أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - مريم نجمه - صراع القوى الدولية على منطقة البحر الأحمر - من يسيطر على الماء يسيطر على اليابسة - 4















المزيد.....


صراع القوى الدولية على منطقة البحر الأحمر - من يسيطر على الماء يسيطر على اليابسة - 4


مريم نجمه

الحوار المتمدن-العدد: 3828 - 2012 / 8 / 23 - 22:14
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


من يسيطر على الماء يسيطر على اليابسة – صراع القوى الكبرى على البحر الأحمر – 4

البحر الأبيض المتوسط , البحر الأحمر , بحر العرب , الخليج العربي , باب المندب , قناة السويس , مضيق هرمز , مضيق جبل طارق , مضيق البوسفور , بحر مرمرة , قناة باناما , الخ ...
هذه المضائق والبحار الداخلية التي تكونت وتشكلت على كوكبنا الأرضي منذ اّلاف بل ملايين السنين , هي همزة الوصل بين بحر وبحر بين قارة وقارة وأخت وأخت , بين بلد وبلد ولغة ولغة وثقافة وثقافة واقتصاد وتعارف وتلاقي بين البشر ..
القارات أخوات والبحار إخوة , الماء واليابسة دائماً في ذكر وأنثى , إتحاد وصراع ,, نكمل إبحارنا في عالمنا المائي الذي لم يطفّي أو يطفئ جشع الكبار رغم أمواجه الرطبة المنعشة لكن لا ننسى هيجانها الذي يغرق قرصان البحار ..واللصوص معاً ..
المهم نحن اليوم ما زلنا في رحلة تاريخية جغرافية في ممر مائي مغلق تقريباً هو البحر الأحمر ( بحر القلزم ) سابقا , الذي يفصل بين أفريقيا واّسيا ويربط ويوصل بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي عبر قناة السويس وباب المندب , والشعوب المتقابلة على حافتيه الشرقية والغربية والجنوبية ..
كنت قد كتبت مقالين سابقين عن هذا الموضوع وفي المقال السابق واقع و أحداث ملموسة معاشة تاريخيا وما زالت حتى الساعة سبب حروبنا وثوراتنا الحالية والصراع الدولي على منطقتنا -
الماء ..الأنهار .. و البحار .. هي السهل الممتنع , هدف كل دولة أن تصل إليها وتسبح في أمواجها الذهبية وتتفسح على شواطئها الجميلة المشمسة وتبني لها الشاليهات والمقاهي والعنابر والقواعد , وتشرّع سفنها في عبابه وتستحوذ على ثرواته البحرية وسواحله وموانئه الأرضية وقواعده وشواطئه البحرية للتموين والإستراحة ونقل البضائع وسير الناقلات العملاقة , والدفاع عن نفوذها وتوسعها وإمبراطوريتها المتضخّمة والممتدة خارج حدودها لمنع الإعتداء على محيطها الإستعماري ولتكون بالتالي سيدة البحار تتحكم بكل الطرق المائية والبرية وخاصة في الحروب الكونية والمحلية لتكون اللاعب الأساس في إدارة السياسات الدولية والتحكم في مسارها لمصلحتها مهما كانت النتائج والخسائر -
التاريخ والزمن لا يتوقف , التاريخ يطوي فقط دول أمم إمبراطوريات وزعماء وملوك , وحضارات , ويأتي باّخرين , وهكذا هي الحياة والكون ..
مستمر هذا الصراع حتى يومنا هذا متجسداً اليوم بين روسيا وأميركا ودول الغرب ودول جنوب اّسيا وعلى رأسها الصين الشعبية , وغداً الصين والكيان االصهيوني وإيران وتركيا مرة أخرى من يدري !؟ والشعوب المضطهدة الفقيرة تتفرّج , تقتل تسرق تنهب تجوّع وتهجّر في كل اتجاه إلى ( أوربا وأميركا وأستراليا ... ) .
دوماً في جديد.. في يوم اّخر.. وحضارة أخرى
يقال عن اليمن أنها " أم الأرض " , فهي ذي مركز استراتجي على الزاوية الجنوبية الشرقية من البحر الأحمر ذي طبيعة جميلة لها ماض غائر في الحضارة والتقدم ملوك ملكات ( بلقيس ) تربّعوا على عرش الجمال والسحر الأنثوي والكرم والحب , ضرب بها المثل بالجمال وقوة الشخصية ..
ومصر( أم الدنيا ) أول من دشّن ملوكه وملكاته هذا البحر بحر القلزم بالإستكشاف والتجارة ونقل مواد القرن الأفريقي لمصر ومن مصر إلى ... العالم القديم كما شرحت سابقاً .. والفينيقيين -الكنعانين مغامري البحار ومعلمي التجارة كان لهم تواجد وحضور يوم كانت المعابد ومتطلباتها والصراع حول الاّلهة الهمّ الوحيد للملوك والإمبراطوريات ,,
ما أشبه اليوم بالبارحة وتجار الدين والسياسة والمال تتناحر اليوم تماماً كما كانت منذ 5 – 10 اّلاف عام مضى ..!؟
ما أحقر الإنسان عندما يسقط في متاهات القشور وينسى العقل والفكر والذهن وما فوق .. وينزل إلى العالم السفلي !

