مشروع قانون النقابات الجديد.. تصفية الحريات النقابية في تسع خطوات


فاطمة رمضان
الحوار المتمدن - العدد: 5437 - 2017 / 2 / 19 - 14:14
المحور: الحركة العمالية والنقابية     


في مشهد يناقض تمامًا مناقشة قانون الحريات النقابية في وزارة القوى العاملة والهجرة عام 2011، أصبح محمد وهب الله قبلة عدد من النقابيين المستقلين بحجة مناقشة مشروع قانون المنظمات النقابية والعمالية. ولمن لا يعرف، محمد وهب الله هو وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، وأمين عام الاتحاد الحكومي، والذي أتم عامه الستين في سبتمبر الماضي. ما كان يفترض أن يجعله ذلك خارج المشهد النقابي تمامًا، لولا سعي لجنة القوى العاملة لإقرار تعديل قانون النقابات، والذي صدر في يوليو الماضي، بالقانون رقم 61 لسنة 2016، الخاص بمد الدورة النقابية للاتحاد الحكومي والسماح لقياداته العتيقة بالبقاء في مواقعها النقابية بعد الوصول لسن المعاش.

وبعد ما يقرب من ست سنوات من المناقشات والحوارات الاجتماعية في ما يخص قانون الحريات النقابية، يبدو أنه قارب على الوصول لمحطته الأخيرة. ست سنوات تعرضت فيها القيادات النقابية المستقلة المناضلة للفصل والتنكيل. بالإضافة إلى جولات من عدم الاعتراف بهم كممثلين لأعضاء نقاباتهم من جانب، ومن جانب آخر بروزة وجوه صفراء جديدة في النقابات والاتحادات المستقلة، واصطحابها للمؤتمرات الدولية لتجميل الوجه القبيح للحكومة.

بالطبع، مشروع القانون الذي يتم تداوله الآن ليس هو المشروع الذي بدأنا في مناقشته عام 2011 وقت أن كان د. أحمد حسن البرعي وزيرًا للعمل. فالحضور ليسوا هم الحضور؛ وقتها تم دعوة النقابات المستقلة، ووجوه محسوبة على الثورة، لمناقشة القانون، وكان حضور ممثلي الاتحاد العام الحكومي هامشياً، وانزوى الحاضرون منهم فلم يُسمع لهم صوت.

هذه المرة، تم عقد اجتماعات سرية وأخرى علنية يقودها وهب الله وإخوته في الاتحاد الأصفر مع نقابيين مستقلين، لم نسمع لهم صوتًا في اعتقال وفصل عمال الترسانة البحرية ولا اعتقال وفصل قيادات النقل العام. بدأت الاجتماعات بمناقشة مشروع قانون النقابات. ثم صدر عن ثالثها بيان يطالب بـ «التركيز على لم شمل الحركة النقابية في مصر سواء مستقلة أو عامة بما يخدم صالح العمال، والبعد عن دعوات التفتيت التي أهدرت حقوق العمال خلال السنوات الخمس الماضية». وقع على البيان 20 نقابيًا، كلهم من النقابيين المستقلين بصفاتهم النقابية المستقلة، باستثناء اسم واحد من الاتحاد الحكومي هو محمد وهب الله. وهذا ليس من قبيل الخطأ أو السهو، فالمطلوب هو تصفية الاتحادات والنقابات المستقلة قبل إصدار القانون، وما يتبقى منها بعد ذلك فالقانون كفيل به.

أهم ملامح القانون

في ما يلي سوف نعرض أهم ملامح مشروع قانون النقابات المقدم للبرلمان، في صياغته النهائية بعد موافقة مجلس الوزراء عليه في الجلسة رقم 37 بتاريخ 4 يوليو الماضي، والذي يتضمن خطوات محددة لتصفية العمل النقابي.

الخطوة الأولي هي أن يحتفظ الاتحاد الحكومي، ونقاباته فقط، بالشخصية الاعتبارية ولا يجب عليه توفيق أوضاعه، أما كل النقابات والاتحادات المستقلة، والتي يسميها القانون في مادته الثانية من مواد الإصدار تجمعات عمالية، فلن تثبت شخصيتها الاعتبارية إلا إذا أعيد تأسيسها وفقًا لأحكام القانون.

