فساد قيادات الاتحاد العام للعمال (1): جبالي المراغي


فاطمة رمضان
الحوار المتمدن - العدد: 5288 - 2016 / 9 / 18 - 23:15
المحور: الحركة العمالية والنقابية     


في يوليو الماضي صدر القانون رقم 61 لسنة 2016، والخاص بمد الدورة النقابية للاتحاد الحكومي والسماح لقياداته القديمة بالبقاء في مواقعهم النقابية بعد الوصول لسن المعاش. ومن المعلوم أن معظم قيادات الاتحاد في البرلمان كانت ضمن قائمة "في حب مصر"، وهم يشغلون مقاعد الرئيس والوكلاء في لجنة القوى العاملة التي تجهز القوانين التي تسحق العمال والموظفين لصالح أصحاب الأعمال، سواء كان صاحب العمل هو الحكومة أو المستثمر، ولعل قانون الخدمة المدنية شاهد عيان على ذلك.

كانت لعدد من هذه القيادات مواقف مخزية وقت رفض البرلمان لقانون الخدمة المدنية في يناير 2016، فقد خرج عدد من أعضاء مجلس النواب بتصريحات صحفية تفيد بأنهم يرون أن رفض القانون يعد انتصارًا للعمال، مما يوحي بكونهم ضد القانون، ولكن ظهر بعد ذلك أنهم صوتوا بـ"نعم" للقانون. وكان على رأس هؤلاء قيادات الاتحاد مثل جبالي المراغي رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام، ورئيس لجنة القوى العاملة الآن، وجمال عبد الناصر عقبى، رئيس النقابة العامة للعاملين بالبنوك والتأمينات، ونائب رئيس الاتحاد، ووكيل لجنة القوى العاملة حاليًا.

لم تقف هذه القيادات طبعًا، ولن تقف، أمام النظام الحاكم مطالبة بحقوق العمال، أو رافعة الظلم عنهم، خصوصًا لو كان صاحب العمل هو المؤسسة التابعة للجيش. ولعل موقف الاتحاد من محاكمة عمال الترسانة البحرية، بسبب ممارسة حقهم في الإضراب، مثال واضح على ذلك، فقد رد المراغي على سؤال أحد الصحفيين عن موقف الاتحاد من حبسهم، قائلًا: "إن الاتحاد ليس لديه علم بأية معلومات عن قضية عمال الترسانة البحرية بالإسكندرية ومحاكمتهم عسكريًا، وإن ذلك يرجع لعدم تقدم أي من عمال الشركة بشكوى للاتحاد لنظر قضيتهم أو اللجنة النقابية الممثلة لهم أو حتى من النقابة العامة للنقل البحري". وحتى الآن لم يقدم الاتحاد شيئًا للعمال، ولا حتى بالكلام.

وإذا عدنا للوراء قليلًا سنجد تصريح محمد وهب الله، رئيس النقابة العامة للتجارة، والذي نخصص له الجزء الثاني من هذا المقال، بخصوص حكم المحكمة الإدارية بإلزام المجلس القومي للأجور بإقرار الحد الأدنى للأجور في 2010، وجاء فيه أن "هذا ما لا يمكن تنفيذه على أرض الواقع، على رغم أنه مطلب جماعي وشرعي، لأنه بفرض أن الحكومة ستلتزم به فليس هناك صاحب عمل يمكنه أن يدفع المعاش التأميني والالتزامات المالية الأخرى للعامل.”

ظلت مواقف قيادات الاتحاد على مدار عشرات السنين واضحة في انحيازاتها للحكومة وأصحاب الأعمال ضد العمال، وهذا مستمر إلى الآن وبفجاجة أكبر. فجلوس القيادات مع أصحاب الأعمال في اجتماعات المجلس القومي للأجور، والظهور في الجرائد مبتسمين وهم يصافحونهم، رغم رفض أصحاب الأعمال تطبيق الحد الأدنى للأجور على عمال القطاع الخاص، والذي صدرت قرارات بتطبيقه على لموظفي الحكومة منذ نهاية عام 2014، شديد الدلالة على هذا الانحياز.

وفيما يلي نكتب عن واحد من أبرز هذه القيادات، وهو جبالي المراغي رئيس النقابة العامة للعاملين بالنقل البري، ورئيس مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، ورئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، وممثل العمال بلجنة الخمسين في دستور 2014، كما كان أحد المدعوين الـ11من قبل مساعد رئيس الجمهورية، في الاجتماع التأسيسي لقائمة في "حب مصر" بمقر المخابرات.

