أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين عجيب - الحاضر المراوغ














المزيد.....

الحاضر المراوغ


حسين عجيب

الحوار المتمدن-العدد: 1151 - 2005 / 3 / 29 - 11:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بين حالتي الفقد والتحقق,يتدفق الحاضر منذ الأزل. الحاضر بعد واقعي ومحور أساسي في الوجود, مفارق وملتبس دوما,وتلك الخاصيّة المتعددة الوجوه منبع الإثارة والغموض التي تحملهما كلمة الحاضر.
ليس الواقع معطى بديهيا ومباشرا للوعي البشري, إنه يتحقق بكيفيات مختلفة وسبل عديدة ومتنوعة يتعذر حصرها أو ضبطها. الحضور في الزمان والحضور في المكان والحضور في الوعي وحتى الحضور في المشاركة لا يلغي واقع وحقيقة فقدان الحاضر, منبع الخسران الدائم والأبدي. الأسى وحتى الغضب وكافة مشاعر السخط لا تبرر إهمال الحاضر وتزييفه أو الإعراض عنه, فالفقد قائم ومستمر ولا مجال لتجنبه, ويبقى الخيار الآخر في المساهمة الفعلية والفعّالة في حركية الواقع, وفي المحاولات اليائسة للتأثير فيه, ومحاولة الوجود الفردي بشكل إبداعي ومستنير. لا خيار آخر, ولا أمل بتجاوز هشاشة الفرد وضعفه ثم موته المحقق.
جميع أسلاف الفرد, من بوذا والمعري وحتى نيتشة وهولدرلين وأيف بونفوا, أدركوا تلك الحقيقة المروعة, لكنهم استمروا في حمل الشعلة المتوهجة, والتي أحرقت أصابعهم وأعصابهم وفتحت لنا الطريق أمام المؤسسة الحديثة التي تحمي حرية الفرد في التلقي والتفكير والتعبير, والتي تصون قبل كل شئ حقه في المشاركة والخطأ, التي ما زالت السبيل الوحيد إلى الإنجاز والإبداع وبقية أشكال التحقق والحضور.

*
في السنوات القليلة الماضية خفتت نبرة التخوين والتكفير في سوريا, وبذلك يكون أحد المنابع الأساسية للاعتداء على الحريات الشخصية,وإحدى معوّقات التحقق قد تكشفت بشكل واضح, وصارت في طريقها إلى الحل والتجاوز. يبقى منبع آخر للتسلط وقمع الإبداع والمبادرات الفردية, وهو أكثر مراوغة وتضليلا, وهو قائم ومستمر في جميع مفاصل الحياة السورية, تغيير التسميات الفعلية والمباشرة, واستبدالها بعبارات وصيغ أخرى, مثالها البسيط والمشترك بنفس الوقت, تسمية الشعب السوري(المريض والمنهك بمختلف أشكال الحرمان) بصفات البطولة والمجد والعظمة. هذا السلوك اللغوي والأيديولوجي السهل يتضمن ويضمر عدة انحرافات وتبريرات ملازمة, تعيد نتيجة ممارسات التكفير والتخوين وتؤبدها.
أسأل وأتساءل بأسى عميق, لماذا هذا التغييب الشامل في ثقافتنا وفكرنا للأحياء, وللحياة الفعلية كما هي عليه!أسطورة الماضي ووجهها الآخر أسطورة المستقبل, لا تتركان مجالا للتجربة والاكتشاف, مطلوب منا قبول الأدوار التافهة والمملة في مسرحية بلا مؤلف أو مخرج, مصدر الطلب ضميرنا الجمعي وأخلاقنا وثقافتنا المشتركتين, وتحرسها بقسوة مطلقة جميع مؤسسات المجتمع من الأسرة إلى الدولة. باكرا جدا يتعلم الأطفال السوريون أن مقتضيات العيش تتطلب المراوغة والنفاق,ومن تفشل أو يفشل في الدرس الأول لمسيرة التكيف, يصطدمون بجدران صمّاء مشيّدة منذ قرون, يتعذر على فرد تجاوزها, والمعادلة بسيطة وواضحة إما خسارة الواقع والانكفاء إلى العالم الداخلي والخيال وهذا الخيار بالضرورة يمرّ من الكآبة إلى الاكتئاب أو إجتياف الأخلاق المشتركة بما تحمله من تناقضات منطقية وتفكك في القيم والشخصية, لا خيار آخر.
القادرون على الخيانة, قادرون على التفكير بشكل مختلف.
والقادرون على الشك بالمسلّمات, قادرون على النظر وراء الجدران.
"قتل الكفرة والخونة" ممارسة فكرية واجتماعية تفضي إلى نتيجة واحدة, التشابه والأحادية مع الميل الجارف إلى الاختزال والتبسيط, وبعبارة أخرى رفض التعدد والحركة والتغير, القانون الأول في الحياة.

