|
في تسلّقنا الغصن الأسود للصيف
نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 3887 - 2012 / 10 / 21 - 20:57
المحور:
الادب والفن
الأفياء التي حلمنا النوم في شواطئها
جروحنا التي لا تلتئم في الجزر المنطفئة للماضي ، بلا أشرعة ، يطوّقها الأعداء في تجارتهم المضطربة مع لصوص يغطون وجوههم بأحجيات نعرفها . نحتاج الآن الى أن نسبل ثمار شاحبة على الصدى الطويل للقتلى ، لكن أيّامنا غائمة ويعوزنا الاحتراز من الرميات المتبدّلة للسهم . لا يعفينا الخوف من الحدِاد على من رحلوا وخلّفوا لنا أحنهم المعادة حرارتها الهائلة دائماً . ما نركنه في أعقاب توديعنا لكلّ قتيل ، تقصفه طائرة ، وسقوف أسرارنا تطلق أريج خمرتها من الخزّانات التي أودعنا فيها المراثي . صراع مرير ، والنصر فيه زهيد الثمن . سناء فجر العالم ، مبسوطة نجوده التي تتمايل فيها إشارات النداوة الرهيفة للسنبلة ، وترعى فيها اليراعة العليلة للربّ . نشوة قليلة هي ما يحتاجها الانسان الذي يدفىء خطيئته باشعاع موته . كيف لذواتنا التي تغمرها الوحشة في ثقل صقيع اللحظة ، أن تطرد عنّها النسيم المحموم للسأم ؟ كلّ احتياط نخبئه في باطن ما نتعتقده مقدّساً ، يتكىء عليه الزمن ، ويهدّمه بين اللحظات الفارغة . الضواحي التي علّقنا فوق آفاقها المحظورة شُعل أغنياتنا في الحصاد ، تطنّ الآن بالأصداء الشائخة للغائبين ، والأفياء التي حلمنا النوم في شواطئها الاخوية ، تنفصل عن الليل وتغوص في عصف يزلزل التلميحات التي ننتظرها من الذين يكمنون لنا خلف الحظائر التي نمضي فيها حياتنا .
الغرقى
شواطىء مهجورة تتضوّع فيها الرياح المتخفّية للغائبين ، نبكي فيها على الغرقى ، ونتحرّى إشاراتهم المتذّبذبة في رضاب النجوم . يتجدّد نشاطنا في القرب من الثمرة التي تؤول الى الموت ، كلّما سمعنا اللحظة والشجرة تنفجران . بوّابة ضالّة في النفثات الهزيلة للزمن ، لا اليأس يُنجّينا منها ، ولا صلاتنا التي تساند الفزع ضدّنا . الغائب في أجمته المجنّحة ، يحيطنا لغزه التائه طوال النهار ، وتؤلمنا شرارات الرأفة لحياته المهملة . كلّ غائب يُنسينا المعنى المغلوب لخصامنا مع الماضي ، ونحنُ نُنقّب في الفراغات المدنّسة لليّل ، عن ما يحفزّنا في الركون الى الراحة ، لكنّ تفكيرنا يتّجه الى الثابت في صاعقته . حياة مفطومة للتو ، تخلّت عنّها المرضعات في فوضى الغابة الصغيرة للخياطة ، نعيد بناء خرائبها في كلّ حين ، والجصّ في دموعنا المكبوتة ، يديم اللحظة الزرقاء للموت . يحرّك الغرقى مراكبنا تحت القصف الشديد لمنجنيقات الأعداء ، ويتخندقون في أريج نومهم مع الصخور المذبوحة تحت الظلال الجافّة لأصداء أشباحهم الطاهرة . شُعل كثيرة تنطفىء في طرقنا وصيفها القانط ، وآبارنا ذابلة ، ولا تتنفّس فوق ثمارها الشقر ، الصقور . كلّ سلم نصعده في تعاقدنا مع الغفران الإلهي باتجاه الهاوية ، يدفعنا الى مجابهة اللحظة اللامأمونة . نسيم مباغت يتريّث بين الفتحات النقية لتاريختا ، ويضيّق علينا الأيّام التي تتعجّل زوالنا . شعوب كثيرة عاشت قبلنا في النسيم الذي يهدم الأحواض ، تركت أسلحتها التي تتصبّب عرقاً في الغضب اليائس للآباء ، وغابت في الأطلال التي تحرسها التماثيل .
مراكب كثيرة
تَصْعَدُ في ليل مقابرنا ، أصوات زيزان تمْتحن رغباتنا ، وتغدق علينا إشارات لما تركه الرهائن الذين نسينا دفع فديتهم . تُعطى لنا النسمة المحمودة لنحياها في اللحظة التي نتأسف فيها على انفجارها ، وحقول قمحنا ليس فيها ما يصون آبارها المقتلعة عن النهار . مراكب كثيرة واصلنا فيها الابحار تحت صخب النجوم ، وأحلامنا محجوبة عن عدالة النحلة . ما نجيء لأجله في صلاتنا المحترسة من تفتّح الزهرة ، يلاقينا بتعسفات وفرضيات آثمة ، ويجعلنا في تجابه دائم مع الطغاة الذين يكمنون لنا بين الحشائش الذابلة للحظة النوم .
فيضان
يصهلُ مهرٌ عند الضفّة المهجورة للنهر الجاف لحاضرنا وتتطايرُ شرارات اليوم فوق الهضاب بلا حماية . أشجار رغباتنا مُشرّطة ، والزمن في ذوبانه ، ناصع في قرعه اليائس لباب السأم . لا البذور التي نقدّمها للحظة المجرّحة ، تُعيننا على التخلّص من النسيج اللاشعوري لحياتنا المحتضرة على حجارة الواقع ، ولا الجسور الطفولية التي نعبرها في الليّل ، ونحنٌُ نبحث عن الالتماعة الضئيلة للنجاة من سخرية الرغبة ، تمنحنا الهدنة لمجابهة الأصعب في تسلّقنا الغصن الأسود للصيف . حياتنا المرهونة الى الفوضى ، تمضي في مطحنتها ، مناحة إثر مناحة ، وتتبوّل الطيور محبوسه بين أيّامنا التملّكية المتوقفة . فيضان يجدّد الرحلة ، هو ما نحتاجه في السباق المتواتر لاضمحلال الأصيل .
21 / 10 / 2012
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحاضر في لهبه واشاراته
-
الأوغاد الذين يشرّعون لنا القوانين
-
حياتنا المريضة ، متكلَّفة بثقل صلصالها العتيق
-
الأطلال الخادعة للماضي
-
5 قصائد
-
العفن الجنائزي للماضي والحاضر
-
ثقل الأضاحي
-
مصائرنا المصفوعة بيأسها المريع
-
ثلاث قصائد
-
نصوص الحرب
-
يتضوّع الفجر الشقيق للحبّ رخيماً على المحبين
-
الحمقى الذين يسهرون في كهولتهم
-
دفاعاً عن ما يفنى في الطبيعة
-
6 قصائد
-
اللحظة / الحركة
-
الهديل المرتعش لحمائمنا فوق الخرائب
-
الأضواء العطرية للحجارة الكريمة { 5 قصائد }
-
تقديم القرابين . 8 قصائد
-
ميراثنا المعشوق بين الدموع
-
المقدس والمدنس
المزيد.....
-
إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل
...
-
“قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم
...
-
روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
-
منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا
...
-
قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي
...
-
رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات
...
-
بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ
...
-
مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل
...
-
الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع
...
-
ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|