**
لقد بدأت الدول القديمة والجديدة بهذا الصراع على الشريان الحيوي المائي منذ اكتشافه حتى اليوم , منذ أول رحلة فيه بالسفن الصغيرة والمراكب والقوارب وبناء المعابد والقصور , والدول بحاجة للخشب والتوابل والأحجار وكل مقومات البناء المدني والعسكري , أي بمعنى بدأت من الأقوام والشعوب الأولى التي اكتشفته واستخدمته قبل اكتشاف العالم الجديد أميركا وأوستراليا حيث كان محصوراً بقارات العالم القديم أسيا أفريقيا وأوربا -
حاولت كل الدول الإستعمارية : فرنسا , إيطاليا , روسيا , أن تحصل على محطات بحرية عبر طريق المواصلات الجديد بين الشرق والغرب , محطات تقوم بتخزين الفحم والمؤن والتموين فيها لسد حاجة سفنها , وتحولت هذه المحطات إلى قواعد هامة , وكانت هذه المحطات هي عدن الإنكليزية , وأبوخ الفرنسية , وعصب الإيطالية . والتي كانت نواة الإستعمار الأوربي ومراكزه في البحر الأحمر , وحلت هذه الدول قبل نهاية القرن التاسع عشر محل مصر الخديوية التي كانت تبسط سيطرتها على طول شواطئ البحر الأحمر الغربي وخليج عدن بالنيابة عن الدولة العثمانية .

بعد انحسار الدور العثماني في بلادنا والمنطقة , بدأ النفوذ الأوربي يتغلغل في منطقتنا العربية والعالم القديم والجديد رويداً رويداً , وخاصة بعد الثورة الصناعية الأوربية في بريطانيا أولاً - وتطور الإكتشافات الجغرافية شرقاً وغرباً وتنامي رأس المال لدى الدول الأوربية بعد الإكتشافات وتصنيع المواد الأولية , وتشكل الدول الإستعمارية والحاجة الملحة للأسواق ومواد الخام الضرورية للصناعة الجديدة ..كلمة عن تاريخ إحتلال العثمانيين للعرب ؟ كل دولة
فقد أخذ الصراع في هذه الحقبة يأخذ شكل الثورات الوطنية والتحررية في الدفاع عن الوجود والأرض والموارد والموقع ..وأحياناً كان يأخذ أو يغلف بغلاف ديني , لكنه في الجوهر والعمق كان لأسباب إقتصادية بحتة ..

