أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - من التخلف إلى الاستبداد














المزيد.....

من التخلف إلى الاستبداد


طيب تيزيني

الحوار المتمدن-العدد: 3582 - 2011 / 12 / 20 - 09:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



منذ عشرة أشهر وحين بدأت الشرارة الشبابية في سوريا، أبدى مجموع من الشباب والمواطنين والمراقبين دهشتهم مما بدأ يبرز، خصوصاً في العاصمة. وكان آخرون في بلدان عربية قد عاشوا المأساة البطولية، التي قدمها الشاب "بوعزيزي" في تونس. وكان سؤال كبير يطرح نفسه في الرأي العام العربي، بعد هذا الحادث: ما هو الاستثنائي الخطير، الذي جرى تناقله بتونس وبعده في سوريا "بسوق الحميدية" الشهير في دمشق؟ وكانت أحداث مصر الانتفاضية قد أعلنت شرارتها؟ لم يطل الأمر، حتى بدأ الناس يكتشفون ما هو في طور البحث عنه، لقد عرفوا أن ما يصنع الكائن الإنساني إنساناً بعد أن أنجز الاستحقاقات الثلاثة الكبرى، والانتقال إلى وضعية العمل وتطور الدماغ، إنما هو الكرامة الإنسانية. وهنا ظهرت الشعلة الحمراء التي خطها "بوعزيزي" في تونس، والبائع الجوال في دمشق الذي اهتز كيانه احتجاجاً بعد إهانة شرطي له.

كان ذلك الذي قصم ظهر البعير، والذي أعاد للبشرية التفكير بما هي هذه الكرامة. وعبر تجارب واسعة وحوارات مستفيضة، راح البشر يتلمّسون أهمية الثالوث التالي في حياتهم: الحرية والكفاية المادية والكرامة. ذلك أنه اتضح أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل إن الحرية والكرامة تكوّنان الشرط الذي يسمح أن كل الخبز في سياق الحفاظ على إنسانيته، دون قيود، إن غياب الوعي التاريخي الإنساني جعل النظم الاستبدادية العربية تُبدي دهشتها من خروج الشباب إلى الشارع، فراحوا يعِدون بالقيام بإصلاحات اقتصادية مادية. أما أولئك فأعلنوا أن كرامتهم وحريتهم هما ما يتظاهرون من أجله أولاً، بحيث يبرز شعار الكفاية المادية في هذا السياق.

لم يكن يماري أحد في أن العالم العربي "متخلف" وفي أنه صُنف في "العالم الثالث"، ولكن لم يكن أحد يفصل الحرية والكرامة عن الكفاية المادية. ها هنا يأتي "استبداد النظام الأمني" الذي يعيد ترتيب الأشياء والقيم وفق أولوياته. إذ من أجل أن يهيمن هذا النظام في البلدان العربية (وسوريا من ضمنها)، كان يجب منذ البدء أن يحاصَر الشعب السوري (نموذجاً) في الأقاليم الثلاثة المذكورة آنفاً. من هنا، برزت الوظيفة الحاسمة القائمة على ضرورة أن يُفسد من لم يُفسد بعد، بحيث يصبح الجميع ملوّثين.

وقد اقتضى ذلك ألا يتوقف الأمر عند "التخلف" ذي المصادر التاريخية والراهنة، بل أن يمتد إلى حلقة أخرى قصوى، هي التنويه بأن "التخليف" يقف على رأس أولويات النظام الأمني. وانطلق هذا الأخير -في سياق ذلك- باتجاه التحول إلى حالة أبدية تتم، بمقتضاها، مهمات تأسيس "دولة الملفات الأمنية"، التي تُنهي كل مظاهر الحرية والكرامة، لكن التي تحافظ على حدّ ما من الكفاية المادية، إنما عن طريق الفساد والإفساد بكل احتمالاتهما: إلى امتلاك ثروة البلد التي تتضمن كذلك ثروات الأفراد، فإلى المخدرات، مع تأكيد قاطع على سلطة مرجعية حزبية واحدة يُزعم أنها تمثل الجميع. وكل من يقف في وجه هذه الاستراتيجية، يعلن نفسه "معادياً للأمة وواحداً مِمّن يوهّن وجودها ومصائرها التاريخية".

إن تحويل سوريا من بلد متخلف إلى بلد مخلَّف، يمثل استراتيجية تدميرية، وعلى هذا الأساس، كان قانون الاستبداد الرباعي (في السلطة والثروة والإعلام والمرجعية) القوة القصوى الفاعلة باتجاه ذلك التخليف: بطالة هائلة متصاعدة، وثروة وطنية مسروقة، وفتح ملفات النساء المنظمات، للعيش وللقيام بخدمات أمنية، وتصدع وتفكك في مؤسسات "الدولة"، والعمل الدائم على توليد صراعات طائفية ودينية ومذهبية وإثنية وقومية...إلخ، وإلا، كيف تعلن جماعة أنها باقية للأبد، بعيداً عن المساءلة والمراقبة والضبط! وقد لوحظ كيف راح رؤوس تلك "الدولة" وأعوانها يعلنون، إن الذي يحدث في البلدان العربية المنتفضة ما هو إلا "مؤامرة خارجية"، تدبرها الإمبريالية خصوصاً ضد بلدان المقاومة والممانعة، مستكثرين على "غلابا الوطن" أن ينتفضوا وأن يعلنوا نهاية العذابات.



#طيب_تيزيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب الطائفية والنظام الأمني
- الاستقواء بالخارج!
- -الربيع العربي- والمسار الفلسطيني
- موقف أوباما: هذا ما يغضبنا
- الطبقة الوسطى والانتفاضات
- الأيديولوجيا : المواقف والمعارف
- الحروب والمنظومات الأخلاقية
- الدولة المدنية والإسلاميون
- المسار التاريخي العربي
- الإصلاح والسلاح
- الاستبداد والوعي التاريخي
- كلمات في عمل جدير بالقراءة


المزيد.....




- بيومي فؤاد يبكي بسبب محمد سلام: -ده اللي كنت مستنيه منك-
- جنرال أمريكي يرد على مخاوف نواب بالكونغرس بشأن حماية الجنود ...
- مسجد باريس يتدخل بعد تداعيات حادثة المدير الذي تشاجر مع طالب ...
- دورتموند يسعي لإنهاء سلسلة نتائج سلبية أمام بايرن ميونيخ
- الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو يطلب إذن المحكمة لتلبية دع ...
- الأردن يرحب بقرار العدل الدولية إصدار تدابير احترازية مؤقتة ...
- جهاز أمن الدولة اللبناني ينفذ عملية مشتركة داخل الأراضي السو ...
- بعد 7 أشهر.. أحد قادة كتيبة جنين كان أعلن الجيش الإسرائيلي ق ...
- إعلام أوكراني: دوي عدة انفجارات في مقاطعة كييف
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض هدف جوي فوق الأراضي اللبنانية


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - من التخلف إلى الاستبداد