أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صادق الازرقي - كي لا تتكرس الكراهية نمطا لحياة العراقيين















المزيد.....

كي لا تتكرس الكراهية نمطا لحياة العراقيين


صادق الازرقي

الحوار المتمدن-العدد: 3782 - 2012 / 7 / 8 - 20:34
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


دأب المفكرون وعلماء النفس، منذ وقت مبكر من عمر المجتمع البشري الحديث، على محاولة الإحاطة بالدوافع الكامنة وراء تصرفات الناس، وأسباب غلبة نمط من التصرف من دون غيره، ولقد تحتم على العلماء ان يدرسوا المظاهر الحياتية والاجتماعية، انطلاقا من ان الانسان كائن اجتماعي، وان نمط سلوكه لا يقتصر عليه بذاته، وانما عن طريق علاقته مع الناس الآخرين.

وقد ذهب بعض علماء النفس، بعد ان لاحظوا سيادة التصرفات السلبية في المجتمعات الانسانية في مراحل معينة، الى ما يشبه دعوة الفرد الى التمسك بفرديته والنأي بنفسه قدر الإمكان عن الارتباط بالجماعة، معربين عن مخاوفهم من ان يكون نمط التصرف السلبي هو السائد في علاقة الناس ببعضهم البعض، وفي هذا يقول المؤرخ وعالم الاجتماع الفرنسي، غوستاف لوبون "ان الفرد في الجمهور يكتسب بحكم العدد وحده شعورا بقوة لا تقهر يتيح له الاستسلام لغرائز ما كان الا ليكبحها فيما لو لبث وحيدا. فهو سيستسلم لهذه الغرائز بسهولة اكبر ما دام حس المسؤولية الذي يردع الافراد على الدوام يتلاشى بتمامه بحكم ان الجمهور غفل وبالتالي لا مسؤول .."، ولم يك لوبون هو الوحيد الذي اعرب عن تلك الآراء، بل شاركه كثير من معاصريه تلك المخاوف، وقد علق الطبيب و العالم النمساوي سيغموند فرويد في كتابه "علم نفس الجماهير وتحليل الأنا" على آراء معاصريه، موضحا اياها، بالقول "ان وجهة النظر التي تأخذ بها تعفينا من تعليق قيمة كبيرة على ظهور صفات جديدة، حسبنا ان نقول ان الفرد في الجمع يجد نفسه في شروط تتيح له ان يفك اسر ميوله اللاشعورية المقموعة، والصفات الجديدة في الظاهر التي يتبدى بها عندئذ، ما هي في الواقع سوى تظاهرات لذلك اللاشعور الذي تختزن فيه بذور كل ما هو شرير في النفس البشرية، او ان حس المسؤولية يتلاشى في هذه الظروف"، وناقش قولهم "ان الفرد يفقد صفاته الايجابية بعد انخراطه في الجمهور اللامنظم"، ويقول فرويد في توضيح لآراء احد معاصريه "ان على الفرد اذا كان يود ضمان سلامته ان يحذو حذو المثال الذي يراه فيما حوله، فـ (يعوي مع الذئاب) !، وعلى المرء المنصاع للسلطة الجديدة ان يخرس "صوت ضميره"، لا يجوز ان تأخذنا الدهشة اذا ما راينا الفرد المنخرط في جمهور يأتي افعالا ويوافق على اشياء ما كان في شروط حياته العادية الا ليشيح عنها".

لقد كتب المفكرون الاوروبيون آراءهم تلك، في المدة الي سبقت الحرب العالمية الاولى وكذلك المدة الواقعة بين الحربين العالميتين، وهذا يعني انهم انطلقوا من زوايا تجريبية تكرست ابانها حقيقة الحروب الدموية وغلبة التصرفات السلبية في الشخصية الإنسانية، ومنها مشاعر الكراهية التي كانت واقعا في تلك المدة، وكي لا نذهب بعيدا في موضوعنا، وكي لا نغور في بواطن الدراسات النفسية التي هي ليست موضع مقالتنا هذه، كما انها ليست من اختصاصنا ، نقول، اننا وان كانت لنا وجهة نظرنا في الامر وبرغم عدم موافقتنا على بعض الاستنتاجات والنصائح التي يذهب اليها بعض اولئك المفكرين، فاننا نقول بصراحة؛ اننا نلمس الآن في العراق ـ وقد لمسنا ذلك منذ عقود ـ تطبيقا لتلك المفاهيم على ارض الواقع من خلال غلبة الشر على الخير اذا جاز التعبير، وسيادة الكثير من مظاهر الانا ومحاولة الاستئثار بكل شيء وحرمان الآخرين من كل شيء.

وكي لا ندخل في التعميم وفي سبيل ان نصل الى قرائن محددة فاننا نقول، اننا نلمس ان مشاعر الكراهية تتمظهر في اجلى صورها وتنتشر بصورة مذهلة، ولا نكشف جديدا اذ قلنا ان السياسيين العراقيين، يسهمون بالدرجة الاولى في نمو مظاهر الكراهية التي تعود جذورها بالتحديد الى نهاية السبعينات من القرن الماضي بمجيء صدام حسين الى الحكم، اذ بدأ المجتمع العراقي عندها العد التنازلي لمسيرة نكوصه القيمي، فبعد ان كانت الكراهية مقصورة على أوساط محدودة من العسكريين الذين يتبادلون ادوار الانقلابات والمؤامرات، في حين نأى المجتمع عنها وحافظ على خصاله الانسانية، برغم انتشار الفقر والامية، حاول نظام صدام حسين نشر الكراهية والقسوة على اوسع المجالات، فأصبح امرا اعتياديا ان يسوقك جارك ممن ترتبط به بعلاقات حميمة، الى دوائر الامن بتقارير خاصة يرفعها عنك، ولربما تسبب في اعدامك، كما صار امرا اعتياديا ايضا، ان يبلغ الاب عن ابنه الهارب من العسكرية والحرب، او ان يقتل اب ابنه بيديه؛ لأنه هرب من الجيش ليكرم من ثم بيد رئيس الجمهورية، او ان تبلغ زوجة عن زوجها المعارض لنظام الحكم فتتسبب في القبض عليه و اعدامه، والمفارقة ان بعض النساء ممن تسببن في اعدام ازواجهن بابلاغ النظام المباد بمعارضتهم له، راجعن بعد سقوط النظام المباد للحصول على امتيازات ازواجهن كشهداء، مقدمات انفسهن كضحايا للنظام السابق في حين انهن اسهمن في قتل ازواجهن وتثبيت اركان النظام الدكتاتوري و مواصلة قتل الناس وتعزيز واشاعة الكراهية.

لقد تكرست مظاهر الكراهية في الذات العراقية بشكل خاص بسبب الحروب والعقوبات التي رافقت تلك الحروب، و لقد فاقمها، بشكل اكثر حدة، تكريس النظام المباد للفكر العنصري و كراهية شعوب ومجموعات بشرية بأكملها، وتمظهرت تلك الكراهية في عسكرة المجتمع لتتسبب في مقتل مئات الالاف وتعويق الاخرين غيرهم، وتهجير مئات الآلاف غيرهم.

لقد ادى ذلك الى انحسار القيم الانسانية التي كانت سائدة حتى نهاية سبعينات القرن الماضي عن الروح العراقية بحسب المؤرخين وعلماء النفس، وقد انسحب ذلك على المدة التي شهدت التغيير وسقوط النظام المباد، والتي برغم اهميتها تميزت بالفوضى العارمة التي مهدت من ثم لأعمال نهب و قتل جماعية وفردية غريبة تتواصل حتى الآن تميز بعضها، باقصى درجات القسوة وبروح سادية قل نظيرها، من قبيل تقطيع الاطراف العليا والسفلى لبنات صغيرات لأن اهلهن لم يدفعوا الفدية التي طلبها الخاطفون او حتى بعد دفعها، او قيام ممرضات في المستشفيات الحكومية بسرقة المواليد الجدد من المستشفيات لبيعهم او تبديلهم بآخرين لقاء اموال، والقائمة تطول طبعا ويعرفها القاصي والداني، ولسنا بصدد تناولها الآن، ليس اقلها عنفا التشفي بقتل الناس البسطاء من عمال المسطر والباعة في الاسواق والسابلة في اعمال تفجير وقتل لم تستثن احدا، ولقد ادى كل ذلك الى نشوء ازمات جديدة في علاقات الناس ببعضهم البعض، والى انطواء الذات الانسانية على حدود فضائها الاصغر، والى ندرة قيم الصداقة والتعامل الانساني الاعتيادي في جميع مفاصل الحياة.

لقد أسهم السياسيون الذين تسيدوا حلبة الصراع السياسي في العراق بعد التغيير عام 2003 في تنمية شعور الكراهية، و مضاعفة و تكريس مظهر الحقد والقسوة، ويأخذ هذا اشكالا واضحة في طبيعة تنافسهم السياسي، الذي يتسم بالتسقيط الفردي والتهجم الشخصي وعمليات التفجير والاغتيالات، في حين ينأى عن طرح برامج محددة تكون الناس بأمس الحاجة اليها تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية التي لها الدور الحاسم في تصويب المسار الاجتماعي، كما ان كثيرا من سياسيينا الذين يدعون النزاهة والاخلاق والفضيلة، يمارسون خلاف ذلك في المحصلة، ففي الوقت الذي يحرمون المواطن من حقه في السكن والضمان الاجتماعي، يواصلون جمعهم للثروات والاراضي من دون ان يصلوا الى حالة الاكتفاء، ما ينمي مظاهر جديدة للكراهية والعنف.

