خريجو البرنامج الرئاسي: كيف يخلق النظام نخبته الشبابية؟


فاطمة رمضان
الحوار المتمدن - العدد: 5572 - 2017 / 7 / 5 - 09:45
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

في الوقت الذي تنوي فيه الحكومة التخلي عما بين 200-300 ألف موظف يعملون بالحكومة لسنوات طويلة في ظروف عمل سيئة على أمل التعيين ذات يوم، يُقحم رئيس مجلس الوزراء، والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، شباب «مشروع التأهيل الرئاسي» بالجهاز الحكومي، عبر التعيين المباشر، ودون المرور بشرط التقدم لإعلانات وظائف الحكومة طبقًا لقانون الخدمة المدنية. كما يأتي تعيين جزء منهم في الوظائف القيادية، في استغلال للاستثناءات الواردة في قانون الخدمة المدنية أو حتى أحيانًا في تجاهل لقواعد الترقي الواردة في القانون.

فقد جاء على موقع الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، أنه قد جرى اتخاذ القرار بشأن إلحاق خريجى البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة في الجهاز الإداري للدولة، سواء كانوا من العاملين به، أو من غيرهم، وذلك وفق الكتاب رقم 5 لسنة 2017 الموقَّع من المستشار محمد جميل، رئيس الجهاز، وهو الكتاب الصادر في 5-4-2017.

وقد بدأت الوزارات بالفعل في تنفيذ هذه القرارات، فقد جاء في جريدة «صوت الأمة» أن مصادر بديوان عام وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، أكدت لها إن شباب البرنامج الرئاسي قد تسلموا عملهم بالفعل في ديوان عام الوزارة، و أن عددهم يصل إلى ثمانية ويجري توزيعهم ما بين معاونيين ومساعدين فى المجالات المختلفة داخل الوزارة، وعلى رأس هذه المجالات التعليم العام والتعليم الفني. كما أعلن الدكتور خالد عبد الغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أن الوزارة تهتم بشكل كبير بخريجي البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب، وأنه سيجري الاستعانة داخل الوزارة بما يقرب من الخمسة أشخاص من خريجي البرنامج الرئاسي.

وكان رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة قد أوضح فى الكتاب أن هناك أربع آليات لإلحاق هؤلاء الشباب بالجهاز الإداري للدولة وهي: نظاما الندب والإعارة، ونظام مساعدي ومعاوني الوزراء، بالإضافة لنظام التعاقد مع العمالة المؤقتة المقرر إصداره بقرار من الوزير المعني بالخدمة المدنية.

يأتي تعيين خريجي البرنامج الرئاسي في المرة الثانية التي تستخدم فيها الاستثناءات الكثيرة الواردة بقانون الخدمة المدنية.

وكان أول استثناء في القانون، واستُخدم مباشرة بعد صدوره، هو ذلك الوارد في المادة 21 منه، بشأن استثناء الجهات والوظائف «ذات الطبيعة الخاصة» من الخضوع لشروط شغل الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية الواردة بالمادتين 17 و20 من القانون، وكذلك الاستثناء من طريقة تقييم شاغليها وكيفية التمديد لهم، وكيفية عودتهم لأعمالهم بعد انتهاء فترات شغلهم لهذه الوظائف. وتنفيذًا لهذين الاستثناءين صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 20 في 10 يناير الماضي، باعتبار رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء من الجهات «ذات الطبيعة الخاصة»، ولا تسري على الوظائف القيادية والاشرافية بهما المادتان 17 و20 من قانون الخدمة المدنية.