لم يكن المراغي معروفًا قبل 2011 في الوسط العمالي، حيث كان كان رئيس النقابة هو السيد رضوان ماصخ مغربي، وكان المراغي نائبًا لرئيس النقابة العاملة للعاملين بالنقل البري، وعضو مجلس إدارة الاتحاد وسكرتير الخدمات العمالية، طبقًا لقرار وزير القوى العاملة بشأن إعلان نتائج المنظمات النقابية للدورة النقابية 2006/ 2011، والمنشور بالوقائع المصرية رقم 269 (تابع) بتاريخ 28 نوفمبر 2006.

وذكر طارق البحيري، عضو النقابة العامة للنقل البري بهذه الدورة النقابية (وعضو النقابة المستقلة الآن) أن تشكيل النقابة العامة قد تغيَّر فيما بعد، حيث فأصبح المراغي أمين صندوق النقابة العامة، ثم أصبح رئيس النقابة العامة في الجمعية العمومية للنقابة المنعقدة بتاريخ 9-12-2010، بعد إبعاد السيد رضوان إثر القبض عليه بتهمة الاستيلاء على مبلغ 550 ألف جنيه من أموال النقابة (وقد انتهت القضية بالصلح بعد إعادة المبلغ للنقابة).

استمر جبالي المراغي رئيسًا للنقابة العامة، حتى انحل مجلس إدارة الاتحاد بقرار وزير القوى العاملة أحمد حسن البرعي، رقم 187 لسنة 2011 والمنشور بالوقائع المصرية عدد 18(تابع) في 6 أغسطس 2011، وجرى تشكيل مجلس مؤقت للاتحاد بالقرار رقم 188 لسنة 2011، المنشور بنفس عدد الوقائع السابق، وجاء القرار 189 ليضع عشرة اختصاصات للجنة المؤقتة، كان منها أن تدير اللجنة الاتحاد وتكون لها نفس الصلاحيات المخولة لمجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وأن تجهّز لإجراء انتخابات كافة اللجان النقابية التابعة للاتحاد، ودراسة التقارير السابقة للجهاز المركزي للمحاسبات عن الاتحاد والنقابات والمؤسسات التابعة له واتخاذ ما يلزم، وتشكيل اللجان الفنية التي تتولى حصر وجرد الأموال السائلة والعقارات والحسابات البنكية، كما كان من اختصاص اللجنة استكمال تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ببطلان جميع تشكيلات الاتحاد العام لنقابات عمال مصر.

ولكن تمكين اللجنة من ممارسة هذه الاختصاصات، لم يكن ليطيح بالقيادات القديمة والفاسدة فحسب، بل سيؤدي بها للسجن أيضًا، لذا كان لابد من عرقلة عملها.

شكَّلت اللجنة المؤقتة أخرى متخصصة، لفحص تقارير الجهاز المركزي، وبدأت بحل سبع نقابات عامة، وتعيين مجالس إدارة مؤقتة لها لحين الانتخابات. وذكر الأستاذ محمد عبد السلام البربري عضو اللجنة ومسئول سكرتارية الأجور والتأمينات بها، أنه في اليوم المقرر لاجتماعها بمقر الاتحاد لحل سبعة نقابات عامة أخري، كانت من ضمنها النقابة العامة للعاملين بالنقل البري، ونقابة الإنتاج الحربي، وبعد أن دخل عدد قليل من أعضاء اللجنة لمقر الاتحاد في انتظار باقي الأعضاء، اقتحم المكان أكثر من عشرين بلطجيًا ومعهم شوم، ووجهوا شتائم وإهانات لأحد أعضاء اللجنة الموجودين وهموا بضربه، لولا تدخل بقية الأعضاء. يضيف عبد السلام إنهم قرروا الخروج لاستقبال باقي أعضاء اللجنة خوفًا من منعهم من الدخول، ولكنهم عندما خرجوا مُنعوا هم أنفسهم من الدخول. ويضيف أنهم حاولوا الاتصال برئيس اللجنة أحمد عبد الظاهر، لكي يأتي لتحرير محضر ضد هؤلاء البلطجية، ولكن تليفونه كان مغلقًا.