لقد ادى كل ذلك وغيره بالعراقي الى عدم الانسجام مع نفسه وانحسار روح المواطنة، وغيابها كليا في الاعم من الأحيان، وأصبح الانسان العراقي يجد نفسه غريبا في بلاده، التي لم توفر له رغيد العيش، فلا سكن و لا مورد مالي ولا حياة رغيدة على وفق ما يعده به المسؤولون في بلد من اغنى بلدان المعمورة، كما انه لا يعرف ما ينتظره في القادم من الايام، ازاء هذا العجز الحكومي في اللحاق بركب التطور المتسارع التي انخرطت فيه حتى افقر الدول الخليجية وفي المنطقة، ويحضرني هنا تعبيران لشخصين اعرفهما يعيشان في دولتين احداهما اوروبية والأخرى استراليا، منحتهما تلك الدول كامل حقوق المواطنة وامتيازاتها. قال الاول الذي جاء ليرى العراق بعد التغيير وليوطن نفسه على العيش فيه بعد (الغربة) "انني عندما اذهب الى بيت اهلي في بغداد احس بالغربة في حين عندما اعود الى بيتي في البلد الاوروبي لا اشعر بتلك الغربة واحس ان المكان اليف وقريب الى نفسي"، وقال الآخر"عندما كنت في العراق كرهت الحياة وعندما وصلت الى استراليا اصبحت احب الحياة"، وتلك آراء حقيقية برغم اعتراض البعض عليها.

اما المفارقة التي نلمسها ونقول بصراحة، انها لن تدفعنا الى التفاؤل، حين نضع انفسنا في موضع المقارنة مع الآخرين، فتتمثل في ان المفكرين ذاتهم الذين اشرنا اليهم في بداية موضوعنا، والذين حذروا الفرد من الارتباط بالجماعة، لم يبخلوا بتحديد سبل العلاج والخروج من ذلك المأزق، والتي شخصها المتابعون نقلا عن لوبون في معرض ذكره لسبيل الخروج من الاشكالية لانقاذ الحضارة الغربية، وقالوا انها تنحصر في تأكيده على انه "بدلا من اللجوء الى الدين لانقاذ الحضارة الغربية من الخطر البربري الجديد الذي يتهددها فان ما يقترحه غوستاف لوبون هواللجوء الى الاساس الذي قامت عليه هذه الحضارة، أي العلم، ولا شيء آخر سوى العلم، وذلك لفهم نفسية الجماهير اولا، ولضبطها والسيطرة على عنفها التدميري ثانيا.."

ويعلم الجميع مدى الانجاز الذي تحقق لتلك الدول، بل ان دولا "شرقية" و "اسلامية" اخذت تحذو حذوهم لتحقق مكانة وكرامة لمواطنيها عن طريق فصل الدين عن الدولة التي هي في طبيعتها امر آخر يختلف عن العقائد والأيديولوجيات التي لن تبنى مجتمعا ولا تحسن من أحوال الناس، ولكنها تظل محترمة بإبعادها عن الدولة، اذ ان التخلف وعدم مواكبة العلم هو قرين للقسوة وسيادة مظاهر العنف والكراهية، فكم بنا حاجة الى تأسيس مجتمع متنور قويم واستعادة روحنا الإنسانية المسلوبة!.



#صادق_الازرقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وتبخرت آمال الحالمين بمئة راتب!
- فتاوى إلغاء الآخرين !
- الجولة الثانية من نزال الاستيلاء على شواطئ دجلة
- ملايين الناس بلا مأوى، و قصور الخضراء تستوطنها الكلاب!
- مأزق العملية السياسية المستديم
- الضرائب على الاستيراد، نهب لما تبقى في جيوب الفقراء
- يوم تاريخي أضاعوا بريقه في لجّة الفشل السياسي
- من عجائب العراق الجديد: أعطني أمنا ً واستقرارا ً، أعطيك فقرا ...
- هل تجري مطاردة الفساد فعلا؟
- ما الذي (يقبضه) العراقيون من القمة العربية؟
- شعب اعزل ونواب -مصفحون-
- الصراع النفطي الكهربائي ينبئ صيفا ً مميتا ً
- جهود الحكومة (لعدم) إصلاح الكهرباء!
- سياسة المتاجرة بالطوائف
- الاغتيال الجماعي للعراقيين
- مسؤولون يسعون للاستيلاء على قصور صدام وتسجيلها بأسمائهم
- ضم مناطق جديدة الى بغداد تكريس للتخلف واعتراف بالفشل
- الأراضي والرواتب للوهميين، و الحسرة للآخرين
- هل يسترد فقراء العراق أموالهم المسروقة؟!
- الزحف الحكومي لاحتلال بغداد


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صادق الازرقي - كي لا تتكرس الكراهية نمطا لحياة العراقيين