|
حياتنا المريضة ، متكلَّفة بثقل صلصالها العتيق
نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 3862 - 2012 / 9 / 26 - 22:31
المحور:
الادب والفن
مرثية نفسي
يحتدمُ المصير البشريّ في انفجار ثمرته ، متعرّياً بالهوّة المهزومة من الخلود . حثالة مدفوعة بهلع الانسان اللاشعوري من المذاق العذب لهلاكه . وجود معارٌ نحيا في لحظته ونكابد يأسنا في جحيم حيّ بين النظام المتصدّع للزائلين . الأضحية هي نفسها باقية منذ الأزل في تنفسها لنسيم العالم الذي يجرح ضميرها المعذّب . آلهتنا الميتة والحيّة في عنادها وجشعها ، تسحقنا في كل آنٍ من أجل القرابين ، ونحن فقراء لا نملك فضة أو سنبلة محظوظة . أسيادنا الذين فوّضناهم السهر على أحلامنا المعمورة ، يضخّون في دروبنا سموم غطرستهم المحترقة . لعنة تتباطأ في المواقع التي دفنَّا فيها الغرقى بلا فجر ولا صادح . يرتب الوجود العجلان للانسان مصيره ، في تحوّله المحترس بين العوالم المتلائمة للنفي والحضور ، والطبيعة لا تثرينا في شُعلها الفريدة ، تحافظ على النوع ، ولا تقترن بالكائن الذي يحضن موته بأنانية حادّة . يدعونا الواجب الى أن نُعجّل بنهاية حياتنا المفصولة عن ثمرتها . تفويضنا للحجارة بمصاهرة الحاضر ، فكرة غائمة ، يواجهها النحل بارتياب شديد .
تقديم القرابين
الى صلاح حسن
تُكلّفنا النجاة من صلاتنا الى آلهتنا الشائخة والمتنقّلة بين الأشجار ، اعطاء اشارات فاحشة للنسق الذي نريده لحياتنا . تأثيثنا لندمنا المعزول عن السرير المخملي للموت ، يوّسع ادراكنا في التملّص من العذر الذي يخجلنا الفكاك منه . الطواف في الأرض باتكاء طويل على الغيوم ، أو السهر بين المصالحة التامّة للنجوم ، أشياء لا نتوّرع عن نسيانها ونحنُ نطارد الخطّافات التي ترتقي الكمائن العالية للايروتيكا . الانصاف في النظر الى أولئك الذين ينخرطون في الجريمة ، ويموتون تحت القناديل المتألقة في الفظائع ، ميتة غير متكافئة ، يُحتّم علينا أن نغيّر المفاهيم ونُجمّل الخديعة . اللامبالاة ، أنهار تتعذّب في جروح من لا يشفيهم تقديم القرابين ، والآلهة تتبجّح بتحفّظاتها الثابتة ولا تمنح الغفران للخاسرين . وحدها ابر الخيّر النابضة ، تتقدّم في باطن السرّ ، وتلمس الفراغ المعقوف لتوجسنا من الموت المفاجىء للجيران . ترّنحنا بين الديون والتأمينات في المرايا الصدئة للطبيعة ، يدفعنا الى اعادة تجديد وسائدنا التي تستبدل فيها الحشرات ذبذباتها . اشارة مفاجئة للمرض المتعرّق ، نتشاجر في برقها الباقي ، ونصاهر المواساة بين الميزان والمنفى . أسياد العالم دبابير ، يوّسعون الاعتدال المتهافت للايمان ، ويباركون نوم قرود آلهتنا ، وعفونتنا المتوّرمة في تجرأها على الشيخوخة .
أشجار الخوخ
نرغبُ في عراكنا مع الأعداء المذبوحين ، اعطاء الحياة أثر جمالي ما ، أو شعلة فاتنة تتّحسّس جباه الذين انتحروا وبُسِطت فوق قبورهم أشجار الخوخ التي لا تتزحزح . العجرفة في بئرها الدنيئة ، تُذيب الضعف النحيل الذي نكابده في ضغطنا للسيطرة على حيواتنا المنزلية . كلّ الطغاة الذين عرفناهم في مقالعنا المتجرّدة من عطفها على مصائرنا المغمورة برماد الحروب ، كانوا يضخّون النباح على الزهرة المغتاظة ، ويتوّجب علينا أن نكون مثلهم في الاستغناء عن كلّ ما يدمي أشجارنا التي تتوسط قبور الأسلاف . يغرق الزمن في اللانهايات ، ويخلّف لنا ظلمته الشاملة المعطّلة والمثيرة للانتقام . نعينه على البلوى ، وننساه في تناسق شديد مع ذكراه التي تتصابى .