أما الخطوة الثانية، فهي عرقلة أي إمكانية لوجود أي اتحاد عمالي أو نقابة عامة مستقلة عبر وضع شروط صعبة التحقيق في الوضع الحالي بالنسبة للنقابات المستقلة. كانت هذه الشروط لتعرقل أيضًا أي وجود لاتحاد العمال الحكومي، لو فرض عليها إعادة التأسيس. فقد وضع المشروع في المادة 14 عدد 100 عامل كحد أدنى لتأسيس اللجنة النقابية بالمنشأة (في الوقت الذي حددت فيه الاتفاقيات الدولية الحد الأدنى لتأسيس النقابة بـ 20 عاملًا فقط). بينما نصت المادة 16 على أن يكون تكوين النقابة العامة من عدد لا يقل عن عشرين لجنة نقابية، تضم في عضويتها ثلاثين ألف عامل على الأقل، وعلى تكوين الاتحاد العام من عدد لا يقل عن 10 نقابات عامة تضم في عضويتها 300 ألف عامل على الأقل.

أيضاً، من المعروف أن العمال في العديد من المحافظات والمدن الصناعية لديهم بالفعل اتحادات محلية مستقلة مثل اتحاد عمال السادات، واتحاد عمال السويس وبورسعيد والإسكندرية بدرجة ما. ولدى بعض هذه الاتحادات نقابات تثق عضويتها في النقابة، وتقف وراءها. لذا فإن في استطاعة النقابات المستقلة بعد إقرار القانون تأسيس عدد الاتحادات المحلية التي تنافس الاتحاد العام.

لكن المشروع لم يدرج تعريفًا للاتحاد المحلي ضمن التعريفات في المادة الأولى، وكذلك في المادة 13، والتي تحدد مستويات التنظيمات النقابية في اللجنة النقابية للمنشأة، أو اللجنة النقابية المهنية، النقابة العامة والاتحاد النقابي العمالي. بينما نصت المادة 17 على أنه «يجوز للاتحاد النقابي العمالي أن يشكل فروعاً، أو اتحادات محلية بالمدن والتجمعات الصناعية أو بالمحافظات،….».

أي أنه فقط عندما يكون لديك اتحاد عام، تستطيع أن تشكل اتحادًا محليًا، وقبل ذلك لا.

الخطوة الثالثة، هي تحويل اللجنة النقابية القاعدية لرقيب علي العمال لصالح أصحاب الأعمال. فقد نصت المادة 15 على أن «تتولي اللجنة النقابية للعاملين بالمنشأة المشاركة في وضع اللوائح، والنظم الداخلية، بتنظيم شؤون العمل والعمال، والمشاركة في تنفيذ خطط العمل والإنتاج بها». ويلي ذلك، في الخطوة الرابعة، وضع شروط للوصول للنقابة العامة والاتحاد العامة لا يستطيع الوفاء بها إلا المرضي عنهم. فالجمعية العمومية للنقابة العامة تتشكل من ممثلي اللجان النقابية على مستوى الدولة وفقا للمادة 32. ولكل لجنة نقابية ممثلان في النقابة العامة يختارهما مجلس إدارة اللجنة من بين أعضائها. ويتم تمثيل النقابة العامة في الجمعية العمومية للاتحاد النقابي العمالي باثنين يختارهما مجلس إدارة النقابة العامة. ثم تنتخب الجمعية العمومية المنتقاة للاتحاد رئيساً وأعضاء مجلس الإدارة، ليس من الجمعية العمومية بشكل عام، بل من بين من ترشحهم مجالس إدارات النقابات العامة من بين مندوبيها للجمعية العمومية للاتحاد النقابي، أو من بين أعضاء مجلس إدارتها.