هنا نحاول معرفة بعض المعلومات عن البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب، وكيفية اختيار الشباب الملتحقين بالبرنامج، وكذلك الطريقة المطروحة لتسكينهم في وظائف يقع بعضها في أعلى درجات الجهاز الحكومي، دون المرور بأي من مراحل الترقية التي نص عليها قانون الخدمة المدنية لكل العاملين بالأجهزة الحكومية، وإن كان هذا مطابقًا للقانون والدستور أم مخالفًا لهما؟

البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب
أثناء مشاركته في فاعليات أسبوع شباب الجامعات المصرية العاشر بجامعة قناة السويس، أعطى الرئيس عبد الفتاح السيسي الإشارة لبدء «البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب»، وجاء فيه أن البرنامج يعمل على تأهيل الشباب المصري على القيادة، وتكوين قاعدة غنية من الخبرات الشبابية، كما يهدف إلى تخريج قيادات شابة قادرة على الإدارة وتولي المسئولية والمناصب والقيادة وفقًا لأساليب الإدارة الحديثة، تكون مؤهلة للعمل السياسي والإدارة، ويهدف البرنامج إلى تخريج 2500 شابًا وشابة سنويًا.

الشركاء في البرنامج هم رئاسة مجلس الوزراء، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، ووزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري.

كان باب التسجيل في البرنامج قد انفتح يوم 20 سبتمبر، حيث يُقبل 250 شابًا كل شهرين، من خلال الموقع الإلكتروني، ويُصفّى المتقدمون قبل قبولهم عبر اختيار ألف شاب من المتقدمين، ثم إجراء مقابلات معهم لاختيار 250 شخصًا في المرحلة الأولى من البرنامج.

يتلقى شباب البرنامج الرئاسي 11 دورة خلال ثمانية أشهر، ضمنها دورة التسويق والتغيير المؤسسي والموارد البشرية، في مقر المجالس المتخصصة التابعة لرئاسة الجمهورية، ودورة العلوم الأمنية والإعلام في أكاديمية ناصر العسكرية، ودورة التخطيط وريادة الأعمال في الكلية العسكرية للعلوم والإدارة، ودورة العلوم السياسية والاقتصادية في معهد إعداد القادة.

وكان موقع البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، قد ذكر أن مديريات الشباب قد استقبلت على مستوى الجمهورية 5448 شابًا ممن نجحوا في اجتياز التقييم الأول خلال الفترة ما بين 17 نوفمبر حتى 3 ديسمبر 2015.

البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب يهدف إلى تكوين نخبة موالية للنظام، خصوصًا، وأن النظام لا يملك نخبة تخصه، كالتي امتلكتها الأنظمة السابقة

على الموقع الإلكتروني للبرنامج، وتحت عنوان «ماذا بعد التخرج»، قُسّم الخريجون لثلاث مجموعات، هي «المواهب المتميزة»، و«المواهب الواعدة»، و«المساهمون والسفراء». حيث يحصل أصحاب المواهب المتميزة على وظائف قيادية، في مسار تصاعدي سريع مع كبار المسؤولين، بحد وصف الموقع، مع دراسات أعلى في مؤسسات أكاديمية عالمية. أما فيما يخص المواهب الواعدة، فسيجري توظيفهم في قطاعات الوزارات والمحافظات، بالإضافة إلى فرص عمل في الشركات الراعية، أما المساهمون والسفراء، فلهم الفرصة الأولى في معارض التوظيف والتأهيل المستمر، مع استمرارهم في الحصول على المنح والمزايا.

وفي محاولة للإبقاء على الارتباط بين من لم يُقبلوا وبين البرنامج، أكد الموقع على استمرار قناة الاتصال مفتوحة بشكل دائم، وعلى استمرار التعلم وإتاحة المواد العلمية، مع الحق في التقدم لدورات جديدة في حال انطبقت عليهم الشروط.

أما شروط التسجيل فكانت أن يكون المتقدم مصري الجنسية، حسن السير والسلوك، سِنّه من عشرين إلى ثلاثين عامًا، حاصلًا على مؤهل جامعي، وألا يكون سبق اتهامه في قضية مخلة بالشرف. وضمن المراحل التي يمر بها المتقدم المقابلة الشخصية مع لجنة التقييم، واجتياز الاختبار الكتابي في اللغتين العربية والإنجليزية.

الآليات الأربع لإلحاق خريجي برنامج الرئيس بالجهاز الحكومي
جاء الإلحاق بنظام مساعدي ومعاوني الوزير في الكتاب رقم 5، إعمالًا لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 612 لسنة 2017، والمنشور بالجريدة الرسمية رقم 10 مكرر (ج) في 14-3-2017. ونصت المادة الأولى من القرار على أنه «يجوز لرئيس مجلس الوزراء والوزراء، بمراعاة حجم اختصاصات كل وزارة والجهات التابعة لها، اختيار مساعدين ومعاونين لهم، وذلك بما يجاوز 4 مساعدي وزير، و 4 معاوني وزير».

يعني هذا أن كل وزارة سيكون بها ثمانية مساعدين ومعاونين، وهي وظائف أُنشئت في قانون الخدمة المدنية ولم توجد من قبل في قانون العاملين المدنيين بالدولة. هكذا تسير الحكومة في طريق معاكس لما تدعيه من التقليل من عدد المستشارين وغيرهم بالجهاز الحكومي بشكل عام، حتى أن المادة 70 من القانون وضعت حوافز لخروج الموظفين للمعاش المبكر.

ماذا سيفعل الثمانية إذن، خصوصًا وأن القانون نص على استمرار وجود وكيل دائم للوزير، وأن هناك هيكلًا سيبقى كما هو، وبه عدد كبير من وكلاء الوزارة داخل مقر كل وزارة، بخلاف وكلاء الوزارة في كل المحافظات؟

نصت المادة 10 من قرار رئيس مجلس الوزراء على أنه «تُصرف مكافأة شهرية مقدارها عشرة آلاف جنيه لمساعد الوزير، وخمسة آلاف جنيه للمعاون المعين بطريق التعاقد، أو كامل الأجر المقرر بجهة العمل الأصلية للمعينين بطريق الندب أو الإعارة، أيهما أكبر. كما تصرف للمشار إليهم حوافز جهود غير عادية يحددها الوزير المختص شهريًا… وذلك كله بما لا يجاوز الحد الأقصى للأجور».

ولكن بالنظر للجدول رقم 1، والمرفق بقانون الخدمة المدنية والخاص بالوظائف التخصصية، وجدنا الأجر الوظيفي لموظف الدرجة الثالثة ج (من خريجي الجامعات والحاصلين على الماجستير والدكتوراه في بداية التعيين) هو 880 جنيهًا فقط، ويكون أجر الموظف في أعلى درجة وظيفية، وهي الدرجة الممتازة التي يصلها بعد الخدمة لأكثر من ثلاثين سنة، 2065 جنيهًا فقط شهريًا، ما يوضح مدى التمييز لصالح قلة موالية للنظام ضد ملايين الموظفين.


الإلحاق الوارد في الكتاب رقم 5 للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، من خلال التعاقد مع العمالة المؤقتة، طبقًا للمادة 73 من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، والمُخصصة لتعيين من يعملون بالفعل في الحكومة على بند «أجور موسمية»، والمخصص لتعيين المؤقتين، لمدة ثلاث سنوات على الأقل، على أن يعود تعاقدهم لما قبل 30-6-2016. وقد جاء في آخر المادة: «ويوضع نظام للتعاقد مع العمالة المؤقتة أو الموسمية على الباب الأول، على أن يصدر قرار من الوزير المختص بناء على اقتراح الجهاز». والسؤال هنا هو: كيف يدخل هؤلاء الخريجون، رغم عدم تعاقدهم أصلًا، في الأجهزة الحكومية، التي يعمل بها في الوقت نفسه مئات الآلاف بدون تعاقد لسنوات طويلة، وتعمل الحكومة على التخلص منهم؟
الإلحاق عن طريق الندب، حيث ذكر الكتاب أن إلحاق شباب المشروع الرئاسي عبر الندب يأتي تطبيقًا للمادة 33 من قانون الخدمة المدنية، ولكن بالعودة لهذه المادة في القانون وجدناها تتحدث عن ندب الموظفين، الموجودين بالفعل على رأس العمل داخل الجهاز الحكومي، لأماكن أخرى داخل الجهاز فقط، مع استثناء المادة من هذا الموظفين الحكوميين العاملين في الجمعيات والمؤسسات الأهلية ذات النفع العام، وذلك بعد موافقة الموظف على هذا الندب. والسؤال هنا «هل سيستخدم الندب لخريجي البرنامج الرئاسي من خارج الجهاز الحكومي لداخله بالمخالفة للقانون؟ أم سيُنقل بعض خريجي البرنامج الرئاسي، والموجودين بالفعل بالجهاز الحكومي، إلى وحدات أخرى داخل الجهاز وإلى مستويات وظيفية تعلو مستواهم الوظيفي (حيث نصت المادة على جواز ندب الموظف لفترة مؤقتة إلى وظيفة أخرى في نفس مستواه الوظيفي، أو المستوى الوظيفي الأعلى مباشرة في ذات وحدته أو وحدة أخرى) وتكون هذه طريقة ترقيتهم بعيدًا عن الطرق التي وضعها القانون، أو نقلهم لوحدات ذات أهمية خاصة للنظام أو أفضل في الأجور من وحداتهم؟
الإلحاق عبر الإعارة، فقد نصَّ الكتاب الدوري رقم 5 على أن ذلك يأتي إعمالًا للمادة 35 من قانون الخدمة المدنية، وبالعودة لهذه المادة وجدناها تتحدث عن إعارة الموظفين الموجودين بالمنشآت الحكومية بالفعل لأماكن أخرى داخل الجهاز الحكومي أو خارجه، فكيف يمكن إلحاق من هم بخارجه من خلال هذه المادة؟ وإن كان المقصود هو إعارة الموظفين بالحكومة بالفعل من خريجي البرنامج الرئاسي، فهو ما سيؤدي لنفس الحالة التي سيؤدي إليها الندب، من نقل هؤلاء الشباب لأماكن أخرى أهم بالنسبة للنظام الحاكم أو بالنسبة للموظف.
وأخيرًا، فإن تعيين شباب خريجي البرنامج الرئاسي، والذين لا تخرج دراستهم خلال ثمانية شهور فقط عن شؤون الإدارة والأمن والدراسة الاقتصادية والسياسية، يعد تمييزًا لهم – لضمان ولائهم- سواء عن العاملين في الجهاز الحكومي أو الخريجين، وحتى عن الحاصلين منهم على ماجستير ودكتوراه في شتى مناحي العلم، الذين لم يكفوا عن التظاهر، لسنوات وحتى الآن، طلبًا للعمل. فلو كان الهدف هو الارتقاء بالجهاز الحكومي، فكان الأولى تعيين من قضوا سنوات طوالًا من التعلم في الجامعات المصرية على نفقتهم الخاصة للحصول على أعلى الدرجات العلمية في تخصصاتهم.

كما أن قرار الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، وكذلك قرار رئيس مجلس الوزراء، جاء بهما تمييز واضح لهذه الفئة ضد ملايين الشباب الباحثين عن عمل، وذلك بالمخالفة لقانون الخدمة المدنية والذي لم تمر سنة على إعادة إصداره، وجاء في المادة 1 منه: «الوظائف المدنية حق للمواطنين على أساس الكفاءة والجدارة»، و«يحظر التمييز بين الموظفين في تطبيق أحكام هذا القانون بسبب الدين أو الجنس أو لأي سبب آخر». فضلًا عن مخالفته للمادة 12 التي تنص على «يكون التعيين بموجب قرار يصدر من رئيس الجمهورية أو من يفوضه، على أساس الكفاءة والجدارة، دون محاباة أو وساطة من خلال إعلان مركزي على موقع بوابة الحكومة المصرية». هذا بالإضافة لكونه أصلًا مخالفًا للمادة 14 من الدستور والتي نصت على أن «الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة».

واضح أن البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب يهدف إلى تكوين نخبة موالية للنظام، خصوصًا، وأن النظام لا يملك نخبة تخصه كالتي امتلكتها الأنظمة السابقة، كما يهدف إلى تمكين هذه النخبة الشبابية من مفاصل الجهاز الحكومي.

نشر في مدي مصر
https://www.madamasr.com/ar/2017/07/03/opinion/%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9/%d8%ae%d8%b1%d9%8a%d8%ac%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b1%d9%86%d8%a7%d9%85%d8%ac-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a6%d8%a7%d8%b3%d9%8a-%d9%83%d9%8a%d9%81-%d9%8a%d8%ae%d9%84%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%a7/