أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - مصدر خُرافة عذاب القبر















المزيد.....

مصدر خُرافة عذاب القبر


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 4011 - 2013 / 2 / 22 - 15:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في بحثٍ سابق خصصناه لدحض عقيدة.."عذب القبر"..المنتشرة لدى عامة المسلمين وبعض فقهائهم..قلنا أن الإسلام-كدين-لم يُشرّع وبالتالي لم يُشير إلى وجود حياة ما بين موت الإنسان وبعثه يوم القيامة ، وأن كافة ما وُرد في هذا الشأن يُشير إلى.."البرزخ"..وهو الحاجز الذي يفصل ما بين الحياتين الدنيا والآخرة، وأن الشعور بالزمان والمكان وراء هذا الحاجز معدوم .

هذه الفكرة طافحة في القرآن لدرجة التكرار في أكثر من موضع وضمن وحدة موضوعية مختلفة في كل سورة، وأن كل ما وُرِد إلينا في عذاب القبر جاء عبر الأحاديث والتي لا تكفي لإقرار عقيدة إيمانية مفصلية على غرار البعث يوم القيامة وحساب الآخرة والصراط والجنة والنار وما إلى ذلك، فضلاً عن أن هذه الأحاديث لم تبلغ مبلغ التواتر وعرضنا اختلاف الأئمة في الحديث المتواتر فمنهم من أنكر وجوده ومنهم من قال بأن المتواتر واحد ومنهم من قال خمسة أو أكثر ، وأن روايات عذاب القبر جميعها أخبار آحاد يعني على فرض صحتها فلا يجب التسليم بها في العقائد..

فالتعامل مع الحديث يختلف عن التعامل مع القرآن، لأن القرآن كله متواتر والإيمان به -وبكل ما جاء به -فرض واجب على كل مسلم بالغ عاقل ولا يختلف في ذلك اثنان من المسلمين، أما الأحاديث فمنها الصحيح ومنها الضعيف، وأن الإجماع على صحة أيٍ منها يكاد يكون معدوم إلا في مواضع قليلة أجمع فيها المسلمون على صحة بعض الأحاديث...ليس من ضمنها عذاب القبر.

هذا يعني أن هذه العقيدة كانت- ومن أول وهلة- لابد وأن يُنظر إليها بمنظور الإمكان وليس الوجوب..بمعنى أنه يُمكن أو لا يُمكن وجود أحداث في القبر وبالتالي فلا يُقطع بها ولا تكون من أصول العقائد الإيمانية لاحتمال حدوث النقيض، وبالتالي لا يجري الدعاية لها أو التحذير منها ، فالدعوة"الدينية" لشئٍ ما أوالتحذير منه يعني أن وجوده مُسلّمُ به ولم يتبقى سوى العمل له أو تجنبه في حين أن هناك أشياء أولى للاهتمام بها والعمل لها أو ضدها..وأحسب أن فكرة عذاب القبر نشأت بهذه الطريقة إلا أنها تطورت بتطور مفهوم الحديث وإدخال" الرواية مع السُنة"ضمن مفهوم واحد، فكان كلما ذُكرت الرواية يجري فهمها على أنها السُنة والعكس.. وهذا خطأ كبير نتج عن نزعات التقليد و تقديس الرجال التي اعترت المسلمين فصولاً من الزمن إلى يومنا هذا.

ولكن طالما أن هذه العقيدة موجودة فهذا يعني أنها كانت حقيقة لدى البعض نقلها المسلمون عنهم سواء من جِهة المجتمع والعُرف والثقافة أو من جهة الدين والنقل والاتباع..وأنا أرى أن عذاب القبر انتقل إلى المسلمين من الجهتين ولكنها أخذت شكلاً أكثر تفصيلاً لديهم مع تعدد الروايات الدالة..

ولو نظرنا إلى قصة منشأ هذه العقيدة- في تلك الروايات- سنجد أن من بشر بها المسلمين هم اليهود.. وذلك ضمن رواية اليهودية التي حذرت السيدة عائشة من عذاب القبر فخافت السيدة عائشة وسألت رسول الله عنه فصدقها، وهذه الرواية على شرط الصحيحين أي أن رجال السند هم رجال البخاري ومسلم ولكن الرواية لم يُدونها أو يُصححها أحدهم، فتم قبول الرواية وأخذها المسلمون بموضع التسليم وتم ربطها بالروايات الأخرى التي تحذر من فتنة القبر وتحكي كيفية وقوع بعض صنوف العذاب والعرض على المَلَكين وما إلى ذلك من أحداث ثَبُتَ بُطلانها في البحث السابق..

ولإحكام ما سبق لابد من تبيان أن قواعد الرد على العقائد "الغيبية" يجب أن يكون عبر ترابط كِلا الدليلين.. "العقلي والشرعي"..معاً..لأن من الغيبيات ما لا يجوز فيها النَظَر العقلي ولكنها مثبتة بالشرع، يعني أن كافة العقائد الإيمانية التي تحكي أحداثاً فاصلة ومهمة لابد وأن يُصرّح بها الشارع ولا يتركها للقيل والقال والاختلاف.