أصبح عبد الظاهر فيما بعد رئيسًا لمجلس إدارة الاتحاد الذي أعيد تشكيله فيما بعد، خصوصًا بعدما إصدار وزير القوى العاملة أحمد حسن البرعي القرار الوزاري رقم 317 لسنة 2011 والمنشور في 7 ديسمبر 2011 في عدد 276 من جريدة "الوقائع المصرية"، ونصت مادته الأولى على "استمرار مجالس إدارات النقابات العامة ومجالس إدارات اللجان النقابية المنتخبة في الدورة 2006/2011 بكافة تشكيلاتها حتى إجراء انتخابات عمالية جديدة"، ما أعاد الأمور إلى ما كانت عليه قبل حل مجلس إدارة الاتحاد. ثم أعيد تشكيل مجلس إدارة الاتحاد بالاتفاق بين من تبقى من اللجنة الإدارية، وضمنهم ممثلو الإخوان المسلمين، وأصبح أحمد عبد الظاهر رئيس الاتحاد.

وأثناء تولي كمال أبو عيطة وزارة القوى العاملة، أعيد تشكيل مجلس إدارة الاتحاد برئاسة عبد الفتاح إبراهيم، رئيس النقابة العام لعمال الغزل والنسيج. وبالبحث عن قرارات التشكيل في فترتي وزيرا القوى العاملة خالد الأزهري ثم كمال أبو عيطة فيما يخص الاتحاد، لم نجدها بالوقائع المصرية.

ثم أعيد تشكيل مجلس إدارة الاتحاد مرة أخرى، وأصبح جبالي المراغي رئيسًا لمجلس إدارته، ونُشر إيداع التشكيل الجديد بقرار وزيرة القوى العاملة ناهد العشري رقم 121 لسنة 2014، في 8 مايو 2014 في العدد 122 من "الوقائع".

هنا نستعرض الفساد في اللجنة النقابية للعاملين بالنقل البري بسوهاج التي يرأسها المراغي حاليًا، ونستطيع تقدير حجم الفساد في النقابة العامة، إذا علمنا أن النقابة العامة للنقل البري تضم 85 لجنة نقابية. وفي الجزء الثاني من هذا المقال نستعرض الفساد في الاتحاد العام الذي يرأسه الجبالي أيضًا ويتولى أمانته محمد وهب الله.

في عام 2011 تقدم عدد من السائقين بسوهاج وأعضاء اللجنة النقابية للنقل البري بسوهاج، بشكوى لكل الجهات المعنية، بما فيها النيابة الإدارية، ومحافظ سوهاج، مطالبين إياه بتحويل الأوراق للجهات المختصة للتحقيق فيها، عن فساد وإهدار أموال اللجنة النقابية، مستندين في شكواهم لتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات الصادر في ديسمبر 2011. وكان يرأس اللجنة النقابية جبالي محمد جبالي المراغى، كما كان يرأس النقابة العامة للنقل البري، أما الأمين العام للجنة فكان ابنه محمد جبالي محمد جبالي المراغى.

فيما يلي بعض مما جاء سواء في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، أو تقرير مديرية القوى العاملة بسوهاج، بخصوص فحص أعمال اللجنة النقابية للعاملين بالنقل البري بسوهاج، وتقرير إدارة التفتيش المالي والإداري بمحافظة سوهاج والذي عُرض على السيد المحافظ:

1- بلغت قيمة المصروفات الإدارية لأعمال اللجنة خلال عامي 2009/ 2010 مبلغ 162 ألف و567 جنيه، في الوقت الذي تنص فيه المادة 62 من قانون النقابات العمالية 35 لسنة 1976 على ألا تتجاوز المصروفات الإدارية 20% من حصيلة الاشتراكات، (رغم ارتفاع النسبة إلا أنه جرى تجاوزها!) وقيمة التجاوز طبقاً لتقرير الجهاز المركزي كانت 98 ألف و845 جنيهًا.

2- أكد تقرير مديرية القوى العاملة على الملاحظة الأولى للجهاز المركزي للمحاسبات، وهي وجود عجز في التوريد بين المبالغ المحصلة والمبالغ الموردة، وذكر التقرير أن هذه المخالفة متكررة. وجاء في تقرير الجهاز أنه تبين وجود عجز في عهدة أمين صندوق اللجنة النقابية قدره 4494 جنيه، وذلك عن الفترة الممتدة من 1-7-2010 حتى 5-10-2010، حيث كان إجمالي الواردات، كاشتراكات اللجنة النقابية وصندوقي الزمالة والتكافل عن فترة الثلاثة أشهر السابقة الذكر، هو 180 ألف و320 جنيهًا، وإجمالي ما أودع في البنك 172 ألف و81 جنيهًا، وبجرد المبلغ الموجود في الخزانة وُجد 3745 جنيه (ذكر طارق بحيري أن النقابة العامة تحصل من كل سائق درجة أولى خلال الثلاث سنوات 650 جنيهًا، ومن سائق الدرجة الثانية 550 جنيهًا، والدرجة الثالثة 450 جنيهًا. ويضطر السائقون لدفعها ليتمكنوا من تجديد الرخصة حيث أن من شروط إعطاء الرخصة تقديم ما يفيد الاشتراك في النقابة، دون أن يستفيدوا من هذه الأموال).

