|
الحرب الطائفية والنظام الأمني
طيب تيزيني
الحوار المتمدن-العدد: 3575 - 2011 / 12 / 13 - 09:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كانت التحولات البنيوية التي لحقت بالمجتمعات العربية منذ سبعينيات القرن المنصرم، قد حملت وشم نُظم أمنية تقتات من كل حالة أو ظاهرة تدخل في خانة الفساد والإفساد. وحيث يكون الأمر كذلك، فإن سادة النظام الأمني العربي يجدون أنفسهم في حِلّ من مهمات مواجهة الشعب، لأن هذا الأخير هو الذي يقوم بمواجهة من يثور عليهم، في هذه الزاوية الخبيثة يكتشف الباحث تلك القوة "الاستثنائية"، التي يحتمي النظام المذكور وراءها، ناهيك عن القوة الأمنية الصريحة التي يوظفها في خدمته بكيفية يضفي عليها "شرعية المؤسسات" المدافعة عن الوطن في وجه "العدو"، هذا ما نواجهه في الأحداث الكارثية، التي تعيشها سوريا الآن وجدير بالاهتمام أن تلك القوة الأمنية تقوم بدورها حيال الطوائف، التي يجيّشها النظام، أما عملية التجييش التي تبرز هنا فتستند على قاعدة حاسمة هي: ضرب الطوائف بعضها ببعض عبر تلفيق تناقضات زائفة ولكن خطيرة. أما الوظيفة الحاسمة التي على عملية التجييش تلك أن تنجزها، فتتحدد في نقل مسرح الصراع من ثنائية "الشعب - النظام" إلى ثنائية "الطائفة هذه- الطائفة تلك". ولما كانت البنية الديموغرافية للشعب السوري تقوم على التعددية الطائفية والاثنية والقومية والمذهبية والدينية (وهذا ما اعتُبر ثروة وغنى على الصعيد الثقافي في تاريخ الشعب السوري)، فقد وجد مفكرو النظام المذكور أنهم أمام مخزون ضخم لنقل الصراع القائم بينه وبين الشعب إلى صراع بين الطوائف التي يمثل عددها الموزَّع على المجتمع السوري إشارات محتملة لمواقع قوة تخدمه وتعطيه حالات احتياطية من القوة. وفي هذا السياق، كان أولئك المفكرون قد اكتشفوا أن الموقع الأكثر حسماً في صراع طائفي سوري هو ذلك الذي يجب أن يشتعل بين الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها هو من طرف، وبين الطائفة السنية التي تمثل الأكثرية الديموغرافية. لقد اعتقد مهندسو الصراع الطائفي السوري أنه سيقلب مراكز القوى، إذا نجح. لمَ لا؟ فبدلاً من تلاحم القوى السورية التي تعاني من الفقر والإفقار والإذلال والفساد والإفساد، ضد النظام الذي أنتج مظاهر البؤس هذه على امتداد أكثر من أربعين عاماً، يجب خلق جبهات بين السنيين والعلويين والمسيحيين والدروز وغيرهم، مع التركيز على تخويف العلويين من السنيين، وجعلهم يعتقدون أن من يحميهم أنما هو النظام ذاته. وعلى هذا الطريق، تشتعل سوريا بصراعات طائفية تفتح الأبواب أمام "الأخيار" في أوروبا وأميركا وروسيا، لتكوين "سايكس - بيكو" جديدة. لكن على العكس من ذلك، يكتشف الشعب السوري، بكل مكوناته، أنه قوي حقاً بقدر ما يمثل حالة من الوحدة الوطنية يكون أفراد كل تلك المكونات فيها مواطنين سوريين لهم حقوق وعليهم واجبات لا ينسل منها أحد. والأمر ذو الأهمية التاريخية والراهنة القصوى يقوم على أن سوريا لم تعرف من الصراعات الطائفية إلا ما حاول أعداؤها في الداخل والخارج إقحامها فيها. ومعروف أن رموز الطوائف الوطنيين كانوا دائماً يؤكدون على الوحدة السورية ضمن مجتمع مدني وطني حر. وهذا ما أكد عليه أمثال صالح العلي وإبراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش وفارس الخوري وآخرون كثيرون. الصراعات الطائفية هي طريق معبّد لتفتيت المجتمع السوري أولاً، ولفتح الأبواب أمام التدخل الخارجي ثانياً، وللإطاحة بحلم الوحدة القومية ثالثاً، وهذا هو ما يجسد فكرة فوكوياما في إخراج سوريا والعالم العربي برمته من التاريخ.
#طيب_تيزيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستقواء بالخارج!
-
-الربيع العربي- والمسار الفلسطيني
-
موقف أوباما: هذا ما يغضبنا
-
الطبقة الوسطى والانتفاضات
-
الأيديولوجيا : المواقف والمعارف
-
الحروب والمنظومات الأخلاقية
-
الدولة المدنية والإسلاميون
-
المسار التاريخي العربي
-
الإصلاح والسلاح
-
الاستبداد والوعي التاريخي
-
كلمات في عمل جدير بالقراءة
المزيد.....
-
زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
-
دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما
...
-
الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
-
شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
-
اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا
...
-
بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس
...
-
إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
-
دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با
...
-
مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
-
هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|