المرأة في سوق العمل: تمييز وتهميش


فاطمة رمضان
الحوار المتمدن - العدد: 5811 - 2018 / 3 / 10 - 14:42
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات     


ما أن انتهينا من عام المرأة والحمد لله، بما شمله من اعتقالات لنساء ومنع من السفر لعدد من الحقوقيات والحقوقيين، إلا وهل علينا أن جاز لنا أن نسميه عام العمالة غير المنتظمة، ربنا يستر.

فعقب مبادرة رئيس الجمهوريةوتوجيهاته للحكومة نحو دراسة كل البدائل المتاحة لتوفير غطاء تأميني لعمال اليومية قامت الدنيا ولم تقعد، فقد اجتمعت لجنة القوي العاملة بالبرلمان وقررت تشكيل لجنة بها الوزارات المعنية والنقابات المعنية (طبعاً نقابات الاتحاد الحكومي)، ومنظمات أصحاب الأعمال، علي أن تعمل اللجنة علي تعريف للعمالة غير المنتظمة وبحث آلية إعداد قاعدة بيانات لهذه العمالة وكيفية معالجة وضعها التشريعي. علي أن تنعقد اللجنة المشكلة بعد ثلاثة أيام من قرار لجنة القوي العاملة وتنهي عملها بعد 15 يوم.

وبدا الأمر كما لو أن الحكومة ستقوم بحل مشاكل أكثر من نصف المشتغلين في مصر فعلاً، فكل ممثلي الوزارات وأصحاب الأعمال كانوا – في هذا الاجتماع – مع حماية العمالة غير المنتظمة، طيب فين المشكلة. يبدو أنه كان لازم الرئيس يؤمر فقط، فطبقاً لكلام وكيل لجنة القوي العاملة بالبرلمان وأمين عام اتحاد العمال الحكومي محمد وهب الله “الرئيس عبد الفتاح السيسى عندما يفكر فى رعاية هذه الطبقة، ليكون لها تأمين ضد الشيخوخة وإصابة العمل والعجز الكلى وغيرها، لابد أن نكون جميعا على مستوى المسئولية أيضا”!!.

كما تمت الموافقة في الاجتماع على مقترح لشركة مصر لتأمينات الحياة بعمل وثيقة للعمال غير الرسميين، طبقاً لما ذكر وكيل اللجنة يدفع صاحب الوثيقة ٥٠٠ جنيه حداً أدنى، و٢٥٠٠ جنيه حداً أقصى، وتضمن الوثيقة وجود عائد شهرى، وحصول العامل على ٥٠ ألف جنيه فى حالة الوفاة الطبيعية، و٢٥٠ ألف جنيه بحد أقصى، وأضاف من حق صاحب الوثيقة أن يقوم بتحويلها إلى معاش شهرى، يحصل بمقتضاه على معاش يبلغ من ١٠٠٠ جنيه إلى ٥ آلاف جنيه بحد أقصى.وفي الحقيقة أنا لا أعرف بأي حسبة اقتصادية لشركة التأمين الخاصة ستوفر هذه الوثيقة كل هذه المميزات؟ واذا كانت الوثيقة ستعطي هذا المعاش الشهري لماذا يطالب هو وآخرين بعد ذلك بتأمين اجتماعي آخر؟

ويبدو أن العمال غير الرسميين لا يثقون فيما يقال، فقد قالمحمد عبد القادر الأمين العام لنقابة العمالة غير المنتظمة “هذا التصريح ليس الأول من الرئيس، إذ أشار من قبل في احتفالية عيد العمال الماضي إلى الاهتمام بتلك العمالة، لكن لم تحرك الحكومة ساكنا. وأتمنى نتائج إيجابية هذه المرة”. و انتقل عبد القادر من التشكيك في مصداقية ما يقال للتشكيك في المسئولين في وزارة القوي العاملة، فقد طالب بتشكيل لجنة رقابية لمراجعة القواعد المالية الخاصة بأموال العمالة غير المنتظمة ذاكراً “لأن تلك الوحدات لا تواجد لها بين العاملين في الشارع، وتحصل أموال «جباية» من المقاولين بزعم تقديمها لرعاية اجتماعية وصحية، لكن لا أحد يستفيد من تلك الأموال سوى كبار الموظفين بوزارة القوى العاملة ومديرياتها”.

