حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1098 - 2005 / 2 / 3 - 10:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
2في الشأن العام
محنة التحقيق
الحصانة الوحيدة ضد الاستبداد السياسي تكمن في توزع وتعدد السلطات, وضد الاستبداد الاجتماعي في توفر حمايات مناسبة للأطراف الضعيفة,سواء أكانت أفرادا أم جماعات. تسود الممارسات الاستبدادية بين أفراد غير متساوين بالحقوق والواجبات, لا تكفي التصنيفات الطبقية والعرقية والدينية, لوصف حال الغالبية في بلادنا. نحتاج إلى فتح الأبواب والنوافذ, نحتاج إلى رفع السقوف, بل وحتى خلعها,وتبقى الأسئلة المؤلمة من؟ وكيف؟ومتى؟
يريد قارئ المعارضة مواقف صريحة وتهم دامغة, تؤكد ممارسة السلطة الغاشمة, وتكرر ما يستطيب سماعه وقراءته ويعرفه مسبقا, وترفع كامل المسؤولية عنه وتلقيها على الطرف المعادي السلطة والنظام, وعلى العكس منه يريد قارئ السلطة أو الموالي, كشف الخونة والمتآمرين, وينتظر قراءة أو سماع ما يعرفه سلفا ويؤمن به ويلصقه بالقيادة الحكيمة. أسعى إلى قول آخر واشتغال آخر ينطلق من المعاش, من الخبر ة اليومية, والأفكار المحددة, والاقتراحات الممكنة, وهو ما أظن وأتمنى أن يحقق الممارسة النقدية," تقنية التجريب وحذف الخطأ", التي تقوم على مبدأ الحق في الخطأ.
*
بعد حوارات مطولة, ورسائل غاضبة من صديقات وأصدقاء, ترفض تحاملي على سوريا والسوريين,ألا يوجد في بلادنا ما يستحق الحب والتأييد؟ بدأت بكتابة "تلك البلاد التي أحببناها" وقد تعرضت لمشكلات متعددة, منها اكتشفت أني لا أعرف الكتابة إلا في الموضوعات والقضايا التي أرفضها, كما أخجل من الاعتراف بحبي ومحبتي كتابة وأخجل من إشهار الجانب الطيب والمحب في شخصيتي, هذا ما أدركته بفضل الحوار, وفي الجزء الثاني من البلاد التي أحببناها, دخلت في طريق مسدود,واحترت كيف سأكمل. بالمصادفة ذهبت مع أصدقاء في رحلة جميلة وممتعة إلى البحيرة, وجدنا الصبايا السوريات تملأ المكان بالفرح والحب. وقد منحتنا الشغف والبصيرة وكل ما يحتاجه البشر.
كذلك تلقيت طلب الاستدعاء إلى الأمن العسكري في اللاذقية, أثناء كتابة الجزء الثاني من البلاد التي أحببناها. وقد فعلت ما اعتقدته مناسبا, أكملت النص وأرسلته للنشر,وكأن شيئا لم يحدث. عتبة الألم عندي منخفضة جدا, أو هكذا أظن, واعتبرها السبب في حساسيتي المرتفعة تجاه كافة المثيرات. طريقة الاستدعاء المطمئنة عبر الهاتف, تجاوزي لمنتصف العمر, وأسباب إضافية أجهلها, جعلت من الاستجواب شبه طبيعي, لولا تلك الاستمارات ,الأوراق الرهيبة, حيث ينبغي ذكر العمّات والخالات وأزواجهن وأولادهن, أما أن أكتب وبيدي عن خالي وصديقي الميت منذ أسبوع واتجاهه السياسي, فهي تعذيب مجاني لا يمكن فهمه أو تبريره.
أعرف مدى التباين بين البشر في التلقي وصيغ الاستجابة لنفس المثير أو لمثيرات متعددة, لهذا السبب أعمل على تجاوز حساسيتي الشخصية تجاه تجربة اعتقال مدمّرة تعرضت لها في بداية التسعينات.
محنة التحقيق التي أحاول التعرض لها في جوانبها المختلفة لا تقتصر على التحقيق السياسي, على العكس أعتقد أن التطور النسبي الذي حصل على صعيد التعامل الأمني مع الأنشطة السياسية والفكرية, لم يرافقه أي تغير يذكر على صعيد الاتهام والإهانة التي قد يتعرض لها أي مواطن سوري عادي وعلى مدار الساعة, واعتقد أن المذيع الجبار علاء الدين الأيوبي, يثير الرعب في نفوس السوريين اليوم بدرجة لا تقل عما كان يثيره المحقق من هلع في نفوس الموقوفين لدى فروع الأمن في الثمانينات. وفي هذا الخصوص قرأت اقتراحا في أحد مواقع الانترنيت السورية لا أذكر الموقع والكاتب, وليس لدي ما أضيفه
بل أتبناه وأعتقد أنه اقتراح إبداعي واقعي وممكن" تجريم التعذيب في دوائر الأمن المختلفة, ورفع الحصانة عن الشخص الذي يقوم بعملية التعذيب, بل وتعريضه للمسؤولية الكاملة" وهذا الاقتراح واقعي ويمكن أن يتكرس بحلول , 2010, ويبرر التفاؤل بهذا الخصوص, ما كان يقوم به بعض أساتذة الستينات والسبعينات, في المدارس الابتدائية وحتى الثانوية, ما زلت حتى اليوم أشعر برغبة الانتقام من متسلطين لا يحملون من صفات المعلم سوى الاسم.
*
ما دامت التراتبيات موجودة في المجتمع,ستبقى العلاقة بين المحقق والمتهم, علاقة غير متكافئة بين ضعيف أعزل وقوي صاحب سلطة غير محددة,. وستبقى العدالة والمساواة أقرب إلى الوهم منها إلى الحلم في الزمن الواقعي. لكن مؤثرات كثيرة دخلت إلى المعادلة وأحدثت تغيرات فعلية في المجتمعات الحديثة,أبرزها استقلالية القضاء والإعلام الحر ووجود رأي عام محدّد للسلطة.
وهنا سأرد على المعاتبين واللائمين لنقدنا السوري القاسي, نعتبر أن المجتمع السوري يستحق المقارنة مع الألمان والفرنسيين وسواهم, وهو مؤهل فعليا للارتقاء والتحضر, والمسؤولية مشتركة بين السلطات والمثقفين والمؤسسات المختلفة وكذلك الأفراد, واعتقد أن هذا الموقف يجسّد الاحترام الذاتي والجمعي الفعلي,على العكس تماما من دعاة الهوية والخصوصية ومروّجو ثقافة الموت.
وبالعودة إلى محنة التحقيق, سأكتفي ببعض المقترحات التي قد تساهم في تصحيح العلاقة المتوترة بين موقعي المتهم والمحقق: علنية التحقيقات مع حضور محامي المتهم, فتح المجال أمام وسائل الإعلام المختلفة, تحديد مدة زمنية معقولة للنقض الرجعي, وقبل كل شئ تجريم العنف الجسدي والمعنوي.
في ختام هذا العرض المتسرّع, أوجه تحياتي لأصدقائي خارج البلد,وأدعوهم للمشاركة في الحوار السوري العام, حنينهم ورغبة بعضهم في العودة, جعلتني أعيد التفكير في مسلمات وممارسات مستقرة,ربما بمشاركة الجميع يمكن جعل سوريا بلدا صالحا للعيش, ليمكننا القول بعد زمن: تلك البلاد التي أحببناها.
اللاذقية- حسين عجيب
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