الانتحار - مشكلة عالمية (1)

مجدى زكريا

الحوار المتمدن-العدد: 3865 - 2012 / 9 / 29 - 22:02
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    

" الانتحار مشكلة خطيرة تتعلق بمجال الصحة العامة ". دايفيد ساتشر, مدير دائرة الصحة العامة فى الولايات المتحدة.
هذه العبارة تسم المرة الاولى فى التاريخ التى يطرح فيها مدير لدائرة الصحة العامة فى الولايات المتحدة موضوع الانتحار على طاولة البحث. فعدد الذين يقتلون نفسهم فى هذا البلد يفوق عدد الذين يقتلهم الاخرون. لذلك لاعجب ان يعلن مجلس الشيوخ الاميركى ان مكافحة الانتحار مسألة ينبغى ان تحتل الاولوية فى كل ارجاء البلد.
ازدادت نسب الانتحار حول العالم, مما يعادل تقريبا ميتة واحدة كل 40 ثانية. لكن الاحصائيات لا تخبر الحقيقة كاملة. ففى حالات عديدة ينكر اعضاء العائلة ان الموت كان سببه الانتحار. وعلاوة على ذلك, يقدر ان مقابل كل عملية انتحار تتم, هنالك 10 الى 25 محاولة انتحار. وفى احد الاستطلاعات, اعترف 27 فى المئة من التلامذة فى المدارس الثانوية فى الولايات المتحدة انه خلال السنة السابقة راودتهم فعليا فكرة الانتحار. واقدم 8 فى المئة ممن شملهم الاستطلاع على محاولة الانتحار : كما وجدت دراسات اخرى ان 5 الى 15 فى المئة من الراشدين راودتهم افكار انتحارية فى بعض الاوقات.
ان الطريقة التى ينظر بها الناس الى الانتحار تتفاوت الى حد بعيد. فالبعض يعتبرونه جريمة والبعض الاخر وسيلة يلجا اليها الجبناء للهرب من مشاكلهم. وينظر اليه اخرون ايضا كطريقة شريفة للأعتذار عن خطأ. ويذهب البعض الى حد اعتباره طريقة نبيلة لدعم قضية ما. فلم يوجد هذا التفاوت فى الاراء ؟ تلعب الحضارة دورا اساسيا. تذكر رسالة هارفرد للصحة العقلية ان الحضارة " تؤثر فى امكانية حدوث الانتحار ".
تأملوا فى بلد يقع فى اوروبا الوسطى - المجر, يشير الطبيب زولتان ريمر الى ان نسبة الانتحار العالية فى هذا البلد هى " تقليد مؤسف ". وذكر بيلا بودا, مدير المعهد الوطنى للصحة فى المجر, ان المجريين يقدمون على الانتحار دون تردد, لأى سبب تقريبا, والقول " انه مصاب بالسرطان وهو يعرف كيف ينهى هذا الوضع " هو رد فعل شائع, كما يقول بودا.
وفى الهند, درج قديما تقليد دينى معروف بالسوتية يقضى ان ترمى الارملة نفسها فوق محرقة زوجها الجنائزية. ورغم ان هذه الممارسة منعت منذ زمن طويل, فهى لم تنقرض كاملا. ويقال انه عندما انتحرت احدى النساء بهذه الطريقة, جعل السكان المحليون من المأساة عملا بطوليا. ووفقا لمجلة الهند اليوم, فأن تلك المنطقة فى الهند " شهدت على مدى 25 سنة موت حوالى 25 امرأة ألقين بأنفسهن فوق محرقات ازواجهن الجنائزية ".
والجدير بالملاحظة ان عدد الضحايا الذى يحصده الانتحار فى اليابان هو ثلاثة اضعاف الضحايا التى تحصدها حوادث السير. تقول اليابان- دائرة معارف مصورة : " ان حضارة اليابان التقليدية, التى لم تدن قط الانتحار, معروفة بعادة متأصلة جدا فى بنيتها, عادة نزع الاحشاء ( الهاراكيرى ).
وهذا الافتتان الحضارى بالموت اوضحه اينازو نيتوبى, فى كتابه البوشيدو - روح اليابان, كتب : " الهاراكيرى ابتكار يعود الى القرون الوسطى, لجأ اليه المحاربون ليكفروا عن جرائمهم, يعتذروا عن اخطائهم, يهربوا من العار, يفدوا اصدقائهم, او ليبرهنوا عن اخلاصهم ". ورغم ان هذا الشكل الشعائرى من الانتحار مضى عليه الزمن, لا يزال قليلون يلجأون اليه للتأثير فى المجتمع.
اما فى العالم المسيحى, فقد اعتبر الانتحار جريمة فترة طويلة, فبحلول القرنين السادس والسابع, كانت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية تحرم الذين ينتحرون ولا تسمح باجراء الطقوس الجنائزية لهم. وفى بعض الاماكن ادت الحماسة الدينية الى عادات غريبة تتعلق بالمنتحرين - بما فيها تعليق الجثث, وغرز الاوتاد فى القلوب.
لكن الغريب فى الامر ان الذين كانوا يحاولون الانتحار تعرضوا لعقاب الموت. فقد شنق رجل انجليزى فى القرن التاسع عشر بعدما فشل فى قتل نفسه. وهكذا كانت السلطات تكمل ما فشل الرجل نفسه فى القيام به. ورغم ان هذا العقاب تبدل على مر السنين, لم يكن حتى سنة 1961 ان اعلن البرلمان البريطانى انه لم يعد الانتحار او محاولة الانتحار يعتبران جريمة. اما فى ايرلندا, فقد استمر اعتبار الانتحار جريمة حتى سنة 1993.
واليوم, يشجع بعض الكتاب على الانتحار باعتباره احد الخيارات, ففى كتاب صادر سنة 1991 يتناول موضوع انتحار من يعانون مرضا مميتا بمساعدة طبيب, عرضت طرائق ينهى بها المرء حياته. ولاحقا, صار عدد متزايد من المرضى الذين لا يشكون من مرض مميت يلجأون ايضا الى احدى هذه الطرائق المذكورة.
فهل الانتحار هو حقا الحل لمشاكل الانسان ؟ ام ان هنالك اسبابا وجيهة للاستمرار فى الحياة ؟ قبل التأمل فى هذين السؤالين. لنفحص اولا الاسباب التى تؤدى الى الانتحار.
" يتبع "

#مجدى_زكريا (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل