قانون تصفية الحريات النقابية


فاطمة رمضان
الحوار المتمدن - العدد: 4081 - 2013 / 5 / 3 - 14:01
المحور: الحركة العمالية والنقابية     


بعد الثورة ظن العمال –كغيرهم من المصريين- أن حقوقهم أخيرا ستعود إليهم، بعد سقوط حائط الديكتاتورية الذي حال بينهم وبينها عقود طويلة.

أحد أهم تلك الحقوق، الحق في التنظيم الحر المستقل عن قبضة الدولة، لذلك لم يكن غريبا أن يشرع العمال بكل همة في بناء نقاباتهم بعيدا عن اتحاد العمال الرسمي، عقب الثورة مباشرة، لتولد المئات من تلك النقابات، التي شكلت فيما بينها اتحادات قومية ونوعية، مما بعث الأمل في قلوب الكثير من الباحثين عن طريق للعدالة الاجتماعية.

لكن سرعان ما بدأ الأمل يخفت بعدما أخذ النظام يستوعب ضربة الثورة، فراح يواجه بكل شراسة تحركات العمال سواء تحت حكم العسكر أو الإخوان المسملين. واحتلت قضية النقابات مكانة خاصة في هذه المواجهة، حيث يسعى النظام بكل قوته لمحاربة الاتجاه الاستقلالي التعددي في الحركة النقابية، ليؤبد فكرة الأحادية النقابية كما عرفناها على مدار مايزيد على نصف قرن.

آخر تجليات هذا الهجوم ظهر مع بدء وزارة القوى العاملة بقيادة الوزير الإخواني خالد الأزهري طرح قانون النقابات العمالية.

فجأة وبدون سابق إنذار بدأنا نسمع تصريحات «الأزهري» تملأ الصحف عن الحوار المجتمعي الذي يعد له من أجل قانون للنقابات العمالية الجديد، ثم فجأة بعد الجلسة الأولى التي عقدت بالوزارة يوم 4 أبريل 2013 بدأ الحوار يتحول إلى سر الأسرار. لا أحد من الحكومة أو ممثلي العمال أو المشاركون يذكر شيئا عما يناقش، كل ما نقرأه من تصريحات على صفحات الجرائد من كل الأطراف هو أننا توافقنا على مادتين وتوافقنا في اليوم التالي على ثلاثة مواد بدون ذكر على ماذا يتوافقون ولا ما هي الضمانات لالتزام الحكومة بإصدار ما يتم التوافق عليه، وإن كان البعض يرى أن وجود منظمة العمل الدولية وقيادتها للحوار هو الضمانة.

لقد دعينا للحوار حول قانون النقابات أربع مرات خلال العامين الماضيين من أجل إصدار قانون للحريات النقابية، ولم ير القانون النور حتى الآن. الجولة الوحيدة من الأربعة، التي اكتملت وانتجت قانون تم التوافق عليه من أطراف العمل الثلاثة هي الجولة التي تمت مع أول حكومة بعد إسقاط مبارك، أثناء تولي الدكتور أحمد البرعي، وزارة القوي العاملة السابق، والذي رفض إصداره المجلس العسكري بعد أن وافق عليه مجلس الوزراء وقتها.

بقية الحوارات لم تنتج شيئا، فالحوار الثاني كان أثناء انعقاد مجلس الشعب في لجنة القوي العاملة بالمجلس، وقد خرجت اللجنة بمشروع قانون هو المشروع الذي تقدم به حزب العدالة والحرية متجاهلة المشروعات التي تقدم بها النواب كمال أبو عيطة، وأبو العز الحريري، وعمرو حمزاوي، وكلها كانت متضمنة قانون الحريات الذي صدر في عهد البرعي، ولولا أن مجلس الشعب قد تم حله لكان هذا القانون قد صدر الآن.

الحوار الثالث كان عقب تولي مرسي رئاسة الجمهورية، ووقتها كانت مدة الستة أشهر (آخر مد) لاتحاد عمال مصر كادت تنتهي، مما يعني سقوط الاتحاد الذي لا يريد له النظام السقوط، بل يريد المحافظة عليه والتغيير في قياداته بحيث يكون تابع للرئاسة والحكومة كما كان تابعاً لأنظمة الحكم السابقة، وتمت هذه المرحلة من خلال مجلس الشوري، والذي أنتهي (علي غير الحقيقة) بطريقة توحي بأن عمال مصر وممثليهم يرغبون في المزيد من الوقت للتوافق علي القانون الذي يريدون، ولا يريدون للحكومة أن تتدخل، وقد كان ذلك التكئة التي أصدر بعدها الرئيس مرسي قرار بالقانون رقم 97 لسنة 2012 في نوفمبر، بتعديل قانون النقابات العمالية القانون رقم 35 لسنة 1976، والذي مد فيه للاتحاد ستة أشهر آخري، كما تم التعديل بحيث يتم التخلص من الحرس القديم في قيادة الاتحاد، ليحل محلهم قيادات آخوانية أو قيادات موالية للإخوان وللنظام.




الآن وقد قاربت مدة الستة أشهر الأخيرة علي الانتهاء، ولم يتمكن النظام بعد من إحكام قبضته علي رأس الاتحاد، وبالتالي لا يرغب في إعلان بدأ الانتخابات الآن، كما أن لديه مشكلة آخري وهي التهديد بعودة مصر علي القائمة السوداء في مؤتمر منظمة العمل الدولية في يونية المقبل بسبب عدم إصدار قانون الحريات النقابية، فعليه أن يجد طريقة للخروج من المأزقين معاً، ومن هنا كانت الجولة الرابعة من سلسلة الحوارات الاجتماعية علي نفس القانون، والتي تبدأ ليس من حيث أنتهت الجولات السابقة عليها، بل تبدأ من نقطة أسبق لكل الحوارات، يبدأ الحوار في جلسته الأولي قبل الدخول في الغرف المغلقة بسؤال هل نعدل قانون النقابات الحالي، أو نعمل علي إصدار قانون جديد؟، وقبل انتهاء الجلسة تقوم الوزارة بتوزيع مشروعها للقانون والذي يتميز بكونه أسوأ بكثير مما قدموه أثناء انعقاد مجلس الشعب، فقد أصبح عدد المواد 70 مادة بدلا من 44 في مشروعهم القديم، وكلها مواد تتدخل في شئون النقابات، وتعيد هيمنة القوي العاملة علي النقابات م70،كما تؤكد علي نيتهم في فرض الشكل الهرمي علي التنظيمات النقابية المستقلة، وتعطي فيه الصلاحيات للمستويات الأعلي، من جمع الاشتراكات والتصرف فيها، لوضع اللوائح وتلتزم بها النقابات القاعدية وغيرها م51، م57، م58، كما أتي هذا المشروع بالإعتداء علي حق النقابات في ممارسة حقها في الإضراب، وسلاحها الوحيد في وجه أصحاب اعمال وسلطة منحازة لهم بشكل واضح، وقد أتي ذلك في نص م62 التي جاء فيها "للنيابة العامة أن تطلب من المحكمة الجنائية المختصة حل مجلس إدارة المنظمة النقابية في حالة صدور أي قرار أو عمل من هذا المجلس مما يعد جريمة من الجرائم الآتية"، وجاء ضمن هذه الجرائم "ترك العمل أو الامتناع عنه عمداً إذا كان مما يساهم في خدمات عامة أو في مرفق عام أو يسد حاجة عامة وكذلك التحريض أو التحبيذ أو التشجيع علي كل ذلك". وهم بهذا المشروع كانوا يخططون لأنه لن يبقي سوي النقابات الخاضعة للنظام الحاكم ولأصحاب الأعمال.

كذلك كان قد تم إضافة شروط تعجيزية للمستندات المطلوبة لإيداع ورق النقابة في القوي العاملة، وذلك في م 15 "تحديد ما يفيد موقع المنظمة النقابية"، ففي الوقت الحالي (والذي تحرم فيه النقابات من جمع اشتراكاتها ومصدر تمويلها الوحيد) كانت النقابات تضع عناوينها علي مقرات نقابات آخري أو اتحادات، أو علي عناوين أماكن العمل، بهذا الشكل لن تستطيع نقابة أيداع أوراقها لأنها لن تستطيع توفير مقر تأتي بإفادة به خاصة مع بدأ التأسيس، كذلك وضع شرط في نفس المادة تشترط صحيفة الحالة الجنائية لكل الأعضاء المؤسسين، فهل هذا المطلب سمعنا به في أي نقابة آخري؟

ثم وبعد سؤال ومطالبات أخبرونا بأنه قد تم رفض مشروع الوازرة، وأنهم عادوا للمشروع الذي كان يناقش أيام مجلس الشوري، وفيما يلي سوف أورد أخطر ما في هذا المشروع:

فرض شكل وحيد علي التنظيمات النقابية الوليدة، وهو الشكل الهرمي الذي يكون علي قمته الاتحاد العام ويتم سحب كل الصلاحيات من النقابات القاعدية المرتبطة بالعمال لتمنح للمستويات الأعلي من النقابات العامة أو الاتحادات، فقد ورد في م 18 "أن الاتحادات العامة علي المستوي الوطني هي قمة البنيان النقابي".

حرمان العديد من العمال من حقهم في التنظيم النقابي علي رأسهم العاملين المدنيين في الشرطة والانتاج الحربي والقوات المسلحة، والعاملين بالمناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، وفروع الشركات متعددة الجنسيات، وعمال اليومية، والمهنيين، وهم بذلك يعلنون صراحة انحيازهم التام لأصحاب الأعمال وبالذات الأجانب، وانحيازهم لجنرالات الجيش والشرطة ضد العمال في هذه القطاعات م5.

مشروع القانون يقوم بقطع أي صلة للعمال بالسياسة، ففي المادتين 24، 25، وتتحدث الأولي عن مباشرة النقابة للأنشطة التي تحقق الدفاع عن حقوق أعضائها ورعاية مصالحهم، والعمل علي تحسين شروط وظروف العمل فقط!!، وركزت الثانية علي طرق تنفيذ أغراضها علي تطوير القدرات عن طريق التدريب، وتنظيم الاحتفالات وإصدار الصحف والمطبوعات، وإنشاء معاهد للتثقيف، ولكنه حتي المواد التي كانت موجودة في قانون النقابات العمالية الحالي والذي به الكثير من العيوب (ق 35)، والخاصة بالمشاركة في مناقشة مشروعات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإبداء الرأي في التشريعات التي تمس المهنة أو الصناعة، وغيرها التي وردت في المواد 14، 17 ق 35 لسنة 1967، لم يأتي لها ذكر في المشروع.

ضعف المواد التي تمثل حماية للعمال والنقابيين، ففي م 30، في الوقت الذي تتحدث فيه المادة عن تمكين النقابيين من الاتصال بالعمال وعقد اجتماعات معهم وإجراء الانتخابات النقابية في موقع العمل، نجده لحقها بـجملة "بما لا يؤثر علي سير العمل بالمنشأة"، وفي الحقيقة سوف يعتمد أصحاب الأعمال علي هذه الصياغة المطاطة لكي يمنعوا النقابيين من ممارسة أي نشاط نقابي بحجة التأثير علي سير العمل، حتي لو ثبت أن صاحب العمل منع النقابيين من ممارسة نشاطهم أو فصل النقابي أو الضغط عليه من أجل تغيير موقفة التفاوضي وغيره فإن العقوبة عليه غرامة لا تقل عن ألف جينه ولا تزيد عن خمسة آلاف جنيه م 40، هذا في الوقت الذي يغالي فيه المشروع في عقاب النقابيين والنقابات لأتفه الأسباب ففي م39 فعقاب النقابي الذي يدلي بمعلومات غير حقيقة غرامة عشرة آلاف جنيه، أي لو أن النقابة أنضم إليها أعضاء جدد، وقبل أن تودع في القوي العاملة بيان بالأعداد الجديدة، وجاء موظفي القوي العاملة وضبطوك متلبس بعدم إخطارهم بالأعضاء الجدد فسوف تدفع هذه الغرامة.

حرمان ممثلي العمال من غير النقابيين من أي حماية يتمتع بها النقابيين- وقد عهدنا في السنوات السابقة علي 25 يناير رفض العمال للنقابات واختيار ممثلين لهم من خارجها يتفاوضون باسمها- فقد جاء في تعريف ممثلوا العمال في م1 في التعريفات، "ممثلوا العمال: يقصد بهم أعضاء مجالس إدارات المنظمات النقابية، وكذلك العمال الذين يتم اختيارهم لتمثيل زملائهم للتحدث باسمهم أو نيابة عنهم في التجمعات التي لا تمثلها منظمات نقابية"، مما يعني أنه لو أن القانون يحمي النقابيين من الفصل، فلن تمتد هذه الحماية لممثلي العمال، ونجد ذلك واضحاً في م32.

التأكيد علي كل المزايات للمتفرغين من مجالس إدارات المنظمات النقابية الأكثر عدداً، وحرمان الأقل عدداً من هذه الميزة م 8، فلو نظرنا إلي كونه يحافظ علي بنيان الاتحاد العام ونقاباته ولا يلزمهم بإعادة التأسيس حتي يقرر العمال الدخول معهم أو مع غيرهم، وقرر أن توفيق الأوضاع بإجراء الانتخابات تحت إشراف قضائي بالتنسيق مع الجهه الإدارية م5، بهذا الشكل سيظل العدد الأكبر في الغالب في النقابات التابعة لاتحاد العمال أو المرضي عنها من النظام، وتحرم النقابات المغضوب عليها من هذه المميزات.




من كل ما سبق نجد الاتجاه من قبل الحكومة لجعل مسألة تأسيس النقابات مسألة صعبة، وأنه حتي في حالة المرو بالشروط الصعبة للتأسيس وقررت النقابة أن تمارس دورها في الدفاع عن حقوق أعضائها تحل أو يفصل أعضائها، هذا بالإضافة لمحاولة الفصل التام بين النقابات والسياسة.

فالحكومة الحالية ممثلة في خالد الأزهري وزير القوي العاملة والهجرة يبدو أنها تيقنت من أن مسألة التعامل مع النقابات المستقلة علي أنها غير موجودة فإنها تفعل كما تفعل النعامة التي تضع رأسها في الرمل، فهي موجودة بالفعل وفاعلة، ويقود الكثير من النضالات للمطالبة بحقوق العمال في المناطق المختلفة، رغم كل محاولات التعسف من فصل وحبس وحرمان من الأجر، وعدم اعتراف وغيره.

وجدت الحكومة أن إنكار النقابات المستقلة لن يجدي، والتفكير في إصدار قرارات بحل هذه النقابات (مثلاً) سيدخلهم في صدامات بشكل مباشر سواء مع العمال المصريين أو مع المنظمات الدولية، لذا فهم يحاولون من خلال تمرير هذا القانون تصفير الاتحادات المستقلة ( فرض النمط البيروقراطي الذي حول اتحاد عمال مصر لاتحاد أصفر تابع للدولة، علي كل الاتحادات الناشئة المستقلة)، فهو يحاول تحويل هذه الاتحادات إلي نسخ ممسوخة من اتحاد العمال الأصفر.

والغريب في الأمر أن نجد من يشارك من ممثلي هذه الاتحادات وبعض المراكز في الحوار علي هذا القانون الذي يذبح الحركة العمالية، في حضور منظمة العمل الدولية، والأغرب أن يوافقوا علي المشاركة في غرف مغلقة بعيداً عن اعين العمال أصحاب المصلحة الحقيقة والقادرين وحدهم علي وقف هذا القانون إذا لم نغيبهم وعملنا علي جمهرتهم للوقوف أمام الخطر القادم.