فواز قادري
الحوار المتمدن-العدد: 3930 - 2012 / 12 / 3 - 08:17
المحور:
الادب والفن
لم تكن زيارتي لقبر الغريبة، بعد سنوات طويلة من الغربة، لتنسيني أمّهاتي الأخريات، الأرض ضيّقة على صاحبة الرياحين التي لم تكفّ عن زراعتها أينما أقامت، في غرفة وحيدة أو في بيت واسع! كانت الأرض ضيّقة عليها! فكيف بالقبر الآن؟ زيارتي لقبر أمّي لم تنسني أمّ نبيل وأمّ زهير الباقيتين على قيد الحياة من أمّهاتي الكثيرات! بل ولن يكتمل اعتذاري للغريبة دون أن تباركني أياديهن وقبلاتهن، ولن يخفّ إحساسي باليتم إلّا بتلك القبلات التي أرّقت غربتي.
"لن أغادر الدير وسأموت هنا أو سأعيش ما تبقى من عمري في بيتي، ولن أعيش أو أموت في أيّ مكان آخر، هنا سيكون قبري، وإذا بقيتُ حيّة، سأنتظر جثمان حفيدي الشهيد عبد الله ليدفن هنا" هذا آخر ما قالته أمّ زهير الصامدة مع الكثيرين رغم وفرة الموت، وأغلقت الباب في وجه محاولات أبنائها الكثيرة الذين أصرّوا على رحيلها من المدينة التي لم يبق فيها حجر يسند حجراً. طوبى لك يا أمّ زهيرّ، طوبى ليديكِ التي أطعمتني ذات وحدة، أنحني لكِ كما أنحني للأرض التي أنجبت هؤلاء النساء والرجال والأطفال والشيوخ والشهداء.
أمّ نبيل التي لا أعرف عن أخبارها الآن شيئاً، ولكنّي كنتُ أعرف قلبها الذي مثل حمامة بيضاء، وأعرف يديها المعروقتين من زمن كدحها خلف ماكينة الخياطة، وشيبها الذي لم تستره الحاجة، وأعرف بيتها المتهالك الذي احتوانا طويلاً، قبل أن تبدأ براميل المتفجّرات بزعزعة جبروت الأسمنت، بزمن طويل! فكيف بالذي على وشك السقوط قبل أن يبدأ كرنفال الدمار؟ أعرف جدرانه التي تتكئ على قدر لم يرأف بالفقراء يوماً! أينكِ يا أمّي؟ تحت أيّ سماء تنامين؟ وعلى أيّ حجرتسندين جبينكِ الذي ركع فمي عليه طويلاً، في لقائنا الأخير؟
عاطل عن الموت
بين يديّ رغيفك المنمّش
وماء طفولة في العروق يجري
خذ بيدي يا فرات
وأوقف عقارب ساعة الأجل
خلفي تاريخ من المصافحات
وأمامي ملايين الجباه
تنتظر أن ينحني بخشوع فمي عليها.
**
يختصر شروقك سمائي بضحكة
ويرسم الحياة كتعويذة على المعصم
خسرتُ الكثير من الأحلام
وأبقيتُ نافذتكِ مفتوحة
على محبتي البريئة والصافية كرنين الأجراس
قلبك شاهد على موسيقى الفصول
وعلى قواربي الورقية الراحلة معك
لم تجرؤ النيران يوماً
على الاقتراب منها
والصغير يحرس تراقصها مع الموج
ويرسل خلفها الأغاني
ويطلق نشّابه على غيلان الأساطير
وعلى وحش بعيون كثيرة
وكانت أمّي تحرس بساتين الصباح
كي لا تسقط ثمارها المتأخّرة
وتوجع الأرض.
#فواز_قادري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