أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - ليسوا مندسِّين














المزيد.....

ليسوا مندسِّين


طيب تيزيني

الحوار المتمدن-العدد: 3624 - 2012 / 1 / 31 - 00:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كنا في المقالة الأخيرة قد طرحنا فكرة "المؤامرة الخارجية" بوصفها تحديداً لما يحدث في سوريا منذ أكثر من أحد عشر شهراً. وحين توضع المسألة في هذا الموضع، فإن الكرة تكون قد أخرِجت من حاضنتها السوسيوثقافية والقضائية والسياسية. ومن أجل ضبط هذا الأمر، نواجه سؤالاً عن طبيعة تلك الفئات الثلاث، التي حددناها بالمندسين والإخوان والسلفيين، والتي يعتبرها النظام في سوريا "مصدر المؤامرة الخارجية" المذكورة. ها هنا، نعود إلى مرحلة ما بعد الوحدة الفاشلة بين سوريا ومصر عام 1958، لنكتشف أن فشل هذه الوحدة تأتّى من سحب القوة الاجتماعية والسياسية والثقافية من كِلا البلدين سوريا ومصر، قبل الدخول في التوحيد بينهما، وذلك عن طريق إلغاء السياسة والمجتمع السياسي والتعددية الحزبية الديمقراطية. فبقي المجتمعان السوري والمصري حقلين جيو -سياسيين قابلين للاختراق والتفكيك من الداخل والخارج، بل من الداخل أولاً، وهذا ما حدث في سوريا، حين راحت قوى عسكرية تنشط من أجل الاستيلاء على السلطة بكيفية انقلابية.

تمَّ ذلك في عام 1963، حين جاءت قوى عسكرية وأحدثت انقلاباً أعلنت في سياقه الأحكام العرفية (التي لا تزال قائمة عملياً حتى الآن). وجاءت الخطوات الأخرى التي أطاحت بمظاهر المجتمع المدني، على ضعفها، وأسست معها لـ"سلطة شمولية" يقود فيها الحزب الواحد الدولة والمجتمع. وهذا كان بداية التأسيس لنظام أمني يُختزل شيئاً فشيئاً إلى "حكم أقلية" تعلن قداستها، التي تتجسد بكونها فوق التاريخ وغير قابلة للمسِّ، هكذا إلى الأبد! إنها أقلية (أوليغارشية" تجد مرجعيتها ليس في دستور أو قانون، بل في "نبالتها الأبدية"، دون سؤال أو مساءلة. ومع تتابع الانكسارات الوطنية في حقول التنمية السوسيو اقتصادية والسياسية والإنتاجية بحدودها وآفاقها الاستراتيجية، كما في الحقول الوطنية الخارجية الحاسمة، يتحول البلد إلى"سلعة دائرة" أمام الجميع لسرقتها.

وجاءت مرحلة السبعينيات، وتحويل كل ما يتحرك في البلد إلى سلعة. وأتت عملية تفكيك "الأحزاب السياسية" عبر ضبطها بـ"جبهة وطنية تقدمية" وراح الخراب يتوزع يميناً وشمالاً، لينتهي إلى "حطام". أما الضوابط التي راحت تُمسك بكل شيء في البلد، فقد تبلورت في دولة أمنية، وكان من نتائج ذلك، انشطار المجتمع الداخلي إلى الساحة، سادة المال والجاه والحيازات الهائلة من طرف، وإلى جموع من البشر الهوام الذين راحوا يفتقدون الحد ما قبل الأدنى من الكفاية المادية والحرية والكرامة، من طرف آخر. وشيئاً فشيئاً اتضح أن وطناً حقيقياً بحدٍ أولي لا يمكن أن ينشأ بمواطنين لا يملكون حتى أجسادهم. وهنا نتذكر ما كتب "الكاتب المصري القديم، سنوحي، حين وصف الجموع الكبيرة من الفقراء والمُفقرين والمذلَّين المُهانين فقال: إن الواحد كان يبحث عن حفرة -قبر له، دون أن يتاح ذلك له، إن كل شيء أصبح من ممتلكات السادة وأعوانهم. هكذا وعبر عملية منتظمة مُنسّقة، تحول الناس إلى هوام.

ما الذي أنتج ذلك كله؟ لم يُنتج إلا ما عليه أن ينتجه: بشر يذكِّرون بـ"البشر الذئبيين"، ومن ثم، فإن ظهور المندسِّين، الذين يُعلن إنهم هم الذين يقودون "المؤامرة الخارجية" الكبرى ضد الوطن، إلا تعبيراً عن أولئك الذين استباحوا الوطن. ومن أجل فهم هذه المجموعة الثلاثية، ينبغي الإشارة إلى أن هذه الأخيرة إن كانت تتمثل بأنماط من الناس، فإن هؤلاء قد ولدوا في بلد لم يتح لهم أن يكونوا بشراً أحراراً بكرامة وعمل، فبحثوا عن حلول لم يجدوها أبداً. أما شباب الوطن فهم الذين كانوا على موعد عبر فتح التاريخ العربي، الذي بدا كأنه حقاً قد انتهى إلى نهاياته. وهذا ما يذكرنا بما كنا نحن آباء أولئك الشباب قد وقعنا فيه من سوداوية سياسية ونفسية وأخلاقية يائسة من الأبواب التاريخية، حتى جاء فاتحو التاريخ الجديد وراحوا يهيئون لولادة جديدة للوطن.



#طيب_تيزيني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة واستحقاقات التعددية
- حين تغيب العقلانية
- تساؤلات لا يحتملها -الاستبداد-
- معضلة النظام الأمني
- من التخلف إلى الاستبداد
- الحرب الطائفية والنظام الأمني
- الاستقواء بالخارج!
- -الربيع العربي- والمسار الفلسطيني
- موقف أوباما: هذا ما يغضبنا
- الطبقة الوسطى والانتفاضات
- الأيديولوجيا : المواقف والمعارف
- الحروب والمنظومات الأخلاقية
- الدولة المدنية والإسلاميون
- المسار التاريخي العربي
- الإصلاح والسلاح
- الاستبداد والوعي التاريخي
- كلمات في عمل جدير بالقراءة


المزيد.....




- أفغانستان: حكومة طالبان تكافح الجفاف بانشاء قناة على نهر أمو ...
- إسرائيل - إيران: من الحرب المفتوحة إلى حرب الظل
- طهران تنفي العودة إلى محادثات جديدة مع واشنطن
- بعد ثلاثين عاما من الصراع : اتفاق سلام بين الكونغو الديمقراط ...
- نجل أحد الرماة السنغاليين يرفع دعوى قضائية ضد فرنسا بتهمة إخ ...
- بزشكيان يدعو لوقف -التساهل- مع إسرائيل
- الاتحاد الأوروبي: عنف المستوطنين بالضفة يجب أن يتوقف فورا
- حماس تطالب بتحقيق دولي في قتل المجوعين بعد تقرير هآرتس
- عاجل | كاتس: وجهت الجيش لإعداد خطة بشأن إيران تضمن الحفاظ عل ...
- شاهد لحظة إضرام رجل النار داخل مقصورة مترو أنفاق مزدحمة بالر ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - ليسوا مندسِّين