أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - حين ينحط جنس الإنسان














المزيد.....

حين ينحط جنس الإنسان


طيب تيزيني

الحوار المتمدن-العدد: 3749 - 2012 / 6 / 5 - 01:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين تحدث مجزرة كالتي وقعت في "الحولة" منذ أيام، يستعيد المرء ما واجهه في إحدى قصص مكسيم غوركي البديعة، نعني الطُّرفة المثيرة التي تجيء على لسان أحد شخوصها، وهي التالية: كان سكان مناطق موجودة في إحدى الغابات، ذوي أصول ذئبية تبرز فيها النبّالة والكرامة والشعور بالحرية. وفي لحظة تاريخية معينة، ينحطّ جنس الإنسان، ليصبح متحدراً من الكلاب! أما أن يحدث ذلك فالحكمة منه الإشارة إلى أن علامة الوجود الإنساني تلتقي مع علامة الوجود الذئبي، نظراً إلى أن الذئب يتحدر -هكذا يقال حسب غوركي- من جنس راق وذي ذكاء خاص، إضافة إلى أنه يترفع على الجِيف وعنها، ويسعى إلى أن تكون منازلاته مع خصومه، كالكلاب، "نظيفة" حتى لو كان هؤلاء ذوي وفاء.

إن مجزرة الحولة تقدم معياراً لكلبية القتلة، يقتلون الصغار والكبار ويستبيحون النساء ثم يقتلوهن، والمأساوي المدوّي هنا يظهر في التعامل مع أطفال في عمر الربيع يواجهون الذبح بالسكاكين والكبار العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم. وهذا الفعل الشائن المُجسَّد بالعار، تلعنه مختلف المرجعيات البشرية، وتلعن فاعليه الذين يوضعون موضع من يجب أن تقتصّ منهم العدالة بصيغها الثلاث المحلية الوطنية والإقليمية والدولية. إن ذلك يجسّد عودة ملعونة إلى عصر الغابات المسكونة من شتى أنواع "الحيوانات" غير المأهولة، ويذكّر بكل أشكال القتل والذبح في تاريخ البشرية الطويل. وبهذه المناسبة، كنت أتمنى أن تُعلن قيادات العالم كله إدانتها الحقيقية والفاعلة لتلك الفعلة الشريرة بحق أطفال سوريين، لا أن يتضامن بعضهم مع القتلة بصمتهم عليهم، خصوصاً أن التحذير من مثل ما جاء على لسان أديب شجاع هو غوركي، يمثل مطلباً وهدفاً لكل من يحمل ضميراً وعقلاً في كل أنماط المجتمعات التي أنتجها البشر.

ما حدث في الحولة الجريحة وفي غيرها هو، بحق، جريمة تلتئم فيها كل عناصر الفظاعة والهول، بحيث إنها تقل الآن أمام العالم كله بصيغة التحدّي. وقد نستطيع القول إن كل من علم من البشر بها ولم يُدنها أو لا يسعى إلى إدانتها، حتى وإن كان في قلبه فهد وحش يمكن أن يكون مشروع قاتل، إذا توافرت له ظروف القتل. وفي هذه المناسبة الهائلة في مأساويتها، يحق علينا أن نذكّر بآية قرآنية رهيفة وبمن علّق عليها وعلى حاضنها القرآني الكبير. لقد جاء في تلك الآية: إن "من قتل نفْساً بغير نفس، فكأنما قتل الناس جميعاً". أما من رأى في تلك الأخيرة وفي حاضنها المعْنى نزوعاً إنسانياً تنويرياً شفيفاً، فهو الشاعر والمفكر الألماني Goethe - غوتة. بل إننا إذا حاولنا النظر إلى اللوحة في شمولها، فسوف يكون مهماً أن نخاطب المؤسسة الدولية (الأمم المتحدة)، معلنين أمامها أن تناول موضوع الحولة يمثل واحداً من أكبر المهمات التي على هذه المؤسسة أن تجعل منه "موضوع مراجعة" لتاريخها منذ 1948 ولِما ينبغي أن تفعله راهناً في سبيل إعادة بنائها قانونياً ودولياً وأخلاقياً وإنسانياً.

إن تباطؤ المؤسسة المذكورة باسم المصالح هنا وهناك من دول العالم، وباسم تحالفات وتواطؤات بين فريق وآخر من الدول المعنية، يؤدي في الحالة التي نحن فيها الآن إلى الإطاحة بحقوق النساء والأطفال والرجال، الذين سقطوا في الحولة وغيرها. وإن هذا كله -مجتمعاً ومؤتلفاً مع حالات أخرى مماثلة في سوريا وبلدان عربية وأجنبية أخرى- يجعلنا نطالب بإعادة تأسيس الأمم المتحدة، وإعادة بيان حقوق الإنسان الصادر عام 1948 إلى قوته وألقه، ونكاد نقول في ضوء ذلك، إن "الربيع العربي" يجب يكون معه عصراً عالمياً جديداً باستحقاقاته ومهماته، مما يسوٌغ الدعوة إلى إعادة بناء المؤسسة الدولية فعلاً، على أساس التوافق مع ذلك.



#طيب_تيزيني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية... وفضح المستور!
- الربيع العربي-... اختبار معقد
- سوريا: الدولة والمجتمع المدني
- المجتمع الدولي وشريعة الغاب
- -الإخوان- بين القداسة والسياسة
- الحكمة ومصير الوطن
- مصير فريد للشمولية الاستفرادية
- من الاستبداد إلى التقسيم
- الدستور السوري... ثلاثة أخطاء
- جدال حول مصدر الأزمة
- تغييب -اللاعب الأكبر-
- دبلوماسية في خدمة الجريمة!
- ليسوا مندسِّين
- الثورة واستحقاقات التعددية
- حين تغيب العقلانية
- تساؤلات لا يحتملها -الاستبداد-
- معضلة النظام الأمني
- من التخلف إلى الاستبداد
- الحرب الطائفية والنظام الأمني
- الاستقواء بالخارج!


المزيد.....




- يوم -الجمعة 13-.. أضاعت ماسة خاتم خطوبتها في المطار ووجدتها ...
- بوتين يقول -أعتقد أن أوكرانيا كلها ملكنا- وكييف تتهمه بـ-ازد ...
- تفاصيل الاتفاق السوري التركي بشأن شمال حلب
- شاهد.. استقبال حاشد للنيجيري صادق بعد عودته إلى بلاده لقضاء ...
- 26 شهيدا بنيران الاحتلال في غزة والمعاناة الإنسانية تتفاقم
- الأمن السوري يعتقل وسيم الأسد في كمين
- سقطت الصخور فوق رؤوس المتنزهين.. فيديو يظهر لحظة انهيار جبلي ...
- انطلاق أسبوع الموضة الرجالي في ميلانو.. وهذه أبرز التوقعات
- تحليل جملة قالها ترامب عن سد النهضة وتأثيره على نهر النيل يش ...
- الأسد والشمس في واجهة حملة إسرائيل الرقمية ضد إيران


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - حين ينحط جنس الإنسان