أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - جفّت مياهُكَ














المزيد.....

جفّت مياهُكَ


صبري هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 3792 - 2012 / 7 / 18 - 11:20
المحور: الادب والفن
    


***
جفّت مياهُكَ
***

الآن
وقد ترجّلتَ فارساً أنْهَكَتْهُ الحروبُ
تَجْثو على ركبتيكَ كي تُقبّلَ مِن تحت قَدَميها الثرى
تلك البلادُ التي نأت
تلك البلادُ التي اسْتَوطَنتْ ذاكرةً
الآن
وقد أَتْعبَكَ التّجوالُ
عليكَ أنْ تترجّلَ وتَعودَ فارساً أسيراً
خانتْهُ السّيوفُ
غادرتْهُ الأفراسُ وظلَّ في الميدانِ وحيداً
الآن
الآن
في " الشارتيهْ "
هدأتْ في هذا الليلِ نّفوسٌ
صمتت كائناتٌ وعمَّ سكونٌ
ماعدا غراباً وحيداً
ظلَّ ينتظرُ انتصافَ الليلِ ليباشرَ النعيقَ
وفي " الشارتيهْ "
لا تنامُ الغربانُ ليلاً أو نهاراً

***
الآن
وقد تذكّرتَ أنّكَ
لم تزرعْ وردةً في أيِّ مكانٍ
حتى عندما كنتَ تُداعبُ اشتياقَ الينابيعِ لعطرِ الورودِ
وفي واحدةٍ مِن تلك الأرحامِ التي ولجتَها ما ودّعتَ بذرةً
ولا أغويتَ البطونَ بسحرِ الطفولةِ
ولا أنتَ مَن فصلَ عن جسدِ النّخلةِ أحلامَ الفسيلةِ .
وعلى وجهِ آجُرّةٍ سَحَرَتْها ذاتَ اشتهاء برّيةٌ ،
لم تُسَطِّر حكمةَ شيخٍ ولا كتبتَ مِنِ الشِّعرِ بيتاً عابراً .
أنتَ المُهَوَّسُ الذي بسكنِ البراري يَحْلَمُ وبالوهادِ ،
على أشواقِ صفحةِ غديرٍ ما تَرَكْتَ صورةً
ولا جعلتَ للشمسِ فوق الجبينِ مرتعاً
كنتَ حُبيبةَ ماء
عصفَ بها النهرُ وأرداها الهواء .

***
الآن
وعَبْرَ زجاجِ شبّاكٍ بالوحشةِ يغرقُ
يطلُّ في سماءِ برلين قمرٌ
قمران ، ثلاثةُ أقمارٍ ، ألفٌ مِن الأقمارِ
هما قَمَرَانِ
قمرٌ فوق قمرٍ
قمرٌ تحت قمرٍ
في سماءِ " الشارتيهْ "
ومِن وراء طبقاتِ زجاجِ شبّاكٍ منسيٍّ
تطلُّ أقمارٌ :
قمرٌ يهبطُ بمظلّةٍ
قمرٌ يترجّلُ مِن على ظهرِ غيمةٍ
قمرٌ ينزلُ بخيطٍ واهنٍ
قمرٌ يأتي ملتفّاً بملاءةِ امرأةٍ مِن الجنوبِ
قمرٌ يختفي وراءهُ قمرٌ ونجومٌ تتفرّقُ على عشّاقِها
وغرابُ الليلةِ مازال ينعقُ
وغرابُ الليلِ مازال يأتي
لم يتعبْهُ المساءُ
ولا نالَ منهُ السّهرُ
قمرٌ في الطريقِ يقضمُ شريحةَ جبنٍ
أمامهُ امرأةٌ مِن فضّةٍ وثلاثُ نرجساتٍ
وسلّةُ حكايا فارغةٌ
قمرٌ فوق الوسادةِ
يلاطفُ وجهَكَ
قبلَ أنْ ينامَ

***
الآن
يهمسُ الليلُ :
لا تحزنْ في ليلِ المنفى
فحزنُ الليالي في المنافي ثقيلٌ
حزنُ المنافي قاتلٌ .
وهذا ليلٌ همجيٌّ
وحشٌ كاسرٌ
هذا ليلُ الخائبِ
وأنتَ حرثُكَ كثيرٌ مع زهدٍ بماءِ
حرثٌ يُعيدُ ترتيبَ الأماكن
التي لا تسرُّ ناظراً
ولا تستجلبُ لمكظومٍ متعةً
هذا ليلٌ يدهمُ رجالاً فيَسْلبهم ريحَ فحولةٍ
ويفترسُ نساءً فيجعلَهُنّ بلا أنوثةٍ
يَتْرُكهُنّ بلا شهوةٍ لمشتهٍ
وليلُ المنافي وحشٌ غاضبٌ

***
الآن
يظلُّ السكونُ يُرددُ :
أما حان لهذا القطارِ أنْ يتوقّفَ
لهذا النّهرِ أنْ يتعثّرَ
ولهذا الجوادِ أنْ يستريحَ ؟

***
الآن
الآن
حان النّظرُ نحو الأسفلِ:
هاتان قدمانِ
بهما قَطَعْتَ الفصولَ
وطأتَ أعناقَ الجبالِ
وبهما عصفتْ صحراءُ العربِ ذات شتاء
هاتان قدمان
بهما نكّلَ الزّمان
وكفّتا عن الرّحيلِ
هاتان قدمان
بهما جبتَ المسافاتِ
عبرْتَ حدودَ البلدان
هاتان قدمان
طافتا سفوحاً
وقهرتْ أفئدةَ الوديان
فما أتعسَكَ وأنتَ تنقلُ خطوكَ وئيداً !

***
الآن
تصرُّ الساعةُ :
خُذْ رائحتَكَ وارتحلْ
فالغابةُ لا تزحفُ بعد الآن
الموجُ تأخّرَ
والسفينُ منذُ الليلِ باتَ معطوباً
خُذْ مجذافيكَ وارتحلْ
فلا ماءَ بعد الآن يحملُ الحالمينَ
ولا حلَّ الغمام

***
الآن
تجهشُ الذاكرةُ :
ماذا بعد ؟
أنتَ ابنُ البراري والمتاهةِ
ابنُ المنافي ، المحطّاتِ والأرصفةِ
أنتَ المُتسكّعُ
هل تلوّثْتَ بدخانِ سجائر المقاهي والباراتِ
وتعفّرَ بغبارِ المسافةِ وجهُكَ ؟
لكنك على محفلِ سوءٍ ما ترددتَ
أنتَ حاملُ سجّيلِ الله ودمعةِ الغريبِ
لم تتركْ مكاناً بطراً ولا تنكّرتَ لطللٍ
أنتَ شهابُ الرّحيلِ الأبديّ
غجريُّ الزمانِ أنتَ
تركتَ لهؤلاء المكانَ والأجيالَ
وعانقتَ الوحشةَ والخلاءَ

***
الآن
يسألُكَ قمرٌ :
هل تدفأتَ بما ترمي البحارُ مِن عقيقِ المراكبِ
وبما تُطلِقُ الأرضُ مِن أعماقِها ؟

***
والآن
لو كان اللهُ كائناً هل تقتلُهُ ؟
لن تظلَّ أسيرَ الجوابِ
وفي منأى عَنْهُ تكون
إذاً
مَن يَعْلَمُ بماذا يُفكّرُ الغريبُ إذا احتضرَ ؟
***
يبتسمُ القمرُ ويأمرُ :
اقرؤوا في صمتِهِ المهيبِ عظيمَ الكلامِ
فهذا المُرتحلُ يُمْعِنُ النَّظَرَ في رقصةِ الغمام
هذا المُسافرُ
على أجنحةِ اليمام
يصمتُ ثم يضيفُ :
سحاباً ترعى الرياحُ كثيراً
***
الآن
خُذْ رائحتَكَ وارتحلْ
فشمسُ المدينةِ لن تشرقَ بعدَ الآن
لن تشرقَ بعدَ الآن
شمسُ المَدينةِ

28 ـ 5 ـ 2012 برلين
***







#صبري_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة أرخبيل
- صباح الخير أيُّها المُرْتَحِلُ
- حجرٌ في المتاهة
- بكلِّ الانكساراتِ ارتحلي
- موحشات الشارتيه
- حديثٌ لعليٍّ
- غريب ما بين عدن و برلين
- لا تخذليني كالربيع
- ستائر مؤرَقة
- قمرٌ لليلِ المدينة
- مأساة الجاهلي
- قصائد مُهْمَلة
- لقد رَحَلَ البنّاءُ .. أيُّها البرديُّ فارحلْ
- بلادي التي ما أحببتها
- بوح المسافر للسفر
- على مشارف الستين
- لم نرَ المأتى
- ليل الشبيبي
- أربع قصائد
- اللوثة .. كتابة نص


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - جفّت مياهُكَ