ماذا عن السودان : البلد المحاذي للبحر غرباً لم تستكن شعوب المنطقة أمام الهجمة الأوربية فكانت ثورة المهدية في السودان,, التي قام بها تحت شعار رفع راية الجهاد الإسلامي - محمد أحمد المهدي- فهزم الإنكليز واحتل الخرطوم بعد مقتل الجنرال غوردون في عام 1885 وظلت قوات المهدية تصارع ضد القوات البريطانية والإيطالية والحبشة المتحالفة حتى سقوطها عام 1898 بعد ( معركة كرري ) بالقرب من أم درمان ووقوع السودان تحت الإحتلال البريطاني ,, وكانت دولة المهدية قد هزمت قوات الحبشة وقتلت ملكها يوحنا في عام 1889 .

الصومال : عاصمتها مقديشو , تقع على الساحل الغربي للمحيط الهندي . وقد كانت الصومال مركزاً تجارياً مهماً على مر العصور وملتقى لطرق الملاحة البحرية كموقع وسط بين شبه القارة الهندية وأوربا والجزيرة العربية - قبل شق قناة السويس والساحل الأفريقي .أحتلتها إيطاليا عام 1892 م , مقديشو وكسمايو أكبر المدن فيها -
ففي الصومال ... قاد السيد محمد عبدالله حسن - الذي درس العلوم الإسلامية في مكة - حركة الجهاد ضد الإنكليز والطليان والأحباش مجتمعين وكانت معركة ( دلما دوبي ) إحدى معاركه الشهيرة وقتل فيها القائد البريطاني الجنرال كوفيلد ,
وقد حملت الصحف البريطانية في صفحاتها الأولى عنوان : ( مأساة رهيبة لقواتنا في بلاد الصومال . ) .
وقد ألقى السيد محمد حسن , بهذه المناسبة قصيدة شعرية باللغة الصومالية – وكان خطيبًا وشاعراً حكيماً سواء بالصومالية أو العربية بعنوان : أخبرهم في جهنم – يفاخر فيها كيف قتل الجنرال ويشيد بشجاعة الدراويش وهو الأسم الذي يطلق على جيشه .
لأسباب محلية وخارجية لم تنجح حركة السيد محمد عبدالله حسن , لذلك تكالبت ضده قوى الشر ومات في عام 1920 في منطقة إيكمي - لأقليم ( أوغادين ) مسقط رأسه إثر مرضه بالأنفلونزا عن عمر لم يزد عن 56 عاما .

الدولة الأثيوبية : إثر انتصار منيليك , ملك الحبشة على الطليان في معركة ( عدوا ) عام 1896 , تودّدت إليه الدول الأوربية حماية لمصالحها وتدفقت إليه الأسلحة من بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وروسيا , ويقول لويس في كتابه : ( التاريخ الحديث للصومال ) : " إن دولة الحبشة التي ساهمت عبقرية منيليك في إقامتها قد تحولت الاّن إلى قوة ذات سيادة يجب أخذ الإعتبار بموقعها وطموحاتها بصورة جديدة , إذا كان يراد للمصالح الإمبريالية الأوربية أن تزدهر " . ويشير الكاتب الصومالي علي أحمد نور طرابلسي في كتابه : ( النزاع الصومالي – الأثيوبي ) إلى أن " عبقرية منيليك لم تكن لتوجد لو لم تستند إلى العون المادي والمعنوي الذي تدفق عليها من الدول المسيحية الأوربية الأمبريالية , ليس لأن الحبشة دولة مسيحية ينبغي العطف عليها ’ وحسب وإنما لأنها دولة إستعمارية يمكن الإعتماد عليها في حماية المصالح الإمبريالية في المنطقة أيضاً " .
وتلى ذلك .. المعاهدات التي عقدتها بريطانيا وإيطاليا وفرنسا مع الحبشة وبموجبها تم تقاسم بلاد الصومال بين هذه الأقطار , الأمر الذي أبقى المشكلة جرحاً لا يندمل, يتمثل في حروب طاحنة عاشتها المنطقة بين شعب الصومال وأثيوبيا .