وتتعلق الخطوة الخامسة بالانتخابات. ففي المادة 42، يرأس اللجنة العامة علي مستوي المحافظة أحد الأعضاء من الجهات والهيئات القضائية بدرجة قاض، أو ما يعادلها، بترشيح من وزير العدل، وذلك بناء على طلب الوزير المختص. بالإضافة إلى مدير مديرية القوى العاملة أو من ينيبه، وأحد أعضاء المنظمة النقابية المعنية. الأهم من ذلك هو أن رؤساء اللجان الفرعية لإجراء الانتخابات النقابية يعينون، طبقًا لنفس المادة، من العاملين في الدولة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام، أو الاتحاد النقابي العمالي، أو المؤسسات التابعة له. أي أن من يدير العملية الانتخابية هم العاملون بالحكومة أو بالاتحاد.

وإذا استطاع أحد النقابيين غير المرغوب فيهم دخول الانتخابات رغم كل هذه القيود، بالاستطاعة إسقاط اسمه من الجداول الانتخابية (حدث ذلك كثيرًا في الانتخابات النقابية قبل الثورة). وعليه في هذه الحالة أن يطعن أمام المحكمة العمالية في خلال 15 يومًا من تاريخ غلق باب الترشح أو البدء في إجراء الانتخابات. ولا يُقبل الطعن إلا بعد التظلم أمام اللجنة العامة المشرفة على الانتخابات، وفوات ميعاد البت، أي أنه لن يستطيع اللحاق بالانتخابات بأي شكل وإذا استطاع الحصول على حكم فعليه ساعتها البحث في كيفية تنفيذه.

علمًا بأنه في الانتخابات النقابية للدورات 2001/2006، 2006/2011 كان النقابيون يلجأون للقضاء الإداري أثناء الانتخابات، ويحصلون على أحكام مستعجلة، ثم يلحقون بالانتخابات.

الخطوة السادسة، تجيء في حالة دخول عناصر مناضلة للاتحادات والنقابات. في هذه الحالة تعطي المادة 23 للمنظمة النقابية الحق في رفض طلب انضمام أحد الأعضاء بأغلبية ثلثي مجلس إدارتها. كما أنه من حق المنظمة النقابية مساءلة أعضائها عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم النقابي، وفقًا للقانون والقرارات المنفذة ولوائح المنظمة النقابية، وكذلك ميثاق الشرف الأخلاقي للعمل النقابي الذي لا نعرف محتواه. علمًا بأن تعريف العمل النقابي في المادة الأولى من المشروع يقول إنه «كل نشاط يقوم به العضو النقابي لتحقيق أهداف المنظمة النقابية العمالية». وأخيرًا، تجيز المادة 28 فصل عضو الجمعية العمومية للمنظمة النقابية العمالية بقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس إدارتها، وفقاً لنفس القواعد السابقة.

نفس الشيء بالنسبة لعضو مجلس إدارة المنظمة النقابية، فيمكن لمجلس الإدارة إيقافه بقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضائه. ولو خرجت لجنة نقابية كلها عن الخط العام للاتحاد دفاعًا عن مصالح العمال؟ تعالج المادة 9 هذا، إذ تنص على أنه «لكل ذي مصلحة أن يطلب من المحكمة العمالية المختصة الحكم بحل المنظمة النقابية العمالية، إذا كان إنشاؤها، أو تشكيلها مخالفاً لأحكام القانون، وله أن يطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف نشاطها»، وكذلك المادة 10 بالنسبة لمجلس الإدارة.

وتجرم الخطوة السابعة كل من يتمسك من النقابات المستقلة بصفته النقابية التي سبق أن أودع بها أوراقه في القوى العاملة، أو اكتفى بإعلام وزارة القوى العاملة بالتأسيس طبقًا للاتفاقيات الدولية التي تعتبر في حكم القانون.

وتتصدر وزارة القوى العاملة المشهد هنا في التصدي لأي تنظيم نقابي مستقل. فتقول المادة 20، إنه «إذا تبين للجهة الإدارية المختصة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إيداع الأوراق المنصوص عليها في المادة السابقة عدم صحة أي منها عليها إخطار الممثل القانوني للمنظمة، ثم اللجوء للمحكمة المختصة للاعتراض على التأسيس». وتعطي المادة 21 الحق لكل ذي مصلحة في اللجوء للمحكمة العمالية المختصة للاعتراض على المنظمة النقابية العمالية.