الصدى الإلهي الذي يتوسط تنفسات الرهائن
الى بلقيس حسن
يغلقون نسائم فجرنا بأفكارهم الصوفية المهدومة عن الفردوس ، ويؤثثون الحياة بحفيف أمراض وهموم تبعدنا عن الله . رجال زمننا الفاسد ، لا يكتفون بتجميل الخواء وتهديمهم للجسور ونجوم البحيرات ، يتوّسدون أسلحتهم الالهية المنعشة على الصخور ، ويتقدمون في الليل مع مدفعية طائفياتهم ، ويحوّلون حدائقنا وبروق أطفالنا المتعفّفة الى رماد . { الأخت المحجّبة بين أشجار الطقسوس } * تحدّق في التجويفات الكثيرة للأفق ، ولا ترى أيّ شيء من العدل الإلهي . زوجها التقيّ الطاهر الذي يجمع الثمار في الظهيرة للخفافيس ، يعتصم بصراخ ضحاياه ، ويئن في ثقل زوجاته – الحدبات . شرعة لا تتجانس معها في الصيف العصافير ، يتأبطها الشيخ ويعبر جثث من حرّض على قتلهم بلا اكتراث . تتلكأ في طليعة من يقتلنا على الهضاب الجافّة لبلداننا ، الثيران الدينية للمقدسين الجبابرة ، وتدوس بلا رحمة على الصدى الإلهي الذي يتوسط تنفسات الرهائن . متوّترون في تقربهم الى آلهتهم التي يغمرها الدم ، ولا يميّزون بين الجريمة وبين النسمة . ما تحتاجه البشرية الآن ، هو طوفان جديد ، يتنفّس فيه العالم ، أريج أشجار أخرى ، توثقنا الى محبّة الله وغفرانه ، وتخلّصنا من المجرم الذي يغلط في الاملاء ، ويضع الله والمسدس الكاتم في جرابه .
* اليوت { رباعيات أربع }
زمن الخليقة
الى زعيم نصّار
حشرات مربوطة الى الهاوية المتعفّنة للعالم ، تتدّرب على ادامة الأسقام التي توازن موتنا ، نطيعها في المرايا الغبراء للطبيعة ، ونتجنّب انفجار اللحظة المغضوطة . تذكّرنا للألم في سرعة جريان الندى على الحجارة الذائبة بين الأشجار ، اشارة تُحرّك التنفس المتضوّع للعصفور الميت ، والقش في نعومته على الشواطىء التي اصطدنا فيها الفراشات ، يُسدي النصح الينا ، ويدلنا على النهاية الشاحبة التي لا تلتئم فيها جروحنا . عويل في هلعنا المشروع من ما يدّمر صوامع غلالنا الفقيرة في أزمان المجاعة ، نتردّد في غلبته ، وتحيّرنا الإزهارات المتجدّدة للثمار . التقدّم من زمن الخليقة الأول ، يدّنس ما آمنَّا به في الأكواخ الأبوية . حياتنا المريضة متكلَّفة بثقل صلصالها العتيق ، ونحن نرقص من دون باعث في اللاكيان . تزفر الكينونة نورها الفجري المعصوم على الحجارة والمياه والظلمة المتريّثة ، ويعوز الانسان الذي يقترن موته ، بفساد جنسه ، التحرّر التام من وعيه ، ومن المعرفة التي تتعهّد باسناد عذابه وتشظيه تحت الشمس التائهة للزمان .
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأطلال الخادعة للماضي
-
5 قصائد
-
العفن الجنائزي للماضي والحاضر
-
ثقل الأضاحي
-
مصائرنا المصفوعة بيأسها المريع
-
ثلاث قصائد
-
نصوص الحرب
-
يتضوّع الفجر الشقيق للحبّ رخيماً على المحبين
-
الحمقى الذين يسهرون في كهولتهم
-
دفاعاً عن ما يفنى في الطبيعة
-
6 قصائد
-
اللحظة / الحركة
-
الهديل المرتعش لحمائمنا فوق الخرائب
-
الأضواء العطرية للحجارة الكريمة { 5 قصائد }
-
تقديم القرابين . 8 قصائد
-
ميراثنا المعشوق بين الدموع
-
المقدس والمدنس
-
القيثارات العتيقة لموتنا
-
بين الأشجار الضامرة للعزيز المتوفَّى
-
غبار عظيم في ثيابنا القربانية
المزيد.....
-
مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م
...
-
NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
-
لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
-
فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر
...
-
هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا
...
-
فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي
...
-
الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب
...
-
خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو
...
-
سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح
...
-
منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز
...
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|