استفادت الحبشة كدولة قائمة منذ عهد قديم ,, فلقد احترم الأوربيون - لأسباب دينية ومصلحية - استقلالها واستفادت من حضور المؤتمرات التي نظمتها الدول الإستعمارية الأوربية لتقاسم أفريقيا , فحضرت مؤتمر برلين – 1884 – 1885 ومؤتمر بروكسل عام 1890 , وبذلك صار للحبشة حق الحصول على الأسلحىة النارية والهدايا التي تتنافس في تقديمها الدول الإستعمارية على سواحل الصومال وأرتيريا حتى أصبح للحبشة جيش ضخم يحمل أكثر من مائتي ألف قطعة سلاح بما فيها بعض المدافع . ويقول حمدي السيد سالم في كتابه : الصومال قديماً وحديثاً : ازدادت الواردات من الأسلحة والمعدات الحربية على الحبشة بعد الإتفاقيات المذكورة بشكل مخيف , والهدف الأساسي منها تدعيم هذه الحركة التوسعية في شرق أفريقيا والصومال لأن فيها مكاسب لأوربا فوق كل اعتبار –

انطلق منيليك بعد ذلك في فتوحاته فقضى على إمارة هرر التاريخية في عام , 1887 إثر ( معركة شلنقو ) وهزيمة الأمير عبدالله بن عبد الشكو وكتب للحاكم البريطاني في عدن يقول : لقد قتل الإمام أحمد وهرب الأمير عبدالله , ووسع مملكته وشكل ما يعرف اليوم بالإمبراطورية الإثيوبية وذلك في الربع الأخير من القرن التاسع عشر .
وفي نفس الوقت أرسل منيليك خطاباً إلى ملوك أوربا بتاريخ 10 / 4 / 1891 يعرفهم فيه بحدود مملكته , وهو خطاب يؤكد النزعة التوسعية , إذا يقول في بعض فقراته :" سأحاول أن أعيد إقامة الحدود القديمة لأثيوبيا إذا وهبني الله حياة وقوة حتى تصل إلى الخرطوم وحتى بحيرة نيازا متضمنة بذلك كل قبائل الغالا . لقد ظلت أثيوبيا , وإنني على ثقة بأن عناية الله سوف تحفظ أثيوبيا من التقسيم بين الدول الأخرى , لقد كان البحر الأحمر هو نهاية حدود أثيوبيا ’ فلما أعوزتها القوة ولم تتلق أي عون من الدول المسيحية سقطت حدودنا على ساحل البحر الأحمر بقبضة المسلمين . وفي الوقت الحاضر لا ننوي أن نستعيد حدودنا البحرية بالقوة ولكننا واثقون بأن القوة المسيحية القوى تحرسها عناية الله فتنقذنا وستعيد إلينا الخط الساحلي على البحر أو على أي حال بعض نقط فيه " ,,
بعد 65 , سنة تكررت نفس المأساة . ففي 13 / 8 / 1946 قدمت الحكومة الأثيوبية مذكرة إلى مؤتمر السلام المنعقد في باريس تطالب فيها بضم أرتيريا والصومال إليها , وجاء فيها :

( مادة 1 : أن أثيوبيا بحدودها الحالية منفصلة تمامًا عن البحر , وعليه أن جميع صادرات وواردات البلاد يجب أن تعبر عن طريق موانئ تشرف عليها بلدان أجنبية لتتمكن من أن تصل إلى أسواق العالم الخارجي ’ وإن هذه الحالة تضع تجارة الحبشة في خطر , ويوجه وبوجه خاص عندما تكون هذه الموانئ تحت إشراف حكومات الأقطار المجاورة التي تنافس منتجاتها منتجات الحبشة ) .
( مادة 2 – ليست أثيوبيا هي الدولة الوحيدة المفضلة لتتولى إدارة البلدين – أرتيريا وصوماليا – فحسب ’ بل وإنها على استعداد تام لتولي جميع المسؤوليات الناتجة عن الإدارة المذكورة . ثم أن إقتصاديات أثيوبيا وأرتتيريا يكمل كل منهاما الاّخر . أي أن ازدهار أرتيريا يتوقف على ازدهار أثيوبيا . وأن هذه الأخيرة يتوقف إزدهار ها علي حصولها على منفذ إلى البحر عن طريق إعادة أرتيريا إليها , ونفس الشئ يمكن أن يقال عن العلاقات بين أثيوبيا والصومال ) .
وإذا توقفنا قليلا عند هاتين المادتين نجد أن أثيوبيا تشكو في المادة الأولى من إنفصالها عن البحر وإمكان تعرض صادراتها ووارداتها لخطر إشراف حكومات الأقطار المجاورة , وهذا الخطر يكمن في منتجات هذه الأقطار التي تنافس منتجاتها منتجات الحبشة . أي أن الخطر الذي يهدد الحبشة من جراء حرمانها من منفذ بحري هو خطر تجاري بحت وهو خطر يكمن في المنافسة على المنتجات . أما المادة الثانية فتتقدم باقتراح أن أثيوبيا هي الدولة المفضلة لإدارة البلدين – أرتيريا والصومال .
بداية التدخّل الأميركي والسوفياتي في المنطقة والصراع والوفاق بين القطبين :

وهنا يتضح قصد المذكرة وهي أن أثيوبيا تريد هذه المرة تحقيق مطامعها التوسعية بابتلاع ما تبقى من الأقطار المجاورة لها عن طريق المؤتمر الذي عقد بإسم السلام . هذا بجانب الإدعاء عن حقوق تاريخية في هذه البلاد وهو ادعاء تبريري أكثر من أية حقيقة موضوعية إذا لم يكن للحبشة وجود في أرتيريا او الصومال على مدى التاريخ .
ووجد الإمبراطور هيلاسيلاسي في الولايات المتحدة الأميركية حليفاً قوياً , إذ أنه وبعد أن عقد سلسلة إجتماعات مع الرئيس روزفلت عام 1943, في البحيرات المرة بمصر ثم في ليك سكس في عام 1945 تم الإتفاق بين البلدين على دعم أميركا لمزاعم أثيوبيا في أرتيريا نظير إقامة أمريكا قواد عسكرية في الشاطئ الأرتيري ... واستطاعت أميركا بما كان لها من نفوذ فرض مشروع قرارها القاضي بتوحيد أرتيريا مع أثيوبيا في إطار فيدرالي عن طريق هيئة الأمم المتحدة على الرغم من معارضة شعب أرتيريا ومساندة الإتحاد السوفياتي والكتلة الإشتراكية والدول الإسلامية لمطلبه العادل بالإستقلال ,
وهكذا خلقت المشكلة الأرتيرية التي جاءت نتيجة لحرمان الشعب الأرتيري من حقه في تقرير مصيره ونيله إستقلاله .