ثم يأتي باب العقوبات بالمادة 68، التي تشدد العقوبة في هذه الحالة، إذ تنص على أنه «يُعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، ولا تزيد علي عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص شارك في تأسيس، أو إدارة منشأة أو جمعية، أو جماعة أو منظمة، أو رابطة، أو هيئة، أو غير ذلك، وأطلق عليها بدون وجه حق في مكاتبات، أو في لوحات، أو في إعلان، أو إشارة، أو بلاغ موجه إلى الجمهور اسم إحدى المنظمات النقابية العمالية، أو مارس أي نشاط نقابي تقتصر ممارسته على أعضاء مجلس إدارة المنظمة النقابية، وذلك وفقاً لأحكام هذا القانون».

وتضيف الخطوة الثامنة امتيازات جديدة إلى الامتيازات التي يتضمنها القانون الحالي رقم 35 لسنة 1976: إعفاءات جمركية وضريبية، وإعفاءات من رسوم الشهر العقاري والنشر في الوقائع المصرية بحسب المادة 62، وإعفاءات من الرسوم القضائية وفق المادة 63، والإعلان في الصحف القومية بنصف التكلفة بحسب المادة 64، ناهيك عن التفرغ النقابي.

وبالنسبة لاشتراكات العضوية، لا يرغب النقابيون القدامى بأي شكل من الأشكال في النزول ومقابلة العمال، حتى لو كان لجمع الاشتراكات. لذا أتت المادة 55 بنص جديد تلزم فيه المنشآت التي يعمل بها العامل باستقطاع قيمة اشتراك العضوية النقابية من أجره، بناء على طلب المنظمة النقابية. وإذا لم تلتزم المنشأة بخصم الاشتراكات، وتوريدها للنقابة، يجوز للمنظمة النقابية أن تطلب من الجهة الإدارية تحصيلها لصالحها عن طريق الحجز الإداري.

ثم تعرقل الخطوة التاسعة عمل الجهاز المركزي للمحاسبات في الرقابة. فقد جعل مشروع القانون اعتماد رد المنظمة النقابية على ملاحظات الجهاز من اختصاصات الجمعية العمومية للمنظمة النقابية، والتي تعقد بشكل سنوي. ويجوز عقدها لأسباب طارئة فقط بناء على طلب رئيس مجلس إدارتها، أو ثلثي أعضاء المجلس، أو ثلث أعضاء الجمعية العمومية (كما تقول المادة 30). وبهذا صار هناك نص قانوني يسمح بعدم الرد علي الجهاز لمدة عام.

لم ينص مشروع القانون صراحة على الوحدانية في النقابات، ولا على الشكل الهرمي، وهما من الانتقادات التي وجهتها منظمة العمل الدولية لقانون النقابات 35 لسنة 1976 قبل ثورة يناير، مطالبةً بتعديله. إلا أن المشروع لا يسمح إلا بتنظيم واحد، هو الاتحاد العام لنقابات عمال مصر. كما تستمر فيه نفس الإشكاليات التي تسحب من صلاحيات النقابات القاعدية لصالح قمة الهرم النقابي. وسيساعد مشروع القانون الجديد النقابيين الصفر على التخلص من كل صوت نقابي يطالب بنقابات معبرة عن العمال، تدافع عن حقوقهم، كما يعرقل إمكانية الإنصاف السريع لحقوق النقابيين الذين يتم شطبهم، أو منعهم من الترشح. ويحرم العاملين في الجهات النظامية من حق تأسيس نقابات تدافع عن حقوقهم، رغم التوقعات بزيادة عدد العمال المدنيين في هذه المؤسسات، في ظل توسع الجيش في نشاطه الاقتصادي. وأخيرًا، يتضمن مشروع القانون ما يعرقل عمل الجهاز المركزي للمحاسبات، لتفادي عقوبات رادعة في حال وصول الأمر للمحاكم.

إنه بجدارة مشروع قانون تصفية النقابات المستقلة.