|
حضارة الهدم
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 3973 - 2013 / 1 / 15 - 13:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حضارة الهدم يحتدم " وطيس " الحرب التي أعلنها السلفيون والمتشددون الاسلاميون على المعالم الانسانية الحضارية ، والتي هي نتاج جهد فكري ،روحي وجسدي لأجيال من المهندسين والبنائين . كانت البداية في الزمن القريب على ايدي "امارة" طالبان الأفغانية ،بهدمها لتماثيل بوذا في باميان ، والتي انتصبت هناك الاف السنين ، وشاهدها الملايين عبر هذه الحقبة الزمنية ، وقد يكون هؤلاء في الغالب قد ابدوا اعجابهم ببديع الصنعة والحرفية ، وبقدرة اولئك البنائين على القيام بمثل هذا العمل الجبار دون ادوات العصر الحديث. وبالـتاكيد فأن من بين من مر وشاهد هذه الاثار العملاقة ،رجال دين وقادة عسكريون ، ولم يجدوا في ذلك حرجا . وأيامنا هذه تحظى مالي بتغطية اعلامية مكثفة ، لأن تحالفا بقيادة فرنسا يخوض حربا ضد حركات مسلحة سلفية استولت عسكريا على مناطق في الشمال ، ومن بينها مدينة تمبكتو الغنية ، او التي كانت غنية ، بأثارها من مساجد وزوايا صوفية ، اعلنت عنها اليونسكو ارثا حضاريا عالميا . وكان اول ما قامت به هذه الجماعات المسلحة هو هدم الأثار الحضارية وتسويتها بالأرض ، ومن بينها واحدة من أقدم الجامعات الاسلامية ، ومساجد وتكايا وزوايا اخرى. وسبق أن شاهدنا من على شاشات التلفاز ، كيف قام متزمتون ليبيون بهدم مسجد صوفي وبحماية الشرطة . وما زالت تتردد في اذهاننا اصداء الاقتراحات السلفية الداعية الى هدم الاهرامات والاثار الفرعونية ، او في احسن الاحوال تغطيتها أو طلائها . وطبعا لن ننسى أن هذه الاثار قائمة منذ الاف السنين ، ووقعت تحت الحكم الاسلامي منذ عهد عمر بن الخطاب والامام علي بن ابي طالب وغيرهم كثير من الاوائل الكبار ، بناة الامبراطورية الاسلامية . اذن ما عدا مما بدا ؟ هل هذه التيارات هي اشد حرصا على الدين من الاوائل ؟وكيف تبرر لنفسها هذا الفعل ؟ ولماذا لم يقم به الاوائل ؟ يمكننا أن نتكهن بأن الاوائل لم يروا فيها تهديدا ،لا للدين ولا لرب هذا الدين ، ولم يروا فيها اصناما تعبد ، بل ارث يدل على عظمة من سبقوهم ، او في "اسوأ" الاحوال لم يعيروها اهتماما يذكر ، خاصة وأن قسما منهم كان شاهدا على تحطيم الاصنام في الكعبة ، ولو اعتبروها اصناما لحطموها . ولنا أن نظن ، وبعض الظن اثم ، أن التيارات السلفية المعاصرة يساورها الشك في اخلاص المسلمين الاوائل لدينهم ، وأنهم تنازلوا عن فريضة دينية وسنة نبوية بوعي وأدراك لنقص في دينهم ، وأنهم هم - اي السلفيين - من "سيعيد" للدين اصوله ومبادئه . ولكن هل حقا يؤمن هؤلاء القوم ،بأنه سيأتي يوم سيتحول المسلمون فيه عن دينهم ،لعبادة ابي الهول مثلا ؟ وهل الدين الذي تكفل الله بحفظه ، مهدد الى هذا الشكل ؟ وأخيرا ، اليس في هذا تطاول على رب العزة "والعياذ بالله"؟ وتجربة اخوانهم في افغانستان والصومال ، لم تحمل في طياتها اي خير للمسلمين ، فكل همهم كان منصبا على مطاردة النساء ، ومراقبة لباسهن ، وحبسهن في البيوت ، وحرمانهن من حق التعلم ، كما يريد أن يفعل زملائهم في باكستان ، وما محاولة اغتيال مالالا، الا برهان على ذلك . اما الاخوة في الصومال ، الذين حرموا على النساء ارتداء حمالة الصدر ، فقد كان هم هيئاتهم للامر بالمنكر ،كان همها الاكبر هو فحص النساء فيما اذا كن يرتدين حمالة الصدر !!!!!!! بينما تفتك المجاعة والمرض بالصغار قبل الكبار . تغطية جسد المرأة وسجنها في البيت ، محاربة كل شكل من اشكال الثقافة ، تحريم كل ما يخدم ويطور الانسان ، الهدم ثم الهدم ، كلها دلائل على أن حاملي هذا الفكر ومطبيقه ،يخشون من الحياة في الضوء ، ويرون في انتشار الفكر والثقافة تهديد لنمط حياتهم القبلي ، حيث كل شيء واضح وفي مكانه المناسب ، المرأة للوطء والتكاثر والاولاد لرعي الماشية او للفلاحة ،وكفى الله المؤمنين شر القتال . يتبقى سؤال اغلقت علي اجابته ، من اين يحصل هؤلاء على الدعم بالسلاح والعتاد والمال ، ليستمروا في حربهم ضد الحضارة ولنشر ثقافة الهدم ؟ ونحن نعلم أنهم من دول فقيرة لا تستطيع توفير الغذاء لمواطنيها ، ثم ما هي مصلحة الداعمين ؟؟؟
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من هو اليهودي ؟
-
صراع الاديان ...والحوار
-
الكاميرا الخفية وصناعة الوهم
-
العرب...خارج الاسوار
-
التموضع في المركز
-
انتخابات محسومة سلفا -نظرة على الاحزاب الاسرائيلية
-
صراع الهويات
-
وحدة وصراع الهويات
-
أمي .. وأنا
-
اليسار الاسرائيلي 2
-
اليسار الاسرائيلي
-
خارج التداول
-
مهاجرون من العربية الى العبرية - سيد قشوع
-
الحسين بن علي واطفال غزة
-
سوناتا الوجد
-
صواريخ
-
كنت في تل ابيب وركضت مع الراكضين
-
مقاطعة الانتخابات ليست كمقاطعة المنتوجات
-
اللعب في ملعب الخصم
-
السرنامة وثقافة السجون
المزيد.....
-
وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي
...
-
الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني -
...
-
-لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق
...
-
أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
-
شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر
...
-
قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل
...
-
وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال
...
-
أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
-
الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا
...
-
آلهة الحرب
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|