واتخذت بريطانيا خطوة ظالمة أخرى عندما وقّعت الإتفاقية مع إمبراطور أثيوبيا في لندن في 29 – 11 1954 , بموجبها سلمت بريطانيا لاثيوبيا منطقة هود والمنطقة المحجوزة وتساوي 40 الف كم مربع ويسكنها نحو مليون صومالي لمجرّد إضعاف الصومال بتمزيق أوصاله تحت ستار توحيد مناطق الرعي الصومالية في إطار أثيوبيا .
ولم يعمّر الإتحاد الفيدرالي طويلاً , فقد قضت عليه حكومة الحبشة عملياً منذ ميلاده في عام 1952 خشية أن تنعكس الوضعية المستقلة ذاتياً لإرتيريا على بقية القوميات الأثيوبية , وأدّى ذلك إلى نشوء جبهة التحرير الأرتيرية وحرب الإستقلال التي دارت رحاها أكثر من عشرين عاماً . كما نشأت جبهة تحرير الصومال الغربي لتحرير الأراضي الصومالية . ولا تزال حالة الحرب تنشط وتهدأ بصورة متوالية بين الصومال وأثيوبيا منذ إعلان قيام الجمهورية الصومالية في عام 1960 .
وما أن قام الإنقلاب العسكري الذي أطاح بالنظام الملكي في أثيوبيا وجاء على أنقاضه نظاماً دموياً عسكرياً يرفع شعارات ماركسية متطرفة حتى لقي تجاوباً سوفياتياً .!؟
وحلّ الجنرالات الأمريكان في تدريب وتوجيه الجيش الأثيوبي في حروبه ضد أرتيريا وضد الصومال وضد الحروب القومية بعد أن نشأت جبهة تحرير أرومو وجبهة تحرير صومال أبو , وهما يمثلان شعب الغالا الذي يطالب بتأسيس دولة أروميا المستقلة ل 16 مليون نسمة يسكنون في معظم أرض الأمبراطورية . وأقام السوفيات منذ عام ( 1977 ) جسراً جوياً نقل معدات عسكرية متنوعة تقدّر قيمتها بنحو 3 اّلاف مليون دولار . هذا في وقت امتنعت فيه الدول الغرب عن تقديم أية أسلحة ذات قيمة عسكرية للصومال حتى الاّن -
كما حصل ويحصل اليوم في سوريا !

وكان الرئيس الأمريكي كارتر - قد أعطى عن طريق مبعوثه دافيد اّرون أثناء لقائه بمنجستو هيلي ماريام في 17 – 2 - 1978 وعداً أمريكياً بعدم تقديم أي عون عسكري مباشر أو عن طريق طرف ثالث للصومال الغربي . وكان هذا بمثابة المسمار الأخير في النعش الذي حملت عليه اّمال الصوماليين في الحصول على سلاح من الغرب . ومنع الأمريكيون شاه إيران من مساعدة الصومال بالأسلحة الثقيلة كما منعوا غيره . حجة الغرب وعلى رأسهم أميركا في عدم تأييد الصومال في حربها ضد أثيوبيا تقوم أساساً على فرضية التقيدّ بميثاق منظمة الوحدة الإفريقية الداعي إلى عدم تغيير الحدود الموروثة من الإستعمار لتجنيب القارة شرور ة البلقنة والتشرذم القبلي , و متى كان الغرب الإستعماري يتقيد بالمبادئ والمواثيق , وهو الذي تخلّى في لحظة شديدة الحرج والخطورة عن حليفته باكستان وترك وحدتها تتمزّق بفعل تدخّل الجيش الهندي وبتأييد فعال من الإتحاد السوفياتي !؟
الصين ساعدت ودعمت باكستان نووياً , والإتحاد السوفياتي ساعد وسلّح الهند أيضاً !!؟

غير أن هناك عوامل أخرى جعلت الغرب يتعايش سلمياً مع سياسة الهيمنة السوفياتية في القرن الأفريقي منها :
1 – العطف التقليدي من الدول الغربية على دولة الحبشة والمحافظة على بقائها إمبراطورية قوية وسط البحرالاحمر في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي ..
2 – التأثير الصهيوني في السياسات الغربية , وحيث تسعى الصهيونية العالمية وإسرائيل لإقناع دول الغرب بالتعايش مع ماركسية أثيوبيا , بدلاً من السماح بتمزيقها وإقامة دول تكون حليفة للعرب إن لم تكن جزء من جامعتهم – يذكر الكاتب والقائد عثمان سبي : " في إحدى زياراتنا لإيطاليا طلب منا مسؤول إيطالي أن نقابل وفداً إسرائيلياً لتطمين إسرائيل بأن أرتيريا المستقلة سوف لن تكون معادية لها في البحر الأحمر حتى ترفع إسرائيل إعتراضها على دعم أرتيريا من قبل دول الغرب . وبالطبع نحن رفضنا ذلك . ولم ينقطع الدعم الإسرائيلي بقطع الغيار للأسلحة الغربية والإسرائيلية لأثيوبيا بجانب إستعمال نفوذها لدى دول الغرب باستمرار دعمها الإقتصادي لأثيوبيا " ؟
3 – رهان أمريكا على عدم جديّة ماركسية ( منجستو ) ونظامه . وأنه متى انتهت حالة الحروب في القرن الأفريقي واستغنت أثيوبيا عن السلاح السوفياتي يمكن لمنجستو أن يتخلص من الروس كما فعل المصريون والسودانيون والصوماليون .