وبما أن اليهود هم أصل هذه العقيدة عند المسلمين فهذا يعني حدوث واحد من أمرين اثنين:

1-إما أن اليهود-حينها-كانوا يؤمنون بالحياة في البرزخ،وأن البعث يكون مرتين الأولى في القبر والثانية يوم القيامة، وبالتالي فهم يؤمنون بثلاثة أنواع من الحيوات...

وهذه العقيدة هي نفسها عقيدة من يؤمن بعذاب القبر من المسلمين!!

2-أو أن اليهود لم يكونوا يؤمنون بالبعث يوم القيامة أصلاً..ولكن يؤمنون بالبعث في القبر، وأن الحساب الأخروي لديهم موجود بداخله، وهذا يعني أن عذاب القبر لديهم هو نفسه عذاب الآخرة.

وأنا أرجح الثانية من ثلاثة وجوه..

الأول: أن هذا الاعتقاد هو بعينه اعتقاد المصريون القُدماء، فنشأة اليهود بالأصل كانت مصرية حتى مع الخلاف حول هذه النتيجة ولكنها كانت رؤية دينية عامة منتشرة في الشرق القديم، فالمعبود المصري يُقابله المعبود الفينيقي أو البابلي..حتى أن عقائد اليونان القدماء لم تَخلُ من هذا الطرح ..وعقيدة الحساب والجزاء لديهم كانت في القبور وهذا ما حملهم على دفن متاع الميت معه.

الثاني: أن كُتب وأسفار اليهود الكُبرى خلت من أي إشارة للبعث يوم القيامة، وأن الإيمان بيوم القيامة لدى اليهود لم يأتِ إلا متأخراً وبالتحديد بعد كتابة التلمود بشِقيه.." المشناة والجمارا"..والتلمود مكتوب بعد أسفار التوراة بسبعة قرون تقريباً..وهذا يعني أن اليهود عاشوا قروناً طويلة وهم يعتقدون بأن القبر هو المآل الأخير للميت، وأن الحساب الأخروي يكون فيه.

الثالث: أنه لا يوجد أحد من اليهود الآن يقول بعذاب القبر.. بمعنى أنهم يعتقدون في أن البعث يكون يوم القيامة ، وهذا يُثير التساؤل كيف وأن هذه العقيدة كان منشأها لدى اليهود ثم يُنكرونها الآن..والإجابة جاءت في الوجه الثاني بأنهم كانوا يقولون بذلك قبل كتابة التلمود، وبعدما جاء التلمود بعقيدة البعث يوم القيامة متأثراً فيه بالإنجيل...حينها آمن اليهود بأن البعث واحد يوم القيامة وأن الحياة اثنين في الدنيا والآخرة.

أخيراً لا أريد أن أسترسل في البحث عن القصة بأكملها.. ويكفينا الإشارة بأن فكرة عذاب القبر عند المسلمين كانت فكرة دينية أخذت بُعداً اجتماعيا نتيجة لتطورها على أيدي المتصوفة..أيضاً ومن أثر عُمقها الضارب في أذهان القُدماء الشرقيين، وهي تعني أن عذاب القبر لديهم كان هو العذاب الأخير لأنهم كانوا لا يعتقدون بيوم القيامة الذي يبعث الله فيه العباد ويُحاسبهم على أعمالهم فمن كان صالحاً دخل الجنة ومن كان طالحاً دخل النار، وأن الأساطير المصرية والعراقية واليهودية القديمة كانت متشابهة في البعض ومتطابقة في البعض الآخر ..وفي قضية عذاب القبر نكاد نرى تطابقاً عجيباً بين عقائد اليهود والفراعنة وبلاد العراق-خاصة السومريين والبابليين- قبيل ظهور التلمود وتأثر اليهود بالأناجيل التي أفصحت عن شكل الحياة بعد الموت وبأن هناك يوماً ستُرد فيه الحياة للأجساد وهو اليوم الأخير للعالم وبعدها يأتي الحساب..





#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شباب المعارضة المصرية في حقول التحدي
- الطبيعة الغير مستقرة للمجتمع المصري
- رؤية موسّعة في التوسل ونزعات الهدم المادية والفكرية
- خطابات الرئيس والعك الكروي
- العصا والجزرة في سياسة الإخوان!
- بين مشاعر الإيمان ورغبات السياسة تردد وخوف
- ابتسامة عصام العريان
- التناصح والتناغم في المجتمع
- مشهد السودان وحسن الترابي
- مشروع النهضة هل هو مشروع عدواني؟
- تصدع الإخوان(المماليك والأحرار)
- تصدع الإخوان(تطهير أم تطويع القضاء)
- تصدع الإخوان(تطهير أم تطويع الإعلام)
- الدستور الإخواني (علماني صِرف)
- رؤية سياسية هامة لما بعد المرحلة الأولى من الاستفتاء على الد ...
- أهلاً بكم في دولة(فاشيستان) الدينية
- دولة هامبوكو وحياة أبوكو
- تصدع الإخوان(التقليد والانقياد والوهم)
- تصدع الإخوان(التبرير والتحوير)
- ليالي (إرهاب) المدينة!


المزيد.....




- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل
- إيهود باراك يعلق على الهجوم الإيراني على إسرائيل وتوقيت الرد ...
- الراهب المسيحي كعدي يكشف عن سر محبة المسيحيين لآل البيت(ع) ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - مصدر خُرافة عذاب القبر