3- الصرف في غير الأغراض التي من أجلها أنشئت النقابة، فقد جاء في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أن ما جرى حصره منها خلال عام واحد هو 29 ألف و850 جنيهًا، أنفقت في بند الإعلانات (مثل التهنئة بالأعياد القومية ولبعض الشخصيات مثل وزير أو عضو حزب وطني، إلخ)، وكان ضمن الهدايا مبلغ 4400 جنيهًا، أجهزة كهربائية وطابعة وإسكانر لإدارة مرور سوهاج، بخلاف ياميش رمضان للأجهزة المعاونة وإفطار وانتقالات لأعضاء اللجنة النقابية، ومصاريف ضيافة لوفد النقابة العامة، وكان الكثير منها بدون فواتير.

4- بلغت أجور العاملين باللجنة النقابية والصندوقين، وعددهم لا يتعدى 13 عاملًا، خلال السنة 99 ألف و488 جنيهًا. وبالمقارنة ما بين ما أُنفق كمصاريف إدارية وأجور عاملين والبالغ 262 ألف و55 جنيه، وما أُنفق كإعانات للسائقين طوال العام، وكان فقط 54 ألف و965 جنيه، نجد أن ما أنفق على العمال لم يتجاوز الـ 20% مما أنفق كأجور لموظفي النقابة، بجانب المصاريف الإدارية والإعلانات والهدايا.

هذا بخلاف المخالفات الخاصة بعدم توريد نسب النقابة العامة والاتحاد العام من الاشتراكات، وعدم خصم الضرائب على المتعاملين مع النقابة مثل المحاسب والمحامي، أو نسب الضرائب على المشتريات، وبالتالي عدم توريدها.

وقد وردت في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عشر مخالفات، جاءت عقب الكثير منها توصيتان متكررتان، أولهما بإحالة الموضوع للتحقيق لتحديد المسؤولية في هذا الشأن والإفادة بنتيجة التحقيق، وكذلك التنبيه بعدم تكرار المخالفة. وجاء في تقرير مديرية القوى العاملة أن المسؤولية عن هذه المخالفات تقع على عاتق السيد جبالي محمد جبالي، بصفته رئيس اللجنة النقابية ورئيس النقابة العامة، وأن الكثير من هذه الأموال صُرفت بالأمر المباشر منه، كما تقع المسؤولية على عواجه علي أمين صندوق اللجنة النقابية، كما جاء بالتقرير أنه لم تتخذ أية إجراءات قانونية تجاه هذه المخالفات حتى لحظة كتابة التقرير.

ورغم ثبوت نفس المخالفات بتقرير التفتيش المالي والإداري المقدم للمحافظ، إلا أن توصيات التقرير لم تتجه نحو تحويل الموضوع للنيابة العامة للتحقيق في المخالفات (على اعتبار أن أموال النقابات تعامَل بمثابة الأموال العامة) أو غيرها من الإجراءات التي يجب أن يتخذها المحافظ بصفته المسؤول عن المحافظة، وإنما أوصى التقرير بتكليف مديرية القوى العاملة بإرسال التقرير للاتحاد العام لنقابات عمال مصر، لاتخاذ ما يلزم بشأنها، مع مراعاة ذلك مستقبلًا بإرسال تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات عن فحص ميزانيات اللجان النقابية للنقابة العامة والاتحاد العام.

ورغم الفساد والبلطجة، إلا أن الجبالي وغيره من قيادات الاتحاد لم يُحاكموا على سرقتهم لأموال العمال، سواء في اللجان النقابية أو النقابات العامة أو الاتحاد العام، وإنما اختيروا بعدها للحديث باسم العمال في اللجان المختلفة، ومن ضمنها لجنة الدستور، فلسان حال النظام الحاكم يقول أن هؤلاء اللصوص البلطجية أقل خطورة بكثير من ممثلين نقابيين حقيقيين يدافعون عن حقوق العمال.