من نسبة بطالة عالية ، مما عنى قعودها في البيت تحت رحمة الذكور وفي انتظار "صدقاتهم ". أما الدراسة الجامعية فقد اصبحت مستحيلة تقريبا أمام الفتاة ، لأنها لا تستطيع المبيت خارج البيت ، ومرة اخرى بدواعي الشرف والعرض . وهكذا ، كان التحرش وبشكل واع ، ممنهج ومبرمج اداة في ايدي قوى سياسية تطمح للسيطرة على مقاليد الامور . لم يكن في حسبان هذه الحركات السياسية ،ان تتحول الاداة التي استعملتها لاهداف سياسية ، انية ومرحلية الى نمط سلوكي مجتمعي عام .ولو ارادت ان تقضي عليها فلن تستطيع ذلك ، لأن "المارد قد خرج من القمقم" ، او بمعنى اخر ، فأن التثقيف على ان المرأة عورة كلها ، التثقيف على أن المرأة تثير الغرائز ، التثقيف على أن المرأة جسد ووعاء لافراغ الشبق والطاقة الجنسية الذكرية ،التثقيف على أن الشرف محصور بين فخذي الانثى ، التثقيف على أن الذكر ضعيف لا يمتلك نفسه اذا رأى انثى ،التثقيف على أن الاختلاط اباحية ، والسفور زنى وفجور ، التثقيف على أن الانثى تخرج مرتين في حياتها من بيت اهلها الى بيت بعلها ومنه الى القبر ، يؤدي الى ترسيخ الفكرة بأن من تخرج من بيتها لا بد وأنها تريد ان يتحرش بها الذكور . هذه الثقافة ، هي السبب في انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بالنساء ،فكلما "زادت" وتيرة" تذنيب " المرأة وتحميلها مسؤولية ما يجري لها "خارج بيتها "، كلما زادت صلافة ووقاحة المتحرشين واستسهالهم لموبقاتهم !!!! ولكن تكتيك التحرش ما زال مجديا عند بعض حركات الاسلام السياسي لتخويف المتظاهرات ، والصغط على اهاليهن ،لمنعهن من الخروج على "ولي الامر " الذكر !
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاعتداءات الجنسية كوسيلة للانتقام
-
الاعتداءات الجنسية ليس لها دين
-
موت الفقير -قصة من الواقع
-
هل انتهت الصهيونية حقا ؟
-
فيليباستر سلفي متواصل
-
المؤمنون بين مطرقة التطنيش وسندان التطفيش
-
شعب واحد ودولتان ....
-
سبعون وجها لها !!!!
-
يهود....وعنصريون ؟!!!!!
-
-العاقل - يحكي ... -والمجانين- يستمعون !!
-
الرحيل (1)
-
مساواة في الفقر
-
حضارة الهدم
-
من هو اليهودي ؟
-
صراع الاديان ...والحوار
-
الكاميرا الخفية وصناعة الوهم
-
العرب...خارج الاسوار
-
التموضع في المركز
-
انتخابات محسومة سلفا -نظرة على الاحزاب الاسرائيلية
-
صراع الهويات
المزيد.....
-
وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي
...
-
الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني -
...
-
-لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق
...
-
أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
-
شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر
...
-
قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل
...
-
وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال
...
-
أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
-
الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا
...
-
آلهة الحرب
المزيد.....
|