العمالة غير الرسمية أصبحت الوضع السائد في مصر

وفي الوقت الذي يتحدثون فيه وبحماس عن حل مشكلة العمالة غير المنتظمة، نجد أن مسودة قانون العمل التي تطرحها وزارة القوي العاملة، ووافق عليها الاتحاد الحكومي تفتح الباب واسعاً لزيادة العمالة غير المنتظمة في المنشآت المنتظمة الكبيرة، عبر السماح للشركات والمصانع بأن تشغل لديها في أعمال من صميم العملية الإنتاجية بها عمالا من خلال شركات توريد العمالة، مما يعني أننا سوف نري تمييز وانتقاص للحقوق، وعدم الاستقرار في العمل -وهو ما يحدث الان مع عمال شركات الاسمنت والاتصالات وغيرها من المقيدين في شركات توريد العمالة – للعمال في كل الشركات والمصانع.

وهو ما أشار إليه تقرير البنك الدولي الصادر في سبتمبر 2014 إن التوظيف يتزايد في القطاع غير الرسمي لسوق العمل في مصر على عكس الاتجاه العالمي وإن الشركات صاحبة العلاقات السياسية لديها امتيازات تحفزها على استخدام العمالة غير الرسمية.كما أشار إلى أن معدل البطالة في مصر تراجع لكن العمالة غير الرسمية أصبحت هي الوضع السائد. وقال هارتفيج شافر مدير مكتب البنك الدولي في القاهرة أثناء مؤتمر لعرض التقرير إنه يوجد اتجاه متزايد في سوق العمل المصري للتحول إلى الطابع غير الرسمي.

وبالنظر في أعداد النشرة السنوية للتوظيف والأجور وساعات العمل لعام 2005 حتي 2015 وجداولها الخاصة بتطور أعداد المشتغلين في القطاع العام وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص في المنشآت التي يعمل بها أكثر من عشرة عمال، وجدنا أنه بالرغم من زيادة عدد المشتغلات من النساء في القطاع العام بنسبة 27.4% خلال العشرة سنوات ما بين عامي 2005 و2015، وكذلك نسبة زيادة أعداد الرجال 14.6%. إلا أن الأعداد في منشآت القطاع الخاص لأكثر من عشرة عمال قد قلت بنسبة 43% للنساء، 43.6% بالنسبة للرجال. وقد كان عدد المشتغلين في القطاعين في عام 2015 هو 1.3 مليون (98586 عام- 105270 خاص)، انخفض في عام 2016 إلي 1.1 مليون فقط بدون توفر معلومات عن العدد في كل منهما لهذا العام. يعمل في الصناعات التحويلية وحدها 463545. مما يعني أن الاعداد التي تعمل في القطاع المنظم الخاص في تناقص مستمر، ويدخل هؤلاء المطرودين منه لسوق العمالة غير المنتظمة سواء داخل المنشآت أو خارجها.

العمالة الغير رسمية عمالة بلا حقوق

في المحور الخامس لدراسة منظمة العمل الدولية عن القطاع غير المنظم في الدول العربية، للدكتور علياء المهدي، صنفت العمالة غير المنتظمة إلي ثلاثة وهي: أصحاب المؤسسات الصغري، والعاملون لحسابهم الخاص، والعاملون لحساب الغير. في وصف الأخيرة جاء “يشتغل العاملون لحساب الغير في القطاع غير المنظم في مؤسسات صغيرة بأجور زهيدة أقل بكثير من الأجور المدفوعة في مؤسسات القطاع المنظم، ولا يتمتع هؤلاء العمال بالعطل الأسبوعية والسنوية، ولا ينضوون تحت أنظمة الحماية الاجتماعية والحماية من الحوادث المهنية ضد الشيخوخة والعجز والتقاعد- غالباً- في أعمال شاقة، ويعملون لساعات طويلة في اليوم الواحد، وهم عرضه للطرد وفقد عملهم، ومن المفارقات ان هؤلاء العمال ينتجون لفائدة القطاع المنظم عبر صيغة المناولة التي تنتشر في الدول النامية”

ذكر عضو مجلس إدارة اتحاد المقاولين، شمس الدين محمد، بأن عدد المؤمَّن عليهم حالياً من عمال المقاولات٢٦٠ ألفاً، في الوقت الذي أكد سامى عبد الهادي، رئيس صندوق التأمين الاجتماعى للعاملين بالقطاعين العام والخاص، وممثل وزارة التضامن في الاجتماع، أن عدد العمالة اليومية غير المنتظمة المؤمن عليها حاليا 240 ألف عامل كلهم من عمال المقاولات والتشييد، و900 ألف من العمالة الحرة المنتظمة.

طبقاً للتقرير التحليلي للقوي العاملة في الربع الثاني من 2017 يعمل في القطاع الحكومي (الجهاز الإداري والقطاع العام وقطاع الاعمال العام) 22.2% من إجمالي المشتغلين 25.7 مليون، و 46.3% خارج المنشآت في القطاع الخاص، 22.2% داخل المنشآت. أي أن حوالي 5.7 مليون لدي الحكومة و20 مليون بالقطاع الخاص. بحساب نسبة المؤمن عليهم في القطاع الخاص داخل وخارج المنشآت نجدها 5.7% فقط من إجمالي المشتغلين في القطاع الخاص، وباقي العمالة بلا تأمين صحي أو اجتماعي.

في التعداد الاقتصادي لعام 2012/2013 كان 55% من المشتغلين يعلمون في منشآت بها أقل من عشرة عمال، وفي الوقت الذي كان متوسط الأجر العام هو 29.2 ألف جنيه سنوياً (58.5 ألف للقطاع العام وقطاع الاعمال العام- 32.1 ألف جنيه للقطاع الخاص)، وكان أجر العاملين في الوساطة المالية والتأمين أعلي مستوي وهو 198.4 الف جنيه سنوياً، كانت أدني الأجور من نصيب اللذين يعملون في منشآت بها أقل من عشرة عمال، حيث كانوا يتقاضون سنوياً 10.8 ألف جنيه. مما يعني أن متوسط أجور العاملين في المنشئات الخاصة الصغيرة يتقاضون ثلث متوسط الأجر العام، وسدس متوسط الاجر في القطاع العام.

عاملات بلا أجر

جاء في تقرير منظمة العمل الدولية “العمالة العالمية والتوقعات الاجتماعية للدول العربية – 2018” أنه سيصبح قرابة 5 ملايين شخص في المنطقة العربية عاطلون عن العمل في عام 2018، تشكل النساء ثلثهم رغم أنهن لا يمثلن سوي 16% من القوي العاملة. وأنه لا تزال هناك تفاوتات كبيرة بين الجنسين في الدول العربية، حيث بلغ معدل البطالة بين النساء 16.7% في عام 2017 وهو ضعف الرجل. حيث بقي معدل مشاركتهن في سوق العمل 18.8%، أي أقل بمقدار 30 نقطة مئوية عن المعدل العالمي”. وضع التقرير نسبة الفقر المعتدل والمدقع في العمل هي نسبة العمال اللذين يعيشون علي دخل أو استهلاك الفرد الواحد ما بين 1.9 إلي 3.1 دولار يومياً، واقل من 1.9 دولار يومياً علي التوالي. وجاء فيه أن أكثر من 45% من العاملين بالدول العربية غير الخليجية يعيشون في فقر مدقع او معتدل.

ووفقاً لكتاب المرأة والرجل في مصر 2015، الصادر في فبراير 2017، في الجدول رقم 11 توزيع المشتغلين 15 سنة فأكثر يعمل في القطاع الرسمي، 53.2%، وفي القطاع غير الرسمي 46.7% (هذا بالطبع بخلاف من يعملون في قطاعات رسمية ولكن عن طريق شركات توريد العمالة)، وبالنسبة للنساء يعلمن في القطاع الرسمي بنسبة 55.2%، وفي القطاع غير الرسمي 44.7%. تعمل النساء في القطاع غير الرسمي في الريف بنسبة 65%، مقابل 35% فقط يعملن في القطاع الرسمي في الريف. وفي الجدول رقم 12، وجاء أن نسبة النساء اللائي يعلمن في القطاع غير الرسمي بأجر هي 4.6% فقط، والمشتغلون لدي الاسرة بدون أجر 84.2%، 2.3% صاحب عمل ويستخدم آخرين، 8.9% يعمل لحسابه ولا يستخدم أحداً.

التمييز ضد العاملات في القطاع الخاص مرتين

زادت أجور النساء في القطاع العام خلال الفترة من 2005 حتي 2015 بنسبة 350%، وكانت الزيادة في أجور الرجال في نفس القطاع بنسبة 307%، ليصبح متوسط الأجور الأسبوعية للنساء في عام 2015 في القطاع العام هي 1220، وهي أعلي من متوسط أجور الرجال 1042. وفي القطاع الخاص كانت متوسط الأجور الأسبوعية للنساء 510، وللرجال 615، مقابل 56 ساعة عمل اسبوعياً للجنسين. وقد كان المتوسط العام للأجور في القطاعين العام والخاص 879 جنيه أسبوعياً في عام 2015، وأصبح في عام 2016، 942 جنيه أسبوعياً (850 للنساء، 960 للرجال) زاد معهم المتوسط العام لساعات العمل من 53 إلي 54 ساعة عمل اسبوعياً، دون أن تتوفر معلومات عن الأجور في القطاع العام والخاص كل علي حده لهذه السنة.

ويظل هذا متوسط علي مستوي الجمهورية يضم المديرين عمال المصانع معاً، فعلي سبيل المثال لا الحصر، في المجال الذي تكثر فيه عمالة النساء مثل الملابس الجاهزة في القطاع الخاص نجد أنه في عام 2015 كان متوسط أجر النساء 292، بينما كان متوسط أجر الرجال 347، وفي صناعة الجلد ومنتجاته كانا علي التوالي151، 251، وفي الصناعات التحويلية 373، 512 جنيه اسبوعياً. بينما في الوساطة المالية في القطاع الخاص كانا 2167، 2090 جنيه. كان المتوسط العام لأجور العاملين في القطاعين العام والخاص في الصناعات التحويلية في عام 2015 هو 507 جنيه أسبوعياً، أصبح في عام 2016، 662 جنيه أسبوعياً (677 جنيه مقابل 54 ساعة عمل للذكور- 566 مقابل 55 ساعة عمل للإناث).

هكذا نجد أن هناك تمييز في الاجر ضد النساء العاملات في القطاع الخاص المنظم، مرة كونهن يعملن في القطاع الخاص فينخفض أجرهن لأقل من نصف أجر العاملات في القطاع العام وقطاع الاعمال العام، ومرة آخري كونهن نساء فيتقاضين أجور تمثل 84% من أجور نظرائهن من الرجال في نفس الصناعة والقطاع (الصناعات التحويلية).

هذا بالإضافة لعدم قدرتهم مثلهم مثل العمال الرجال علي الالتحاق بالأعمال في قمة جدول الأجور – والتي تزيد فيها أجور النساء عن الرجال مثل الوساطة المالية، البترول والغاز – وذلك لعدم امتلاكهن لتعليم ومهارات، أو علاقات تؤهلهن لذلك.

العاملات والعمال تحت خط الفقر المدقع

هذا هو الحال بالنسبة للأقلية ممن يعملن في القطاع المنتظم سواء في القطاع العام أو الخاص أكثر من عشرة عمال، ومجموعهم في عام 2015 كان 1.3 مليون نسبة النساء بينهم 15.4% فقط، بالإضافة لـ 5.4 مليون في الحكومة، وباقي 24.3 مليون يعملون في المنشآت أقل من عشرة عمال بأجور أقل بكثير كما أشرنا.

بحساب حد الفقر المدقع، 1.9 دولار في 17.6 قيمة صرف الدولار في متوسط عدد أفراد الأسرة 4 أفراد في عدد أيام الأسبوع السبعة يصبح المبلغ الأسبوعي الذي تصبح بعده الاسرة تعيش في فقر مدقع هو 836.3 جنيه. وفي القطاع المنظم الخاص فوق عشرة عمال والقطاع العام متوسط الأجر الأسبوعي لما يقرب من نصف من يعملون في الصناعات التحويلية 662 جنيه (مع الأخذ في الاعتبار انخفاض الأجور في القطاع الخاص عن العام). أي أن هؤلاء وغيرهم من الغالبية العظمي من العاملين في القطاعات غير المنظمة من الرجال والنساء يعيشون وأسرهم في فقر مدقع.

في النهاية لا يسعنا إلا أن نقول أنه في الوقت الذي يتغني فيه النظام بكونه يعمل من أجل حماية العمالة غير المنتظمة – والتي تمثل الغالبية العظمي من العاملين في مصر، والتي في زيادة مستمرة بسبب السياسات الحكومية- نجده يستعد لإقرار قانون العمل الذي يسمح بها في القطاع الخاص المنظم الكبير. وهي العمالة الأقل أجراً والأكثر عملاً، كون نتاج عملها يذهب لأصحاب الاعمال سواء في القطاع المنظم أو غير المنظم كما أشارت دراسة منظمة العمل الدولية، ليتركها تعيش في فقر مدقع بلا أي حماية.

وتقع النساء في الدرك الأسفل منها، حيث تعمل الغالبية العظمي منهن بلا أجر لدي الأسر. وإن كان النساء في القطاع المنظم أكثر حظاً منهن إلا أنهن يعانين من التمييز ضدهن سواء في الأعمال الغير مسموح بها لهن، أو في الأجور لنفس العمل. تقع الغالبية العظمي من النساء والرجال من العمال في فقر مدقع.

***********
بالاحمر