ومن البديهي أن يحسب السوفيات لشتى الإحتمالات ويتخذوا كافة الإحتياطات لحماية وجودهم في أثيوبيا والذي يأتي وفق مصالح استراتيجية دولية تهدف إلى توسيع نفوذهم في القارة الأفريقية والشرق الأوسط عبر سلسلة من الإجراءات والمراحل مستفيدة من حالات المجاعة والتذمر وعدم الإستقرار ..

***
وعدم الإستقرار التي تسود العالم الثالث ومن الأحزاب الشيوعية التقليدية التحريفية التي تمثل حصان طروادة لسياستهم . ولعل وجود جيش كوبي مؤلف من 25 ألف جندي تحت أمرة ضباط روس بالإضافة إلى سيطرة الألمان الشرقيين على أجهزة الأمن مع تركيز الجهد لبناء كادر عقائدي تعد كلها ضمن الحسابات السوفياتية لإبقاء نفوذهم في أثيوبيا , - سوريا مثالاً حتى يومنا هذا – رغم أن روسيا الرأسمالية هي وأميركا صنوان -

ومع كل ذلك ولأنه ليس هناك في السياسة ثوابت فإن احتمال تغير مواقف الدول والقوى الكبرى أمر وارد , فقد تنجح الولايات المتحدة في تدبير إنقلاب عسكري يعيد أثيوبيا إلى حظيرة الغرب وعندئذ يجد السفيات أنفسهم حلفاء الأعداء أثيوبيا من الأرتيريين والصوماليين , ويمكن أن تتركز سياستهم عندئذ على إبقاء موطئ قدم لهم في شاطئ البحر في جزيرة ( تخرة ) في أرخبيل دهلك القريب من الجزيرة العربية , وربما لهذا السبب لا يقطع السوفيات صلاتهم باليسار الأرتيري بحثا عن حبل سياسي في إطار أثيوبيا .
الولايات المتحدة الأميركية : كما يمكن العكس , يتأكد الغرب من هيمنة السوفيات على أثيوبيا واستمرار توسعهم في المنطقة , خاصة بعد أن جعلت أحداث تشاد مصر والسودان أكثر التصاقاً بالسياسة الأميركية , في وقت تدين فيه أثيوبيا وجمهورية اليمن الديمقراطية التواجد الأمريكي العسكري في المنطقة . وتأتي إشارات عديدة من إداررة ريغان تدل على توجه السياسة الأمريكية نحو التشدد إزاء النشاط السوفياتي في القرن الأفريقي والبحر الأحمر حتى أن الناطق الرسمي بإسم وزارة الخارجية الأميركية لثوار أرتيريا والصومال وأفغانستان عن طريق طرف ثالث .

