القاضي والمحام لا يرغبان في استقلال القضاء ولا نزاهته ؟

الحايل عبد الفتاح

الحوار المتمدن-العدد: 3772 - 2012 / 6 / 28 - 08:58
المحور: كتابات ساخرة
    

أنت قاض وأنا محام. ويعتبرنا الكثيرون منتسبين لأسرة القضاء. ومن ثم فنقط الالتقاء بيننا كثيرة، ونقط الاختلاف بيننا قليلة...
أنا اخترت مهنة الدفاع عن الحق وأنت عينت لوظيفة قول الحق...
أنا أعرف بعضا من خبايا القضاء، كما تعلمها أنت، وتجد صعوبة في تصريف ملفاتك كما أجد أنا صعوبة في تصريف ملفاتي...
نتعامل نحن الاثنين بطقوس النصوص القانونية المغبرة، ولكل منا نظرته الخاصة للحق وللعدل وتأويل ما لم يستطع كلانا الصبر عليه...
لكن الأهم من هذا كله، أنك مثلي تشكو الآن من عدم استقلالية القضاء أو بالأحرى نزاهته.
وقد شكونا من قبلك نفس الشكاية، وقدمنا نفس الدعوة فكان مصيرها عدم القبول...
فدحرجونا وفقرونا واشتروا خيرة رجالنا ونسائنا...فشتتوا شملنا...
لسبب واحد، ألا وهو كوننا كنا نناضل من أجل استقلالية القضاء ونزاهته...
ففي الوقت الذي كنت أنت سيدي القاضي في الخفاء تحكم ولا حق لك في الرأي السياسي والإجتماعي كنا نحن المحامون نناضل بقوة وحرارة في السياسة والإقتصاد والإجتماع والفكر...
وفي الوقت الذي كنا نصدع بالحق بدون خوف ولا لومة لائم كنت أنت تتكتم وتستنكر في صمت رهيب...
أمامك وفي حضرتك هموا بقص أجنحتنا وأنت تشد...
لكن ها أنت زميلي المحترم رأيت كيف هدمنا وكيف كممت أفواهنا حين كنا نناضل من أجل استقلال القضاء ونزاهته...
وجاء دورك اليوم زميلي المحترم لتؤدي ثمن مطالبتك أنت أيضا باستقلالك نزاهتك...
حان وقتك لتعاني ما عانيناه نحن منذ سنين عديدة في غياهب القضاء المسموم...
أتعرف بالضبط ثمن استقلال القضاء ونزاهته ؟
الثمن غال ..."فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"
اسأل المحامين أيضا في هذا الموضوع وتاريخهم النضالي المكتوب والمقروء...
بصراحة فثمن استقلالك ونزاهتك غال جدا...
وحتى ولو كان لديك الثمن فلن تستطيع عليه صبرا...
لن يمكنك منهما الأولياء الصالحون القائمون على أمر ورقبة البلاد والعباد...
والدليل على هذا هو أنك منذ مدة أصبحت تتصادم مع حائط التخلف والرجعية واللوبيات الظاهرة والخفية كما اصطدمنا بها نحن من قبل...
إنها ليست إلا البداية والطريق وعر، صعب وشاق في سبيل استقلال القضاء ونزاهته...
لقد سمعنا مؤخرا بان نائب رئيس نادي القضاة بالمغرب يتعرض لمناوشة ومضايقات غريبة...
فقد عين بقدرة قادر في منصب رفض الالتحاق به...ولماذا رفضه؟ الأولياء والصالحون يعلمون...
وطلعت علينا مجلات الصباح الباكر أن السبب في تنقيله هو مطالبته باستقلال القضاء ونزاهته في إطار نادي القضاة... فكان جزائه التشويش والتنكيل...
أتعرف لماذا؟ لأنه خرج عن الصراط المستقيم والراي الحنيف...
رفض توجيه وتعاليم الأولياء المكرمين...
فقال قائل من حشد المحامين والقضاة : "أتقتلون عبدا يقول ربي الله ؟"...
ورأفة منهم به فقد حكموا عليه بالتقيل...وما كنا على الغيب بعالمين...
إنه بداية الطريق في سبيل استقلال ونزاهة القضاء...
إذن، صديقي القاضي، احرص لسانك وعد عن غيك، واستقم في سيرك، ولا تطالب باستقلال القضاء ولا بنزاهته...
اخرص صوتك واكتم حقك لكي يبقى القضاء غير مستقل وغير نزيه...
فلا داعي لتحرك أفكارك ولا تستعجل بلسانك، فالأولياء والصالحون من جهابذة القضاء سيقومون بكل شيئ يجعلك قاض غير نزيه وغير مستقل...
أتعلم ماذا فعل المحامون بعد فشلهم في المطالبة باستقلال القضاء ونزاهته ؟
إنهم قرروا بإجماع مطلق، وشورى بينهم، أن يناضلوا من أجل عدم استقلالية القضاء وعدم نزاهته...
أتعرف لماذا ؟ لأنهم أصبحوا يضنون ويعتقدون بل متيقنون أن كل مطلب أو طلب من جهتهم يواجه بضده من طرف الأولياء والصالحين والقائمين على أمر العباد والبلاد...
فالتجربة أبانت أن أولياء القضاء وفطاحلته، "كرم الله وجههم ونفعنا بذكرهم" يفعلون عكس كل طلب يقدم إليهم. لماذا ؟ لأنهم يرون في كل طلب مصيدة وفقدانا لبركتهم ونفحة قدسيتهم وانتقاصا فاحشا لتضلعهم القضائي وفيض علمهم الجياش...
فالأولياء والصالحون في دهاليز القضاء "كرم الله نفعنا بهم" لا يحبون من يوجه لهم النصح أو الطلب المشروع. فهم لا يحتاجون لمن يقول لهم إصلح أو قوم أو ما شابه ذلك من المطالب الشعبية...فهم عارفون لكل شيء، حافظون لكل نص...
ألا تعلم أن أغلب المحامين أصبحوا لا يعملون في الاونة الأخيرة؟ أتعرف لماذا ؟ لأنهم في عطلة ضرورية بأمر وتوجيه من الأولياء والصالحين من دوي السدة العالية...لأنهم ارتكبوا زلة المطالبة بالعمل...وهل تعرف لماذا تدنت أجورهم وطبقتهم وسيأت سيرتهم ؟ لأنهم ارتكبوا خطيئة المطالبة بتحسين وضعهم والرفع من طبقتهم...فأصبحوا في ديارهم عاطلين...وفي تقاعدهم مستجدين...بالمناسبة، اعلم زميلي أن أجر محام بهيئة الرباط بعد التقاعد هي 1000 درهم تقريبا ( 100 أورو)...أفهمت المهزلة والمسخرة التي يوجد فيها المحام...أتعلم لماذا؟ لأنه يريد أن يكون مستقلا وغير خاضع للأولياء والصالحين والشرفاء القضائيين...
وفوق ذلك فكل شيء في بلدنا اصبح مقلوبا ومغلوطا وأصبحنا لا نعي من يحكم من ولماذا وكيف ...
هكذا يا زميلي القاضي، آل وضع المحامي إلى مهزلة حين طالب باستقلال القضاء منذ سنين خلت...
أما أنت وبصفتك المحترمة فلا أعرف بأي قطعة منك سيبد الأولياء والصالحون أكلك حين ستطالب بحقوقك وحق أسرتك القضائية...
الحايل عبد الفتاح EL HAIL Abdelfattah

#الحايل_عبد_الفتاح (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل