فاطمة رمضان - ناشطة عمالية ويسارية وعضوة المكتب التنفيذي للاتحاد المصري للنقابات المستقلة - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: العمال والنقابات، والتحالف مع القوى الثورية في انتفاضات وثورات العالم العربي، مصر نموذجا.


فاطمة رمضان
الحوار المتمدن - العدد: 3817 - 2012 / 8 / 12 - 19:04
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا - 85 - سيكون مع الأستاذة فاطمة رمضان - ناشطة عمالية ويسارية وعضوة المكتب التنفيذي للاتحاد المصري للنقابات المستقلة - حول: دور العمال والنقابات، والتحالف مع القوى الثورية في انتفاضات وثورات العالم العربي، مصر نموذجا.

إن العلاقة بين العمال والقوي الثورية وفي القلب منها القوي اليسارية، في رأيي من أهم الموضوعات التي يجب أن تكون لها الأولوية في المناقشة بيننا في هذه المرحلة من حياة الثورة المصرية، وذلك لما لعبه العمال من دور هام في تفجير الثورة المصرية، ولما لعبته حركة إضرابات العمال في الأيام الأخيرة في اعتصام التحرير في التسريع بإزاحة مبارك عن كرسي الحكم مع بقاء نظامه الفاسد في سدة الحكم، وكذلك لخصوصية العمال والحركة العمالية بالنسبة للثورة المصرية، والدور المركزي للعمال في إنجاح الثورة ووصولها لهدفها وتحقيقاً لشعارها " تغيير... حرية... عدالة اجتماعية".


العمال ومرحلة المخاض الثوري:

قبل البدء في الحديث عن الثورة المصرية، لابد من أن نحدد مفهومنا عن الثورة، وهل كانت بدايتها يوم 25 يناير. هل الثورات تولد هكذا فجأة بدون مقدمات، أم أن الثورات هي تدشين لعقود من الصراع الطبقي، ومنها نستطيع أو نوضح هل الثورة المصرية ثورة فيس بوك كما يقولون أم ثورة مجتمع، خصوصاً وأن الثورة مستمرة ولم تنه مهامها بعد.

هناك رأيان، أحدهما أن الثورة بدأت يوم 25 يناير وبالتالي فقد كان العنصر الأساسي بها هم الشباب، مستخدمين في الحشد الفيس بوك، والرأي الآخر وأنا منحازة له بأن الثورة المصرية قد بدأ التمهيد لها منذ سنوات طويلة. فالسخط والغضب داخل الشعب المصري موجود منذ عشرات السنين فتارة يهب الشعب المصري ضد غلاء الأسعار وضعف المرتبات، وتارة بسبب البطالة، ويخرج المتعطلين عن العمل ليطالبون به. وتارة ثالثة نجد الغضب ينفجر بسبب الاعتداء على شعب من الشعوب العربية الشقيقة. وقد ازدادت وتيرة السخط والغضب خلال العشر سنوات الأخيرة بشكل كبير، فمع بداية الألفية الجديدة هب الشعب المصري مع الكثير من شعوب العالم للتضامن مع الشعب الفلسطيني ضد الاعتداء الغاشم عليه من العدو الصهيوني عام 2001. وقد كانت حركة التضامن هذه حركة شعبية، في شوارع وحواري ومدارس وقرى مصر.
وفي عام 2003 تأتي موجة احتجاجية أخرى في الشارع المصري ـ وكانت أقوى من الموجة السابقة لها، وهي الحركة الاحتجاجية الواسعة ضد ضرب العراق، والتي خرج فيها الشعب المصري بدون سابق إنذار يومي 20 و 21 مارس إلي الشوارع وخصوصاً في القاهرة.
ثم تأتي موجة أخرى لم تكن هذه المرة للتضامن مع شعوب عربية ولكن كانت ضد ديكتاتورية الحكم في مصر وعلى رأسها رئيس الجمهورية. فقد كانت الحركة في هذه المرة ضد التمديد لحكم مبارك، كذلك ضد التوريث لابنه. وقد كانت مظاهرات حركة كفاية وغيرها من الحركات التي خرجت تطالب بتغيير رأس النظام الحاكم وهتفت ضد الحاكم وفساده وفساد حاشيته. وعلى الرغم من إن هذه الحركة لم تستطع تحقيق ما رفعته من شعارات "كفاية تمديد وضد التوريث"، إلا أن هذه الحركة جعلت النظام يضطر إلى تقديم بعض التنازلات الديمقراطية (وإن كانت شكلية فقط)، منها إجراء تعديلات في الدستور بحيث يأتي رئيس الجمهورية بالانتخاب بدلاً من الاستفتاء، ولكن الأهم هو أنها فتحت في حائط الديكتاتورية السميك فتحة صغيرة استطاعت الكثير من الحركات بعدها النفاذ منها وتوسيعها. وظهرت أول هذه الاحتجاجات من جانب جناح من أجنحة السلطة، هم القضاة، ضد تزوير الانتخابات البرلمانية، وللمطالبة باستقلال القضاء. كما ظهرت احتجاجات الفلاحين في القرى ضد طردهم من الأرض الزراعية، واحتجاجات المطرودين من السكن، واحتجاجات العطشى الذين لم يجدوا الماء يشربونه، أو يسقون به زرعهم.
وفي أثناء كل هذه الأحداث كانت هناك حركة عمالية بدأت في التصاعد بعدما بدأت نتائج سياسات الخصخصة وبيع الشركات تظهر وتؤدي للفصل والإجبار علي المعاش المبكر، وانتقاص الحقوق، سواء في الأرباح أو بدل الوجبة، أو وسائل المواصلات......،ويتضح هذا الصعود في الحركة العمالية من خلال ما سنقدمه من أرقام، ففي عام 1998 كان عدد الاحتجاجات العمالية 42، ثم قفز هذا العدد في نهاية عام 2000 إلى 135، وفي عام 2002 كان عدد احتجاجات العمال 96 احتجاجاً ثم في عام 2003 أصبح 86 احتجاجاً، وفي عام 2004 قفز عدد الاحتجاجات مرة أخري إلي 266 احتجاجاً، وعاد للانخفاض في عام 2005 ليصل إلي 202 احتجاج، وكان في عام 2006 ليصل إلي 222 احتجاجاً[1]
ثم تضاعف هذا العدد أكثر من ثلاث مرات عما قبله بعد الإضراب الهام لعمال غزل المحلة ديسمبر 2006، ثم فيما بعد اعتصام موظفي الضرائب العقارية، فقد كان عدد الاحتجاجات في عام 2007، 756 احتجاجاً[2]، وانخفض في عام 2008 إلي 708، وقد كانت الشهور الأقل عدداً في الاحتجاجات خلال عام 2008 هي أبريل ومايو ويونيو (الشهور التالية مباشرة لأحداث 6 أبريل بالمحلة)، وفي عام 2009 كان عدد الاحتجاجات 742، و حتي شهر مايو 2010، بلغ عدد الاحتجاجات483.
وديسمبر 2006 يعتبر تاريخ مهم في حياة الطبقة العاملة المصرية، فهو بداية لصعود حركة عمالية واسعة في كل مصانع وشركات ووزارات مصر، طالب فيها عمال مصر بحقوقهم في أجر يتناسب مع الزيادة المستمرة في الأسعار (ربط الأجر بالأسعار)، وفي 8 ساعات عمل وفي حقهم في الأجازات مدفوعة الآجر، وحقهم فى بيئة عمل نظيفة وصحية، وضد الفصل وغيره من المطالب، كما طالبوا بعلاقة عمل آمنة عن طريق تعيين كل العمالة المؤقتة، وعودة المفصولين تعسفيًا لأعمالهم، وطالبوا بأن يتمكنوا من إدارة الشركات التي تمت خصخصتها ذاتياً، أو عودتها إلى القطاع العام، وقد وصل عدد اضرابات العمال واعتصاماتهم في السنوات التالية لعام 2006 (3 سنين ونصف) أكثر من 2700 احتجاج شارك فيها ما يقرب من المليون عامل.
كما احتج العمال ضد تنظيماتهم النقابية الصفراء، التي وقفت مع النظام الحاكم بدلاً من الوقوف مع العمال، فقد جمع عمال غزل المحلة أكثر من عشرة ألاف توقيع يطلبون سحب الثقة من اللجنة النقابية بالشركة، وهو ما ماطل الاتحاد العام في تحقيقه حتي الآن، ثم خطا العاملين بالضرائب العقارية خطوة هامة في هذا الطريق عندما أعلنوا تشكيل نقابتهم المستقلة، رغم كل ما واجهها من مشكلات ومعضلات فيما بعد سواء في كيفية البناء والعمل، أو محاربتها من قبل الدولة واتحاد العمال، ثم تلاها بناء 3 نقابات أخري (النقابة العامة لأصحاب المعاشات، ونقابة المعلمين المستقلة، ونقابة الفنيين الصحيين)، وبعد ثورة 25 يناير بدأ عهد جديد في وسط حركة تنظيم العمال، حيث أن هناك موجة من النقابات المستقلة عن اتحاد العمال الأصفر بدأت، وهي التي إذا ما بنيت على أسس صحيحة من الديمقراطية والقاعدية، ومن حيث إمكانية محاسبتها من القواعد، وكون أهم أدوارها الدفاع عن العمال وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لبدء عهد جديد في حياة الطبقة العاملة المصرية، بل في الحياة السياسية في مصر بشكل عام.


العمال والثورة:

بمجرد إزاحة مبارك عن كرسي الحكم، بدأت محاولات لضرب العمال وحركتهم، سمعنا من يقول بأن العمال لم يشاركوا في الثورة، ويأتون الآن لركوبها عن طريق الاعتصام والإضراب من أجل مطالبهم الفئوية، وهنا أرد علي هذه المقولات المغلوطة بأنه لا يمكن تصور أن العمال لم يكونوا في ميدان التحرير والميادين العامة في المحافظات المختلفة، ويمكن التدليل علي ذلك بالكثير من الأدلة، منها وجود عمال معتصمين بجوارنا في ميدان التحرير من كل الشركات تقريباً من الحديد والصلب، ومطاحن جنوب القاهرة والجيزة، ومن سكر الفيوم، ....، كذلك وجود خيام في الميدان لعمال من الأسماعلية، وكفر الشيخ،....، كما أنه لا يمكن تصور أن العمال غير موجودين في مدينة عمالية مثل المحلة الكبري كان يخرج لشوارعها يومياً أكثر من نصف مليون عامل، فإذا استبعدنا العمال فمن اين يأتي النصف مليون في شوارعها، كذلك في الإسكندرية التي كان يخرج لشوارعها ما بين المليون و الاثنين مليون مواطن يومياً، ولكن خرج هؤلاء العمال للميادين فرادي، وذلك له عدة أسباب لعل أهمها حرمان العمال من نقابات تعبر عنهم وتدافع عن مصالحهم، وتوحد مواقفهم تجاه السياسة العامة لمدة تجاوزت الستين عاما، وما أن أنتهت الإجازة التي تعمد نظام حسني مبارك اعطائها للعمال والموظفين في بداية الاعتصام- اعتقاداً منه بأن هذا سوف يجعل العمال والموظفين يبقون في بيوتهم ولا يخرجون للمشاركة في الاعتصامات- وعاد العمال لأعمالهم وجدنا موجه غير مسبوقة من الاعتصامات والإضرابات ربما وصلت للمئات من مواقع العمل في نفس اليوم، والتي اعتقد أن الكثير منها لم يتم رصده أو تغطيته اعلامياً في هذه الفترة، وذلك لانشغال الجميع في هذه الأحيان في الميادين، وكذلك وسائل الاعلام، وعلي الرغم من هذا فإذا نظرنا إلي رصد مؤسسة أولاد الأرض لاحتجاجات العمال في الستة شهور الأولي من عام 2011[3]، لوجدنا ما وصفته المؤسسة بأعنف موجة للاحتجاجات عبر تاريخ الحركة العمالية فقد بلغ عدد احتجاجات العمال في هذه الفترة، نحو 956 احتجاجا عماليا، تمثلت في 338 اعتصاما و158 إضرابا و259 تظاهرة و161 وقفة احتجاجية و40 تجمهرا، ، وقد وصف التقرير الحركة في الفترة التي بدأت باليوم السابع من فبراير وقبل خمسة أيام من إزاحة مبارك، بأنها أشد الاحتجاجات العمالية من حيث الكم والكيف علي مدي تاريخ مصر، وأن ذلك كان من أهم العوامل المؤثرة التي أدت إلي سرعة وتيرة الثورة وزيادة الموقف اشتعالا وتضييق الخناق علي القائمين علي النظام مما أضطرهم للتضحية بمبارك وإرغامه علي الرحيل وذلك خشية تجذر الحركة القاعدية وسط العمال مما يعرض النظام نفسه للخطر، كما رصد التقرير خلال أسابيع قليلة من بداية العام أي حتي نهاية فبراير شهدت الحركة العمالية 489 احتجاجا عماليا أي بنسبة 51% من إجمالي الاحتجاجات العمالية في النصف الأول من عام 2011 وقد استمر تصاعد الحركة الاحتجاجية حتي بعد تنحية حسني مبارك.
هذا و لم تكن هذه الموجه الاحتجاجية مهمة من حيث الكم فقط، بل كانت مهمة من حيث الكيف أيضاً، بحيث هددت فعلاً بشل حركة النظام فقد وجدنا عمال السكة الحديد، خصوصاًعمال ورش السكة الحديد سواء في بولاق، أو في أبو راضي، والعاملين بشركات الخدمة في القطارات، والذين لم يكتفوا بالإضراب عن العمل والذي كان من الممكن أن يؤتي ثماره بعد أيام قليلة من اضراب عمال الورش عن صيانة القطارات، بل أنهم خرجوا ووقفوا علي قضبان السكة الحديد فمنعوا القطارات من المرور، كما وجدنا 4 مصانع من المصانع الحربية يضربون عن العمل في يومي 9، 10 فبراير، وهي مصانع 45، و54، 63، 360 الحربي، وعندما تدخل وزير الحربية سيد مشعل وأعتبر يوم 10 فبراير إجازة خرج العمال للشارع وحدثت بينهم وبين الأمن مواجهات واسعة، هذا بخلاف تظاهر عمال النقل العام بالأتوبيسات أمام ماسبيرو، هذا ولم تكن احتجاجات العمال في هذه الفترة في القاهرة وضواحيها فقط، بل أنها كانت في كل المحافظات، فبداية من يوم 11 فبراير وجدنا الـ 24 ألف عامل بشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة يضربون عن العمل في داخل الشركة يرفعون مطالبهم برفع الأجور، ومحاسبة وإقالة الفاسدين سواء بالشركة أو بالشركة القابضة للغزل والنسيج، وقد رفع العمال لافتة داخل المصنع أعلنوا فيها تضامنهم مع معتصمي التحرير، كما شهدت مدن صناعية مهمة مثل مدينة السويس، والاسماعيلة والاسكندرية، ومدينة السادات، والمنطقة الاستثمارية ببور سعيد، والدقهلية، وحلوان.....العشرات من الإضرابات والاعتصامات، فشركة التمساح، والشركات السبعة التابعة لشركة الموانئ، والعاملين بالأحياء بالاسماعيلية، والعامين بهئية قصور الثقافة، والعاملين بهيئة مياة الشرب والصرف الصحي، والعاملين بشركة شويبس بالسادات، والعاملين بهيئة الرقابة علي الأدوية، والعاملين بمستشفي كفر الزيات العام، والعاملين بالوطنية للصلب بالسويس، وعمال المقاول بأسمنت حلوان، والعاملين بشركة الكوك بحلوان، والعاملين بحرير حلوان....كلها رفعت مطالب وإن كانت اقتصادية جزئية خاصة بكل موقع علي حدة مثل المطالبة بزيادة الأجور، وإزاحة الفاسدين، وتثبيت العمالة المؤقتة، وعمل 8 ساعات، وإجازة مدفوعة الآجر، والرعاية الطبية، وحل اللجنة النقابية .....، إلا أنها وبشكل واضح ترفض الآثار التي ترتبت علي تطبيق السياسات النيو ليبرالية الجديدة.


العمال والثورة المضادة:

ولما كان للعمال هذا الدور الهام سواء في السنوات السابقة علي يوم 25 يناير، أو في أثناء أيام الاعتصام نفسها، حتي وهم محرومون من تنظيمات نقابية تدافع عن حقوقهم، ولما كان يعرف ذلك جيدا أعداء الثورة، ومن لا يريدون للثورة أن تستمر لتستكمل مهامها، فكانت هناك حرب ضد العمال وإضراباتهم وكذلك وتنظيماتهم الوليدة، ففي مارس 2011 بدأت حملة شرسة من قبل الحكومة والمجلس العسكري، وبعض القوي السياسية وعلي رأسها الأخوان المسلمين، تحاول تشوية صورة العمال بالحديث عن كونهم لم يشاركوا في الثورة، ويأتون لركوبها، ورفع مطالبهم الفئوية، وعندما لم تنجح هذه الحملة في أيقاف الإضرابات، أصدر المجلس العسكري القانون رقم 34 لسنة 2011 الشهير بقانون تجريم الاحتجاجات الذي يحظر علي العمال ممارسة حق الإضراب ويعاقب بالحبس والغرامة من يمارسه أو يحرض عليه، وإحالة العمال إلي المحاكم المدنية والعسكرية، وهو القانون الذي لم يجرأ الديكتاتور مبارك علي أن يصدره، وطبقاً لتقرير أولاد الأرض السابق ذكره فإنه قد تم القبض علي 22 عاملا أثناء احتجاجاتهم وتقديمهم للمحاكمات العسكرية والمدنية وقد قضت المحكمة العسكرية بحبس 5 عمال منهم سنة مع إيقاف التنفيذ (عمال بتروجيت)، كما تم فض بعض الإضرابات والاعتصامات بالقوة، واعتقال بعض العمال، ومساومة زملائهم في بعض المواقع لتركهم مقابل فض الاضراب أو الاعتصام، وفي أحيان أخري وصل الأمر لمحاكمات مثل عمال بتروجيت، وعمال وعاملات ميجا تكستايل، وعمال شركة سوميد...

وفيما يلي سوف أورد في نقاط بقية المحاولات لضرب حركة وإضرابات العمال، من كافة القوي التي ترغب في أن نكتفي بهذا القدر من التغيير:

1- علي الرغم من نجاح العمال في الكثير من المواقع في انتزاع مطالبهم وحقوقهم، وجدنا الامتناع عن تنفيذ مطالب العمال في بعض المواقع، خصوصاً مع الأزمة الاقتصادية ومع استمرار النظام في السير في نفس السياسات المنحازة لأصحاب الأعمال ضد العمال، ففي الكثير من الحالات، كان العمال يذهبون للاعتصام أمام الوزرات المعنية، أو أمام مجلس الوزراء، ولا يجدون حتي من يقول لهم ماذا تريدون، وعلي ماذا تحتجون، بل أن شكاويهم التي سبق وتقدموا بها لمجلس الوزراء وجدوها ملقاة بسلات المهملات، مما أضطر العمال للتصعيد، سواء بمنع الموظفين في الوزارة المعنية أو في مجلس الوزراء من الخروج من أو الدخول مقر الوزارة (عمال قويسنا أمام وزارة القوي العاملة، عمال البترول، سيراميكا كليو باترا...)، أو يقومون بقطع الطريق، أو احتجاز المسئولين في مكاتبهم، وفي أحيان أخري كانت تتم مقابلات مع وفود العمال والوعد بالحل وتنفيذ المطالب ولا يتم شئ، وتم بالفعل في الكثير من الحالات توقيع اتفاقيات عمل جماعية، أي أنها أصبحت بمثابة قانون واجب النفاذـ ثم يمتنع أصحاب العمل عل تنفيذه فيما بعد، والمثال الواضح في ذلك كان رجل النظام السابق محمد أبو العينين، مع عمال سيراميكا كليو باترا، وكذلك شركة بيرلي للإطارات،.. وفي بعض الأحيان أستطاع العمال إصدار قرارات من وزرارات، ومن رئيس الوزراء ولكنه لم ينفذ( عمال لميكنة الزراعية).

2- مورست البلطجة علي العمال في أثناء احتجاجاتهم بشكل واضح وخصوصاً في المدن الجديدة، حيث استخدم أصحاب المصانع والشركات البدو والأعراب والبلطجية للاعتداء علي العمال في محاولة لإجبارهم علي فض الاعتصام أو الاضراب، فقد شاهدنا ذلك في مدينة السادات، ضد عمال ميجا تكستايل، والوادي....كذلك مورست ضد عمال اليومية بشركات الأسمنت (حلوان- القومية)، وعمال سيراميكا كليو باترا، والمتحدة للسكر....وتصدي لها العمال في معظم الحالات.

3- مورست طوال الوقت، ومؤخراً بشكل واضح كل محاولات تقسيم العمال، وتأليبهم علي بعضهم البعض، ففي حالة إضراب ميناء العين السخنة، والتي كان تقودها النقابة المستقلة بالميناء، حاول المفاوض وكان في هذه الحالة ممثل المجلس العسكري في السويس، النزول للعمال والتفاوض معهم جميعاً، ولكن العمال رفضوا، وقالوا له أننا شكلنا لجنة للتفاوض إذا اردتم التفاوض فلتتفاوضوا معها وليس معنا،وأخيراً تم تأليب عمال الشحن بالميناء والذين يعملون باليومية، والذين توقف عملهم بالميناء وقت الإضراب فتوقف أجرهم، وأدخلهم الأمن لكي يضربون عمال الميناء ويخرجونهم بالقوة، ووقف عمال الميناء وفضوا الإشتباك، هذا بخلاف محاولات تشوية الإضراب إعلامياً، وبقيت محاولات الحكومة والمجلس العسكري في الألتفاف لفض الإضراب بدون مكاسب للعمال، إلي أن توصلوا إلي أنه ليس هناك طريق غير التفاوض مع العمال وتنفيذ مطالبهم إذا أرادوا إنهاء الإضراب في ميناء هام مثل ميناء العين السخنة.

من جهة أخري في الوقت الذي كانت وما زالت تمارس فيها محاولات تكسير الحركة العمالية، بدأت مسألة تنظيم النقابات المستقلة تنتشر كالنار في الهشيم وسط العمال، خصوصاً وكما سبق وذكرنا فإن سخط العمال في السنوات السابقة علي 25 يناير، انصب فيما انصب علي النقابات الصفراء والتي لم تكن نقابات للعمال، ولا تدافع عنهم وعن حقوقهم، بل أنه في الكثير من الأحيان (ولا مجال هنا لذكر الكثير في هذا الموضوع، وللمزيد من المعلومات الأطلاع علي تقرير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بعنوان "قطع الأرزاق سلوك منهجى لكسر الحركة العمالية")، فقد كانت النقابات العامة واتحاد العمال تقف مع أصحاب الأعمال لفصل العمال والنقابيين لا لشئ سوي لكونهم يدافعون عن حقوق زملائهم، ورأينا أمثلة كثيرة لذلك، ولعل من المفيد هنا أن لا ننسي أن رئيس اتحاد العمال كان ضمن من خططوا وشاركوا في جلب البلطجية لميدان التحرير فيما يعرف بموقعة الجمل، والتي كان الهدف منها القضاء علي الاعتصام بالتحرير، ولم يكن وحده، بل متهمة معه في نفس القضية عائشة عبد الهادي وزيرة القوي العاملة آنذاك (والنقابية التابعة للاتحاد، والتي أتي بها ولاؤها وخنوعها لسوزان مبارك زوجة الرئيس المخلوع لكرسي الوزارة) و كان معهم الكثير من الاتحاد الذين ربما لم يشملهم الاتهام ولكنهم معرفون بولائهم للنظام السابق، ولكل الأنظمة، يحاولون تقديم الولاء الآن للنظام الجديد.
في هذا الإطار، ومع إصرار العمال في أربعة مواقع علي مدار سنوات علي تأسيس نقاباتهم التي تعبر عنهم، وبعد ثورة 25 يناير بدأ عهد جديد في وسط حركة تنظيم العمال، حيث إن هناك موجة من النقابات المستقلة عن اتحاد العمال الأصفر بدأت، وقد كانت هذه الانطلاقة بعدما أتي د.البرعي وزيرا للقوي العاملة في شهر مارس 2011، وأصدر القرار الذي بموجبه سمح للنقابات المستقلة بإيداع أوراقها بالقوي العاملة، بدأ العمال في الكثير من المواقع الشروع في بناء نقاباتهم، وقد وصل عدد النقابات التي أودعت أوراقها بوزارة القوي العاملة طبقاً لتصريحات وزير القوي العاملة في شهر يونيو الماضي، 798 لجنة نقابية مستقلة، 48 نقابة عامة، 15 اتحاداً عاماً منتشرة على مستوى الجمهورية.
وعلي الرغم من قيادة الكثير من النقابات المستقلة للنضالات في مواقعها بداية من تقديم الطلبات للمسئولين والتفاوض من أجل حقوق زملائهم، وصولاً لقيادة الكثير من النقابات للاعتصام والإضرابات للمطالبة بهذه الحقوق المشروعة، وعلي سبيل المثال لا الحصر (نقابة المعلمين المستقلة- النقابة العامة للفنيين الصحيين- نقابة صيانكو- نقابة بتروتريد- نقابة غاز مصر- المصرية للصيانة البترولية- نقابة راميدا للأدوية- الضرائب علي المبيعات والضرائب العامة - نقابة سوميد السخنة- نقابات الأستثمار ببور سعيد- نقابة ميناء الإسكندرية- العاملين بالميكنة الزراعية – ميناء العين السخنة- أفيكو- نقابة العاملين بالقوي العاملة بالجيزة.....).
فضلا عن جسارة وبسالة زملائنا العمال في الدفاع عن حقوقهم، إلا أن الجو المعادي للعمال سواء من قبل المجلس العسكري والحكومات المتوالية، كما رأينا، أو من قبل أصحاب الأعمال الذين يقومون بحرمان العمال من حقوقهم وكذلك يقومون بالتعسف ضد أي قيادة شريفة تدافع عن حقوق العمال وفي المقدمة منها قيادات النقابات المستقلة، ويصل هذا التعسف في المناطق الاستثمارية لدرجة الفصل والوقف عن العمل لمجلس إدارة النقابة بالكامل، وأو عدد منه ( الوطنية للصلب، راميدا للأدوية- سوميد- سوزوكي....)، ويصل في أماكن أخري لعدم الاعتراف بهذه النقابات واتهامها ومحاكمتها بتهم أدعاء النقابيين بها بصفة ليست لهم، ويتساوي في ذلك الحكومة كصاحب عمل، مع أصحاب الأعمال الخاصة والمستثمرين، كما وصل الأمر لمحاولات تكوين نقابات مستقلة آخري في هذه الأماكن من أشخاص تابعة لهم (الشرقية للدخان....)، أو تقوية النقابات الصفراء التابعة لاتحاد العمال ضد النقابات المستقلة، وتنفيذ المطالب التي تطالب بها النقابات المستقلة للعمال عن طريق التفاوض مع النقابيين الصفر، في محاولة لإيصال رسالة للعمال بأن نقاباتكم المستقلة ليس لها قيمة ولن تأتي لكم بشئ (وللمزيد من التفصيل في هذا الأمر الاطلاع علي تقرير الاتحاد المصري للنقابات المستقلة المقدم لمؤتمر منظمة العمل الدولية لعام 2012 فيما يخص التعسف ضد العمال بشكل عام، والنقابات المستقلة بشكل خاص http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=309912).