*
انتقال المنظور الجماعي من العموميات السهلة والمريحة إلى التفاصيل الخطرة والمملة, يحدث بعدما يتغير المناخ العام, وتتغير معه قواعد اللعبة وحتى أدق التفاصيل, تسقط الكثير من العناصر عشوائيا, كما تظهر عناصر جديدة بشكل عشوائي كذلك. يمكن تغيير المنظور بشكل فردي, كما تؤكد ذلك الفنون والآداب في جميع الأزمنة والثقافات, ربما تكون العزلة المؤقتة والانسحاب خيارا مناسبا, لكنه يحمل خطر الانقطاع عن الينابيع الأساسية للحياة: الحب والعمل والمعرفة.
في الحاضر السوري ما يدعو إلى اليأس أكثر من التفاؤل, لا نستطيع تغيير المعطيات, مقدرتنا تنحصر في الاستجابات المرنة والتعامل المنفتح والإبداعي مع المتغيرات, ربما في دعوة الفنان أحمد زكي في آخر أيامه"احترام اللحظة" تكثيف نادر, للسلوك المناسب الذي ينقل الحاضر من الفقد إلى التحقق.
اللاذقية_ حسين عجيب



#حسين_عجيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رابطة الكتاب السوريين المستقلين
- الحاضر المفقود
- العطالة السورية
- المأزق والقرار,وإمكانية الحلول المناسبة-أزمة سوريا اليوم
- الهوية القاتلة
- تأنيث سوريا
- هباء
- بلادنا الرهينة
- حديث ذو شجون
- محنة التحقيق
- مشكلة الرأي والاعتقاد
- مشارق الأرض ومغاربها
- سوريا تلك البلاد التي أحبببناها2
- تلك البلاد التي
- رائحة الموت
- فصل الحكمة
- كأس بثيينة
- بضاعة الأمل
- كرامة الوطن وتحقير المواطن
- 3 العدميون في بلادنا


المزيد.....




- مسؤول إسرائيلي لـCNN: إسرائيل لم تقبل مقترح مصر بشأن صفقة ال ...
- رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -المعتقل الأم ...
- وزير الخارجية الأردني: لو كان إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائي ...
- بلينكن يزور السعودية وحماس تبث فيديو لرهينتين
- بعد بن غفير.. تحطم سيارة وزير إسرائيلي في حادث سير بالقدس (ف ...
- روبرت كينيدي يدعو ترامب للمناظرة
- لماذا يخشى الغرب تمدد احتجاجات الجامعات الأمريكية لأوروبا؟
- كمبوديا تعلن مقتل 20 جنديا وجرح آخرين في انفجار بقاعدة عسكري ...
- إلقاء القبض على شخصين كانا يخططان لشن هجمات إرهابية في مدينة ...
- شرطي تركي يطلق النار على رئيس مركز الشرطة ورئيس مديرية الأمن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين عجيب - الحاضر المراوغ