بما أن حاجة أمريكا إلى تسهيلات عسكرية في منطقة القرن الأفريقي جعلها تعقد إتفاقية مع الصومال بموجبها , تقدّم الصومال تسهيلات عسكرية في ميناءي ( بربرة ومقديشو ) مقابل تقديم أمريكا مساعدات عسكرية واقتصادية للصومال . , وفوق ذلك ضمان تواجد أمريكي مقابل التواجد السوفياتي في أثيوبيا وحلفائها من إجتياح الصومال . وهذا ما يتوجب على الدول العربية أن تفهمه بالنسبة للوضع الصومالي الخطير , التواجد الأمريكي مقابل التواجد السوفياتي سيجعل المنطقة في حالة صراع قد لا يأخذ شكل إنفجار واسع خشية إندلاع حرب عالمية – تسعى القوى الكبرى على تجنبها بكل الجهود الممكنة – ولكنه يستمر على شكل حروب عصابات يستهدف منها كل طرف دولي ومحلي إنهاك خصمه . .
**
لمن تكون الغلبة في هذه الحالة بالنسبة للصراعات المحلية ؟؟
إن الشعوب المغلوبة على أمرها والتي تحمل السلاح من أجل تثبيت حقها في الحياة الحرة لا يمكن أن تنهزم لأنها تمثل إرادة المجموع وليس إرادة الفرد أو فئة مستفيدة من النظام العالمي أو العسكري – وهي إرادة مباركة , فيد الله مع الجماعة , فشعوب أرتيريا والصومال وفي أثيوبيا من أبناء الأرومو والعفر والتجراي وغيرهم إنما تحارب من أجل الحق , حقهم في الحياة وليست لهم نوايا عدوانية تحاول رفع الظلم عن كاهلها , كذلك أن الصراع في القرن الأفريقي ليس صراعا ً بين القوى الكبرى فحسب , ولكن هناك دوافع محلية وطنية متأججة تؤججها حقوق مغتصبة تستوجب عليهم القتال مرغمين وهم مكرهين . فالروح أغلى ما يملك الإنسان وهو لا يضحي بها إلا لما هو أغلى وأثمن كرامته وحقوقه الطبيعية في الحياة ,كما قال الشاعر المتنبي :
( ومراد النفوس أهون من أن نتعادى فيه أو أن نتفانى , غير أن الفتى يلاقي المنايا , كالحات ولا يلاقي الهوانا , وإذا لم يكن من الموت بد , فمن العار ان تموت جبانا ) .
ومن ثم فإن لهيب هذا الصراع لن ينطفئ إلا إذا نال كل ذي حق حقه , وأحرزت شعوب أرتيريا والصومال والغالا وغيرهم حقوقها المشروعة .
صراعات هذه المنطقة وخاصة القرن الأفريقي صراعات لا تنته ممتدة على طول الأجيال والخاسر هي الشعوب الفقيرة التي تدفع الثمن دوماً من دماء أبنائها الأبرياء كما يحصل لنا اليوم في سوريا وشعبها المذبوح !!!
****
استمرار الصراع بين الإتحاد السوفياتي ( CCCP ) .. وأميركا وتاثيره على الخليج العربي والعالم حتى يومنا هذا بعد انتهاء الحرب الباردة وقيام روسيا الإتحادية ؟ نكمل ...
مريم نجمه / هولندة



#مريم_نجمه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دار لدار يا ثورتنا الحلوة .. المسيرة المدينية للثورة السو ...
- من يوميات صيف الثورة السورية - 21
- من يسيطر على المياه يسيطر على اليابسة - البحر الأحمر - رقم 3
- النفط يصّنع الأحداث , النفط يتكلّم النفط يحكم !
- خواطر صباحية
- كرنفال الأولمبياد في لندن .. ومهرجان القتل في سورية !؟
- ثورة شعب - من اليوميات - 20
- من اليوميات - 19
- تعابير عامية ..من مفرداتنا الشعبية اليومية - رقم 10
- اليد الواحدة تصفّق !؟
- الزهرة الجبلية
- المسيرة المدينية للثورة السورية .. المسيرة الدائرية - من الي ...
- صفحات من عناقيد الطفولة
- إلى روح الكاتبة فاطمة العراقية .. دمعتي
- إليك .. همسات نسائية
- من خواطر زوجة معتقل سياسي - رقم 23
- نسيت النذور ! رؤى سريعة
- تعابير عامية شعبية - 9
- صباح الخير يا حرية .. من الثورة وللثورة - 17
- لوحة مشرقة


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - مريم نجمه - صراع القوى الدولية على منطقة البحر الأحمر - من يسيطر على الماء يسيطر على اليابسة - 4