وعلي الرغم من أن النقابات المستقلة أصبحت موجودة بحكم الواقع، ولكن عدم صدور قانون يقنن أوضاعها يعتبر عقبة كبيرة من مسيرتها، إذ أن بعض النقابات تمنع من ممارسة أي نشاط بحجة أنها غير قانونية، كما أنها لا تستطيع أن تقوم بتجميع اشتراكاتها وهي المسألة الهامة جداً في طريق الاستقلال النقابي، كما أنها تسهل لأصحاب الأعمال التعسف ضد العمال، بحجة أن نقابتهم لا يوجد قانون تقوم علي أساسه.


تحالفات القوي الثورية والعمال:

أيام الاعتصام بالميادين العامة هي الأيام التي كان فيها نقطة اتصال ما بين السياسي والاقتصادي، فقد وجدنا العمال والفئات الاجتماعية التي تريد أن تعمل وتسكن، وتعالج وتعلم أبنائها،....جنباً إلي جنب مع القوي السياسية والشبابية التي ظلت لسنوات تخرج للمطالبة بوقف التعذيب، وللمطالبة بالتغيير وبالديمقراطية، كما أنها كانت الأيام التي وجدنا فيها المعتصمين يصلون جنباً إلي جنب صلاة الجمعة وصلاة الأحد، كما كانت اللحظات التي اختفي فيها التحرش برغم الزحام الشديد في الميادين، بمعني آخر كانت أيام الاعتصام لحظات استثنائية ثم عادت فيها الأمور لسابق عهدها قبله، فعاد الانفصال ما بين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وعادت المعارك الطائفية ووجدت من ينفخ فيها حتي حدث ما لم يكن يحدث من قبل مثل تهجير الأقباط وحرق منازلهم وغيره، وعاد التحرش والتعدي علي النساء في الشارع خصوصاً مع الفوضي المتعمدة من قبل الثورة المضادة، ومع الوجود السياسي الظاهر في الشارع للقوي السلفية.
وعلي الرغم من هذا لا نستطيع أن نقول بأن الأمور عادت لسابق عهدها تماماً، فالفعل الثوري مستمر، فالعمال كما سبق ووضحنا إضراباتهم واعتصاماتهم رغم الحرب الضروس مستمرة وتتصاعد، وتعتبر في الكثير من الاحيان هي الفعل الثوري الوحيد في الشارع كما يحدث الآن، وما زال العمال سائرون في طريق التنظيمات المستقلة رغم عدم الاعتراف، والمحاربة، وهناك الأقباط ومعهم بعض القوي السياسية مستمرون في مواجهة القهر والتمييز، ويحاولون رأب الصدع ما بين الأقباط والثورة، والمئات من النساء من الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني وبعض الأحزاب ما زالوا يحاربون محاولات إرجاع المرأة للخلف، وهناك العديد من الأحزاب والقوي السياسية والمدنية والشبابية منذ عدة شهور وهم يدخلون في حملات وجبهات لمواجهة القوي الاسلامية، أو العسكر، ولا يصلون لنتيجة بعد العديد من الجهود والاجتماعات وفيعاودون الكرة بنفس الطريقة، ولايتعلمون، يريدون عمل جبهات لمواجهة القوي الاسلامية التي لديها (رغم ضعف شعبيتها في الشهور السابقة) الملايين سواء من الأعضاء أو المتعاطفين، والعسكر في قيادة الثورة المضادة ومعهم كل آليات الدولة العميقة والتي ما زالت قائمة، وفلول الحزب الوطني، يريدون عمل جبهات من أعلي لمواجهة كل ذلك، وكأننا لا نتعلم.
في نفس الوقت الذي يتركون العمال في مواجهة كل ما يواجهون وحدهم، حتي معركة قانون الحريات النقابية هي معركة سياسية بالدرجة الأولي ولكنها تخص العمال، لا نسمع لهم صوتاً فيها، والسؤال هو كيف يستقيم أن نتحدث عن الديمقراطية ونحرم العمال من حقهم في هذه الديمقراطية؟؟!!
نجد من يتحدث عن أن الثورة في مرحلتها الحالية هي ثورة ديمقراطية، وليست اشتراكية وعلينا أن نتعامل معها كذلك، ولم يقولوا لنا كيف سينتصرون في معركتهم الديمقراطية بدون جماهير، كيف ينتصرون علي جحافل الثورة المضادة والقوي المنظمة بدون منظمات قاعدية من أسفل؟، وإذا أردنا الجماهير معنا في معركتنا الديمقراطية علينا أن نفكر كيف تكون الجماهير معنا وأي ديمقراطية تريد، هل هي ديمقراطية الانتخابات فقط، أم الحق في التنظيم، والحق في التوزيع العادل للثروة، والحق في الحياة بكرامة مع توافر أبسط أنواع الخدمات، علينا لكي يأتي العمال والفلاحين والعاطلين عن العمل وسكان المناطق الشعبية أن نذهب لهم أولاً في قضاياهم البسيطة مثل مشاكل الكهرباء والماء وكافة الخدمات، نذهب إليهم ونقف معهم لمواجهة الدولة وإجبارها علي تقديم هذه الخدمات لهم، ونذهب للعمال ونتضامن معهم حتي يأخذوا حقوقهم في آجر عادل، وعمل آمن ولا يعرض حياتهم للخطر، حقهم في التنظيم، لابد من عمل ذلك حتي نستطيع أن نسير معهم نحو سياسية مختلفة عن السياسة الليبرالية التي تشردهم وتجوعهم، حتي نسير معهم من أجل انتزاع الديمقراطية بمفهومها الاجتماعي، حتي نزيل الفجوة بين العمال والسياسة، ووقتها فقط نستطيع جميعاً أن نحقق الديمقراطية، ونكمل ثورتنا لكي نصل للاشتراكية.
فهل هذا ممكن؟؟، هل من الممكن أن نجد القوي الثورية تتحالف مع العمال من أجل حملة لإصدار قانون الحريات النقابية ووقف التعسف ضد النقابات، هل من الممكن أن نجد قريباً دعوة لمليونية تطالب بالحد الأدني للأجور، أو بإسقاط ديون فقراء الفلاحين؟؟ بالتأكيد لو ده حصل هنلاقي العمال بتنظيماتهم معانا في القضايا الديمقراطية، وفي قضية المرأة والأقباط...، ووقتها لن نجدهم يقولون أن هذه ليست معركتنا!!




[1] هذه البيانات معتمدة على سلسلة تقارير مركز الأرض لحقوق الانسان الخاصة بالعمال، سلسلة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
[2] - جميع الأرقام والنسب المئوية بداية من عام 2007 وحتي 2009 تم أخذها من الجداول التي قامت بإعدادها فاطمة رمضان من خلال تقارير المرصد النقابي والعمالي المصري النصف شهرية لرصد احتجاجات العمال، وقد تم نشر الجداول الخاصة بعام 2007 فقط في التقرير السنوي الأول للمرصد النقابي والعمالي المصري بعنوان "صعود الحركة العمالية المصرية 2007"، أما بقية الجداول فهي لم تنشر بعد.
[3] - العالم اليوم: 17 - 07 – 2011، حصاد إضرابات عمال مصر خلال الأشهر الستة الماضية..338 اعتصاما و158 إضرابا و259 تظاهرة و161 وقفة احتجاجية و40 تجمهرا